عربة الفول فيها سم قاتل

24 ديسمبر 2012

صحيفة الصباح المصرية – القاسم المشترك الأعظم الذى يجمع الكبير بالصغير.. سكان القصور و سكان الجحور.. شعوب المحافظات المحظوظة وشعوب الأقاليم المنسية المفاجآت التىاكتشفتها «الصباح»بعد رحلة استمرار أكثرمن 4أشهر طافت خلالها4 محافظات،واقتحمت12 مخزن للفول..

الأكلة الشعبية الأولى التى يتناولها الشعب المصرى. 

«عبد الستار» – حارس العقار الذى أسكن به – ثلاث مرات فى اليوم كأنها دواء، لكن «الدواء فيه سم قاتل»، الألم الحاد يعتصر معدة حارس العقار، وينتهى به فى أقرب مستشفى.

سأله الطبيب: أكلت ايه النهارده؟

فول يا دكتور.

تجهّم الطبيب وقال: ناس معندهاش ضمير.. وواصل جهاده فى إقناع «عم عبدالستار» بأن الباعة يضيفون للفول مواد مضرة، وأنه أشرف على حالات كثيرة مشابهة. لكن جهاده راح سدى، لأن اقتناع حارس العقار وأشباهه بالفول أقوى من تحذيرات الأطباء مهما بدت مميتة.

راكور ثابت من مئات سنين

الساعة التاسعة صباحًا، الناس تحيط بالعربة من كل اتجاه.. الجميع يتناول فى نهم شديد طبق الفول بملحقاته.. أحدهم أخذ الطبق والخبز وجلس على الرصيف يتناول إفطاره بعيدا عن الزحام الشديد حول العربة.. لون الفول الأصفر المائل للاحمرار حاصرنى فى ضرورة الوصول إلى غرفة عمليات تجهيز الفول أو «المخزن»، كما يسميه التجار، لأكتشف سر هذه المواد التى تضاف إلى الأكلة الشعبية وتهدد صحة المصريين المتفرغة لمقاومة أمراض أشد خطورة.

بعد أذان الظهر مباشرة قلّت الأعداد، حتى بدأ البائع فى جمع أدواته استعدادًا للرحيل.. اقتفيت أثره حتى وصلنا إلى منطقة عشوائية بميت عقبة تسمى داير الناحية.. دخل أحد المنازل بعربته الصغيرة.. دقائق وخرج متجهًا ناحية محل العطارة المجاور.. استوقفته وبدأت فى تعريف نفسى منتحلًا شخصية «مصور فوتوغرافى» أقوم بتجهيز معرض صور عن المهن اليدوية البسيطة، وطلبت  منه أن أبقى معه يومًا كاملًا من بداية العمل لنهايته حتى أقوم بتصوير مراحل تجهيز الفول وتسويته إلى أن يصل إلى أيدى المستهلك، وذلك مقابل الأجر

الذى يحدده.. وافق بترحيب شديد وابتسم قائلا: «هتدفع كام حضرتك؟»..

ما بين شد وجذب اتفقنا على 100 جنيه نظير البقاء معه يومًا كاملًا..

اتفقت معه أن أعود غدًا بصحبة كاميرتى فى تمام الواحدة ظهرًا، حيث يبدأ كل شىء وأعطيته نصف المبلغ «عربون».

ظهر اليوم التالى وصلت المكان، وهو عبارة عن مخزن صغير داخل بدروم أحد البيوت المتهالكة.. غرفتان مليئتان بالقاذورات وأنقاض الحجارة وخيوط العناكب التى تسكن الجدران الاسمنتية المتسخة.. على الأرض تختلط الأطباق والزيوت والملاعق وزجاجات الطحينة بالقمامة المنتشرة فى كل مكان.. القطط تمر من كل صوب وحدب فوق أدوات الطعام.. الطماطم والبصل ألقاها داخل أقفاص مكشوفة والذباب والحشرات تغطى سطح القفص العارى.. بجانب هذه التلال من القمامة تقف عربة الفول بعد أن أدت مهمتها طوال اليوم العصيب.. فى الغرفة المواجهة موقد كبير متصل بثلاث أنابيب غاز صغيرة، وفوق الموقد تسكن قدر الفول الذى اختلطت رائحته برائحة عفنة محبوسة فى المكان منذ وقت طويل، حيث لا توجد نافذة واحدة لتجديد الهواء فى الغرفة.. بروز فى الجدران يضع عليها أكياس الأرز والعدس والفول المدشوش ومادة صفراء مجهولة الاسم وأخرى حمراء اللون.. راودنى شعور غريب بأن المواد الملونة تلك لها علاقة بكل ما يحدث.

على الأرض ألقوا أجولة الفول النيئ.. وبجانبها صنبور مياه متهالك، وأسفله دلو ملىء بالفول المنقوع فى المياه.. التقطت عشرات الصور للمكان ولكل الأشياء الموجودة به حتى اطمأنوا لوجودى، وأصبحوا يمارسون عملهم أثناء التقاطى الصور دون تحفظ بعد أن جلسوا ساعة كاملة يسخرون ويضحكون، كلما قمت بتصوير شىء ما.

تابعت مراحل تجهيز الفول جيدًا، التى تبدأ بغسل قدر الفول بعد يوم كامل من العمل.. (ملحوظة: بعض البائعين يغسلونها بالماء والصابون وآخرون يكتفون بالماء فقط).

يقوم العاملون بفتح شكائر الفول، ثم وضعه فى دلو ملىء بالماء، ويتركونه لدقائق حتى تطفو القاذورات على السطح (ملحوظة: هناك من يتركونه خمس دقائق وآخرون يكتفون بدقيقة واحدة وهناك من لا يغسلونه أساسًا).

بعد الغسل يتم وضع الفول فى القدر ويضاف إليه ماء نظيف بكميات كبيرة تصل إلى نصف القدر مثلا، ثم يقومون بإشعال الموقد وترك القدر على النار لتسوية الفول الذى يحتاج فى المتوسط ما بين 12 و14 ساعة.

بعد نحو 5 ساعات تتم إضافة كيس «بيكنباودر» أو «بودر»، كما يطلق عليه البائعون.. ليصنع طبقة من الغليان على سطح الماء الموجود بالقدر لسرعة التسوية، وتتراوح الكمية المضافة بين 32 جرامًا و48 جرامًا، وهى مكوّنة من بيكربونات الصوديوم واسيد صوديوم بيروفوسفات ومواد نشوية، وتستخدمها ربات البيوت فى الطهو.

بعد مرور 6 ساعات تتم إضافة الأرز والعدس والحمص والفول المدشوش.. والكميات تعود لكل تاجر و«ضميره» كما أكد لنا أحدهم.. المخزن يضيف الأرز بكميات تصل إلى 2 كيلو، ونصف الكيلو «عدس»، ونصف الكيلو «فول مدشوش»، للقدر الواحدة، وهذا لا يتفق مع الكميات المناسبة التى هى عبارة عن كيلو «أرز» وكيلو «عدس»، ونصف الكيلو «حمص»، ونصف الكيلو «فول مدشوش» لكل قدر.

تتبقى 8 ساعات للانتهاء من تسوية الفول ليكون جاهزًا فى نحو الثالثة صباحا ويستقر فى الأسواق بعد صلاة الفجر مباشرة وحتى صلاة الظهر من اليوم التالى.. وبالطبع يستغل تجار الفول هذه الساعات الثمانى المتبقية على التسوية فى الحصول على قسط من الراحة.. لم أجد سببًا لبقائى معهم وهم مقبلون على النوم.. فاستأذنت على أن أعود إليهم فى تمام الثالثة صباحا لأكمل.

لماذا لم يستخدموا المادتين الصفراء والحمراء طوال عملية التجهيز، رغم أنهم استخدموا المواد الغذائية الموجودة بالمخزن تقريبًا؟ 

سؤال طاردنى حتى عدت للمخزن فى تمام الثانية والنصف صباحًا قاصدًا داخل المخزن، كان الجميع يستعد للمرحلة النهائية: إطفاء الموقد، تقليب الفول داخل القدر.. لمحت أحدهم يلتقط أكياس المادة الصفراء والحمراء ويفرغ محتوياتها فى القِدرين، وكانت الكمية نحو 250 جرامًا من الأصفر والأحمر مقسمتين على القدرين.. سألته: ما هذه المواد الملونة؟.. أجاب دون أن ينظر لى: الأصفر ده كركم.. والأحمر لون صناعى علشان الفول ينطق.

شعور بالريبة انتابنى من هذه المواد الملونة، خصوصا بعد أن رأيت الفول تحوّل لونه من الأسود إلى الأحمر المائل للاصفرار.. طلبت منه أن أحصل على ما تبقى فى الأكياس من المادتين، فرفض فى البداية وقال: ممكن تشتريهم من عند العطار.

بعد إلحاح شديد وافق على إعطائى بقايا المادتين دون أن يسأل عن السبب، ودفعت باقى المبلغ المتفق عليه، وتركتهم وهم يربطون أعلى القدر بالقماش حتى لا يتسرب الفول أثناء الحركة، وخرجوا فى طريقهم إلى السوق مع أذان فجر يوم جديد، حاملين طعام الإفطار لمواطنين، لا يعلم عددهم إلا الله.

كان من الطبيعى أن أفكر فى اقتحام مخازن أخرى حتى أتأكد من أن هذا ليس مجرد تصرف فردى، وبالفعل استخدمت نفس الحيلة السابقة وغيرها؛ لأقتحم 11 مخزنًا آخر فى الجيزة والقاهرة والإسكندرية والقليوبية، منتحلا شخصيات مختلفة ما بين مصور وباحث وتاجر وصاحب مقهى يريد توفير السحور لزبائنه فى شهر رمضان ويسعى للاطمئنان على صحة تسوية الفول.. بالإضافة إلى اعتمادى على معارف شخصية لأدخل بعض المخازن فى الإسكندرية والقليوبية،  قابلت من لا يعلمون أساسا معنى كلمة نظافة.. وقابلت آخرين يبيعون الفول المتبقى من جولة الأمس، وفى المقابل مخازن قليلة تهتم بنظافة السلعة والمكان و ويراعون ضمائرهم فيما يقدمونه للناس.

زادنى قلق أن 80% من هذه المخازن تستخدم نفس المادة المجهولة فى تلوين الفول وتسويته، ولم أجد سوى مخزن وحيد فى الجيزة وآخرين فى القليوبية لا يستخدمان هذه الألوان.. سألت الرافضين لإضافة الألوان: ما سبب عدم استخدامهم لها كباقى المخازن؟ 

«أحمد على»، صاحب مخزن فول بالجيزة، أزاح الغموض عن الأمر بإجابته: نحن نستخدم الفول البلدى وهو لا يحتاج لأى إضافات صناعية.. أما الآخرون فيستخدمون الفول الإنجليزى الصغير، وهو فول أسود اللون يحتاج إلى مادة ملونة ليتحول لونه للأصفر المحمر حتى يتقبله الناس.. وهذه الألوان نسمع أنها مضرة وبعض التجار يستخدمونها لتحقيق مكسب أكبر، حيث إن سعر كيلو الفول البلدى غالٍ ويصل إلى ضعف سعر الإنجليزى.

فى كل مرة كنت أزور مخزنًا يستخدم الألوان الصناعية أحاول جاهدًتا أن أحصل على جزء ولو قليل من المادتين الصفراء والحمراء الموجودتين فى كل المخازن التى تستخدم الألوان، وتأكدت أن المواد التى تم جمعها من 8 مخازن واحدة ولا خلاف بينهما.. نفس الرائحة ونفس درجة اللون ونفس المذاق.. ولكن للفصل فى الأمر بشكل قاطع ذهبت إلى مصدر هذه المواد، وهو محل العطارة.

ألوان محظورة

“دول كلهم واحد يا أستاذ.. ده لون أصفر غروب وده لون أحمر”.. هذه كانت إجابة صاحب محل العطارة الذى أكد لنا أن هذه الألوان تباع لديه ويشتريها دائمًا بائعو الفول لتلوينه، مؤكدًا أيضا أن هذا أمر متعارف عليه ومسموح به، وأن هذه الألوان صحية، ولا يوجد بها أى ضرر.. ويتابع: «مفتشين التموين بيعدوا علينا ويشوفوها ومحدش بيقولنا حاجة».. كل محلات العطارة التى ذهبت إليها كانت تعطينى نفس المواد عندما أطلب ألوان الفول.. ويستطيع أى شخص أن يجرّب ذلك بنفسه.. وجميعهم أيضا يظن أن هذه الألوان صحية ولا تضر الإنسان.. سألتهم جميعًا عن مصدر هذه الالوان؟ بعضهم يؤكد أنها واردة من الخارج، وآخرين يقولون إنها من داخل البلاد دون الإشارة إلى المصدر والبعض يرفض الإجابة.. عطار واحد فقط هو من أجاب عن سؤالى ببساطة مفجرا كارثة جديدة قائلا: «بتتورد لينا من شركات صبغات الهدوم».

أنهيت المرحلة الأولى، وفى حوزتى ألوان صناعية مجهولة تضاف إلى طعام الفقراء.قفزت إلى المرحلة الثانية والأهم التى ستحسم طبيعة هذه الألوان.. توجهت إلى المعامل المركزية لوزارة الصحة بشارع الشيخ ريحان ودخلت معمل الألوان بالطابق الأرضى، وطلبت تحليل العينات، فوافقت الإدارة على استلام الألوان وتحليلها على مسئوليتى الشخصية، وبمقابل رسوم تُدفع بعد انتهاء التحليل الذى يستغرق أسبوعين من لحظة التسليم.

بعد مرور 20 يومًا توجهت مرة أخرى للمعامل لاستلام التقرير ومعرفة نتائج التحليل، وهنا اكتشفت أبعاد الكارثة الكبرى التى تواجه المصريين فى طعامهم الأشهر والأكثر انتشارًا، وجاء فى التقرير ما يلى: «العينة برقم 1 خليط بلون أصفر: تحتوى على لون طبيعى مصرح باستعماله بمرسوم الألوان والقرار 411 لسنة 97 والرمز الكيميائى له هو (e100 ).. العينة رقم 2 خليط بلون أحمر: العينة غير صالحة للاستهلاك الآدمى طبقًا للقانون 10 لسنة 66 لاستعمال صبغات وألوان غير مصرح باستعمالها بمرسوم الألوان والقرار 411 لسنة 97 والخليط يحتوى على أربع صبغات مختلفة هى: (e127) و (sudan I) و (orange dye) و(yellow dye).

القرار 411 لسنة 97 هو قرار وزارى خاص بالألوان المسموح بإضافتها للأغذية، ويحددها القرار عن طريق جدول مرفق به يحتوى على الرموز المختلفة للمواد الملونة المسموح بها.. وفى حالة تأكد الجهات المسئولة أن لونا ما يسبب أضرارا للمواطنين يتم حذفه على الفور من جداول القرار المذكور.

د. «أ . ع » بالمعامل المركزية أكدت لى أن اللون الأصفر أو الـ«e100» هو لون مصرح به ومعروف شعبيّا باسم «الكركم».. أما اللون الأحمر فهو خليط من صبغات مختلفة بينها صبغة تحمل رمز «e 127»، وهو لون صناعى يحظُر استخدامه إلا بكميات محدودة للغاية وفى أضيق الحدود، لأنه يسبب أمراضًا عدة.. أما باقى الألون فمن شدة خطورتها لم تُدرج فى الجداول من الأساس، وتحديدا «sudan I»، وهو لون غير مصرح باستخدامه فى الأطعمة، وتم استبعاده من جداول الألوان المصرح باستخدامها منذ عشرات السنين، ويثير جدلا خارج مصر بسبب أضراره وخطورته الكبيرة على الإنسان واستخدامه الصحيح كصبغة للملابس بأنواعها المختلفة.

المسئولون فى المعمل طلبوا الاحتفاظ بجزء من العينة الخاصة باللون الأحمر لأنهم لم يروا مثلها من قبل.. وعندما طلبوا منى ذلك وافقت وأنا مصاب بالدهشة، لأن هذه المادة تباع فى محلات العطارة ويستخدمها بائعو الفول فى طول مصر وعرضها، ووزارة الصحة لا تعلم عنها شيئا حتى الآن، رغم أنها تضم جهازا للرقابة على الأغذية.

وللتعرف على ماهية هذه الألوان علميّا ومكوناتها وأضرارها توجهنا بالتقرير إلى ا. د. ماهر حلمى، هلال أستاذ كيمياء الصبغات بكلية العلوم جامعة حلوان، الذى علّق على التقرير قائلا: «هذا أمر خطير للغاية.. فهناك صبغتان تدخلان فى خليط اللون الأحمر شديدتا الخطورة وهما: «e127»، و«sudan I».. وهما لونان صناعيان يضيفهما البعض للمواد الغذائية ليعطيا لونًا جذابًا وعميقًا يجذب المستهلك.. المادة الأولى هى «الأريثروسين»، أو«red 3» ويُرمز لها فى دول الاتحاد الأوروبى برمز «e127» واسمها العلمى (2 , 4 , 5 . 7 – رباعى يودو فلورسين)، وهى مركب عضوى «أروماتى» يتبع صبغات «الزانثين» ويستخدم فى تلوين الحلويات والجيلى والعصائر والشيكولاته والآيس كريم والمربى والكاتشاب والبسكويت، كما تستخدم فى أحبار الطباعة، وفى التشخيص مثل الأشعة بالصبغة، وكمادة محفزة للأفلام الفوتوغرافية، وتدخل فى صناعة غسول الفم الشهير (اورالدين) حيث تسبب حساسية وتورمًا فى الجلد».

تم إجراء أبحاث على هذه المادة عن طريق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (fao) ومنظمة الصحة العالمية (who)للأغذية، وأكدت الأبحاث أن الحد المسموح به لاستخدام هذه المادة هو من «0,0 الى 0,1 مللى جرام» كحد أقصى للكيلو جرام الواحد من جسم الإنسان فى اليوم الواحد.

وبحسبة بسيطة نكشف ما يواجه المصريين من خطر داهم على حياتهم من خلال طبق فول.. فالتاجر يضيف نحو 50 جرامًا من المادة إلى قدر الفول الواحدة التى تصنع نحو 50 طبق فول.. أى أن كل طبق يحتوى على 1 جرام من المادة، أى 1000 مللى جرام.. و إذا افترضنا أن الشخص الذى يتناول هذا الطبق وزنه فى المتوسط 100 كيلو، هذا يعنى أن كل كيلو من جسم الشخص يصل إليه 10 مللى جرام يوميا، أى مائة ضعف الحد الأقصى المسموح به من المنظمات العالمية، «منظمة الغذاء و الدواء الامريكية fda» حذرت منها، وذلك لارتباطها بمرض السرطان وخصوصا سرطان الغدة الدرقية، كما تؤثر على الحمض النووى (dna)وتسبب الربو وتؤثر على الحالة النفسية والعصبية للأطفال.

الكارثة الأخرى هى «sudan I» يتحدث عنها د.ماهر قائلا: «ليس المقصود بها دولة السودان التى احتجت على هذا الاسم وطالبت بتغييره لما لها من أضرار بالغة الخطورة تؤثر على حياة الإنسان.. والاسم العلمى لهذه المادة هو ( فنيل أزو) أو (نافثول)، وتوجد فى شكل بودرة لونها بين البرتقالى والأحمر، فهى تنتمى لصبغات الانرو التى يمكن تكسيرها تحت ظروف اختزالية وتعطى «الأمينات الأروماتية» والتى تعتبر مواد مسرطنة.. و استخدام هذه المادة محظور فى معظم دول العالم مثل بريطانيا وهونج كونج والولايات المتحدة واستراليا وكندا والصين ودول الاتحاد الأوروبى بأكمله».

اعتبرت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الغذاء والزراعة للأمم المتحدة هذه الصبغة غير آمنة لتلوين الأغذية منذ عام 1973 وذلك لسميتها الشديدة.

وكالة المعايير الغذائية ببريطانيا (FSA) أكدت أن المادة ملوثة للأغذية واعتبرت استخدامها فى المنتجات الغذائية غير قانونى. 

وفى عام 1975 أجرت المنظمة الدولية لأبحاث السرطان (iarc)، وهى جزء من منظمة الصحة العالمية، أبحاثًا توضح تأثير المادة على الفئران، وكانت النتائج أن هذه الصبغة مسببة للسرطان بشكل عام وخصوصا سرطان الكبد والمثانة، كما أن لها تأثيرًا مدمرًا على جينات الإنسان.

تجارة الألوان مثل «المخدرات»

توجهنا إلى رئيس الإدارة المركزية لشئون البيئة، د. يسرى حسين والتى تضم داخلها إدارة مراقبة الأغذية، وفاجأنا فى البداية بمعرفته بالأمر حينما قال: «تقصد الباعة الذين يلونون الفول بصبغة حمراء» 

صرح د. يسرى أنه يعلم بما يحدث وأن أجهزته تحاول بقدر الإمكان التصدى للأمر، ولكنه يواجه صعوبات كبيرة يرصدها قائلا: «البائع المتجول يتحرك باستمرار، وليس له محل إقامة ثابت، مما يصعب مراقبته جيدا، ودور الرقابة على الأغذية يتلخص فى إصدار الشهادات الصحية للباعة الجائلين للتأكد من خلوهم من الأمراض، ثم الحصول على عينات من سلعته للتأكد من صحتها. والمأزق الذى نتعرض له أن وقت الحصول على عينة ساقطة من بائع جائل لن تجده فى نفس المكان بعدها بساعات فماذا نفعل؟.. وننزل دوما فى حملات بالاشتراك مع وزارة التموين لمراقبة الأسواق بأكملها ولا يوجد تقصير فى هذا الأمر».

د. صلاح عبدالواحد مراقب أول بإدارة الرقابة على الأغذية سألنا عن مصدر التحاليل التى أجريناها فواجهناه بملخص لتقرير المعامل المركزية لوزارة الصحة واختلف معنا فى البداية، فيما يخص تأثير الـ sudan I وe127 ووضعها فى الجداول حيث أكد لنا أن الـ sudan I موجود بالجداول التى تضم الألوان المصرح بها فى مصر، ولكن حصلنا على نسخة من الجداول ولم نجد بها هذه المادة.. مما يؤكد أنها ممنوعة فى مصر.

ويرد د.صلاح، على هذا الأمر قائلا: «دورنا كـ«مراقبة أغذية» أن نحرر محضرا للمخالف ثم نتحرك للتأكد من وجوده مرة ثانية، وإن وجد يتم القبض عليه، وإن لم نجده يتم تحرير محضر جنحة له، وتقوم الجهات المعنية بتتبع خط سيره.. وعقوبته تتراوح من سنة إلى 25 سنة حبس، وغرامة 10 آلاف جنيه، ولدينا مديريات فى كل مراكز المحافظات وكل مديرية لديها مكتب الأغذية المسئول عن الرقابة فى نطاقه الجغرافى يعمل به مراقب عام وتحته مجموعة من المفتشين وهو مسئول عن كل ما يُعرض فى الأسواق من أغذية، وكل منشآت الأغذية الموجودة بالنطاق، ويصل عددهم إلى 3000 مفتش على مستوى الجمهورية».

د.صلاح يؤكد أن السيطرة على أمر كهذا صعب للغاية «مثل تجارة المخدرات» فرغم أنها ممنوعة إلا أنها موجودة، ولا تختفى ويضيف: ليس من سلطتنا أن نمنع العطارين من بيع هذه الألوان لأن هذه الألوان مصرح باستخدامها فى أشياء أخرى بخلاف الأغذية، وأخيرا أؤكد أن المديريات عموما تقوم بدورها وتؤدى واجبها.

كيف تعرف الفول الملوّن من الفول السليم؟

التجار يقبلون على نوعين من الفول، الأول: هو المستورد الإنجليزى، وهو فول صغير ورفيع فى حجمه وأقل جودة من البلدى وثمن الكيلو الواحد 4 جنيهات فقط.. وهو فول أسود اللون يحتاج إلى لون صناعى لتغيير لونه من الأسود للأصفر أو للأحمر.

أما الثانى: فهو الفول البلدى، فهو لا يحتاج لأى ألوان دخيلة وهو فول متوسط الحجم وأكبر من المستورد، وحبيبات الفول متساوية فى الحجم، ولونه أحمر قاتم طبيعى يميل للون البنى، وهو غالى الثمن يصل سعره 10 جنيهات وأحيانا 12 جنيها.. لذلك يستخدمه القليل من الباعة الجائلين بالإضافة إلى المحلات الكبيرة والشهيرة.. وباعة الفول البلدى يضطرون لرفع سعر الطبق أو السندوتش لتغطية تكاليف الفول الأكثر جودة والخالى من الألوان.. وسعر طبق الفول البلدى يتراوح ما بين جنيهين ونصف الجنيه إلى ثلاثة جنيهات، والسندوتش ما بين جنيه ونصف الجنيه إلى جنيهين.

أما بائعو الفول الملوّن فيتراوح سعر الطبق لديهم من جنيه ونصف الجنيه إلى جنيهين وسعر السندوتش من 75 قرشا إلى جنيه. 

راقب حجم الفول ولونه وسعره لتفرق بين الطبيعى والألوان.. ويفضل أن تشترى وجبتك من محلات ذات شهرة فى تقديم الفول حيث إنهم يستخدمون الفول البلدى وعليهم رقابة مستمرة من الجهات المختصة.

الفول الإنجليزى

هذا النوع من الفول ينتج بالخارج لتغذية الأحصنة عليه.. ويسمى «هورس بى»، أما الفول المصرى فيسمى «فابا بى»، والإنجليزى حجم بذرته صغير ووزن المائة حبة منه لا يتعدى الـ40جراما، أما البلدى فحجم بذرته أكبر ووزن المائة حبة منه يتراوح بين 65 إلى 80 جراما.. ونسبة الكربوهيدرات فيها أعلى تصل لحوالى 55 % من الحبة.

أما الفول البلدى فيتم اختباره جيدا وقياس درجة كفاءته وطعمه قبل طرحه فى الأسواق.

رئيس شعبة البقوليات بمعهد البحوث الزراعية يؤكد أن المحاصيل المستوردة من أوروبا قد تكون غير صالحة للاستهلاك الآدمى لأن محاصيلها أحيانا تكون معدلة وراثيا وتحديد صلاحيتها من عدمه مسئولية «الدولة والحجر الزراعى وجمعية المستوردين»، وإن كانت معدلة بالفعل فسوف تؤدى لأمراض خطيرة والعالم بأكمله يشكو من هذه الأنواع المعدلة والدول لا تستخدم هذه الأنواع داخل نطاق دولتهم كغذاء للشعوب ولكن يصدرونها للشعوب النامية.. والمحاصيل المصرية لا تُعدل وراثيا بتاتا، والأصناف طبيعية وسلامة هذه المحاصيل مسئولية «معهد البحوث الزراعية».

المنتج المستورد أرخص لأنه غير طبيعى أما منتجنا فتكلفته أغلى لأنه طبيعى مما يتسبب فى فارق السعر بين المنتجَين الذى يصل إلى الضعف..

قبل عامين وصل سعر الإردب الـ 155 كيلو لـ 1100 جنيه، أما العام الماضى كان بـ 800 جنيه، فالسعر متغير ويتوقف على السعر العالمى. 

والأزمة الأكبر أن وقت حصاد الفول البلدى يقوم المستوردون بطرح الفول المستورد بالأسواق لضرب السوق المصرية نظرالرخص سعر المستورد فيدمرون الناتج المحلى ويضربون سعره ويؤثرون على الاقتصاد.. والدولة لا تُصْدِر أى رد فعل تجاه ذلك.

رحلة الصباح بحثا عن الحل

مطلوب من الرئيس وقف الاستيراد فورا

ذهبنا الي مركز البحوث الزراعية و هو المؤسسة الاولي فيما يخص الزراعة المصرية و التقينا ب د. محمود عبد المحسن رئيس قسم المحاصيل البقولية بالمعهد و ناقشناه في رؤيته للخروج من هذه الازمة و قال ” يجب ان نسعي لزيادة الرقعة الزراعية للفول و لمحاصيلنا عموما و نزرع اراضي المدن الجديدة و بالاخص سيناء شمالا و جنوبا و شرق العيونات و توشكي و نتوسع فيها لزراعة المحاصيل البقولية المخصبة للارض و تحسن خواص التربة لانها تثبت الازوت الجوي عن طريق بكتيريا العقد الجذرية و بالتالي تضيف للمحصول الذي يزرع بعدها حوالي 25 وحدة ازوت و ايضا نقوم بالتحميل علي الاشجار الذي سيعيطينا عائد اكبر من المحصول الفردي و هذا مكسب للمزارع مما يزيد نسبة الفول المعروض في الاسواق فيقلل من سعره و لا نحتاج للمستورد .. نحن الان وصلنا لنسبة اكتفاء ذاتي من الفول حوال 28 % و من عام 1997 الي عام 2000 كان اكتفائنا الذاتي 100 % .. و الان اصبحنا نستورد الفول رغم اننا دولة زراعية 

و السبب في هذ التراجع هو النظام القديم الذي رفض التوسع في زراعة المحاصيل الرئيسية حتي لجأنا للاستيراد


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *