مبيدات محظورة على ارفف المحال في الاراضي الفلسطينية وتحت عين الرقيب

16 مايو 2014

جريدة الايام – في حين أعلنت وزارتا الصحة والزراعة أكثر من مرة حظر مبيدات حشرية زراعية من الأسواق، لخطورتها على صحة البشر، غير أن هذه الإعلانات والقيود لا تمنع تهريب هذه المبيدات تحت جنح الظلام، من قبل تجار وإيصالها إلى مزارعين لا يعرفون خطورتها القاتلة على صحتهم وعلى صحة المواطن المستهلك.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الزراعة وكذلك وزارة الصحة مراقبتهما للأسواق لمنع تداول هذه المبيدات، كشف معد هذا التحقيق الذي تخفى بصفة مزارع، عن وجود هذه المبيدات وبكثرة في الأسواق الفلسطينية، وقام بشرائها ووضعها أمام الجهات التي تقول إنها تمنعها من التداول.

ويقول د. عقل أبو قرع، وهو باحث وخبير في السموم، إن هناك مبيدات خطيرة جداً توزع في الأسواق، موضحاً أن غاز الأعصاب والكيماوي ينتمي أصلا إلى عالم هذه المبيدات التي يستخدمها مزارعون في معالجة المزروعات، وتنقل إلى المستهلك دون علمه، من خلال الخضراوات أو الفواكه التي يتناولها يوميا.

بدوره يقول د. إبراهيم عطية مدير دائرة الصحة البيئية إن بعض المبيدات التي يستخدمها المزارعون خطيرة جداً على صحة الإنسان، لدرجة أنها تصبح مسرطنة في بعض الأحيان، ولذلك يتم منعها من التداول في الأسواق، في حين يؤكد محمد الصادق مدير دائرة المبيدات في وزارة الزراعة بان مثل هذه المبيدات ممنوعة بشكل قطعي ويتم مصادرتها من الأسواق.

هل هناك مثل هذه المبيدات في الأسواق؟

رغم النفي المطلق من قبل الجهات المسؤولة، لوجود هذه المبيدات أو على الأقل ملاحقتها ومنعها، فقد قام هذا التحقيق على فرضية أن هذه المبيدات موجودة بالفعل في الأسواق، وتباع للمزارعين بشكل علني، بعد تهريبها، دون وعي من قبل المزارعين بخطورتها على البشر.

وخلال البحث العشوائي تم العثور على مبيدين ممنوعين، الأول مبيد من نوع (ديزكتول) ومنه ما هو جاف أو سائل، وعند الحديث مع تاجر في احد المحال قال إنه يعلم انه ممنوع، لكن هذا النوع كان لديه قبل المنع!!.

بعض التجار نفوا أن يكون لديهم أي نوع من أنواع المبيدات الممنوعة، ولذلك قام معد التحقيق، بعد شهر من الزيارة الأولى، بالتخفي بزي مزارع، وتوجه إلى هذه المحال وقام بتسجيل أصواتهم، حيث وجد نوعا آخر من المبيدات الممنوعة يطلق عليه (دورسبان)، الذي ينتمي إلى عائلة الفسفور المحرم.

ومبيد (الدورسبان)، والاسم العلمي له (كلوربيرنوس) ينتمي إلى عائلة المبيدات الفسفوعضوية، وهو مبيد حشري ممكن أن يكون له تأثيرات آنية إذا لامس الجلد، لدرجة انه قد يسبب الشلل فورا إذا كان تركيزه عاليا، ومن ثم الموت، حسب ما يقول الخبير أبو قرع.

ويروي أبو قرع، الذي أجرى أبحاثا على هذا النوع من المبيدات، قصة مزارع كان يرش مزروعاته بهذا المبيد من خلال مضخة حملها على ظهره، وتسرب من المضخة رذاذ من هذا المبيد على ظهر المزارع مباشرة، الأمر الذي تسبب بعد ساعات بوفاته.

ويقول عمر كبها مدير عام حماية المستهلك “الجهة المسؤولة عن وجود هذه المبيدات في الأسواق هي وزارة الزراعة، وهي الملامة”.

غير أن محمد الصادق مدير دائرة المبيدات في وزارة الزراعة قال: “ما يوجد في الأسواق هو من مسؤولية وزارة الصحة، وما يتم استيراده وإدخاله إلى السوق هو من مسؤولية وزارة الصحة، ووزارة الزراعة مسؤوليتها في الحقل للتأكد من خلو المزروعات من الآفات، وجودة المزروعات”.

من جهته، قال د. إبراهيم عطية مدير دائرة الصحة البيئية إن المبيدات المحظورة موجودة في الأسواق، عن طريق التهريب، لكنه أوضح أن “هذه المبيدات يتم متابعتها من خلال زيارات فجائية للمحال التي تبيعها”.

لكن عطية تفاجأ حينما عرض عليه معد التحقيق عبوتين من مبيدات محظورة، قام بشرائها على أنه مزارع، وكان بعضها معروضا على الرفوف العليا من المحل التجاري.

بدوره يقول عمر كبها: إن “حماية المستهلك” لا يوجد لديها قائمة رسمية بأسماء المبيدات الممنوعة والمحظورة من التداول في السوق الفلسطينية.

لكن محمد الصادق يؤكد أن وزارة الصحة والبيئة لديهما ممثلون فاعلون في اللجنة العليا لمتابعة المبيدات، وهم شركاء في اختيار المبيدات المحظورة والمسموح بها، وهو الأمر الذي أكده أيضا عطية، مشيرا إلى ان كافة المبيدات مسجلة في محاضر رسمية، وتشارك في اللجنة العليا أيضا الضابطة الجمركية.

وعاد كبها للقول: “أعتقد ان هناك مشكلة في التواصل بين الجهات المختصة وحماية المستهلك”.

ويقول الصادق “الموضوع ليس سهلا، وهو خطير ويحتاج إلى جهود جبارة لمتابعته”.

ماذا تقول وزارة الزراعة؟

وبعد متابعة الجهات المختصة في المتابعة اليومية لهذا الموضوع، تم التوجه إلى وزير الزراعة وليد عساف، ووضعت العبوات التي تم شراؤها على طاولته، ليرد على اتهامات وجهت للوزارة بالتقصير في متابعة هذه القضية.

ويعزي عساف السبب الأول والرئيس لوجود هذه المبيدات في الأراضي الفلسطينية، إلى “غياب الجانب الفلسطيني عن المعابر المؤدية إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية الفلسطينية”.

ويقول عساف: “غياب الجانب الفلسطيني عن المعابر السبب الرئيس لتسرب هذه المواد إلى السوق الفلسطينية”.

ويشير عساف إلى أن هذه المواد تدخل بالأساس إلى المستوطنات الإسرائيلية، ومن ثم يتم تهريبها من خلال تجار إلى السوق الفلسطينية، مؤكدا على انه “طالما لا يوجد موظفون فلسطينيون على المعابر المؤدية إلى الأراضي الفلسطينية، فلا يمكن ضبط هذه المبيدات الخطيرة”.

غير أن عساف يوضح ان الوزارة، رغم المشكلة التي أشار إليها، تمكنت من ضبط اكثر من ثمانية آلاف طن من هذه المبيدات وتم إتلافها.

وقال: “تبقى النواقص في ظل غياب السيطرة الفلسطينية على المعابر، حيث إنه وبسبب هذا الأمر يتم تهريب المخدرات والسلاح وأشياء أخرى ممنوعة”.

ويضيف: “يجب أن لا ننسى أن هناك 415 مستوطنة، ومن الممكن أن تكون كل منها نقطة تهريب وخطر يهدد المواطن والمزارع”.

إحصائيات!

وحسب دائرة الصحة البيئية فإن 100 حالة تسمم من مبيدات سجلت حتى منتصف العام الجاري، في محافظتي جنين وخان يونس اللتين تعتبران من اهم المناطق الزراعية في فلسطين، وبواقع 22 حالة شهريا.

ويقول مدير الدائرة الدكتور إبراهيم عطية: إن تقديرات الإصابة بأمراض السرطان في الأراضي الفلسطينية تصل إلى 150 حالة لكل 1000، وهو رقم شبيه بمعدلات الإصابة في السرطان في الدول الصناعية.

المزارع لا يعلم!

وخلال إعداد هذا التحقيق، تم ملاحظة مزارعين وهم يقومون بخلط اكثر من نوع من المبيدات مع أنواع أخرى، كون هذه المبيدات تعمل على سرعة نمو المزروعات وتعجيل بيعها.

وقال مزارعون إنهم لا يعرفون مدى خطورة هذه المبيدات لا على صحتهم انفسهم، ولا على صحة المواطن الذي يتناول ثمار المزروعات التي تغذيت ونمت على هذه الأنواع الخطيرة من المبيدات.

ويقول مزارع، طلب عدم نشر اسمه “نأخذ المبيدات من تجار يجلبونها لنا، ونحن لا نعلم مدى خطورتها، أو طرق الوقاية منها، ولا نعرف أصلا أنها سامة”.

ويضيف هذا المزارع: “كنا نغمر القرنبيط بهذه الأنواع من المبيدات لمنع الحشرات من الوصول إليها، ولا نعرف أنها سامة للبشر”.

ولا تصل خطورة هذه المبيدات إلى المزارعين والخضراوات التي يتناولها المواطن فقط، بل تصل إلى الأطفال حينما يلعبون بعبوات هذه المبيدات بعد تفريغها، مثلما حصل مع الطفلة كنانا خليل، التي كانت تلعب بعبوة مبيد حشري فارغة، ما أدى إلى إصابتها بحالة خطيرة كادت تفقدها حياتها، ولم تشف إلا بعد أن نقلت إلى مستشفى داخل إسرائيل وأعطيت ترياقا مضادا للمادة الفسفورية التي كانت في تلك العبوة.

بحاجة إلى قوانين صارمة

ورغم وجود قوانين نصت على حظر المبيدات الخطرة، إلا أن هناك من يقول إن القوانين المعمول بها في الأراضي الفلسطينية “قديمة وبحاجة إلى تعديلات”.

وينص قانون حماية المستهلك رقم (21) للعام 2005، على أنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة اشد لأية نتيجة جرمية ناشئة عن ارتكاب أي مخالفة، يعاقب من يرتكب المخالفة التالية بالآتي:

  • كل من عرض أو باع منتجا مخالفا للتعليمات الفنية الإلزامية، يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار اردني أو ما يعادلها أو بالعقوبتين كلتيهما.
  • كل من عرض أو باع منتجا ينطوي استعماله على خطورة ما، دون أن يؤشر أو يرفق به تحذير يبين وجه الخطورة والطريقة المثلى للاستعمال أو الاستخدام يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على ستة اشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا أو بالعقوبتين كلتيها.
  • وتنص مادة رقم (6) من القانون على “كل من صرف سلعاً تموينية أدخلت للبلد بطرق غير شرعية، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة ثلاثة آلاف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا، أو بالعقوبتين كلتيهما”.

وأعلن وزير الزراعة، وبعد أن عرضت أمامه عبوات لمبيدات محظورة يتم تداولها بالعلن في السوق الفلسطينية، ان الوزارة ستقوم بعمليات مداهمة لمحلات بيع المبيدات ومحاسبة كل ما يتاجر بها.

وبحسب عساف فإن اللجنة الوزارة الاقتصادية ستقدم إلى النائب العام ورقة بالاستناد إلى القوانين الثلاثة (قانون حماية المستهلك، وقانون منع التهريب، وقانون عدم التداول بالمنتجات القادمة من المستوطنات)، للتعامل مع مخالفات الاتجار بالمبيدات الزراعية الخطيرة.

غير أن رأياً قانونياً في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أشار إلى أن هذه القوانين باتت قديمة وغير فاعلة، وبحاجة إلى تعديل لقوانين عصرية.

وفي هذا الموضوع يقول المحامي موسى أبو دهيم من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “القوانين المعمول بها بشأن المبيدات الزراعية هي قوانين قديمة وبحاجة إلى تعديلات وإبدالها بقوانين عصرية، قادرة على مواجهة هذه الآفة.

تم إنجاز هذا التحقيق بدعم من شبكة (أريج) بإشراف ومتابعة حسام عز الدين، ونشر بالتنسيق بين صحيفة “الأيـام” وشبكة فلسطين الإخبارية.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *