بعد مرور عام كامل على جائحة كوفيد -19، وجد العرب أنفسهم تحت وطأة تبعات سياسات حكوماتهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
“فالج لا تعالج” في لبنان، و”عظام الرقبة” في فلسطين، وصولا إلى جدل عدالة التوزيع في الأردن، مرورا باللقاحات المدفوعة في مصر، وانتهاء بالبحرين؛ حيث اللقاحات الغزيرة يقابلها تهميش لحقوق للعمالة الوافدة بالوقاية. عبارات تلخص الحالة العامة للقاحات في هذه الدول.
محسوبيات
“الواسطة” والمحسوبية وغياب المعايير والخطط الواضحة، كانت سمات مشتركة لبعض الدول العربية في طريقة تعاملها مع ملف اللقاحات. كان المشهد فظا في لبنان؛ حينما تلقى أعضاء المجلس النيابي اللقاح متجاوزين الكوادر الطبية وكبار السن والمرضى، ما أحدث ضجة دفعت بالبنك الدولي إلى التهديد بوقف إرسال اللقاحات.
يتساءل أكرم أبو حمدان 69 عاماً بامتعاض لماذا لم تصله رسالة من المنصّة بعد، لتحديد موعد أخذ اللقاح بالرغم من تسجيله في 30 كانون الثاني/ يناير 2021، خصوصاً أن نوّاباً دونه عمرا أخذوا اللقاح من دون التسجيل رسميّاً للحصول عليه وفق الإجراءات المتّبعة.
لم يصله الدور في التلقيح حتى بعد مرور نحو شهر على بدء وصول اللقاحات إلى لبنان، برغم معاناته من ضعف في عضلة القلب، وإصابته بجلطات وأمراض الضغط والكوليسترول، ولكن “هالدولة فالج لا تعالج”، وفقاً لأبو حمدان الذي يعتبر أنّ “من سرق أموالنا وأرواحنا ومستقبلنا، لن يصعب عليه سرقة لقاحاتنا؟!”.
المشهد لم يختلف كثيرا في الأراضي الفلسطينية. تفاقمت الحال الإنسانية بسبب تفشي الفيروس بشكل غير مسبوق. الشاب فادي عبد الله، فقد والدته بعد إصابتها بالفيروس. ألقى باللوم وهو يبكي بعد دفن والدته، على الجهات الصحية بسبب تأخرها في توفير اللقاح وتوزيع الكميات المحدودة على المسؤولين وأقاربهم، “احنا مواطنين درجة ثانية، ما في اهتمام بكبار السن، وإذا لم تكن من عظام الرقبة، لن تحصل على شيء، أمي كانت تعاني من أمراض، ولو وفرت الوزارة التطعيم مبكرا، لاختلف الحال”.
انتقادات حادة صدرت عن مؤسسات في المجتمع المدني وناشطين للحكومة بسبب طريقة توزيع اللقاحات على المسؤولين والمتنفذين وأقاربهم، وسط مطالبات – لم تلق استجابة – بتشكيل لجنة تحقيق للنظر في الأمر ونشر أسماء وأماكن عمل من تلقوا التطعيمات.
وزارة الصحة اعترفت تحت وطأة تزايد الضغوط والاتهامات لها، بإعطاء اللقاحات لمسؤولين وموظفين في الرئاسة ورئاسة الوزراء، وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ممن تزيد أعمارهم عن 65 سنة، ولجنة الانتخابات، وبعض السفارات الدولية، وأعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم، بالإضافة إلى ما يقرب من 100 طالب كانوا بحاجة إلى اللقاح للسفر بحسب ما قالت الوزارة.
في مصر أخذت القضية بعدا آخر، تمثل بغياب خطة واضحة لتوفير اللقاحات، وتوجه الحكومة لفرض رسوم عليها أو مطالبة ملايين محدودي الدخل بالتقدم بطلب إعفاء من الرسوم، ما ينذر بتعزيز حالة عدم التكافؤ في الحصول عليه، وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش”. المواطنة أسماء أحمد من القاهرة غير مسجلة في برنامج “تكافل وكرامة” الحكومي، ولا يسمح لها بتلقي اللقاح بالمجان لإنها ليست من ضمن الفئات المشمولة بالتطعيم المجاني بحسب تصنيفات الحكومة. ترفض أسماء دفع مبلغ 200 جنيه لتلقي اللقاح ” إن لم يكن بالمجان، فأنا غير مستعدة للدفع”.
المنظمة الدولية طالبت الحكومة المصرية بتعزيز الإجراءات التي اتخذتها لتوفير اللقاحات بشكل عادل للجميع، واعتبرت أن “فرض رسوم على الفقراء من المصريين لقاء لقاح ضروري يتعارض مع الحق الإنساني الأساسي في الصحة ويعكس خللا في أولويات الحكومة.
في الأردن، تعالت الأصوات المطالبة بالحصول على نصيبها مع بدء وصول اللقاحات، خصوصا بعد توقيف السلطات الأردنية، في كانون الأول الماضي الصحفي جمال حداد، بعد نشره مقالا بعنوان: “وماذا عن الشعب!! هل وصل مطعوم (لقاح) فايزر سرا ويتم تطعيمه لكبار المسؤولين في الحكومة الأردنية”.
الطبيب ثائر شطناوي 33 عاما، سجل على المنصة الالكترونية الخاصة بالتطعيم الوطني، في نهاية كانون أول الماضي، لكنه اصطدم بإجراءات وصفها بغير العادلة وكان يمكن تجنبها لو أن الحكومة طبقت البروتوكول الطبي في عملية التوزيع. يعاين شنطاوي نحو 200 مريض يوميا في مركز صحي حوارة، التابع لوزارة الصحة بمحافظة اربد شمال عمان، ويعيش حالا من الهلع خوفا من إصابته بالفيروس، لإنه مريض بالسكري. وجه اتهاما للجهات الصحية بتسريب اللقاحات من دون وجه حق لعشرات الأشخاص، مستغلين علاقاتهم مع مسؤولين. هذا الحال أفقد والده الحق في تلقي اللقاح رغم أنه مريض في ال 65 من عمره.
عزوف وتردد
إلى جانب سوء إدارة الحكومات ملف اللقاحات، شهدت دول عربية عزوفا عن التسجيل لتلقي التطعيم. فكانت مصر مثالا بارزا على هذه الحالة. لم يتقدم لطلب اللقاح على الموقع الإلكتروني الذي أطلقته الحكومة المصرية مطلع آذار/ مارس سوى نحو 150 ألف مصري في الأسبوع الأول؛ رغم أن الفئات المستهدفة في المرحلة الأولى تبلغ نحو 20 مليون شخص.
حال العزوف امتدت قبل ذلك إلى الطواقم الطبية؛ في المشافي المصرية تلقح نحو 10 آلاف من الكوادر ابتداء من 24 يناير/ كانون الثاني الماضي. لكن، تظل هناك نسبة رفض لتلقي اللقاحات تزيد عن 30% من الطاقم الطبي، نتيجة الخوف من المجهول حسب تعبير وزيرة الصحة المصرية هالة زايد.
سبب آخر تعرضه شيرين المهندس عضو مجلس نقابة الأطباء الحكوميين بمصر، يتمثل بالمخاوف من الآثار الجانبية لتلقي اللقاح المذكورة في البروتوكول المخصص من الوزارة. المهندس رفضت التسجيل على أمل الحصول على نوع لقاح أكثر أمانا من النوع الصيني، إلى جانب استكشاف ما حل بالأوائل من الحاصلين على التطعيم.
هكذا حال والدة الشاب علي محمود من رام الله والذي سجل والدته المسنة على المنصة الحكومية من دون علمها، وهو يحاول باستمرار إقناعها بتلقي اللقاح، لكنها ترفض، وتقول له: “والله لو شو ما يصير ما بخليهم يعطوني إياه”. علي أصبح غير واثق من إقناعها، وسيظل يحاول معها لحين اتصال وزارة الصحة به.
كذلك، لم يكن صافي حسن 64 عاما من رام الله من ضمن 100 ألف مواطن سجلوا على المنصة الحكومية خلال أسبوعين من إطلاقها؛ رغم أنه يعاني من أمراض عدة، ويعتبر أن “اللقاح غير آمن”، لذلك قرر الاستمرار في اتباع إجراءات الوقاية وعدم إدخال نفسه في المجهول، بحسب تعبيره.
يتفق المسن أحمد مصطفى 75 عاما، من مخيم الوحدات بالأردن مع صافي حسن، وذكر أنه بغنى عن تلقي لقاح غير معروف النتائج “أنا أعاني من الضغط والسكري، ولا أعرف ماذا سيحصل لي بعد اللقاح، أخاف ألا يتحمل جسمي”.
تمييز من نوع آخر
آلية التسجيل الإلكتروني المتبعة في البحرين تستبعد 4% من العمالة المهاجرة غير النظامية، بسبب عدم إمكانية توفير المعلومات المطلوبة لاستكمال التسجيل؛ إما بسبب انتهاء صلاحية بطاقة الهوية السكانية، أو بسبب عدم معرفة حامل البطاقة المهاجر عنوان الكفيل. ما يجعل العمال غير النظاميين يخشون الكشف عن أنفسهم وعناوينهم.
يحدث ذلك، رغم أن البحرين كانت من أوائل دول المنطقة، في بداية برنامج التطعيم منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فقد استكمل نحو 14% من سكان المملكة جرعتي التطعيم من أربعة أنواع من اللقاحات، فيما أخذ 22% من السكان الجرعة الأولى.
بحسب وزارة العمل في المنامة، بلغ عدد المخالفين 67 ألفا، يشكلون 12.6% من إجمالي عدد العمال النظاميين وأصحاب العمل الأجانب المصرح لهم بالعمل، ويعني ذلك أن 8,3% من الأجانب المقيمين في البحرين، لن يكون بمقدورهم الحصول على اللقاح. لم يستطع أي من العمال غير النظاميين الحديث علنا عن هذا التمييز، ويفضلون الصمت والاستمرار في أعمالهم على المطالبة بلقاح قد يرحلهم إلى بلادهم.
تمييز فاضح عنوانه: إسرائيل!
حالة الغضب الشعبي من توزيع اللقاحات في الأراضي الفلسطينية، جاءت بعد أشهر من الانتقادات لإسرائيل، لعدم إدراج الفلسطينيين ضمن برامج التطعيم المتقدمة التي شرعت بها نهاية العام الماضي. حيث قالت منظمات حقوقية إنها تتحمل مسؤولية تطعيم الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتؤكد الجماعات الحقوقية على وجوب تزويد إسرائيل الفلسطينيين بنفس فرص الحصول على اللقاحات التي يحصل عليها سكانها، مستشهدة بالقانون الدولي الذي يحدد مسؤوليات سلطات الاحتلال.
يُحمل حسين أحمد 60 عاما من قلقيلية، إسرائيل المسؤولية عن توفير اللقاح، لكنه في المقابل يلوم السلطة الفلسطينية لعدم قيامها من البداية بمطالبة سلطات الاحتلال بتوفير التطعيم لكل الفلسطينيين. يقول أحمد بحسرة بعد أن فقد شقيقه السبعيني: “بين الطرفين نفقد يوميا أحبائنا، من دون أن نتمكن من وداعهم، هذا استهتار مزدوج بصحتنا”.
لكن إسرائيل اتخذت في مطلع آذار/مارس خطوتها الأولى لتوفير جرعات لأكثر من 100 ألف عامل فلسطيني يعملون لديها أو في مستوطناتها المقامة على أراضي الضفة الغربية، في خطوة وصفها حقوقيون بأنها “انتهازية رخيصة”؛ تسعى من خلالها السلطات الإٍسرائيلية لحماية سكانها من مخالطة العمال، وتسويق وجه إنساني للعالم.
Leave a Reply