"مطلوب فتاة".. إعلانات مسيئة أخلاقيا.. ولا قانون يضبطها

20 مايو 2014

–  2.4 % من إعلانات التوظيف مبهمة

– المطبوعات والنشر ترفض استقبال الشكاوى

– الإعلانات الصحفية بلا إطار تشريعي ينظمها

عمان نت – “مطلوب فتاة حسنة المظهر للعمل في شركة، لا يشترط الخبرة أو المؤهل العلمي للاستفسار ********07″ ما إن لمحت إسراء (24 عاماً) هذا الإعلان في صحيفة إعلانية أسبوعية، حتى اتصلت مسرعةً برقمِ الهاتف المرفق، والأمل يحدوها في أن تتخلص من طوابير البطالة مذ تخرجت من كلية الأعمال/ الجامعة الأردنية عام 2012.

العنوان، وموعد المقابلة يتسللان عبر الهاتف؛ المعلن: “عمان، شارع الجاردنز، عمارة رقم () مكتب رقم ()؛ الساعة 3.30 مناسب”؟

إسراء بلهفة: “مناسب”. وهكذا اتفقا على المكان والزمان.

في الموعد المحدد، حضرت الفتاة العمّانية إلى المكتب. لم تكترث في البداية لعدم وجود اسم للشركة على الباب الذي طرقته. استقبلها مدير المكتب الأربعيني ليتفحصها بعينين جاحظتين من رأسها حتى قدميها. جلس خلف مكتبه، وجَلست هي على مقعدٍ يقابله.

“أنا شايف إنك جدًا مناسبة للعمل، شكلك حلو وجسمك ما شاء الله”. حاولت أن تقاطعه مستفسرة عن طبيعة العمل، إلا انه بقي مستغرقاً في الحديث عن حسنها وجمالها، ومنشغلاً في الوقت ذاته بتحريك يديه تحت المكتب في حركة مريبة، فتكتشف انه خلع أزرار بنطاله، ليدبّ الخوف والهلع في نفس إسراء متحججة بالخروج، خوفاً من اغتصابٍ محقق. إلا إنه طلب منها الإنتظار لتصاحبه لإعداد القهوة، ليحدثها بعد ذلك عن كيفية العمل وطبيعته.

طلب الرجل الأربعيني، قُوبِل بالشتم من إسراء، ثم خرجت مسرعة، وهي تتساءل عمن يأخذ لها حقها دون أن تتحول شكواها إلى فضيحة؛ في مجتمعٍ شرقيٍ محافظ؟

إسراء واحدة من 3 فتيات قابلهن معدا التحقيق قبل 3 أشهر من نشره، أفدن بتعرضهن للتحرش أو طُلب منهن ممارسة الجنس من قبل 3 معلنين مختلفين.

وبالتقصي، توصل كاتبا التحقيق إلى أن نصف إعلانات التوظيف “المبهمة” في صحفٍ إعلانية أسبوعية، تمتهن كرامة المرأة وتخفي وراء الإغراءات والامتيازات المادية، مقاصد لاستدراج الباحثات عن عمل من أجل إقامة علاقات جنسية معهن على خلفية وظائف وهمية أو احتراف الدعارة.

وكشف معدّا التحقيق – باستخدام كاميرا مخفية مع 11 معلنا- أن نصفهم، عرضوا على طالبة الشغل إما العمل بالدعارة أو تحرشوا بها جنسيا.

كل ذلك يحدث وسط عدم تحديد مسؤوليات كل من وزارة العمل ودائرة المطبوعات والنشر، جهة الترخيص لتلك الصحف. وكذلك ضعف رقابة الدائرة على تجاوزاتٍ الصحف وغياب نظام أو تعليمات خاصة بتنظيم الدعاية والإعلان في الصحف والمجلات.

لا يقتصر التجاوز على المعلن فقط، بل يتعداه إلى تغليب صحف إعلانية الربح المادي على أخلاقيات الإعلان ومضمونه، إضافة لعدم احتفاظ بعضها بأي سجلات تبيّن شخصية المعلن، أو أي تفاصيل عنه.

غالبية النصوص على نسق متشابه؛ لا تشترط خبرة أو جنسية أو مؤهلاً عملياً. فكل ما تشترطه فتيات، سيدات، سكرتيرات، وموظفات، أنيقات، ولائقات، وذوات مظاهر حسنةٍ، أعمارهن بين 20-35 عاماً، وبرواتب مغرية، دون أن يدوّن في تلك الإعلانات أي بيانات عن المعلن أو إسم شركته، أو مكان العمل، أو حتى بريده الإلكتروني.  بل تكتفي برقم الهاتف النقّال. 

law2

دائرة المطبوعات والنشر تُهمل في متابعة هذه الإعلانات، إذ أنها لم تصدر أي مخالفة أو عقوبة بحق أي صحيفة إعلانية منذ 2011، لنشرها إعلانات مبهمة أو مضللة، علاوة على عدم استقبالها لشكاوى مواطنين خدعوا بمضمون تلك الإعلانات.

يبلغ عدد الصحف الإعلانية المتخصصة والمرخصة من دائرة المطبوعات والنشر 196 صحيفة بحسب رصدنا لها، إذ لا توجد أرقام وإحصاءات دقيقة حول إعداد توزيع الصحف الإعلانية في الأردن. تُوزّع تلك الصحف مجتمعة قرابة 900 ألف نسخة أسبوعياً.

تقدر حصة “الوسيط” و”الممتاز” معاً من مجمل أعداد توزيع الصحف الإعلانية، قرابة 77.7 % – حصة الوسيط 55.5 % مقابل 22.2 % لصحيفة الممتاز.

وبحسب دراسة لشركة إبسوس ستات للأبحاث نهاية 2012، فإن الوسيط تحتل المرتبة الأولى بنسبة قراءة الصحف الإعلانية الأسبوعية، بنسبة 22.1 %، فيما تأتي الممتاز في المرتبة الثانية بنسبة قراءة 11.8 % من الجمهور الأردني.

 تحليل مضمون “الوسيط” و”الممتاز”

حلّل معدا التحقيق مضمون إعلانات التوظيف من خلال دراسة أجريت لصالحه على أكبر صحيفتين إعلانيتين في الأردن خلال شهر – من 31/8/2013 إلى 21/9/2013- بواقع 4 أعداد من كل صحيفة. تُوزع الوسيط ما يقارب 500 ألف نسخة أسبوعياً في كل من عمان، الزرقاء، اربد، والعقبة، مقابل 200 ألف نسخة أسبوعيا توزعها صحيفة الممتاز في أرجاء المملكة.

معيار تحليل المضمون تمحور حول تحديد تعريف واضح لإعلان التوظيف المبهم هو: “عدم اشتراطه في الصحيفتين على أي معايير مهنية، أو شروط وظيفية في الشواغر التي تطلب فتيات، سيدات، سكرتيرات أو موظفات، مع تركيزه على المظهر الخارجي للمتقدمة للعمل كأنيقة، لائقة، حسنة المظهر وغير محجبة، علاوة على تحديد الأعمار بين 20-35 عاما، وإغفاله التام لأي دلالات على إسم الشركة أو المكتب أو إسم المعلن الحقيقي”.

أظهر تحليل المضمون، أن صحيفة الوسيط تنشر حوالي 14.500 إعلانا شهرياً، بنسبة 57 % من مجموع الإعلانات في الصحيفتين، مقابل حوالي 11 ألف إعلان بصحيفة الممتاز، بنسبة 43 %.

2.4 % من إعلانات التوظيف مبهمة

نسبة إعلانات التوظيف المبهمة في الصحيفتين معاً بلغ 2.4 % من مجموع إعلانات التوظيف المنشورة في كلتيهما، وبلغت نسبة إعلانات التوظيف المبهمة في صحيفة الوسيط 1.55 % من مجموع إعلانات التوظيف المنشورة فيها، مقابل 3.87 % في صحيفة الممتاز.

الصحيفتان معاً نشرتا قرابة 2100 إعلان توظيف شهرياً، بنسبة 8.4 % من مجمل الإعلانات فيهما. بينما بلغت نسبة إعلانات التوظيف في صحيفة الوسيط ما يقارب 9.4 % من مجموع الإعلانات، مقارنة بـ 7 % في صحيفة الممتاز.

تتفق المختصة في الشأن الإعلامي، سوسن زايدة، وعميد كلية الإعلام في جامعة الشرق الأوسط د. كامل أخو أرشيدة مع تعريفنا لإعلان التوظيف “المبهم”، مُوَضّحين أنها ليست إعلانات توظيف محترمة، بقدر ما تُسلّع المرأة، كونها تبحث عن مواصفات جمالية لشكلها ومظهرها، دون التطرق إلى مهاراتها وشهاداتها وخبراتها، علاوة على أنها تثير الشكوك بنسبة عالية؛ خاصة أن المعلن فيها مجهول.

المدير العام لصحيفة الوسيط ماجد عليان، يقر بوجود إعلانات مبهمة في جريدته بنسبة 0.5 %، مُعزياً ذلك إلى “الخطأ البشري غير المقصود”، ومؤكداً في الوقت ذاته أن 50 % من إعلانات التوظيف في جريدته، تأتي عبر شركات توظيف معروفه لديهم.

على خلاف رد صحيفة الوسيط، ينكر المدير المسؤول في صحيفة الممتاز أحمد الحدرب وجود إعلانات مبهمة قائلا: “نحن ننشر إعلانات واضحة الصيغة، ونميّز الإعلان الصحيح من غيره”.

دعارة على المكشوف

تخفت معدّة التحقيق بثوب باحثة عن عمل قابلت خلالها 11 معلناً نشروا إعلانات متشابهة في الغموض؛ 6 منهم في الوسيط و5 في الممتاز.

“مطلوب موظفة بدوام جزئي – براتب أسبوعي أو شهري – ولا يشترط الجنسية أو العمر ت… “إعلان نشر في صحيفة الوسيط”. اتصلت المعدّة بالمعلن واستفسرت عن طبيعة العمل.

– أخصائية علاج طبيعي بدون خبرة، شو رأيك؟

– ما في مشكلة، وين المقابلة؟

– في جبل الحسين فوق “أحد المطاعم المشهورة”، الساعة 7 مساءً.

ما إن وصلت باب المبنى، حتى اتصلت بالمعلن لتعرف رقم المكتب، طلب منها الإنتظار أمام المبنى للحظات، وإذا به شاب ثلاثيني العمر، مفتول العضلات يدعى محمد، مترجلاً من سيارة هونداي، لونها سيلفر، يقودها رفيقه عدي. بدأ حديثه  بهدوء على طرفٍ من الشارع العام “أنت بتلزميني كل يوم حصتين للأولاد أعمارهم 16- 17 سنة، بتعلميهم مساج وبتقدميلهم خدمات جنسية كل إشي عدا النوم، وبتروحي عليهم بفللهم وقصورهم الراقية، في الرابية وعبدون، وبتدخلي بالشنته والكريم والزيت، الأم بتكون حاسة انو ابنها بتشاقى بس بتكون مرتاحة لأنه جوى بيتها”.

وبينما استرسل في سرد تفاصيل أوفى، طلب منها عدي صعود السيارة معهما قائلاً: “إحنا شغلنا دعارة ومساج على المكشوف، أنا بعمل حصص لنسوان مطلقات”.

ولدى استفسارها عن المبالغ التي ستدفع لها أجاب: “بنات جامعات اشتغلوا معنا ملينوا، بطلعك بالحصة 100 ليرة والأولاد بدفعوا إكراميات منيحة”.

محمد وعدي ومعلنان آخران من بين 11 رصدناهم بالكاميرا السرية، طلبوا تقديم وبيع خدمات جنسية لهم أو لغيرهم خلافاً للإعلان، بنسبة وصلت 27.3 % من مجموع المعلنين الذين تمت مقابلتهم. وبذات النسبة، حاول 3 آخرون التحرش جنسياً بالصحفية التي تنكرت على أنها متقدمة للعمل، والطلب منها الدخول للمطبخ معهم لعمل القهوة. جلّ مقابلاتهم ركّزت على إمكانية اصطحابهم للصحفية “المتقدمة للعمل” في رحلاتهم الداخلية والخارجية.

وفي المقابل، كانت مقابلات العمل مع المعلنين الـ5 الآخرين، طبيعية، وتركز على كفاءة طالبة الوظيفة وملاءمتها للعمل، بنسبة وصلت 45 % من المعلنين الذين تم تقصيهم.

حاول معدا التحقيق الاتصال بمحمد وعدي، أكثر من مرة، للحصول على ردودهم على ما وثقته صحفيّتنا بواسطة كاميرا سرية، إلا أن محاولتنا باءت بالفشل، لتعذر الوصول إليهما عبر وسائل الاتصال المختلفة.

المعلن مجهول

زار معدا التحقيق صحيفتي الوسيط والممتاز، هذه المرة كمعلنين، موثّقين ذلك بالكاميرا السرية، للوقوف على إجراءات الإعلان في الصحيفتين.

في غرفة الاستقبال في صحيفة الممتاز، استقبلنا موظف مصري الجنسية. أخبرناه برغبتنا في نشر إعلان توظيف في الصحيفة، دفع لنا بدفتر كبير “سِجل”، وطلب منا كتابة الإعلان الذي نريد نشره. كتبنا “مطلوب فتاة أنيقة وحسنة المظهر في شركة رائدة بدوام كامل أو جزئي، على أن لا يزيد عمرها على 35 عاماً، وبراتب مغر، لا يشترط الخبرة، الجنسية أو المؤهل العلمي، ت …”، انهينا الكتابة، فطلب منا 3 دنانير ثمن الإعلان، لكنه لم يطلب منا اسم المعلن أو أي إثبات للشخصية، ونشر الإعلان كما هو دون زيادة أو نقصان.

كررنا الإعلان مرة أخرى في ذات الصحيفة، لكننا أضفنا “غير محجبة، وذات قوام رشيق” على صيغة الإعلان السابق. نشر الإعلان بعد أن حذفت الصحيفة “ذات قوام رشيق”، لكن بقينا مجهولي الهوية كمعلنين.

صيغة أخرى من الإعلان نشرها معدا التحقيق في صحيفة الوسيط، عبر أحد مكاتبها. لم يُطلب منهما إسماً أو إثبات شخصية: “مطلوب فتاة أنيقة، حسنة المظهر وغير محجبة لشركة على أن لا يزيد العمر عن 25 سنة بدوام يومي- أسبوعي- شهري، براتب مغر، لا يشترط الخبرة، الجنسية أو المؤهل العلمي”. نشر الإعلان في الصحيفة بعد حذف “غير محجبة”.

في المكتب الرئيس لصحيفة الوسيط بشارع مكة، سألنا الموظف عن الهوية الشخصية لكي ينشر الإعلان. حاولنا التحجج بعدم وجود إثبات للشخصية، لكنه رفض استلام الإعلان، إلا بوجود إثبات شخصية يبيّن هوية المعلن.

قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته، لا يلزم الصحف الإعلانية المتخصصة تدوين معلومات المعلن أو التأكد من هويته، كما لا يوجد أي أنظمة أو تعليمات تنص على ذلك.

يقول مدير عام دائرة المطبوعات والنشر فايز الشوابكة: “جزء من المسؤولية يقع على الصحيفة في حال عدم تأكدها من الشخص المعلن، إسم الشركة وعنوانها، والصحف لا تستطيع أن تدّعي جهلها بالشخص المعلن”. يتابع الشوابكة: “الدائرة أصدرت تعميما على الصحف الإعلانية بتدوين بيانات المعلن ومعلوماته”.

الخبير القانوني في قضايا المطبوعات والنشر المحامي محمد قطيشات يؤكد من جانبه: “يجب أن يكون المعلن معروفا من حيث المبدأ، لأن الصحيفة هي التي تتحمل المسؤولية في حال عدم وجود المعلن، وسيتم ملاحقتها”. لكنه يستدرك: “هذا لا يعني أنها ستحكم قضائيا بالتعويض أو غيره، لأنه لا يوجد لديها نية أو قصد جرمي في حال إساءة الإعلان لأحد”.

“الوسيط” و”الممتاز”: معايير فضفاضة

حاول معدا التحقيق الحصول على معايير مكتوبة تحكم نشر الإعلانات في الصحيفتين، دون أن يتوصلا إلى شيء من هذا القبيل واكتفى مدير الوسيط ماجد عليان، بذكر الشروط التي تضبط الإعلانات في صحيفته، بأن لا تحدد تلك الإعلانات العمر، أو الجنسية خاصة التي تطلب العمل في حقل المساج، وأن لا تتضمن أي إساءات أخلاقية.

في المقابل، اختزل المدير المسؤول في صحيفة الممتاز أحمد الحدرب، معايير نشر الإعلان في صحيفته بعدم تعديها على الذوق العام، أو خدشها للحياء، إضافة إلى مدى تقبل الناس لهذه الإعلانات.

تميز فاضح

أظهر تحليل المضمون الذي نفذه معدا التحقيق، أن نسبة إعلانات التوظيف التي تطلب جنسية معينة في صحيفة الوسيط بلغت قرابة 6 % من مجمل إعلانات التوظيف المنشورة في الصحيفة. في حين بلغت النسبة في صحيفة الممتاز حوالي 8 % من مجمل إعلانات التوظيف المنشورة.

التحليل لاحظ أيضاً، أن نسبة إعلانات التوظيف التي تطلب فتيات للعمل على أساس الحجاب من عدمه، بلغت في صحيفة الوسيط 1.1 % من مجموع الإعلانات التي تطلب فتيات، مقارنة بـ 1.7 % بصحيفة الممتاز.

تعلّق المختصة في الشأن الإعلامي سوسن زايدة: “الإعلانات؛ جزء من المنتج الإعلامي، لكن عند الحديث عن أخلاقيات المهنة والممارسات الإعلامية/ دائماً لا يكون مضمون الإعلانات جزء منها”.

وتضيف: “لا يوجد مواثيق شرف أو مبادئ مهنية تحكم عمل الإعلان، ولا نجد مؤسسات أو هيئات أو جهات مسؤولة عن محاسبة ما يجري نشره في الإعلانات، ونجد أن وسائل الإعلام نفسها لا يوجد لديها معايير واضحة ومعلنة تحكم مضمون الإعلان”.

“الممتاز” تهدد في حال النشر

المدير المسؤول في صحيفة الممتاز أحمد الحدرب، أقر في مقابلة مصورة معه، بأن صحيفته لا تطلب من المعلنين أي بيانات شخصية، قائلاً “لا يوجد إعلانات مبهمة، نحن لدينا 4000 إعلان، إذا كل إعلان بدنا نطلب من معلنه هويته، وتاريخ ميلاده، وإسم شركته، ومواصفاته، كل ستة أشهر بطلع عنا عدد”. يتابع الحدرب حديثه بغضب: “نحن لا نحمي المغفلين، إذا كل بنت بتشوف إعلان مطلوب فتاة بتروح تركض أنا شو علاقتي”.

ولدى محاولة معدي التحقيق أخذ تعليقه على قصة تعرض فتيات للتحرش من معلنين، استشاط غضباً، وطردهما من المكتب، مهددا بكسر الكاميرا إذا لم يتم وقف تشغليها قائلا: “والله العظيم لو تنشر وجهة نظري لأرفع عليك قضية، ولو أدفع مليون دينار غير أسكر لك الراديو”.

“الوسيط” تعتذر

عليان، يقدم اعتذاره للقارئ قائلا: “أنا آسف إذا صار في إعلان مبهم، وسبب ضرر للناس، وأنا ما برضى أي أخت يحصل معها مشكلة بسبب إعلان”،ويوضح أن الأخطاء التي تم رصدها سببها “الخطأ البشري غير المقصود، بسبب التعب، وضغط العمل على الموظفين، وما يتبعه من سهو”، مؤكداً أن صحيفته حريصة على عدم نشر أي إعلانات مبهمة، أو مضللة، أو

law 1

مجهولة المعلن. ويضيف عليان: “المعلن يتحمل مسؤولية إعلانه، إذا كانت نيته سيئة أو هويته مزورة”، ناصحاً في الوقت ذاته القارئ للتأكد من الإعلان هاتفياً “مش يلاقي فرصة يلا بسرعة بدي استغلها، يتروى شوي”.

المطبوعات والنشر غائبة

مدير عام دائرة المطبوعات والنشر فايز الشوابكة، يقيّم التزام الصحف الإعلانية بالمعايير المهنية بـ”الجيد”، ما دام لا يوجد شكوى على أي منها. المعايير، بحسب تفسيره، هي ما نصت عليه المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته، التي تحظر نشر ما يسيء لكرامة الأفراد وحرياتهم الشخصية، أو ما يتضمن معلومات أو إشاعات كاذبة بحقهم، “الإعلان جزء من الإعلام”.

يربط الشوابكة محاسبة أي من الصحف المخالفة بوجود شكاوى، قائلًا: “مؤسسات الدولة لا تقوم بالتصرف بالإنابة عن الأفراد لقاء عامل الخجل الاجتماعي. وما دام لا تأتيني شكاوى لا استطيع أن أبادر بالبحث عن شكاوى، أو أعلن: مين عنده مشاكل يجي يراجعني”. لكن الشوابكة اختتم حديثه بمطالبة المتضررين بتقديم شكاوى بهذا الشأن.

الشكوى ممنوعة

طرقت زميلتنا إسلام أبو زهري أبواب دائرة المطبوعات والنشر- الجهة المسؤولة عن ترخيص المطبوعات والصحف الإعلانية ومساءلتها- لتقديم شكوى خطية، بصفتها مواطنة متضررة من إعلانٍ مبهم. إلا أن موظفة في الدائرة، رفضت استقبال الشكوى أو استلامها، بحجة أن ذلك ليس من اختصاص دائرة المطبوعات والنشر، بل من اختصاص وزارة العمل.

ذهبت أبو زهري إلى وزارة العمل، قسم التفتيش، لتقديم ذات الشكوى، فرفض الموظف المسؤول استقبال الشكوى. وقال وهو ينفث دخان سيجارته: “هذا قطاع خاص هو حر بالمواصفات اللي بطلبها بغض النظر عن قصده، الإعلانات ما بظن في جهة بتراقبها”.

جاء رد دائرة المطبوعات والنشر المكتوب، على استفسارات معدي التحقيق: بأنه “لا يوجد شكوى (وصلتها) منذ عام 2010 على صحف نشرت إعلانات مخالفة”.

وبينت الدائرة انه “لا يمكنها تحديد مخالفة مضمون الإعلان، ما لم تقدم شكوى من الأشخاص المتضررين من الإعلان”، فـ18 موظفاً يتابعون التزام 196 صحيفة إعلانية متخصصة بشروط ترخيصها، إذ لم يرصد أي منهم مخالفة بحق أي صحيفة إعلانية، وفقا لرد الدائرة.

الإعلانات الصحفية بلا نظام أو تعليمات

المحامي محمد قطيشات يرى أن هناك ثغرة قانونية في صناعة الإعلان الصحفي في الأردن، لأن قانون المطبوعات والنشر لا يغطي جوانب صناعة الإعلان الصحفي، على خلاف الإعلانات المرئية والمسموعة التي يوجد تعليمات خاصة بها.

يتابع قطيشات، “موضوع الإعلانات الصحفية لا يغطيه أي قانون، حتى قانون المطبوعات والنشر يتحدث بكل بساطة عن المواد الصحفية، ولا يتحدث عن الإعلانات في الصحف”.

يرد الشوابكة: “لا يوجد قانون عندما يوضع يعالج كل شيء، ولو كنت مساهماً في صناعة القانون، لأفردت باباً خاصاً للإعلان وشروطه، ومكاتب الدعاية، والعقوبات في حال المخالفة”.

وما دام بقيت صناعة الإعلان بلا شروط وضوابط وتعليمات تنظم عمل الصحف الإعلانية، إضافة لافتقار الأردن لمؤسسات تحاسب المسؤولين عن أضرار إعلانات التوظيف، سيزداد عدد المتضررات من إعلانات توظيف مبهمة ومضلله، أمثال إسراء وأخريات.

تستذكر إسراء تجربتها بمرارة: “وقعت ضحية لشخص منحرف نشر إعلانا مضللا، ولولا العناية الإلهية كنت فريسة له…أعيش تبعاتها وآلامها طول الحياة”.

 هذا التحقيق من إعداد وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد، وبدعم من شبكة أريج  (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية ) .


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *