معتقلون للأبد: آلة الحبس الاحتياطي تعمل ذاتيا

14 مايو 2018

تحقيق: محمد حمامة
مدى مصر– طوّر إسلام نظام تقويم جديد خلال فترة حبسه. وحدات هذا التقويم تستند إلى الفترة الاعتيادية التي تصدر خلالها قرارات الحبس؛ 45 يومًا. تبدأ دورة التقويم مع صدور قرار الحبس. عدّ تصاعدي: اليوم اﻷول، الثاني وحتى اليوم الثلاثين. وقبل 15 يومًا من انتهاء الفترة، يتحول العد التصاعدي إلى تنازلي في ترقب لموعد جلسة التجديد المقبلة. خمسة عشر يومًا، أربعة عشر يومًا، وصولًا إلى يوم واحد.

استمر حبس إسلام احتياطيًا قرابة 14 شهرًا منذ أُلقي القبض عليه خلال مظاهرة يوم الجمعة 24 يناير 2014، عشية الذكرى الثالثة للثورة. اتُهم بالتظاهر، لكن النيابة قرّرت إسقاط التهم المسندة إليه وحفظ القضية لعدم كفاية اﻷدلة. تطلب اﻷمر 14 شهرًا من الحبس، وندبات نفسية لا تُمحى حتى يتوقف عن العد.

كانت تهمة التظاهر السبب في حبس أكثر من 10400 حالة رصدها هذا التحقيق، حيث توزّع المحبوسون على حوالي 1600 قضية تظاهر بين نوفمبر 2013 -تاريخ إقرار قانون التظاهر- وحتى ديسمبر 2016.

ارتفع عدد المتهمين في ذروة المواجهات مع جماعة الإخوان المسلمين (نهاية 2013) وذكرى الثورة (2014 و2015)، بينما انخفض في فترات «الهدوء السياسي» اللاحقة. لكن ميل النيابة العامة نحو الحبس احتياطيًا ظل مرتفعًا حتى خلال فترات هذا الهدوء.

وتشير نتائج هذا التحقيق إلى اعتماد الحبس الاحتياطي كآلية لمعاقبة المعارضين السياسيين بعد إلغاء الاعتقال الإداري، وترسيخ قاعدة قضائية بيروقراطية تسمح باستمرار هذه الآلية والتوسع في استخدامها بغض النظر عن سخونة الوضع السياسي. [يمكن تحميل قاعدة البيانات والمنهجية التي استند إليها التحقيق من هنا]

يعمل إسلام (اسم مستعار، بناء على رغبته) في إحدى الوزارات. متزوج وله أربعة أبناء؛ ثلاثة أولاد وبنت. لا يوجد في مظهره ما يميزه سوى لحية تشي بانتماء إسلامي واضح.

تخرج في كلية التجارة بجامعة القاهرة أواخر تسعينيات القرن الماضي. حصل على وظيفته، ثم تزوج. كانت حياته عادية حتى أصيبت ابنته الكبرى بمرض تسبّب بوفاتها. «من هنا بدأت أعيد حساباتي تاني، بدأت أقرأ»، يقول إسلام، «زي أي واحد لما يحصل له حاجة يبدأ يفكر تاني: الالتزام هو إيه؟ التدين شكله إيه؟».

تقتصر معظم قراءات إسلام على مجالات الدين. يحفظ القرآن، وينطق مخارج الحروف العربية بدقة. لا يدعّي أنه فقيه، لكنه يملك ثقة كافية تسمح له بتقديم النصح للآخرين. يفكّر في كلماته، ويميل إلى استخدام المجاز للتعبير عن أفكاره.

بدأ في استكشاف خارطة التنظيمات والتيارات اﻹسلامية أوائل اﻷلفية الثالثة. البداية كانت مع جماعة اﻹخوان المسلمين، لكنّه تجاوزها سريعًا وقرّر عدم الارتباط بأي تيار إسلامي دون أن يعادي أيًا منها.

شارك إسلام في عدّة مظاهرات بعد اﻹطاحة بالرئيس اﻷسبق محمد مرسي، القيادي الإخواني. آخر مشاركاته كانت في حي مدينة نصر بعد صلاة الجمعة 24 يناير 2014. أثناء عودته إلى منزله أوقفته سيارة يستقلها مواطنون. استدعى هؤلاء الشرطة التي ألقت القبض عليه مباشرةً، فانضمّ إلى حصيلة المقبوض عليهم عقب مظاهرة ذلك اليوم.

خلال تلك الفترة، كانت المواجهة السياسية على أشدّها بين السلطة الجديدة والقوى السياسية المؤيدة لحكم اﻹخوان. أكثر من ثلاثة آلاف حالة حبس في قاعدة بيانات التحقيق سُجِّلت بين نوفمبر 2013 ومارس 2014.

حضرت النيابة إلى قسم الشرطة للتحقيق مع إسلام وزملائه. استمر التحقيق دقائق معدودة أجاب خلالها عن سؤالين حول مشاركته في المظاهرة واستخدامه عبوات مولوتوف قالت الشرطة إنها ضُبطت بحوزته. لم يشعر إسلام بالحرج في إنكار الاتهامات كافة. يؤكد أنه لم يكن يعرف شيئًا عن «أحراز» (مضبوطات) النيابة، شارك في تلك المظاهرة بالفعل، لكنه لم يقبض عليه متلبسًا في محيطها. لكن، وكما في معظم الحالات، قرّرت النيابة حبسه احتياطيًا 15 يومًا.

استمر اﻷمر على هذا المنوال؛ تحقيق موجز، ثم قرار بالحبس. مرّت الأشهر اﻷولى، وعُرضت قضيته على محكمة جنح مستأنف، ثم على محكمة الجنايات. لا جديد.

خلال حبسه الذي استمر 14 شهرًا، نظرت الجهات القضائية بكافة درجاتها؛ من النيابة وحتى محكمة الجنايات، أمر تجديد حبس إسلام. واستمرت تلك الجهّات في حبسه حتى أُسقطت الاتهامات وحفظت القضية لعدم كفاية اﻷدلة.

على غرار إسلام، قرّرت النيابة العامة حبس 95% من الحالات التي شملها هذا التحقيق مرّة واحدة على الأقل. وتجدد حبس 97% من هذه الفئة أكثر من مرة.

لا تتوفر أرقام رسمية لعدد المحبوسين احتياطيًا في مصر. لكن رئيس لجنة حقوق اﻹنسان في مجلس النواب علاء عابد يقدّر هذا الرقم حتى يناير 2018 بـ25 إلى 30 ألفًا من إجمالي عدد السجناء الذي يقارب 65 ألفًا. يتماهى هذا الرقم مع تقديرات وكيل اللجنة علي بدر الذي يشير إلى أن 60% من النزلاء الحاليين في السجون محبوسون احتياطيًا، بينما لم تتعدَ النسبة 10% عام 2006، خلال حكم حسني مبارك، وفق تقرير للمركز الدولي لدراسات السجون.

اتسعت ظاهرة الحبس الاحتياطي في مصر منذ أواخر 2013 حتى أصبحت معضلة ﻷجهزة الحكم ذاتها. وتراوحت نسبة المتهمين الذين قررت النيابة حبسهم مرّة على اﻷقل من 75% في أحسن الحالات إلى 99% في أسوئها بين أواخر 2013 و 2016. ويتضح أثر التوجه السياسي العام عند مقارنة الفارق بين نسب الحبس الاحتياطي في قضايا المظاهرات السياسية وفي المظاهرات المطلبية، رغم كونهما مخالفة قانونية واحدة. تصل النسبة في الحالة الأولى إلى 95%، فيما تنخفض إلى 56% في الثانية.

بديل الاعتقال اﻹداري

رغم تفاقم استخدام الحبس الاحتياطي بعد اﻹطاحة بمرسي منتصف 2013، لكن هذا التوجه لم يتحول إلى أزمة تشغل قطاعًا من الرأي العام إلا أواخر 2015، بعد استمرار حبس عدد كبير من المتهمين رغم انقضاء فترة الحدود القصوى لحبسهم. اضطرت السلطات لاعتماد الحبس الاحتياطي بعد أن فقدت أداة الحبس الأساسية التي استُخدمت تاريخيًا في مواجهة المعارضين السياسيين: قرارات الاعتقال اﻹداري.

خلال حكم مبارك، كان قانون الطوارئ يسمح لوزير الداخلية بإصدار قرارات اعتقال دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. وكان الرئيس اﻷسبق يستخدمها باستمرار ضد معارضيه السياسيين. آنذاك، كان اﻷمر أكثر سهولة: «[في] قرارات الاعتقال لا [يوجد] محام ولا عرض نيابة»، تتذكر هدى نصر الله، المحامية في برنامج العدالة الجنائية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

لكن ذلك لا يعني أن الحبس الاحتياطي لم يكن ضمن أدوات السلطة في التعامل مع السياسيين. تشير تقارير حقوقية نُشرت إبان حكم مبارك إلى وجود انتهاكات بخصوص سجناء سياسيين في ما يتصل بحبسهم احتياطيًا. ‎لكن اللافت أن معظم الانتهاكات وقعت خلال مدد حبس قصيرة لم تتخطَ بضعة أشهر.‎

يرى أحمد عزّت، المحامي والباحث في «منظمة العفو الدولية»، أن نظام مبارك كان يعتمد على استراتيجيتين أساسيتين في إدارة الحكم: اﻷولى يسميها «دولة القانون» تحاول الاستناد إلى معايير قانونية في معاملاتها، والثانية «دولة الصلاحيات»، التي تُمكنّ السلطة من تطويع الأدوات القانونية الاستثنائية للبطش بمعارضيها إذا دعت الحاجة السياسية إلى ذلك. وكان نظام مبارك يستند إلى مزيج متوازن بين الاستراتيجيتين: الاعتقال اﻹداري كأداة «دولة الصلاحيات»، مقابل الحبس الاحتياطي كأداة «دولة القانون».

وفي سياق الحفاظ على هذا التوازن والاستجابة للضغوط السياسية الداخلية والخارجية، أدخل مبارك في عامي 2006 و2007 إصلاحات على النصوص المرتبطة بالحبس الاحتياطي في قانون اﻹجراءات الجنائية، بحيث وضعت حدودًا قصوى لحبس المتهم احتياطيًا.

وفق التعديلات الجديدة، لا تتجاوز فترة الحبس الاحتياطي ستة أشهر في حالات الجنح، و18 شهرًا في قضايا الجنايات، ترتفع إلى سنتين إذا كانت عقوبة هذه الجناية اﻹعدام، بحسب نص المادة 143 من القانون. الاستثناء الوحيد كان إذا صدر حكم بالإعدام في المحاكمة اﻷولى، فيمكن حبس المتهم احتياطيًا دون حد أقصى في حالة قبول النقض على الحكم أو إعادة المحاكمة.

لم تؤثر تلك التعديلات على أداة الاعتقال اﻹداري وقتما دعت الحاجة. لكن حالة الطوارئ التي سمحت به أُلغيت في 2 يونيو 2012، وأصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية بعض الصلاحيات الواردة في قانون الطوارئ، من بينها الاعتقال اﻹداري. صدر هذا الحكم قبل شهر من اﻹطاحة بمرسي، رغم أن المحكمة كانت تنظر هذا الطعن منذ عام 1993.

تعتقد المحامية هدى نصر الله أن حكم المحكمة الدستورية كان يستهدف مواجهة مرسي وجماعة اﻹخوان. لكن، وبعد التمكن من اﻹطاحة به، أصبح عقبة أمام السلطة الجديدة. أُغلق باب الاعتقال اﻹداري نهائيًا، ولم يبقَ سوى المسار القانوني الطبيعي: العرض على النيابة خلال 24 ساعة من بدء الاحتجاز، ثم توجيه الاتهامات، والسير في مسارات التحقيق والتقاضي. بحسب تعبيرها، «أحرز النظام في نفسه هدفًا».

يضيف عزّت أن الحكومات بعد مرسي توصلت إلى قناعة بأن استراتيجية التوازن بين «دولة القانون» و«دولة الصلاحيات» كانت سببًا رئيسيًا في اندلاع ثورة يناير 2011. من وجهة نظر السلطة، فإن المجال الذي كانت دولة القانون تسمح به تسبّب في تحويل شرارة الحراك السياسي قبل الثورة إلى قنبلة انفجرت في وجهها.

ولذلك، يرى عزّت أن السلطة قرّرت التوسع في الاعتماد على «دولة الصلاحيات» لإعادة فرض السيطرة التي فقدها النظام بعد الثورة، وبالتالي تخلّت عن التوازن بين «القانون» و«البطش» الذي اعتمده مبارك. وظهرت تجلّيات التوجه الجديد في إقرار قانون التظاهر في نوفمبر 2013، والذي قيّد عمليًا حق المواطنين في التظاهر والاحتجاج، وتسبّب في حبس الآلاف منهم.

تعاملت السلطة مع أدوات الواقع الجديد. في سبتمبر 2013، أدخل المستشار عدلي منصور -الرئيس المؤقت حينها- تعديلًا على المادة 143 من القانون أضاف عقوبات المؤبد إلى اﻷحكام باﻹعدام كحالة يمكن عندها حبس المتهم احتياطيًا دون حدّ أقصى، في حال قبول النقض على الحكم أو إعادة المحاكمة. جاء ذلك التعديل لأن عقوبة المؤبد أكثر شيوعًا في حالات التهم السياسية من عقوبة اﻹعدام، وفق نصر الله.

مناخ سياسي يخلق واقعًا بيروقراطيًا

شهدت مصر نشاطًا احتجاجيًا كبيرًا مع بداية الربع الثاني من عام 2016 (أبريل-يونيو). في تلك الفترة، واجه الرئيس عبد الفتاح السيسي أكبر تحدّ سياسي خلال ولايته اﻷولى. اشتعلت حماسة وطنية وسياسية احتجاجًا على موافقة مصر على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية. تبع ذلك أحكام للقضاء اﻹداري بعدم جواز نقل تبعية الجزيرتين، ما تسبب في تعقيد المشهد.

انتهت المعركة آنذاك في مصلحة حكم السيسي بإقرار البرلمان للاتفاقية مع السعودية، وإبطال المحكمة الدستورية للأحكام القضائية التي صدرت بحقها. لكن عودة النشاط السياسي للشارع -ولو لبعض الوقت- كانت مقلقة للسلطة.

وعلى الرغم من هذا، تراجعت نسب الحبس الاحتياطي بواقع الثلث؛ من 87% في الربع الأول من عام 2016 إلى 58% خلال الربع الثاني من العام ذاته.

يرى عزت أن أزمة تيران وصنافير كانت خصوصية الطابع. اصطدمت تلك القضية بصميم الخطاب الوطني الرسمي للدولة وللرئيس السيسي، الذي قدّم نفسه حاميًا للدولة والوطن من المؤامرات التي تحيق به. ولذلك، تردّدت أجهزة الحكم في اللجوء إلى القمع الشديد، وفق عزّت.

التوجه نحو التهدئة يصبح لافتًا عند مقارنة نسب الحبس الاحتياطي في القضايا المتصلة بمظاهرات تيران وصنافير بغيرها من قضايا التظاهر خلال هذه الفترة. كانت نسبة الحبس الاحتياطي في الأولى 52%، بينما تجاوزت في غيرها 90%.

 

تلك التهدئة لاحظتها أيضًا نصر الله في سياق عملها: «في تيران وصنافير [كان] الحبس أقل، كانوا [المتهمون] بيتحالوا جنح [وليس جنايات]، وكان الميل أكبر للغرامات المالية». يوافقها في الرأي مختار منير، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير. الذي يؤكد أن قرارات الحبس أو إخلاء السبيل في قضايا تيران وصنافير كانت تأتي من مكتب النائب العام بشكل مركزي وليس من وكلاء النيابة. وبذلك تحولت قرارات الحبس الاحتياطي وتجديدها في القضايا السياسية إلى قاعدة، وانخفاضها إلى استثناء.

كما تسبب التدخل السياسي في إجراء تغييرات بيروقراطية أسهمت في تفاقم ظاهرة الحبس الاحتياطي. في ديسمبر 2013، خصّصت محكمة استئناف القاهرة ست دوائر في محاكم الجنايات للنظر في «قضايا الإرهاب وأحداث العنف المنظم» بهدف «سرعة الفصل والإنجاز فيها». وتنعقد الدوائر الست داخل مقر أكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة ومعهد أمناء الشرطة بطرّة فقط بدلًا من مقارها الأصلية.

لكن تخصيص دوائر لقضايا اﻹرهاب، للنظر في قرارات تجديد الحبس أو في موضوع القضية بعد إحالتها من النيابة، تسبب بتكدس هائل في القضايا. يرسم مختار منير صورة أوضح لمشكلة «التكدس»، وعلاقتها بجلسات تجديد الحبس. يقول إن «عدد القضايا التي تخرج من نيابة أمن الدولة في جلسة يوم واحد قد تصل إلى ثمانِ قضايا. يعني ذلك عشرات المتهمين؛ لكل منهم ملف يحوي عشرات اﻷوراق». ويفترض بالقاضي «قراءة كل منها، وتحديد موقفه من تجديد الحبس أو إخلاء السبيل لكل هؤلاء. هذا إلى جانب جلسات القضايا اﻷخرى»، لافتًا إلى أن «كل جلسة تستغرق ساعة واحدة فقط للنظر في حبس الجميع دون فرصة فحص كل حالة على حدة».

كما تظهر البيانات أن أكبر نسبة من قرارات إخلاء السبيل تصدر عن المحاكم التي تنظر موضوع القضية، وليس من أي من الجهات القضائية التي تسبقها بمختلف درجاتها. بحسب نتائج البحث، أُحيل 6800 من نحو عشرة آلاف وأربعمئة متهمًا إلى المحاكمة أثناء حبسهم. يعني ذلك أن قرارات إخلاء السبيل تصدر غالبًا من المحاكم التي تنظر القضية نفسها، وليس من الجهات القضائية التي تنظر قرار تجديد الحبس.‎‎

تضيف المحامية هدى نصر الله بُعدًا آخر. يتأثر أعضاء في الهيئات القضائية بتوجهات السلطة، وبالتالي تتأثر قراراتهم، خصوصًا في ظل حال الاستقطاب السياسي الهائلة التي تشهدها البلاد، حسبما تقول نصر الله. وترى أن المنطق السائد في نظر قرارات تجديد الحبس هو: ربما لا توجد خطورة في إخلاء سبيل المتهم، لكن اﻷكيد أنه لا ضرر من حبسه «احتياطيًا».

وبذلك، أفضى المناخ السياسي بعد 30 يونيو 2013 إلى فرض قرارات حبس شبه ذاتية: لا ترتفع نسبها نتيجة تدخل سياسي بالضرورة لأن الأجهزة القضائية تقوم تلقائياً بذلك.

يتضح تأثير التداخل السياسي والبيروقراطي عندما تُسفر صدفة التوزيع البيروقراطي عن عرض قرارات تجديد الحبس على دوائر جنايات عادية -أقل تشدّدًا- وليس أمام دوائر الإرهاب. لا تتوافر بيانات إحصائية عن الفارق بينهما، لكن المحامين الذين قابلناهم يتفقون على أن احتمال إخلاء سبيل المتهم يتضاعف إذا تصادف نظر تجديد الحبس أمام دائرة جنايات عادية وليس دائرة إرهاب، أو أمام قضاة معروفين بانحيازاتهم لصالح السلطة. يعرف المحامون ذلك، ويحاولون اختيار مواعيد التقدم بالاستئناف ضد قرارات الحبس لتتوافق مع مواعيد قضاة بعينهم يعرفون أنهم على اﻷرجح سيطلقون سراح المتهم. أحد المحامين الذين تم حبسهم تمكن من تخمين الموعد المناسب لتقديم الاستئناف. وبسبب رهانه على فهمه لبيروقراطية المحاكم في مصر، استطاع الحصول على قرار بإخلاء سبيله وسائر المحبوسين معه في قضيته في ديسمبر من العام الماضي.

اﻷمر ذاته تكرّر مع إسلام لكن دون نجاح. اعتاد إسلام وزملاؤه الاستئناف ضد قرارات تجديد حبسهم. في إحدى المرّات، عرفوا أن القاضي هذه المرة قد يقرّر إخلاء سبيلهم. استبشروا خيرًا، لكن تعذّر نقل مجموعة أخرى من المتهمين معهم تسبب في تأجيل نظر الاستئناف. نظر قاضٍ آخر استئنافهم، فسقط رهانهم وتجدد حبسهم.

مسارات وشروط لا تنفذ

إذا كانت اﻷدلّة غير كافية، فما الذي دفع الجهات القضائية إلى حبس إسلام احتياطيًا كل هذا الوقت؟

يعد الحبس الاحتياطي استثناءً للأصل الدستوري: كل متهم برئ إلى أن تثبت إدانته. وتحدّد المادة 134 من قانون اﻹجراءات الجنائية ضوابط حبس المتهمين احتياطيًا.

يحق للمتهم الاستئناف ضد قرارات حبسه خلال عشرة أيام من تاريخ صدور القرار أيًا كانت الجهة التي أصدرته. لكن لا يمكنه تقديم أكثر من استئناف واحد خلال 30 يومًا. كما يحق للنيابة الاستئناف ضد قرارات إخلاء السبيل، وفق المادة 166 من قانون الإجراءات الجنائية.

لكن ضوابط الحبس تلك ترتبط بشرط أهم يسبقها جميعًا؛ وهو وجود أدلّة كافية على ارتكاب الجريمة. أحد أحكام محكمة النقض أشارت بوضوح إلى أن:

«الحبس الاحتياطي ليس حقًا مطلقًا لعضو النيابة وإنما مشروط بكفاية الدليل على الاتهام».

لا يعرف أحمد سعد، محامي إسلام، السبب وراء حبس موكله. من وجهة نظر القانون، لم يُقبض على موكله متلبسًا. كما أنه موظف حكومي له محل إقامة وعمل معروفين، وبالتالي لا يُخشى عليه من الهرب. ولا يوجد «أحراز» (مضبوطات) يمكنه تغييرها أو شهود قد يؤثر عليهم. لهذا يرى المحامي أن اﻹجراء القانوني الطبيعي هو إخلاء سبيل موكله على ذمة التحقيق.

طلب سعد مرارًا من وكيل النيابة والقضاة الذين جدّدوا حبس موكله الاستعانة ببدائل تضمن عدم هروبه؛ مثل عدم مغادرة منزله أو موطنه، أو الحضور إلى مقر الشرطة في أوقات محددة، أو عدم ارتياد أماكن محددة، أو غيرها من الضمانات. لكن بعد كل محاولة، كان قرار الحبس يتجدد.

لا تختلف تجربة إسلام عن نتائج تحليل قاعدة بيانات التحقيق. تشير النتائج إلى شيوع الميل نحو حبس المتهمين احتياطيًا دون النظر إلى الشروط الواردة في القانون. لم تتأثر نسب الحبس الاحتياطي باختلاف أيٍ من تلك الشروط. على سبيل المثال، بدا الميل للحبس الاحتياطي متشابهًا سواء كانت القضية جنحة أو جناية، أو كان القبض على المتهم متلبسًا في موقع المظاهرة أو من منزله.

ولم يختلف التوجه إلى حبس المتهمين باختلاف أعمارهم. إذ أن نسبة الحبس للأطفال الأصغر من 15 سنة تقترب من 90%، وهي نسبة حبس البالغين.

في بعض الحالات، تجاوز قرار الحبس أي مبررات قانونية. على سبيل المثال، قرّرت النيابة أوائل مارس الماضي حبس اﻹعلامي خيري رمضان أربعة أيام على ذمة التحقيق، بعد اتهامه بالإساءة لأفراد الشرطة. ما الدواعي القانونية لحبسه؟ إعلامي شهير، محل إقامته معروف، ولا يوجد «أحراز» (مضبوطات) قد يعبث بها أو شهود يؤثر عليهم.

التناقضات الصارخة تنطبق أيضًا على حالة المحامية ماهينور المصري. نظرت محكمة جنح أول المنتزه باﻹسكندرية قضية اتهامها وآخرين بالتظاهر العام الماضي 2017. لم يُلقَ القبض على ماهينور متلبسة بالتظاهر، ولهذا تابعت محاكمتها من خارج الحبس. وفي نوفمبر الماضي، قرّرت المحكمة حجز القضية للحكم بعدها بأسابيع. ورغم أنها حرصت على حضور جلسات محاكمتها بما ينفي احتمال رغبتها في الهرب، قرر القاضي حبسها احتياطيًا لحين جلسة الحكم في ديسمبر الماضي.

أصدرت المحكمة حكمها بحبس ماهينور سنتين، لكن محكمة جنح مستأنف المنتزه ألغت الحكم الصادر وبرأتها من التهم في يناير 2018. أُطلق سراح ماهينور بعد حبس عارض استمر قرابة شهرين. ووصفت منظمة العفو الدولية إطلاق سراحها بـ «لحظة نادرة من العدالة».

لكنّ إسلام، وكثيرين غيره، لم يحظوا بتلك «اللحظات النادرة». يتذكّر الملل الذي أصاب محاميه أحمد سعد من تكرار ما يقوله في كل جلسة. خلال إحدى جلسات التجديد أمام دائرة إرهاب، قال للقاضي إن مرافعته لن تستند هذه المرة إلى مواد القانون. لن يتحدث عن انتفاء المبررات القانونية لحبس موكله احتياطيًا كما يفعل في كل مرة. فقط طلب المحامي من القاضي النظر بعين الرحمة إلى هؤلاء المتهمين وإخلاء سبيلهم. لم تنجح المحاولة.

كان التقويم الذي استخدمه إسلام في حساب أيام حبسه نافذة تنفتح دوريًا على اﻷمل كلما اقتربت جلسة التجديد.. «ربما هذه المرة؟»، يسأل نفسه. لكن اﻷمل يقتل إذا تكرر اﻹحباط. لهذا نصحه أحد المحبوسين ذات مرة باﻹقلاع عن اﻷمل. «اليأس أحد الراحتين، اللي إحنا فيه ده يا تيأس يا تموت». لم يكن الموت متاحًا، فقرر العمل بالنصيحة وأقلع عن اﻷمل.

بالنسبة له تحولت جلسات التجديد إلى مجرد فرصة للتنزه يخرج فيها من مقر محبسه. «لو مش هناخد إخلاء سبيل يبقى هنتفسح شوية بالعربية»، يقول إسلام. يرجع إلى محبسه بعد الفسحة ليبدأ دورة جديدة من التقويم. استمر العد إلى أن قررت النيابة عدم كفاية اﻷدلة وحفظت القضية.

تلاحظ المحامية هدى نصر الله أن أزمة الحبس الاحتياطي بدأت تظهر بعد مرور عامين على بدء التوسع في استخدامه. تجاوز اﻵلاف من المحبوسين سقف العامين، الحد اﻷقصى للحبس الاحتياطي، دون انتهاء قضاياهم. هناك حالات باتت معروفة إعلاميًا، كقصة المصور الصحفي محمود أبو زيد (شوكان) المحبوس احتياطيًا منذ حوالي خمس سنوات، والصحفيان والباحثان إسماعيل اﻹسكندراني وهشام جعفر اللذان أوشكا على تجاوز فترة عامين ونصف.

في البحث اﻹحصائي، تجاوز 1451 متهمًا مدة 6 أشهر (الحد الأقصى في حالات الجنح) و573 متهمًا مدة سنتين في الحبس الاحتياطي، منهم 222 كانوا متهمين في جنح فقط. وطبقًا لرصد أجرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ونُشر في أبريل 2016 في تقرير بعنوان «حبس بلا نهاية»، تجاوز 1464 شخصًا على اﻷقل محبوسين على ذمة قضايا مختلفة الحد اﻷقصى المسموح به قانونيًا. الرصد جاء في أربع محافظات فقط، ولهذا يرجح التقرير أن العدد الحقيقي يتجاوز هذا الرقم بكثير.

ورغم وضوح المواد الخاصة بمدة الحبس الاحتياطي في قانون اﻹجراءات الجنائية، إلا أن مادة أخرى قد تستخدم لتجاوزها. تنص المادة 380 من قانون اﻹجراءات الجنائية على أنه «لمحكمة الجنايات فى جميع الأحوال أن تأمر بالقبض على المتهم وإحضاره، ولها أن تأمر بحبسه احتياطيًا، وأن تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطيًا».

يوضح عزت أن الجدل حول هذه المادة لم يظهر إلا في اﻷعوام اﻷخيرة بعد مرور فترة الحد اﻷقصى للحبس الاحتياطي. لا يرى عزت أن المادة تتعلق بالحبس الاحتياطي، لكن التحجج بها يشير إلى مأزق واجهه القضاة أنفسهم: هناك متهمين لا يستطيع القضاء إخلاء سبيلهم بسبب حساسية موقفهم السياسي، وفي الوقت ذاته لا توجد طريقة للإبقاء على حبسهم أكثر من المدة القانونية.

ولهذا، أصبح «تطبيق نص الحد الأقصى [للحبس الاحتياطي] مُعلقًا على طبيعة القاضي أو طبيعة القضية دون أي معيار موضوعي أو إجرائي محدد»، كما تلاحظ دراسة قيد النشر تحت عنوان «كيف يُحاكم المصريون اليوم؟» كتبها محمد بصل، رئيس القسم القضائي في صحيفة الشروق وعرضها في مؤتمر العدالة الجنائية وتحديات إصلاحها. بحسب الدراسة، «يعكس تطبيق هذا القانون تعسفًا في التفسير أدى إلى تحول الحبس الاحتياطي من إجراء احترازي إلى عقوبة، دون إتاحة أي وسيلة للطعن على قرارات استمرار الحبس».

يظهر هذا المأزق في قضية صفوت عبد الغني، القيادي في تحالف دعم الشرعية الرافض لعزل مرسي، والذي يقترب من إتمام أربعة أعوام قيد الحبس الاحتياطي. في 4 أكتوبر الماضي، قرّرت دائرة إرهاب برئاسة المستشار حسين قنديل، إخلاء سبيل عبد الغني، واستخدام تدبير احترازي بديل تمثل في تحديد إقامته. إلا أن النيابة استأنفت قرار إخلاء السبيل، وتصادف أن ينظر الاستئناف نفس القاضي الذي أخلى سبيله قبل ثلاثة أيام. لكنه قرّر هذه المرة قبول استئناف النيابة وأمر بتجديد حبسه 45 يومًا. لم تكن تلك المرة اﻷولى. في ثلاث مرات خلال العامين الماضيين، قرّرت دوائر جنايات مختلفة إخلاء سبيل عبد الغني. وتقدمت النيابة باستئناف ضدها جميعًا، وانتهى اﻷمر دائمًا بقبول الاستئناف وتجديد الحبس.

يوضح المحامون أن الحجة القانونية في تمديد فترة الحبس بما يتجاوز الحد اﻷقصى هي المادة 380. لذلك تصفها المحامية هدى نصر الله بـ «المادة الذهبية». بعض دوائر الجنايات ترى أن هذه المادة تعني حق القضاة في حبس المتهم احتياطيًا دون التزام بالحد اﻷقصى. لكن تحديد فترات الحبس الاحتياطي أعقب اعتماد هذه المادة، وقيّدها بحكم القانون. يعني ذلك أن سلطة القاضي التي تمنحها المادة تتقيد بالفترات التي تنص عليها المواد الجديدة، بحسب نصر الله.

وتقول نصر الله إن زملاءها يعترضون على تفسير بعض القضاة لهذه المادة. حاول عدد منهم طلب تفسير المادة من المحكمة الدستورية لحسم الخلاف، لكن القانون لا يسمح للأفراد بتقديم طلب من هذا النوع. وينحصر حق التقدم بذلك في النيابة، ودوائر المحاكم، ورئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الشعب أو رئيس الوزراء.

لهذا أرسل المحامون، بصفتهم وكلاءً عن محبوسين احتياطيًا، طلبًا إلى تلك الأطراف كي يطلبوا تفسير المحكمة الدستورية. لكنّ طلبهم لم يلق أي استجابة. [رابط الطلب المقدم]

وطلب «مدى مصر» من رئيس مجلس القضاء اﻷعلى المستشار مجدي أبو العلا والنائب العام المستشار نبيل صادق التعليق على نتائج التحقيق. أرسلنا لهما أسئلة عبر البريد المسجل حول أسباب اتساع ظاهرة الحبس الاحتياطي وعدم التزام الأجهزة القضائية بالشروط القانونية. لكننا لم نتلقَ أي رد بعد أكثر من شهر على الطلب.

أعمارٌ ضاعت في الحبس الاحتياطي

استعد إسلام للسجن منذ أن قرر المشاركة في المظاهرات. عوّد نفسه على الاستحمام بمياه باردة، وأكثر من الصيام. لكن حبسه تحول من فكرة محتملة كثمن تمسكه بمبادئه إلى كابوس استمر 14 شهرًا.
يزيد مجموع الأعمار التي ضاعت من 10 آلاف وأربعمئة متهمًا في الحبس الاحتياطي خلال ثلاث سنوات، على 36 قرنًا، من بينهم متهمون ضاعت 9 قرون من حياتهم قبل الحصول على أحكام بالبراءة.

أثناء حبس إسلام، تكفّل بعض الأصدقاء والزملاء ماديًا بأطفاله، محاولين التعويض، ولو جزئيًا، عن غياب أبيهم. حافظوا على إرسال راتبه لأسرته، واشتروا للأطفال ملابس العيد. لكن ذلك لم يكن كافيًا.

في إحدى زيارات أسرته للسجن، أُدخلت العائلات قبل اصطفاف المساجين للزيارة. تجمعوا في صفوف، وتحركوا مع صافرة الحارس. «كان ممكن حد من الولاد يشوفنا وتسيب أثر نفسي جواه»، يستحضر المشهد.

يتذكّر قلقه على أبنائه في مدارسهم حين يُسألون عن أبيهم. يتخيّل حوارًا افتراضيًا معهم. «لازم يقتنعوا إن بابا ده حاجة كويسة وكان بيعمل لصالح كويس»، يقول إسلام قبل أن يستنتج سؤالهم التالي. «لو لصالح كويس حابسينه ليه؟». اﻹجابة أن «بابا بيدافع عن قيمة [وسجّانه] يدافع عن عكسها». يقلقه أن يخجلوا أمام أصحابهم في المدرسة حين يخبروهم أن «بابا محبوس».

يستحضر اصطحاب أحد أبنائه -كان عمره سبع سنوات وقتها- بعد خروجه من الحبس بقليل. ركن سيارته أمام أحد المحلات لشراء ما يحتاجه وترك ابنه فيها. حين عاد، وجد مخالفة مرورية في انتظاره. توجه إسلام إلى شرطي المرور للتفاهم معه، لكن نوبة هلع أصابت ابنه. حاول طمأنته لكن فكرة واحدة سيطرت على الطفل: «كنت خايف يمسكوك تاني وأروّح من غيرك».

استعاد إسلام وظيفته وهو يحاول استعادة حياته بتعثر. لكن سمعة المعتقل السابق لازمته في عمله وفي المنطقة التي يعيش بها. يشعر بتهديد مستمر من بلاغ حول «اﻹخواني المعتقل السابق» كي تتكرر التجربة. بحسب تعبيره، فإن أي خلاف مع زملاء العمل، أو حول إيصال مياه أو اشتراك أسانسير في مكان سكنه قد يعيده إلى الحبس. لذلك قرر إسلام تغيير شقته، ولذلك أيضًا اشترط عدم نشر اسمه أو الكشف عن هويته.

ـــــــــــــــــــ

بمشاركة:
الإنتاج المعلوماتي والإحصائي: أحمد عاطف، مدير مركز دفتر أحوال للأرشفة والتوثيق والأبحاث
تصوير: علاء القمحاوي وأيمن عارف
إنتاج الفيديو: أنس ضمرة
تعليق صوتي: آدم شمس الدين
تصميم وبرمجة: أحمد الشابي

أنجز هذا التحقيق بدعم شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية «أريج» وبإشراف الزميلة كارول كرباج.


تعليقاتكم

4 ردود على “معتقلون للأبد: آلة الحبس الاحتياطي تعمل ذاتيا”

  1. يقول Xavier:

    This is my first time go to see at here and i am truly pleassant to read everthing at alone place.|

  2. يقول Zoraida:

    This is a topic that is close to my heart… Take care! Exactly where are your contact details though?|

  3. يقول Fransisca:

    When I originally commented I seem to have clicked the -Notify me when new comments are added- checkbox and from now on whenever a comment is added I get four emails with the exact same comment. Is there an easy method you are able to remove me from that service? Thanks a lot!|

  4. يقول Jeneva:

    When I originally commented I appear to have clicked on the -Notify me when new comments are added- checkbox and now each time a comment is added I get 4 emails with the exact same comment. There has to be a way you can remove me from that service? Thank you!|

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *