محارق النفايات الطبية إلى ازدياد في سورية "بحكم القانون"

11 مارس 2007

تحقيق: حمود المحمود

محرقة دمشق الجديدة

و”من المحارق التي كانت قيد الإعلان عن مناقصة ودفعت لإضافة السيناريو الثاني على المخطط التوجيهي محرقة المكب الرئيسي للنفايات في دمشق” كما قال المهندسان أمير بخاري ورولا أبازيد.

فمع نهايات العام 2005 اشترت محافظة دمشق محرقة هندية جديدة تحرق لدرجة 1100 درجة كما ذكر مدير معمل النفايات المهندس موريس حداد. في الوقت الذي يؤكد فيه المهندس أمير بخاري أنّ آخر الدراسات والأبحاث العالمية تشترط أن تصل درجة الاحتراق إلى 1200 درجة بدلاً من 1100 مؤكداً أن الـ1150 لم تعد مقبولة وتعتبر مولدة للديوكسين.

“أما معالجة الغازات الصادرة عن هذه المحرقة فقد جاءت في ملحق لاحق لشراء المحرقة” كما قال المهندس حداد.

لكن هل حصل معمل النفايات الصلبة من الشركة الهندية الصانعة على ضمانة بأنها تعالج الغازات فعلاً ولاتنشر الديوكسين؟ “الشركة الصانعة-يقول المهندس حداد- يفترض أن تضمن عدم نشر الديوكسين”. لكن شروط العقد معها لم تتضمن إلزام الشركة الصانعة-كما قال- بإجراء اختبارات دورية على الغازات المنبعثة منها للتأكد من عدم نشرها لغاز الديوكسين.

ولذلك فقد طلب مدير معمل النفايات الصلبة مؤخراً من مسؤولي مخابر الهيئة العامة للبيئة فحص الغازات الصادرة عن المحرقة والتأكد من عدم نشر الديوكسين. “لكن أحداً لن يلبي هذا الطلب- كما يقول مدير السلامة الكيميائية فؤاد العك ومدير سلامة الغلاف الجوي م.خالد قلالي- لأنه لا يوجد في سورية ولافي أية دولة في الشرق الأوسط جهاز أو مخبر لقياس الديوكسين”.

محرقة حمص

“أيضاً من المحارق التي كانت قيد الإعلان ودعت لتعديل المخطط التوجيهي وإضافة سيناريو المحارق كانت محرقة مطمر النفايات في دير بعلبة في حمص” كما قال المهندسان المشاركان في (المخطط التوجيهي).

الآن تنوي محافظة حمص إعادة الإعلان عن مناقصة لشراء محرقة مركزية بعد فشل الإعلان السابق (لأسباب إدارية) في العام 2005- كما يقول المهندس عبد الهادي النجار من الخدمات الفنية والمهندس حسان درويش مدير النظافة في حمص. لكن المحافظة تصر على أن تكون “المحرقة محققة للشروط الأوروبية فيما يتعلق بدرجة الحرق ومعالجة الغازات وكل مايتعلق بها، وأن تدار بواسطة المتعهد الذي يرسو عليه العرض لمدة خمس سنوات، وأن وتكون كافية لحرق 4 أطنان من النفايات الطبية يومياً”.

ولا ينفي المهندسان نجّار ودرويش مخاطر ومحاذير المحارق، غير أنهما يعتبران أن (تقنية التعقيم البخاري) لا يمكن أن تكون بديلاً للمحارق، لأن التعقيم البخاري-كما قالا- غير مناسب للكميات الكبيرة من النفايات الطبية، وأن الأنسب في هذه الحالة يكون استخدام المحارق لتقليل كميات النفايات.

رغم أن تقريراً لمنظمة السلام الأخضر ( (Green peaceيؤكد أن المشافي الكبرى التي تزيد عن 1000 سرير تستخدم (تقنية التعقيم البخاري) في العديد من الدول، أي أنه مناسب للكميات الكبيرة من النفايات الطبية.

الديوكسين عبر الهواء

الخبير الياباني ماسايوكي شيدا المقيم في وزراة الإدارة المحلية والبيئة كمستشار للنفايات الصلبة بما فيها الطبية، حذر من الآثار التي يمكن أن تنجم عن المحارق الحديثة المزمع شرائها، منبهاً من مخاطر الديوكسين المسرطن على السكنية والمناطق الزراعية خاصة في مكب النفايات في دير بعلبة الذي لا يبعد أكثر من 1,5 كم عن مدينة حمص.

وقد أكدت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) أن ملوثات الديوكسين تنتقل إلى مسافات بعيدة عبر الهواء، كما أنها “تتراكم في التربة الزراعية دون أن تتحلل أو تتغير” كما تقول المهندسة البيئية سونيا عباسي التي أجرت بحثاً في النفايات الطبية لمشافي جامعة دمشق.

وخلصت الوكالة الأمريكية لحماية البيئة في تقريرها حول تقييم الديوكسين أنه “مادة سرطانية بصرف النظر عن نسبة الجرعة التي يتعرض لها الإنسان” وذكرت الوكالة الأمريكية أن “الديوكسين ينتقل في الهواء ويدخل في السلسلة الغذائية في مناطق بعيدة عن مكان إصداره، وأن اللحوم ومشتقات الحليب والبيض والأسماك تعتبر المواد الغذائية الأساسية التي ينتقل عبرها ثم يتراكم في الأنسجة الدهنية. وبسبب النسبة المرتفعة من الدهون في حليب الأم فإن الأطفال الرضّع يتعرضون للديوكسين بنسبة تفوق الراشدين بخمسين مرّة”.

ويذكر “صندوق الدفاع عن البيئة” في الولايات المتحدة الأمريكية أن نسبة الديوكسين تناقصت بشكل كبير في أمريكا مع تناقص عدد المحارق الذي بدأ مع انتشار الأبحاث التي تؤكد تسبب الديوكسين بالسرطان. ففي عام 1988 كان عدد المحارق في الولايات المتحدة (6200) ثم تناقصت إلى (5000) عام 1994 ثم إلى (2373) ثم أصبحت (115) واحدة عام 2005 “. و”من المرجح أن غالبية هذه المحارق ستقفل قريباً” بحسب تقرير منظمة السلام الأخضر الذي يذكر أيضاً أن “اليابان أقفلت 4600 محرقة من أصل 27 ألف محرقة كانت عاملة وذلك بسبب الشروط الصارمة التي فرضت على انبعاثات الديوكسين منذ عام 1999 ، ومن المتوقع أن يستمر إقفال أكبر عدد من المحارق وفقاً لدراسة قامت بها الوكالة اليابانية لحماية البيئة”.

خطتان مختلفتان

عندما أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرها الأخير عن إدارة النفايات الطبية أوصت باتباع خطوات ضرورية على المدى القريب بالنسبة للمحارق الموجودة أصلاً عبر: ” إبعادها عن المناطق السكنية، والحرق بدرجات أكثر من 800 كبداية للاحتراق، وعزل النفايات وفصلها قبل حرقها واستبعاد البلاستيك والمواد المحتوية على الكلور كأكياس الدم، ومراقبة الانبعاثات الغازية ومعالجتها…).

أما على المدى الطويل فقد أوصت المنظمة الدولية واعتبرت أن “هدفها تشجيع طرق معالجة النفايات الطبية التي لاتعتمد على الحرق تجنباً للأمراض والمخاطر المحتملة بسبب الديوكسين والفيوران”.

وهكذا بدأت حملة عالمية لإغلاق المحارق واستبدالها بتقنيات جديدة لمعالجة النفايات الطبية تعتبر صديقة للبيئة أولاً وأقل تكلفة من المحارق. تعتمد الحملة أولاً على تقليص كمية هذه النفايات الطبية من خلال إدارة مختصة في كل مشفى، وكذلك فرز كل نوع من أنواعها وصولاً إلى إعادة تدويرها أو معالجتها بالتقنيات الأحدث والأسلم والأرخص مثل ( تقانة المايكروييف، المعالجة الكيماوية، المعالجة الحرارية دون حرق، المعالجة بالتعقيم البخاري، المعالجة بالتحلل والأكسدة).

وفي سورية أعدت وزارة الصحة خطة في العام 2005 بعنوان “خطة وزارة الصحة لإدارة النفايات الصلبة” ووجهها وزير الصحة لوزير الإدارة المحلية المسؤولة وزارته عن معالجة النفايات الصلبة في سورية.

جاء في الخطة أن وزارة الصحة تفضل اعتماد “التعقيم البخاري الذي أثبت فعاليته وتم اعتماده في معظم بلدان أوروبا وأمريكا” بدلاً من المحارق في معالجة النفايات الطبية بسبب مبررات وردت في الخطة منها: “أنها غالية جداً.. تصدر السموم وليس هناك علاج للغازات السامة..مصدر للعاهات والعقم…وتحتاج لدرجة حرارة عالية 1200-1600 والوصول لهذه الدرجة العالية يتطلب استخدام وقود صاف ومحرقة تعمل بالطاقة القصوى ولوقت طويل..).

وفي وزراة الإدارة المحلية والبيئة قال المهندس صادق أبو وطفة معاون الوزير ورئيس اللجنة التنفيذية لتنفيذ المخطط التوجيهي لإدارة النفايات الصلبة إنه “شخصياً ضد استخدام المحارق وأن تقنية التعقيم البخاري هي المتبعة في معظم المشافي الأوروبية”.

لكن استخدام المحارق -من وجهة نظره- قد يكون مفيداً في حال وجود جائحة مرضيّة للحيوانات في ظروف معينة أي لحرق جثث الحيوانات النافقة.

ومع معارضة وزارة الصحة لاستخدام المحارق وقناعة وزارة البيئة بأضرارها ومخاطرها كما ذكر السيد أبو وطفة ورئيسة دائرة النفايات الصلبة رولا أبا زيد.

إلاّ أن المحارق تسرّبت إلى (المخطط التوجيهي) وأصبحت أعدادها إلى تزايد في سورية بحكم السيناربو الثاني الذي أضيف الى المخطط وأصبح بمثابة القانون.

 

أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) www.arij.net


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *