بدو كل شيء اعتيادياً في قرية “الكستن”، على سفوح جبل “الوسطاني”، أول وهلة.
لا بل قد يسحرك المشهد وأنت تراقب حقولاً مزروعة بالقمح والبقول وأشجار الزيتون، وتدهشك نظافة الهواء وتراصف البيوت، المنحوتة بإتقان، ما قد يجد تفسيره في أن أهالي القرية الخمسة آلاف يتحدرون جميعاً من عائلتين رئيسيتين، تفرعت عنهما مئات الأسر حيث تتم غالب الزيجات بين الأقارب.
مصيبة تختصرها عائلة:
في واحد من تلك البيوت يعيش لسليمان (35 سنة) سبعة أطفال ، أربعة منهم فاقدو البصر هم بنتان وصبيان، ناديا (12سنة) وديانا (10سنوات) ومحمد (6 سنوات) وأحمد (3 سنوات).
لم يولد الأطفال الأربعة فاقدي البصر، كما يؤكد الوالد.
اختلف الأطباء حول السبب المباشر للإصابة بين عطل في الشبكية أو جرثومة بالدم، لكنهم اتفقوا على أن المتهم الرئيسي هو زواج الأقارب. وهو ما يؤكده سليمان المتزوج من ابنة عمه، مستذكراً: “كانت عمة أبي التي توفيت قبل عشرين عاماً، وهي عمة والد زوجتي أيضا، تعاني المرض ذاته”.
كانت حالة سليمان إنذاراً مبكراً مما بات يعرف اليوم “زواج الأقارب”، الذي وصلت نسبته في سورية إلى 38 % من مجموع الزيجات التي تحدث في البلاد، حسب المسح الصحي الأسري المنفذ عام 2009، بالتعاون بين المكتب المركزي للإحصاء ووزارة الصحة وهيئة تخطيط الدولة والهيئة السورية لشؤون الأسرة، الذي شمل ثلاثين ألف أسرة من كل المحافظات السورية.
لكن النسبة تزيد أو تنقص بحسب المناطق، وفقاً للدكتور علي رستم مدير الإحصاءات السكانية في المكتب المركزي للإحصاء، “حيث تستحوذ محافظة إدلب على نسبة كبيرة من هذه الزيجات قدّرها المسح بـ 50,2 %، و تبلغ نسبة المعوقين في البلاد نحو 10% بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية من عدد السكان الإجمالي البالغ حسب إحصاء 2009 نحو 23 مليون نسمة”. وتأتي قرية الكستن (55 كم جنوب إدلب) على رأس القرى التي تشهد نسبة عالية من هذه الزيجات، وفقاً لكاتب التقرير ومتابعين آخرين للمشكلة، بينهم مدير صحة إدلب بهيج دويدري، الذي حذر من خطورة استمرار زواج الأقارب في المحافظة عموماً والكستن بشكل خاص.
ما يفاقم الوضع انه لا يوجد في سورية ما يمنع قانونيا زواج الأقارب، عكس الحال في قبرص مثلا التي تمنع هذا الزواج حمايةً لصحة المجتمع. ويقول قانونيون وعلماء اجتماع انه من الصعوبة اتخاذ مثل هذا الإجراء لأنه جزء من الحريات الشخصية التي يكفلها الدستور السوري مع أن السلطات تطلب تقريرا طبيا قبل الزواج يفيد أن الخطيبين خاليان من الأمراض، تصدِّقه نقابة الأطباء, ثم القاضي الشرعي. إلا أن التقرير لا يمنع ارتباط الخطيبين أو يسمح به, بل يبين لهما واقعهما الصحي وإمكانية إصابة أولادهما بالأمراض الوراثية التي يسمح الفحص البسيط باكتشافها.
ويعتبر هذا الإجراء إلزاميا في ثماني محافظات سورية افتتحت نقابة الأطباء في كل منها عيادة متخصصة بفحوص ما قبل الزواج ، لتشمل خطة النقابة المحافظات الست الباقية ومنها إدلب في المرحلة القادمة ، كما يؤكد نقيب أطباء دمشق د. يوسف أسعد .
حسن.. محمود.. وقد تطول القائمة!
غير بعيد عن عائلة سليمان على أطراف “الكستن”، ولد لمحمود يوسف وزوجته (ابنة عمه)، قبل نحو أربعين عاما (تحديداً 1969)، ابنهم البكر حسن. وقد اتضح لاحقاً أنه باكورةُ جائحةٍ أقرب إلى اللعنة، حلّت بالعائلة والقرية خلال السنوات الأربعين اللاحقة.
حسن كان الوحيد الذي ولد لأبويه معاقاً بين خمسة أولاد. فلم يتجاوز عامه الثاني حتى تبين أن شللاً أصاب طرفيه السفليين وتحول مع السنين إلى ضمور في العضلات، عجز معه عن المشي على رجليه. واليوم لا يتجاوز طول حسن متراً واحداً ووزنه أقل من 40 كيلو غراماً، يعجز عن الحركة دون “كرسيه” المتحرك ، يتنقل بها لمسافات قريبة.
بعد 25 سنة من تلك الحادثة كرّت السبّحة، فكانت العائلة على موعد مع نسخ مكررة عن حالة حسن، حين تزوج شقيقه الآخر محمد من ابنة عمه التي أنجبت له ثلاثة أبناء معاقين من أصل ستة، أكبرهم محمود الذي توفي قبل ثلاث سنوات، دون معرفة دقيقة لسبب الوفاة. فيما أنجبت شقيقتا حسن بعد زواجهما، الأولى من ابن عمها والثانية من ابن عمتها، طفلين معاقين لكل واحدة، يعانون جميعاً من الحالة التي يعانيها عمهم وخالهم حسن: شلل أطراف سفلية، وضمور أطراف علوية.
والد حسن (محمود يوسف) الذي عاد وتزوج بعد أن بلغ الستين من عمره، وهذه المرّة من امرأة لا تربطه بها صلة قربى، أنجب ستة أبناء لا يعانون من أية أمراض أو إعاقات، لكن أبناءه من زواجه الأول استمروا في إنجاب أطفالٍ، بينهم معوقون.
زواج أقارب عن سبق إصرار.. وتسليم!
يترافق هذا العدد الكبير من الإعاقات مع قدر كبير من التسليم بقضاء الله وقدره، وبدا ذلك جلياً في قرية
القبو (25 كم غربي حمص – 9300 نسمة وفقا لإحصاء 2009)، حيث رفض معظم الأهالي التصريح عن عدد الإعاقات لديهم مؤكدين أن “الله قدّر وما شاء فعل”. وقد أحصى كاتب التحقيق، بالتعاون مع صحفية تعود أصولها للقرية ومعالجة فيزيائية تشرف على العديد من الحالات، ما يقارب تسعين حالة في أسرٍ تكونت بزواج أقارب.
في واحدة من هذه العائلات – تتحفظ “بلدنا” عن ذكر اسمها حماية لخصوصيتها – تم تسجيل أكثر من 50 حالة زواج أقارب، نتج عنها عدد مماثل من الإعاقات، وتتراوح الأمراض بين متلازمة داون وضمور العضلات وأمراض القلب والصمم والبكم والتشوهات الخلقية على أنواعها.
وتدين العائلة بهذا المصير المفجع إلى الجد الأول الذي أفتى قبل نحو مائة عام بعدم زواج أيّاً من أولاده وأحفاده من خارج العائلة، للمحافظة على الإرث ، و تماسك العائلة، وضمان سلالة نقية، على حد اعتقاده.. لكنه ضمن أيضاً، دون أن يدري، ولادة سلالة لديها من الأمراض الوراثية ما يعجز الطب عن علاجه أحيانا. “ولم يتوقف الزواج بين أفراد العائلة إلا عام 2008، بعد نصائح الأطباء المتابعين لحالات الإعاقة، الذين خيّروا الأهل بين وقف التزاوج فيما بينهم أو الاستمرار في إنجاب أطفال معاقين لا أمل في علاجهم”، كما يؤكد مختار القرية عدنان النديم.
طفرة بنسختين!
“ظاهرياً يحمل كل إنسان طبيعي نسخة لمورِّثةٍ، أو أكثر، مصابةٍ داخل خلاياه، دون أن تسبب له أي مرض”، كما تشرح الدكتورة لما الجبّان اختصاصية الأمراض الوراثية من جامعة ويلز(بريطانيا) وعضو الهيئة التعليمية في قسم الأطفال بكلية طب جامعة دمشق، وتضيف: “توجد المورثات بشكل أزواج، لكل مورثة نسختان، نسخة تأتي من الأم والأخرى من الأب ووجودهما معاً يؤدي إلى ظهور الصفات الوراثية عند الإنسان.. وهناك مجموعة من الأمراض الوراثية يزيد زواج الأقارب من نسبتها نسميها الأمراض الوراثية المقهورة. في هذه الأمراض لا يؤدي وجود نسخة واحدة إلى ظهور المرض، ولكن إذا تصادف زواج طرفين يحملان نسخة مصابة من المورثة ذاتها، تحدث المشكلة الصحية بانتقال النسختين معاً إلى المولود. معروف أن عدد المورثات في الإنسان يفوق 24 ألف مورثة، ومصادفةُ أن يحمل شخصان المورثة ذاتها نادرة، لكنها واردة. وإذا انحدر الشخصان من جد واحد، يصبح الأمر غير نادر بل أقرب للشيوع، لذلك تزداد نسبة تلك الأمراض بوجود القرابة، فقرابة الدم من الدرجة الثانية، أي أولاد العمومة، هي القرابة الأخطر أكانت من طرف الأم أو الأب”. وتضيف الدكتورة الجبان: “عائلات كثيرة تعتبر القرابة من طرف الأم غير خطرة، وهذا غير صحيح، لأن الإنسان يأخذ نصف مورثاته من أمه والنصف الآخر من أبيه، بالتالي الزواج بين أولاد الخالة أو الخال أو العمة أو العم، على درجة واحدة من الخطورة”.
ظاهرة سورية .. تزيد أو تنقص!
في قرية الكستن، التي لا يتعدى سكانها خمسة آلاف سُجل ما يقارب مائة معوق، استطاع كاتب التحقيق إحصاءهم خلال جولات وزيارات متكررة على مدى عام. لكن بعض أهالي القرية ممن ساعدوا في إجراء المسح الميداني للمعوقين يؤكدون أن الرقم ربما يفوق ذلك بكثير، خاصة أن بعض الأهالي رفضوا الإفصاح عن أية معلومات تفيد البحث، مفضلين كتمان كل ما يتعلق بولادة أطفال معاقين في بيوتهم، “لاعتبارات اجتماعية..”، كما يقول بعض الأهالي.
بالعين المجردة..
تتفرع عائلات الكستن عن عائلتين رئيسيتين أو جدّين لا تجمعهما قرابة دم (حاج والي ومصطفى ) . تفرعت عن كل واحدة منهما مئات الأسر، كما يقول السيد عبد المالك محمو (مدرس في ابتدائية القرية) وأحد أبرز الناشطين والمتابعين لمشكلة زواج الأقارب في القرية والمساعد الرئيسي في المسح الميداني الذي أجراه كاتب التحقيق، يقول محمو: “الإعاقات الموجودة ناتجة أساسا عن التزاوج بين الأسر ضمن العائلة الواحدة، بينما لا توجد إعاقات تذكر في الأسر الناتجة عن زواج بين العائلتين الأصليتين أو مع عائلات غريبة”. بين 100 أسرة تقصّى عنها كاتب التحقيق، قُسِّمت بالتساوي، (خمسون تربط الأبوين فيها صلة قرابة من مختلف الدرجات، وخمسون لا توجد بين الأبوين صلة قرابة)، تبين أن 42 أسرة بين الخمسين الأولى أنجبت أطفالاً معوقين، وارتفعت نسبة الإعاقات لدى الأسر التي تربط الأبوين فيها قرابة من الدرجة الثانية (أبناء عم أو خال أو عمة أو خالة) إلى 64.2 % من مجمل العينة.. فيما هبطت النسبة إلى 30 % في قرابة الدرجة الثالثة (الأجداد و الجدات أولاد عم، أو خال أو عمة أو خالة)، وفي حالات القرابة من الدرجة الرابعة لم تتعد النسبة 5.8 %.. وتنوعت الإصابات، بحسب مشاهدات فريق المسح، بين التخلف العقلي الشديد والخفيف والصمم والبكم والعمى والحول وضمور الأطراف السفلية والعلوية وفقر الدم المنجلي واعتلال العضلة القلبية والتوحُّد، إضافة إلى حالات أخرى من التشوهات النادرة والغريبة (زيادة أو نقصان في عدد أصابع اليدين أو الرجلين). كما ترتفع نسبة المواليد المصابين بإعاقة ما أكثر في العائلات التي يتزاوج أفرادها فيما بينهم لأكثر من جيل..
و في الخمسين الثانية من العينة، التي لا يرتبط فيها الأبوان بصلة قربى من أي نوع، لم تتجاوز نسبة الإعاقات 4 %.
زواج أقارب أقل.. إصابات أقل:
في قرية “كنيسة نخلة” المجاورة للكستن (4 كم شرقا) يبدو الحال مختلفاً بشكل واضح، رغم أن القريتين تتشابهان في كل شيء تقريبا (اقتصاديا، تعليميا وبيئيا) لكنهما تختلفان في أن زواج الأقارب في الثانية هو أقل بكثير، ذلك أن كنيسة نخلة تتألف من مجموعة عائلات يتفرع عنها عدد أكبر من الأسر، عكس الكستن التي تتفرع جميع أسرها عن عائلتين رئيسيتين. وتم إحصاء تسع حالات في ست أسر فقط من أصل 280 أسرة تتشكل منها هذه القرية، تكونت بزواج الأقارب.. وتنوعت الإصابات بين متلازمة داون (2) وتشوهات خلقية (2) وتوحُّد (2) وبدانة ناتجة عن فرط نشاط الغدة (3).
وفي نفيها لأي احتمالات أو أسباب أخرى قد تكون وراء هذه النسبة الكبيرة من الإعاقات في الكستن تقول مديرة البيئة في إدلب جمانة الحسن: “إن منطقة جسر الشغور التي تتبع لها قريتا الكستن وكنيسة نخلة، تتمتع بمواصفات بيئية وسياحية جيدة، فهي من المناطق المدرجة على لائحة أفضل المواقع الاستثمارية في محافظة إدلب. لا تلوث صناعي فيها ولا صرف صحي مكشوف والمياه من النوع المطابق للمواصفات المطلوبة بحسب التحاليل المخبرية التي تجريها مؤسسة مياه الشرب في جسر الشغور. وتؤكد الحسن أن مديرية البيئة لم تتلق أي شكوى أو اشتباه عن وجود أي تلوث من أي نوع في الكستن أو القرى المجاورة.
سبعة آلاف إلا ..اثنان !!
أظهر تقرير الوضع الراهن للأطفال، الذي أشرفت على تنفيذه الهيئة السورية لشؤون الأسرة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، حول أسباب وفيات الأطفال دون سن الخامسة في سورية، وفقاً لدراسة أجريت عام 2008 وشملت 80 ألف أسرة من كل المحافظات السورية، أن 9.55 % من وفيات الأطفال ناتجة عن وجود قرابة بين الأبوين، وأعلى نسبة بينها عند الأطفال الرضع.
ويشير التقرير إلى أهمية فحوص ماقبل الزواج في الكشف الاستباقي للأمراض الوراثية ، لكن الدكتورة لما الجبّان الاختصاصية في الأمراض الوراثية ** تقول إن الفحوص الطبية قبل الزواج غير حاسمة في الكشف المبكر عن معظم الأمراض الوراثية، التي يصل عددها نحو سبعة آلاف مرض، يستثنى منها مرضان هما فقر الدم المنجلي والتلاسيميا، اللذان يمكن كشفهما بفحوص ما قبل الزواج.
خطوة واحدة لا تكفي..
الجهات الرسمية المسؤولة عن متابعة ظاهرة زواج الأقارب (الصحة والشؤون الاجتماعية) لم تنجح في إقناع الأهالي بمدى خطورة خياراتهم أو أنها لا تحاول بما يكفي، كما يؤكد عبد المالك محمو. تم إنشاء مستوصف طبي قبل سنتين في الكستن، لكن طاقمه الطبي غير مدرب على التعامل مع حالات الإعاقة، فيكتفي بتقديم خدمات طبية اعتيادية لكل المرضى. الجمعيات الأهلية التي تعنى بشؤون المعوقين اكتفت هي الأخرى بتوزيع بعض الحصص الغذائية وبعض الكراسي الخاصة بالمعوقين لمرة واحدة فقط. أما الأهالي فلطالما تعاملوا مع مصابهم باعتباره قضاء وقدراً.
قوة القانون وقوة الوعي..
القانون السوري لا يأتي في أي من مواده على ذكر موضوع زواج الأقارب، وهو حال الدول العربية كلها، بحسب المحامية د. كندة الشماط الخبيرة في هيئة شؤون الأسرة السورية: “سنّ قانون يمنع زواج الأقارب يبدو من المستحيلات في الحياة العربية، لأن النظام القبلي والعشائري حاضر بقوة فيها، ما يعني أن الأعراف والتقاليد تتفوق على القوانين وتعرقل صدورها أحياناً.
مع ذلك ترى الشماط ثغرات يمكن النفاذ منها لمواجهة هذا الواقع، مثل سنّ تشريعات تعطي المرأة حق إبداء الرأي بزواجها دون تدخل أو وصاية.. منع زواج القصّر دون سن 18 بلا استثناءات.. معاقبة كل المشاركين بتنظيم عقود الزواج العرفي من شهود وأولياء أمور ورجال دين.. تفعيل إلزامية التعليم والتأكد من تطبيقها، خاصة بين الإناث، لضمان حصولهن على حد أدنى من التعليم.. تضمين المناهج التعليمية مقررات عن خطورة زواج الأقارب..
يحظى العامل الديني بأهمية بالغة في تشكيل السلوك الاجتماعي للأفراد والأسر، ويمكن استثماره في التنبيه من خطورة زواج الأقارب. الكنيسة في سورية مثلاً تستبعد زواج الأقارب “لما فيه من مخاطر على الذرية” كما يؤكد الأب الياس زحلاوي، ويضيف: “هناك قرار اتخذته الكنيسة بمختلف طوائفها بمنع زواج ابن العم وابنة العم وابن الخال وابنة العمة، ولكن هناك استثناءات لهذه القاعدة خاصة في القرى حيث تقهر التقاليد أي قانون”.
والإسلام يُرغِّب بالزواج من الأباعد، تمثلاً لحديث نبوي “اغتربوا لا تضووا”. ورغم أن الحديث لا يحرّم زواج الأقارب، كما يقول د.محمد حبش مدير مركز الدراسات الإسلامية بدمشق النائب في مجلس الشعب، “إلاّ أنه يحق لولي الأمر شرعاً (الدولة في هذه الحالة) أن تحرّم بعض المباح إذا ثبت ضرره”. لكنه استبعد إقدام المجلس على سن قانون يمنع زواج الأقارب كليا، واقترح إصدار قانون يضبط الموضوع بوسائل علمية، ترافقه حملة يظهر فيها علماء الشريعة فوائد القانون وضروراته، مفضّلا الاكتفاء في المرحلة الراهنة بحملات توعية على مختلف المستويات.
في السنوات الأخيرة، بدأ جهد المدرس محمو وبعض المتعلمين المهتمين بالقضية يُحدث فرقاً في وعي بعض أهالي الكستن بخطورة زواج الأقارب، فاقتنع بعض المقبلين على الزواج من قريباتهم بإجراء فحص ما قبل الزواج فقط، ثم.. تزوجوهن، كما فعل أحمد.
عطب جيني .. ونفسي !!
أجرى أحمد وابنة عمه فحص ما قبل الزواج وأصرّا على الزواج، ثم أنجبا طفلين.. ورث الطفلان نسختي والديهما من “جين معطوب”، فوُلِد كل منهما برأس كبير يفوق حجم باقي أعضاء جسمه، وماتا قبل أن يكملا سنةً من العمر. من المرجح أن”عطباً” أصاب حياة أحمد وزوجته، لن ينتهي سوى بوفاتهما، وإن بعد عمر طويل..
هوامش
* لا يوجد في سورية مراكز استشارة وراثية تابعة للدولة – كما هو الحال في الأردن – لأنها مكلفة جداً، كما يؤكد نقيب الأطباء السابق د. أحمد القاسم.
** بناء على خبرتها في العمل لأكثر من عشر سنوات في العيادة الوحيدة المتخصصة بالأمراض الوراثية في دمشق تؤكد د. لما الجبان “أنه بين 2500 إضبارة مؤرشفة لمرضاها هناك أكثر من 85 % منهم نتاج زواج أقارب، وأكثر الأمراض شيوعا هي أمراض الدم الوراثية كالتلاسيميا وفقر الدم المنجلي، والعديد من الأمراض الاستقلابية والعصبية والعضلية والأمراض المسببة للتأخر العقلي أو الدراسي، اضافة الى أمراض الغدد والنمو والتشوهات الخلقية”.
دراسات أخرى:
بينت دراسة للدكتور عبد المطلب السح استشاري أطفال وحديثي ولادة في مجمّع الأسد الطبي بحماة، أن ازدياد نسب الأمراض عند الأطفال في محافظة حماة مرتبط بزواج الأقارب. وصلت نسبة هذا النمط من الزواج في المحافظة الى 24.28 %، بينما بلغت نسبة انتشار زواج الأقارب بين ذوي الأطفال المرضى المصابين بمختلف أمراض الطفولة إلى 56.99 %. ووصلت إلى65.47 % عند ذوي المصابين بالفتق الإربي و74.3 % عند ذوي أطفال مرضى الشلل الدماغي أو ضمور الدماغ.
طبقت الدراسة التي قدمها الدكتور السح في مؤتمر جمعية أطباء الأطفال السورية على عينة عشوائية من 8154 مريضاً من مرضى عيادة الأطفال . نُفِّذت دراسة الشلل الدماغي أو الضمور الدماغي على عينة من 314 مريضاً، فبلغت نسبة انتشار زواج الأقارب بين ذويهم 74.3 %، وعينة الفتق الإربي البالغة 295 مريضاً، بلغ زواج الأقارب بين ذويهم 65.47 %.
تم اعداد هذا التقرير بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية “أريج”
Leave a Reply