"لعنة السماوي".. غازات سامة تنفث في صدور أهالي شط السلام

3 أكتوبر 2014

جريدة المغرب – تونس –  “لم يعد باستطاعتي العيش بدونها”، تشتكي فاطمة وهي تنزع غطاء “بخاخة الدواء”، قبل أن تطلق منها ثلاث بخات في فمها، ومثلهنّ لحفيدتها رحمة ذات السنوات التسع. الجدة والحفيدة تعانيان من ضيق تنفس حاد بسبب غازات تطلقها مداخن مجمّع الصناعات الكيميائية بقابس.

فاطمة بدأت مشوارها مع المرض عام 1979، بعد ثماني سنوات على بناء المجمّع، الذي يبعد 500 متر عن منزلها بمنطقة شط السلام. حفيدتها انضمت إليها في المعاناة؛ عينتان من عشرات المرضى في منطقة شط السلام – غالبيتهم من الأطفال والمسنين- تتفاقم مشاكلهم مع تغير مجرى هبوب الرياح باتجاه الشرق وقدوم ما يسمى “ريح السماوي” التي تحمل معها عناصر كيميائية ينفثها المصنع في سماء قابس.

فبالكاد يخلو منزل في المنطقة من مصاب بمرض يسببه هذا التلوث، مثل الحساسية الجلدية أو هشاشة العظام أو أمراض الجهاز التنفسي، لا سيما الربو. هذا ما وثقّه معد التحقيق – بعد شهور من تقصي آثار مخلفات المصنع الصلبة “الفسفوجيبس” والدخان المتصاعد من مداخنه.

لعنة السماوي

“لعنة السماوي”.. هي ما تخشاه بثينة التلمودي (35 عاما). فمع اشتداد هبوب الرياح تأخذ حذرها، فتجهّز بخاخ الدواء “اسيبرول 100” للتدّخل السريع مع ابنها هيثم (11 عاما)، الذي يعاني منذ سنواته الأولى من

حساسية مفرطة في الجهاز التنفسي.

هيثم واحد من بين 56 طفلا مصابا بأمراض في الجهاز التنفسي في شط السلام، وفق استمارة وزعها كاتب التحقيق على 142 منزلا يقطنها 630 شخصا، أي ما يعادل 8.88 % من سكان منطقة شطّ السلام بقابس، البالغ عددهم 7352، وفق بلدية المكان.

 وأظهر الاستبيان أن واحدا من كل ثلاثة أطفال (56 طفلا من 164) في هذا الحي، يعاني أمراضا في الجهاز التنفسي كما أن عدد المصابين بأمراض في الجهاز التنفسي يمثلون 15,55 % من أفراد العينة..

هذه النسبة تزيد 6 أضعاف عن المعدل العام المسجل بولاية قابس والمقدر بـ2.3 % سنة 1995، بحسب دراسة أجراها أستاذان في كلية الطب بتونس بإشراف وزارة الصحة التونسية. وتحتل هذه الولاية المرتبة الثالثة على مستوى الإصابات بأمراض في الجهاز التنفسي على الصعيد الوطني، وفق ما انتهت اليه الدراسة التي تصدّرت فيها ولاية اريانة المرتبة الأولى بـ4.8 %، التي تضم منطقتين صناعيتين يوجد بهما مصانع استخراجية وتحويلية، مثل الاسمنت والنفط.

مسؤولية انتشار أمراض الجهاز التنفسي بين سكان الأحياء المحيطة، تقع على مجمع قابس الصناعي، حسبما يوثق هذا التحقيق، مفنداً دراسات سابقة ترجع معاناة الأهالي إلى انتشار حيوانات أليفة والتدخين. (كما يرصد قصور قانون البيئة الحالي بسبب عدم تطبيق المخالفات فيه من غرامات مالية وعقوبات “غلق المنشأة” للمخالفين، فضلا عن تقصير أجهزة الدولة الرقابية – خصوصا إدارتي البيئة الصناعية والتجهيز والتهيئة الترابية بوزارة البيئة والتنمية المستدامة في مخالفة المجمع بسبب تعديل قانون البيئة لسنة 2010 وتأجيل دخول القانون حيّز التنفيذ إلى سنة 2016).

غياب الإرادة السياسية قبل 2011 في معالجة أزمة التلوث بقابس، والحدّ من الانبعاثات الغازية الصادرة عن المجمع الكيميائي، لا يعفي إدارة المجمع من مسؤوليتها بعدم تطوير تجهيزاتها وتطبيق المعايير الدولية، حسبما يجادل الناشط البيئي سامي قيزة، الذي وضع دراسة عام 2013 حول الأضرار البيئية للمجمع.

تضارب في تحديد المسببات

ذلك البحث سبقه بحث آخر للطبيب فوزي بالي سنة 1995 بعنوان: “الانتشار التراكمي لمرض الربو  وأعراضه الواضحة في قابس”، الذي تستند إليه “السلطات” للطعن في ربط التلوث بانتشار الأمراض. ذلك أن د. فوزي استنتج في بحثه أن التدخين والحيوانات الأليفة هما السببان الأساسيان وراء تعرض سكان في المنطقة لتحسس في الجهاز التنفسي، مستبعدا مسؤولية المجمع الكيميائي بقابس عن ذلك. لكن تلك الدراسة التي انفق عليها الطبيب “من ماله الخاص وأجراها بدافع خاص”، كما يقول، تظل محل طعن بينما تستأنس بها الجهات القضائية لرفض النظر في قضايا التعويض، التي تمتنع السلطات الجهوية عن تحديد عددها. على أنّ قراءة في نتائج استبيان مُعد التحقيق تثبت عكس ملاحظات تلك الدراسة. إذ كانت إجابات الأهالي بالنفي عن سؤال: هل لديك حيوان أليف؟ فمن يمتلكون حيوانات أليفة – وهي بالأساس طيور وأغنام- يمثلون 0.79 % من العينة، في حين أجاب 41 % من المستجوبين؛ وهم من النساء والأطفال، أنهم لا يدخنون، بينما تتجاوز نسبة المدخنين في صفوف الرجال فوق 70 %.

وزارة العدل ترفض الكشف عن عدد القضايا التي رفعها متضررون ضد المجمع منذ 1992، تاريخ أول قضية ضد المجمع. على انها تؤكد على أن محاكم قابس (الابتدائية والاستئناف)، لم تحكم في أي من القضايا لمصلحة رافعيها.

خسائر وملوثات

إدارة المجمّع ترجع عدم قدرتها على مواءمة عملية الانتاج وأجهزة الفلترة مع المعايير الدولية إلى “الظروف المالية  الصعبة التي يمرّ بها المجمّع منذ عام 2011”.

مذاك شغّل المجمع أكثر من 10 آلاف موظف جديد تحت ضغط الشارع، ليرتفع العدد الكلي إلى 14 ألف عامل، وفق نجيب مرابط مدير عام مجمع الصناعات الكميائية والفسفاط (الفوسفات)، علما أنه لا يحتاج إلى أكثر من 4000 موظف/ عامل.

وبعد أن كان قطاع الأسمدة والفوسفات يحقق لتونس سنة 2010 أرباحا تقدر بـ850 مليون دينار (540 مليون دولار) سنويا، تراجعت بسبب الاضطرابات الأمنية، قبل أن تنتهي الحصيلة إلى خسائر تقدر بـ3 مليارات دينار (1.8 مليار دولار)، من عائدات مهدورة بسبب عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات، وذلك في 2011 و2012 و2013، وفق بيانات وزارة الصناعة والمجمع الكميائي التونسي.

هذه العائدات المهدورة جراء الترهل الاداري، أدت إلى سحب الموارد المالية التي كانت مخصصة لتحديث تجهيزات المجمع، وفق ما يشخص مرابط، الذي يرفض الكشف عن بند الأجور، رغم مدّه بمعطيات تتعلق بأنها تناهز الـ140 مليون دينار (90 مليون دولار) سنويا، أي ثلث نفقات المجمع.

1

تركيب وحدتين وتطوير نظام الفلترة و”غسل الأدخنة المزدوج”، يتطلب 400 مليون دولار، ما يزيد بـ130 مليون دولار عن نفقات المجمع السنوية بما فيها الرواتب، حسبما يشرح مدير عام المجمع.

ويؤكد أن أنظمة الفلترة والتنقية التي واكبت المجمع منذ إنشائه (1971) تقادمت ولم تعد فاعلة، إذ كانت تعتمد على “الامتصاص الأحادي” وتصريف الفسفوجيبس في البحر، أو “تكديسه في فضاء معدّ”.

إدارة المصنع أدخلت تقنية الامتصاص الثنائي في 4 من 6 مداخن بدءا من 1994، وفق مرابط الذي يتحدث أيضا عن تأخير اعتماد مشروع تأهيل بيئي – كان يفترض الانتهاء منه في 2013- في وحدتين من وحدات الصناعة بالمجمع الكيميائي، قصد تأهيل غسل غازات الأمونيا والتخفيض من انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكبريت.

اختصاصية الأمراض الصدرية د. سميرة مرعي تعتبر أن استنشاق غاز “ثاني أكسيد الكبريت المعروف باسم (SO2) هو السبب الرئيس في إصابة أهالي منطقة شط السلام بأمراض صدرية”. إذ يمكن أن يلحق هذا الغاز أضراراً بالجهاز التنفسي والوظائف الرئوية ويتسبّب في التهاب السبيل التنفسي، ما يؤدي إلى السعال وإفراز المخاط وتفاقم حالات الربو والتهاب القصبات المزمنة. هذه الحال تجعل المصاب أكثر عرضة لأنواع العدوى التي تصيب مجرى التنفس.

ووفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية بعنوان: “دلائل منظمة الصحة العالمية الخاصة بجودة الهواء.. أحدث المعلومات العالمية لعام 2005″، فإن هذا الغاز يساهم في زيادة معدلات دخول المستشفى بسبب الأمراض القلبية ويرفع معدلات الوفيات خاصة في الفترات التي ترتفع فيها مستويات ثاني أكسيد الكبريت.

ذكرى الغازات

من بين المرضى المزمنين رحمة التلمودي ذات الـسنوات التسع، وتعاني – مذ كانت في سنّ الثالثة – من حساسية في جهازها التنفسي، وفق ما يؤكّد والدها، الذي يستعرض تفاصيل ملازمة المرض لابنته البكر، تخلّلتها الاعتماد على بخّاخة الدواء في المدرسة، في البيت وفي ساحته الأمامية.

تلك الساحة الممتدة على مساحة 20 مترا، هي نهاية حدود الطفلة. إذ تقول: “لا يسمح لي بالابتعاد عمّن هو أكبر مني سنا”، وهذه توصية والديها اللذين اتخذا هذا الإجراء حرصا على أن يكون بجوار ابنتهما حتى “يتدّخلا لتقديم الدواء إن انتابتها أزمة تنفس”.

ففي ذاكرة العائلة ما تزال حادثة 2008 عالقة. يومها تسرّبت غازات من مداخن المجمع الكيميائي، ونقل بسببها عشرات من القاطنين في منطقة شط السلام إلى المستشفيات في حال اختناق، نظراً لتسبب غاز الأمونياك وثاني أكسيد الكبريت في إثارة حساسية جهازهم التنفسي.

معدل الإصابة مرتفع أيضا بالنسبة للنساء، إذ يشكّل عدد المصابات بأمراض صدرية 68,93 % من مجموع المصابين في صفوف البالغين، وعددهم  29 فردا، أي 4,6 % من عينة الاستبيان.

من بينهنّ راوية الفرجي (36 عاما)، وتعاني من مرض في جهازها التنفسي منذ 13 سنة. مذ ذاك تعتمد الفرجي على “الاسبيرول 100″، دواء وصفه لها طبيبها للسيطرة على نوبات ضيق تنفس تصيبها بمعدّل ثماني مرات يوميا. بينما تعدّدت المرات (بمعدل مرتين شهريا) التي اضطرت فيها للانتقال إلى المستشفى لإصابتها باختناق، تقول الفرجي: “أحيا في رعب جراء رياح السماوي”( تطلق هبوب الرياح شمالا تنقل البخارة).

ابحث عن المجمع..

ينفث مجمع الصناعات الكيميائية، أدخنة بيضاء تطّل من مداخن يتراوح طول كل منها بين 25 و70 مترا، بينما يبلغ قطرها 2.2 متر، وفق ما يؤكده عبد الرزاق الثابتي مدير شركة التعهّد والصيانة التي أشرفت على بناء المداخن وتتولى صيانتها.

ويطلق سكان منطقة شط السلام اسم “البخارة” على الدخان الأبيض المنبعث منها، والذي يشمل: “أكسيد الكبريت SOx”، “ثاني أكسيد الكبريت SO2″، “أكسيد النيتروجين NOx”، و”الأمونيا NH3” و “فلوريد الهيدروجينHF”.

إفراز غاز ثاني أكسيد الكبريت، ينتج عن أنشطة ومداخن مجمع قابس المتكون من 6 وحدات صناعية؛ تنتج مشتقات الفوسفات، من بينها الأسمدة، وفق نائب كاهية مدير إدارة البيئة الصناعية بكتابة الدولة (وزارة البيئة سابقا) للتنمية المستديمة يوسف الزيدي.

ويرى الزيدي أن هذا التجاوز ظرفي، مرتبط بظروف مناخية، ليشرح لاحقا لماذا لم تتدخل كتابة الدولة للتنمية المستديمة (الوزارة سابقا) لمخالفة المجمع، كما تنص مهمتها الرقابية؟ وقد صدر امر تطبيقي يتعلقّ بضبط الحدود القصوى عند المصدر لملوثات الهواء سنة 2010، على أن يدخل حيز التنفيذ عام 2013، لكنّه أرجئ إلى 2016″، حسبما يقول الزيدي. فدور مراقبي الوزارة – 3 فقط مكلفون بالرقابة على المجمع- لا يتجاوز اليوم قياس درجات التلوث، ومدى تطبيقها للمعايير الدولية المحدّدة من منظمة الصحة العالمية.

وبعد دخول القانون حيز التنفيذ عام 2016، سيحق لهذه الهيئة إصدار مخالفات مالية بحق المخالف (تحدد لاحقا)، على أن تتصاعد وصولا إلى غلق الوحدة المخالفة، إن لم تلتزم بالتنبيه الموجه اليها (ضمن مهلة زمنية تحددها الجهات الرقابية).

القانون النافذ الآن، هو القانون عدد 34 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007، ويتعلق بنوعية الهواء، وهو يمنح المخالفين فترة سماح –  3 سنوات من أجل صيانة التجهيزات والالتزام بالمعايير – دون توجيه مخالفات مالية. لكن القانون المعدل، يفرض على المؤسسات الصناعية الاستجابة للحدود القصوى لملوثات الهواء تحت طائلة الغرامة الفورية يعقبها أمر بالإغلاق.

الزيدي يرجع تمديد المهلة الجديدة – بعد أن كان من المفترض دخول القانون حيز التنفيذ سنة 2013- إلى استحالة تطبيق الحدود القصوى الواردة بالأمر المذكور في الآجال المحددة لـ”عدة اعتبارات، أهمها أنّ البلاد ومنذ الثورة، تعاني أزمة اقتصادية ومالية، ما يعني أن المجمع باعتباره مؤسسة عمومية لا يحتكم على التمويلات اللازمة لانجاز مشروع التهيئة”.

تفسيرات متضاربة

في كلّ سنة تقرّ كتابة الدولة للتنمية المستدامة (وزارة البيئة سابقا) بارتفاع مؤشرات التلوث في قابس، دون أن تقدّم مزيدا من التفاصيل، حول مدى ابتعادها عن المعايير الوطنية. ويرفض الزيدي تزويد معد التحقيق بهذه النسب، مكتفيا بالقول إنها تشكل “ارتفاعا طفيفا” في نسبة غاز الأمونيا وثاني أكسيد الكبريت والغبار في أوقات متفرقة “نتيجة ظروف مناخية معينة”.

jadwal

حركة الرياح هي التي يلمح الزيدي إلى أن لها دورا في ارتفاع “تلوث الهواء”. إذ يحتوي المجمع على ست مداخن منها “مدخنتان لا تحترمان” المعايير الوطنية في “تصريف الغازات”؛ تصرّف الأولى قرابة 200 غم/ الطن من غاز الأمونيا، 4 أضعاف المعيار الوطني (50 غم/ طن)، في تناقض مع توصيفه السابق؛ “ارتفاع طفيف”.

أما انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت من المجمع، فتصل إلى 13 كلغ/ طن، أي 65 ضعفا عن المعيار الوطني المسموح به (200 غم/ طن)، بحسب رئيس وحدة البيئة بالمجمع الكيميائي بقابس نور الدين الطرابلسي، الذي يقر بانبعاث هذه الغازات إضافة إلى غازات أخرى برائحة كريهة مثل الفلور.

معايير منظمة الصحة العالمية:

ثاني أكسيد النيتروجين( 40 : NO2 ميكروغرام/متر مكعب، المتوسط السنوي و 200 ميكروغرام/متر مكعب، المتوسط لكل ساعة).

ثاني أكسيد الكبريت (20 : SO2 ميكروغرام/متر مكعب متوسط كل 24 ساعة  500 ميكروغرام/متر مكعب متوسط كل 10 دقائق).

انقلاب الجنّة 

قبل بناء المجمع على الشريط الساحلي سنة 1971، كان خليج قابس يوصف بـ”الجنة”. لكن بعد 8 سنوات، بدأت تظهر مشاكل بيئية معقدة جراء إفرازات المصنع، لا سيما وحدة معالجة الفوسفات؛ التي تلقي طيلة أربعة عقود مادة الفسفوجيبس في خليج قابس بحدود 13 ألف طن يوميا، وفق ما يؤكده الطرابلسي. لكنه يرى أن هذه المادة لا تترك أثارا سلبية على البيئة. وهذا ما تؤكده أيضا كتابة الدولة للتنمية المستديمة (وزارة البيئة سابقا).

لكن جمعية حماية المحيط في قابس، لها رأي مخالف. فهي تستدل بنتائج اختبار “الإشعاع” لتؤكد أن الفسفوجيبس “قاتل”. فوفق النتائج المتحصل عليها من الجمعية، فإن نسبة الإشعاع في الفسفوجيبس تصل إلى 4.2 جزء من المليون.

– نتج عن ذلك، تشكل رقعة في البحر من (الفسفوجيبس) – الذي يحتوي حامض فسفوري بتركيز 200 غ للطن- تمتد على مساحة 60 كلم مربع في شكل غلاف سميك، يمكن مشاهدته من الأقمار الصناعية.

الطرابلسي – كما مدير المجمع الكيميائي نجيب مرابط والزيدية – يقرون بأنّ “صرف” الفسفوجيبس في البحر يتسبب بتلوث الشاطئ. كما يقرّون بأن “هذا الحل” كان مقبولا في السبعينيات والثمانينيات لغياب تكنولوجيا بديلة.

الزيدي يؤكد أنّ التلوث طال مساحة 40 هكتارا من البحر بنسب متفاوتة، بينها التلوث بـ”مادة الفليور” والمعادن الثقيلة كالرصاص والكاديوم. وهو لا ينفي أو يؤكد أن تكون لهذه العناصر انعكاسات صحية على المواطنين؛ فهو يربط بين الأضرار الصحية بـ”مدّة التعرّض للتلوث” وبتركيز المواد الملوثة المتعرّض لها.

في المقابل، تقدّم ريم بن عمر أستاذة جامعية مساعدة بكلية العلوم تونس وباحثة في الجيولوجيا، نتائج لبحث علمي أجرته بدءا من سنة 2003. يتضمن تسجيل ارتفاع في نسبة مادة “الكاديوم” بين 2 جزء من المليون إلى 59 جزءا من المليون، متجاوزة  المعايير الفرنسية؛ التي تعتبر أن ارتفاع نسبة الكاديوم فوق 2.4 ج.م.م هو مؤشر للتلوث.

مقارنة ريم لنتائج بحثها بالمعايير الفرنسية، يعود لغياب معيار ثابت في تونس، وفق قولها، مضيفة أن أهم مؤشرات التلوث البحري تسجل في المنطقة الواقعة بين ميناءي الصيد البحري والتجاري، وتحديدا منطقة شط السلام التي يسجل فيها أعلى معّدل لمادة الفليور 8.633 ملغ/ لتر، بينما يسجّل معدّل 12.9% في تربة البحر.

الكّل يقر بالتلوث وينتظر الأبحاث

تقّر جميع المصادر الرسمية، وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، المجمع الكميائي وكتابة الدولة للتنمية المستديمة، وزارة الصحة، بأن “التلوث في قابس حقيقة” وإن كانت بعض المعطيات بشأنها “مضخمة”، لكنهم حينما يوجه لهم كاتب التحقيق سؤالا عن تاثيرات التلوث على الصحة، يجيبون بانّ هذه الجهات اتفقت مع وزارة الصحة عام 2011 على اجراء بحث علمي، لتبيّن حقيقة انعكاسات التلوث على صحة السكان.

وزارة الصحة تؤكد من جانبها، أنها ستكلّف إطارا طبيا بإجراء الأبحاث، كما انها تعتذر عن عدم تقديم أي رأي طبي بخصوص تأثير التلوث على الصحة أو بشأن أرقام عن الوضع الصحي في قابس.

…………………………………………………………..

نقل الفسفوجيبس

تعتزم وزارة الصناعة، والمجمع الكيميائي بقابس العائد اليها النظر في اطلاق مشروع نقل الفسفوجيبس الى مصبّ بمنطقة المخشرمة من معتمدية وذرف من ولاية قابس، ووقع تعيين مدير للمشروع وهو نورالدين الراشدي، الذي اعلن في 2013 عن اصدار كراس شروط ونشر طلب العروض الدولية بشأن تنفيذ مشروع نقل وتكديس مصب الفوسفوجيبس.

ويتضمن المشروع التدابير الفنية، ومنها نقل الفوسفوجيبس الممزوج بالماء الصناعي عبر انابيب من مادة بلاستيكية قطر 500 موضوعة داخل انابيب معدنية معتمدة في نقل البترول، ذات مواصفات عالمية لضمان المقاييس الصارمة، كما تم التنصيص على حماية المائدة المائية من أي تسربات عبر تهيئة المصب، وفق المواصفات العالمية (تغليف قاع المصب بمادة عازلة من المطاط وطبقة من البنتونيت على مساحة 50 هكتارا )، واحاطة المصب بسياج من الاشجار بعرض 100متر.

هذا التصور الجديد لنقل الفسفوجيبس، كان بعد ان فشلت تصورات اخرى منها ما اعلن عنه عبد الرحيم الزواري، وزير النقل في مداخلته يوم 7 جويلية 2006 في مجلس النواب والمتمثل في “مشروع للقضاء على التلوث البحري” في قابس المتسبب فيه مادة “الفوسفوجيبس” حيث قال الوزير انه سيقع نقلها “عن طريق النقل الحديدي”، يومها قال الوزير بأنه “سيتم في أسـرع وقـت بعد” مشيرا الى ان المشروع ينقسم الى تأهيل شبكة النقل الحديدي و مضاعفة الخط الرابط بين وحدات الإنتاج بالنسبة إلى قڤابس ومحطة غنوش، وتهيئة شبكة الخطوط الحديدية ومضاعفة الخط الرابط بين محطتي غنوش على مسافة 23 كم، لكن هذا المشروع لم ينفّذ لعدم نجاعته.

الكاديوم على الخّط

لعنة “الفسفوجيبس” لا تتوقف على ما يسبّبه من تلوث أو على احتوائه “على حامض فسفوري”، يؤدي إلى ارتفاع نسب الإشعاع، التي تظّل مجهولة.
يضاف الى هذا عنصر جديد “الكتيليزاتور” وهي التسمية التي يطلقها العاملون بالمجمع الكيميائي على المادة المسرّعة للتفاعل الكيميائي تستعمل حصريّا بالمجمع كمادة كيميائيّة محفّزة لحمض الكبريت. وتستورد من شركة Mecs Global التي تحذّر على ملصقات منتوجها من مخاطره الصحيّة والمتمثّلة خاصة في تهيّج للعين والجلد والجهاز التّنفسي، وأضرار خطرة إذا ما أُبتلع واستنشق بصفة متكرّرة و لفترة طويلة، وقد يؤدي ذلك إلى تلف الرئتين.

هذه المادة تلقى في مصبّ صناعي بمنطقة قابس، مخصص لتجميع مادة “الكاديوم”، يؤكّد المسؤولون في المجمع الكيميائي على أنها قانونية وتحترم المعايير، فهي على شكل “كثبان” من المواد المتصلبة لمنع انتشارها في الهواء، إضافة إلى تاهيل المكان بتركيز “طبقة” عازلة من البلاستيك على الأرض لمنع تسرب المواد للأرض، وهذا المصب الحديث فتح في 2011 اثر إغلاق مركز “جرادو” لرسكلة النفايات، حث كانت ترسل الفضلات إليه. ويشير الزيدي إلى انّ المصب الحالي الحاصل على اذن من وزارة البيئة، هو مصب وقتي، لا يشكل خطرا على البيئة ولن يسمح باستمراره، تخوفا من ان يكون له على المدى البعيد انعكاسات بيئية وصحية.

ملفات طبية

بالإضافة للاستمارات، تتبع كاتب التحقيق مجموعة ملفات طبية في المستشفى المحلي بمنطقة شط السلام، لقياس مدى آثار التلوث على صحة السكان.
ولدى تحليل مضامين 394 ملفا، لاحظ معد التحقيق أن الأطباء ربطوا بين مرضى الجهاز التنفسي وتلوث الهواء في المنطقة. ورصد 26 مصابا بالربو في العيادة المحلية بمنطقة شطّ السلام 6.59 % من مجموع إصابات المرضى المسجلين في العيادة المحلية، يتوزعون على الجندرين. ويمثل الذكور 20 مريضا بنسبة 76.92 %. كما أن أعمار 50 % من المصابين بالربو تتراوح بين 30 و 50 سنة.

مقاييس جودة الهواء المحيط

– ثاني أكسيد الكبريت ( SO2 ):

تعريف: يتكون غاز ثاني أكسيد الكبريت من ذرتي الكبريت والأكسجين، ويرمز له كيميائياً بالرمز ،( SO2) علاوة على انبعاثه من المصادر الطبيعية، ينتج هذا الغاز من حرق الوقود الأحفوري أو المواد المحتوية على الكبريت.

– المقاييس:

يجب ألا يتعدى متوسط تركيز ثاني أكسيد الكبريت في الساعة الواحدة خلال أية فترة طولها 30 يوما 441 ميكروجرام/ م3(0.169 جزء في المليون) أكثر من مرتين في أي موقع.
يجب إلا يتعدى متوسط تركيز ثاني أكسيد الكبريت في 24 ساعة خلال أية فترة طولها 12 شهرا 217 ميكروجرام/ م3( 0.083 جزء في المليون ) أكثر من مرة واحدة في أي موقع .
يجب ألا يتعدى متوسط تركيز ثاني أكسيد الكبريت في العام خلال أية فترة طولها 12 شهراً 65 ميكروجرام/م3 (0.067 جزء في المليون ) في أي موقع .

– كبريتيد الهيدروجين ( H2S ):

يجب ألا يتعدى متوسط تركيز كبريتيد الهيدروجين في الساعة الواحدة خلال أية مدة طولها 12 شهراً 200 ميكروجرام/م3 (0.14 جزء في المليون ) أكثر من مرة في أي موقع .
يجب ألا يتعدى متوسط تركيز كبريتيد الهيدروجين في 24 ساعة خلال أية مدة طولها 12 شهرا 40 ميكروجرام/م3 (0.03 جزء في المليون ) أكثر من مرة واحدة في أي موقع .

– ثاني أكسيد النيتروجين ( NO2 ):

يجب ألا يتعدى متوسط تركيز ثاني أكسيد النيتروجين في الساعة الواحدة خلال أي فترة طولها 30 يوما 660 ميكروجرام/م3 ( 0.35 جزء في المليون) أكثر من مرتين في أي موقع.
يجب ألا يتعدى متوسط تركيز ثاني أكسيد النيتروجين في العام خلال أية فترة طولها 12 شهرا 100 ميكروجرام/م3 في أي موقع.

– الدقائق العالقة القابلة للاستنشاق:

( Inhalable particulate. PM10 )

يجب ألا تتعدى أقصى درجة تركيز للدقائق العالقة القابلة للاستنشاق في 24 ساعة خلال فترة طولها 12 شهرا 340 ميكروجرام/ م3 أكثر من مرة واحدة في أي موقع.
يجب ألا يتعدى متوسط تركيز الدقائق العالقة القابلة للاستنشاق في العام خلال أية فترة طولها 12 شهراً 80 ميكروجرام/ م3 في أي موقع.

– أول أكسيد الكربون ( CO ):

يجب ألا يتعدى متوسط تركيز أول أكسيد الكربون في الساعة خلال أية مدة طولها 30 يوما 40000 ميكروجرام/ م3 (35 جزء في المليون ) أكثر من مرتين في أي موقع .
يجب ألا يتعدى متوسط تركيز أكسيد الكربون في أي ثماني ساعات خلال أية مدة طولها 30 يوما 10 ميكروجرام /م3 ( 9اجزاء في المليون ) أكثر من مرتين في أي موقع.

– الرصاص ( Pb ):

يجب ألاّ يتعدى أقصى تركيز للرصاص في 24 ساعة خلال أي فترة طولها 3 أشهر 1.5 ميكروجرام / م3 في أي موقع.

– الكبريتات ( SO4 ):

يجب ألاّ يتعدى أقصى تركيز للكبريتات في 24 ساعة خلال فترة طولها 12 شهراً 23 ميكروجرام / م3 في أي موقع.

– الفلوريدات ( Fluorides ):

يجب ألاّ يتعدى المتوسط الشهري لتركيز الفلوريدات خلال أي مدة طولها ثلاثون يوماً 1.0 ميكروجرام / م3 في أي موقع.

– الأمونيا ( NH3 ):

يجب ألاّ يتعدى متوسط تركيز الأمونيا في الساعة خلال أي مدة طولها 30 يوماً 0.8 جزء في المليون أكثر من مرتين في أي موقع.

jadwal2

أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية أريج www.arij.net  وبإشراف الزميلة حنان زبيس والزميل سعد حتر.


المشرفين



تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *