خلف أبواب الصمت

6 يناير 2015

استبيان على الإنترنت يشجع الضحايا على كسر حالة الصمت والتحدث علانية
الضحايا: المجتمع لا يصدقنا.. ونُجبر على الصمت
الخبراء: الجرائم تدفع الضحايا للانتقام.. والقانون وحده لا يكفي
استبيان للمجلس القومي للمرأة يؤكد خطورة الظاهرة
“بعد اللي حصل لي من أخويا، عايزة أقتل أي حد يفكر يقرب مني، إزاي هعيش حياة طبيعية واتجوز واخلف، دا أنا لو اتجوزت وخلفت بنت، هبقى خايفة عليها حتى من أبوها”.
 تلك رسالة من ضحية ضمن مئات الضحايا، اللاتي تجرأن واعترفن بتعرضهن لحوادث تحرش واغتصاب داخل الأسرة، بعد أن سُجنت صرخاتهن خلف طوق فولاذي من اللوم المجتمعي، بينما تستمر معاناتهن ونيران الغضب تحرقهن في صمت.
بعد كل لقاء أو اتصال مع واحدة من الضحايا، كان يتردد داخل رأسي سؤال مهم: “كيف سيكون المجتمع إذا استمرت تلك الجرائم بحق أمهات المستقبل”؟ لذا كان من المهم حقًا أن تصل صرخات هؤلاء الضحايا ومعانانتهن إلى الجميع.
106 حالات تواصلت معي عبر الإنترنت بعد أن بدأت تحقيقًا استقصائيًا حول جرائم التحرش والاغتصاب داخل الأسرة، لمعرفة لماذا لا تتحدث الضحايا، وهل نحن أمام ظاهرة كبيرة أم حوادث فردية؟
1180 امرأة أقررن بتعرضهن لحوادث تحرش واغتصاب، طبقًا لنتيجة استبيان المجلس القومي للمرأة، طبقا لتقارير الأمن العام لسنوات 2010، 2011، 2012، جاءت أعداد جنايات الاعتداء الجنسي، كالتالي: 262، 216، 180، بالترتيب.
كل المعلومات أرجعت تفاقم ظاهرة التحرش والاغتصاب داخل الأسرة، إلى خوف الضحايا من رد فعل الأسرة والمجتمع، واستغلال الجناة استنكار المجتمع أي حديث حول تلك الظاهرة، لإجبار الضحايا على الصمت، بالإضافة لصعوبة إجراءات تسكين الضحايا في دور إيواء بعيدًا عن الأسرة، كما يستغل الجناة التعديلات التي حدثت في تشديد العقوبات في تلك الجرائم والتي وصلت حد الإعدام، في الضغط على الأم لإجبار الضحية على تغيير أقوالها أو الاعتراف بأن الاغتصاب من شخص آخر، حتى لا تفقد الأسرة مصدر الدخل.
الوصول للضحايا وإقناعهن بالحديث علانية، كان التحدي.
الاستبيان هو الحل
“طالما أنَّ هذه الجرائم تحدث داخل جدران المنزل، فلنبحث إذن عن طريقة تمكننا من دخول المنازل وتتيح للضحايا التحدث معنا دون إحراج أو خوف”.. بهذه العبارة التي شكلت أسلوبًا في التفكير بشكل مبتكر، كان الحل هو إنشاء استبيان على الإنترنت..
رابط الاستبيان: اضغط هنا
على مدار عدة أشهر، حقق الاستبيان انتشارًا معقولاً على الإنترنت، وبدأت الضحايا بكسر حاجز الصمت..
اختلفت القصص وتشابهت النتائج والتأثيرات على الضحايا..
لك أن تتخيل شعور فتاة راحت تبحث عن الأمن والطمأنينة في أحضان أب أو عم أو أخ، فتحول ذلك الحضن إلى جحيم، وبدلاً من أن يكون المنزل هو حصن الأمان، تحول إلى سجن قُتلت فيه أحلامها وانتهكت كرامتها بين جدرانه.
حالة مريم
كانت علامات التوتر واضحة على حركات مريم، حاولت التغلب عليها بابتسامة خفيفة سرعان ما اختفت، وهي تروي ما حدث لها من عمها، الذي استغل نزول أفراد الأسرة في الصباح، ليدخل غرفة نومها محاولاً اغتصابها.
بمجرد عودة أفراد الأسرة، سارعت مريم لإخبارهم، ففوجئت برد فعل سلبي، مكتفين بسؤالها: “انتي كنتي لابسة إيه”؟ طالبين منها الصمت، قائلين: “الناس هتقول عليكي إيه لو اتكلمتي، الناس هتلومك انت مش هو”، وقتها تجرعت مريم مرارة الانكسار والقهر، حسب قولها، بعدما أحست بتخلي أسرتها عنها.
تقول مريم: “كان المكان الوحيد اللي بحس فيه بالأمان هو البيت، لكن بعد الموقف دا، فقدت معنى الأمان برة البيت وجوه البيت”.
تابعت مريم حديثها، وهي تحاول جاهدة أن تتغلب على دموع القهر التي بدأت تتساقط وهي تتذكر تلك الواقعة التي مر عليها نحو 8 سنوات، فتقول مريم: “كل اللي حواليا نسيوا، لكن أنا منسيتش، ومش قادرة أنسى، وبتيجي عليا فترات، بيبقى عندي رغبة قوية إني أنتقم منه ومن كل الناس، وأصرخ فيهم بصوت عالٍ وأقولهم أنا اتبهدلت واتهنت ومفيش حد رجعلي حقي لحد النهارده”.
وفي ختام حديثها معى، أصرت مريم أن توجه رسالة لكل ضحية، قائلة: “مهما كان اللي حواليكي بيحاولوا يخوفوكي ويرهبوكي، متخافيش، واطلعي وقولي أنا حصل معايا كده، حتى لو أقرب الناس ليكي تخلوا عنك، أكيد هتلاقي إيد تساعدك، متستسلميش، متتكسريش”.
أوصلنا مريم بأحد المراكز المتخصصة بالدعم النفسي.
حالة عبير
جاءتني معلومات عن تعرض فتاة، تبلغ 17 عامًا، للاغتصاب من عمها، في الشرقية، أبلغ مدير المستشفى الشرطة، بعدما علم أن الطفلة التي وضعتها هناك، كانت نتيجة اغتصاب من العم، فذهبنا إليها لنعرف التفاصيل..
تحكي عبير “اسم مستعار” قصتها بصوت يكسوه الانكسار: “لما اتكلمت في البداية، محدش صدقني من أهلي، ولما ظهر الحمل ومعرفوش ينزلوه، خلوني أسكت علشان الفضيحة، وكانوا هيشوفوا حد ياخد فلوس ويتجوزني ويكتب اللي في بطني باسمه، لكن لما مدير المستشفى بلغ الشرطة وحبست عمي، أهلي أصروا إنه لو مفيش حد وافق يتجوزني ويكتب البنت باسمه، هيتخلصوا من بنتي في أي ملجأ”.
استكملت عبير قصتها ودموع الانكسار تتساقط، وهي تحتضن طفلتها: “على فكرة فيه بنات كتير بيحصل معاهم كده من قرايبهم، وأهلهم بيقتلوا العيال أول ما تتولد، عشان الفضيحة، أنا مجبرة أسكت، وأدعو ربنا إن حد يوافق يتجوزني، عشان بنتي تفضل معايا”.
عبير رفضت بعد ذلك مقابلتنا أو الرد على الهاتف.
حالة نجلاء
نجلاء “اسم مستعار”، تبلغ من العمر 25 عامًا، تخرجت من إحدى كليات اللغات، وتنتمي لأسرة ميسورة الحال، أوضحت أنها تتعرض للاغتصاب المتكرر من الأب منذ أن كانت في الـ18 من العمر، ولم تجرؤ على الحديث بسبب تهديدات الأب، وحين استنجدت بالأم، طلبت منها الصمت، حفاظًا على مكانة الأسرة الاجتماعية، واستمر الأب في تكرار جريمته.
“أنا حاولت كتير أسيب البيت وأهرب في أي مكان، لكن في الآخر بضطر أرجع تاني، عشان مبعرفش أروح فين، وفقدت الأمان والثقة في أي حد”، استكملت نجلاء الحديث.
كان من الواضح عمق الجرح النفسي على نجلاء، لذا قمت بتوصيلها إلى أحد المراكز المختصة، والتي دعمتها بجلسات تأهيل نفسي، وساعدتها بتوفير دار إيواء بعيدًا عن الأسرة، بالإضافة إلى فرصة عمل.
حالة ياسمين
جاءتني مكالمة تليفونية عن ضحية في الغربية، تعرضت للاغتصاب من الأب، وأبلغت الشرطة، على الفور سافرت، لمعرفة تفاصيل الحادث، وكيف استطاعت تلك الفتاة كسر حاجز الصمت والقيام بإبلاغ الشرطة.
قابلت تلك الفتاة “ياسمين”، تبلغ من العمر 15 عامًا، ورغم التوتر المسيطر عليها لكنها بدت قوية ومتماسكة.
“أبويا قاللي، أنا تعبان، وعايز الحاجة دي منك، وهاخدها غصب عنك، أنا تعبان وأمك مش مريحاني، بهذه العبارة بدأت ياسمين في التحدث عن جريمة الاغتصاب التي تعرضت لها من الأب، مؤكدة استخدامه العنف والضرب والتهديد معها.
ياسمين لم تجرؤ على القول إنها تعرضت للاغتصاب، وإنما قالت إنَّ الأب يتحرش بها.
أخبرت الأم في البداية، لكنها لم تصدق، وعندما عاود الأب اغتصابها، ذهبت إلى منزل خالها وأخبرته، لكن الأم ذهبت إليها، وأصرت على عودتها للمنزل.
في المرة الثالثة، ذهبت لعمها وأخبرته، تقول ياسمين: “عمي صدقني ومرضيش يخليني أرجع لأبويا، لكن أبويا جاب بلطجية وضربوا عمي، ورجعني البيت بالعافية، وقاللي أبوكي مهما يعمل فيكي، متفضحيهوش”.
فوجئت ياسمين بحملها، عند ذهابها للكشف عن توقف الدورة الشهرية، تقول ياسمين: “قلت لأمي لكن مصدقتش، ورحنا لدكتورة تانية، ولما تأكدت كلمت أبويا في التليفون، قال أنا غلطت، وهصلح الغلطة، بس بلاش تعملي فضيحة”.
أردت الاستفسار عن رد فعل الأسرة بعد علمهم بالحمل، فأجابت: “أمي أصرت إنها تنزله، وأنا وافقت، عشان عايزة أكمل تعليمي، ومكنتش عايزة الموضوع يكبر عشان الفضيحة، لكن الدكتور قال مش هينفع إجهاض، عشان صغيرة وصحتي ضعيفة”.
علمت من ياسمين أنها خافت من إبلاغ الشرطة، ولكن شجعتها مساندة خالها لها، فسألتها عن سبب خوف الضحايا من إبلاغ الشرطة، فأجابت: “بيخافوا من كلام الناس والفضيحة، أو يمكن هما بيكونوا اتدمروا، لما بيلاقوا أبوهم بيعمل كده، بيبقى قلبهم خلاص انكسر، وحياتهم ومستقبلهم اتدمروا، فميش حل غير إنهم يسكتوا وبس”.
واختتمت ياسمين حديثها بصوت يملؤه الانكسار: “الظاهر إن القيامة هتقوم”.
مواجهة الأب
ذهبت إلى السجن لمعرفة الجزء الآخر من القصة من الأب..
عرفت من تحقيقات الشرطة، أنه قد اعترف بارتكابه تلك الجريمة، مبررًا ذلك أن الأم تمنع نفسها عنه، وبناء عليه تم حبسه احتياطيًا على ذمة القضية، ولكن عندما بدأنا الحوار، أنكر التهمة وأصر على أنه بريء.
سألته عن القصة التي روتها ياسمين عن هروبها لمنزل عمها، وتصديقه لها ووقوفه بجانبها، فأجاب الأب: “أنا كلمت مصطفى أخويا، قلت له هات ياسمين وتعالى، قال لا، دى مبقتش بنتك، ولما تحب تشوفها تيجي عندي، فأنا أخدت جماعة صحابي ورحنا جيبناها من عنده، ولما رجعنا البيت قلتلها يا حبيبة قلبي انتي قلتي لعمك إني بحاول أنام معاكي؟ قالت لا، وقالت أقولك الصراحة ومتضربنيش، قلتلها مش هضربك، قالت أنا بحب إسلام وعايزة أتجوزه، قلتلها أنا هساعدك وأساعده”.
علمت من ياسمين، أن إسلام هو شاب يسكن بجوارهم، وتقدم لخطبتها في الفترة بعد رجوعها من منزل عمها.
فسألت الأب: “لماذا هربت ياسمين لمنزل عمها للاستنجاد به، برغم أن إسلام لم يكن قد تقدم للزواج منها في تلك الفترة، ولم تكن تعرف هل ستوافق عليه أم لا”؟ فنظر الأب في الأرض مجيبًا: “معرفش”.
ثم استكمل كلامه: “في مرة تانية من فترة، قالت لأمها، خلي أبويا يطلقك، عشان بيحاول ينام معايا”.
سألته ما الذي يدعو ياسمين لأن تقول لوالدتها مثل هذا الكلام، فأجاب: “معرفش”.
في النهاية، سألته، لديك أربعة أفراد بالأسرة، زوجتك وبنتك الكبرى “الضحية” والبنت الصغرى، والابن الشاب، بالإضافة إلى الأخ الذي وقف مع ياسمين ضده، سألته: هل هناك من يصدقه أو يقف بجانبه؟ فأجاب: “كلهم مصدقين البنت”.
لقاء الأم
قابلت الأم، لمعرفة لماذا لم تصدق الفتاة منذ البداية..
“لأن دا أب، ودي أمانة معاه، هو مش بيشتغل وقاعد في البيت وأنا اللي بشتغل وسيباهم معاه، مجاش في بالي إن فيه أب ممكن يعمل كده في بنته”.. بهذه العبارة بدأت الأم حديثها.
وعندما سألتها عن رد فعل الأب حينما أبلغته بحمل ياسمين، قالت: “قال استري عليا، ارجعي البيت وهنلم الموضوع، وبعدين قال، مش أنا، دا إسلام هو اللي عمل كده”، واستكملت الأم: “ربنا يعلم بضميره، ما هو لو مش هو اللي عامل كده، كان بيقول استري عليا ليه؟ دا كان نزل دبحني في بيت أهلي، صح ولا أنا غلطانة”؟
تعقد القضية
كان من الواضح أن القضية معقدة، فالبنت تؤكد أن الأب هو الجاني، وتطلب عمل تحليل إثبات نسب DNA لتأكيد أقوالها، في حين يصر الأب أنه بريء ويطلب عمل ذات التحليل لإثبات براءته.
ياسمين أبلغت الشرطة في يوم 13 تشرين الاول/نوفمبر 2014 عن الواقعة، وحددت النيابة جلسة يوم 24 نوفمبر لعرضها على الطب الشرعي.
في هذا الوقت كانت قضية ياسمين واتهامها والدها هو حديث الإعلام.
فجأة في يوم 23 تشرين الاول/ نوفمبر، ذهب إسلام، 20 عامًا، إلى قسم الشرطة، واعترف أنه على علاقة بياسمين نتج عنها ذلك الجنين، وقدم عقد زواج عرفي تم تحريره بنفس اليوم.
وفي اليوم التالي 24 تشرينالاول نوفمبر، ذهبت ياسمين لجلسة النيابة وطلبت تغيير أقوالها، وقالت إنها تنفي التهمة عن الأب، وإنها تزوجت إسلام، وقدمت عقد الزواج العرفي، وطلبت حفظ القضية وعدم عرضها على الطب الشرعي!
في يوم 25 تشرينالاول/ نوفمبر، تم عرض إسلام على النيابة، فأكد اعترافه، لكن المفاجأة التي كانت في انتظاره، أنه لم يكن يدرك أن ياسمين لم تتعد 15 عامًا ولذا تعتبر قاصرًا، وهو ما يعاقب عليه القانون.
بعد ذلك خرج الأب “المتهم الأول” إخلاء سبيل على ذمة القضية، وتم حبس إسلام.
كانت المفاجأة، عندما علمت أنه بعدما طالبت ياسمين في النيابة بعدم عرضها على الطب الشرعي، لم يطلب محامي إسلام “المتهم الثاني” أو محامي الأب “المتهم الأول” إجراء تحليل إثبات النسب DNA، رغم إصرار البنت والأب في البداية.
تطورات جديدة
في جلسة 25  كانون الاول/ديسمبر 2014، قررت النيابة تحويل إسلام “المتهم الثاني” إلى محكمة الجنايات، وفوجئت حينها باتصال هاتفي من المحامي، يخبرني بظهور أدلة جديدة.
يقول الأستاذ كمال شعبان حجازي المحامي: “في الجلسة المقبلة في محكمة الجنايات، سوف نطلب عمل تحليل DNA، لأن هناك أسبابًا جديدة ظهرت، ستغير من مسار القضية، وهي أن إسلام تم إجباره على الاعتراف، عن طريق عم ياسمين “أخ المتهم الأول”، حيث اصطحب إسلام لتحرير عقد زواج عرفي، بالإضافة إلى التوقيع على إيصال أمانة”.
التأثيرات النفسية
كان اللقاء مع المتخصصة الاجتماعية والنفسية، الأستاذة ماجدة سليمان، التي تشغل منصب مدير برنامج التنمية المجتمعية في المركز.
بدأت الأستاذة ماجدة حديثها قائلة: “في جلسات الحوار مع ضحية تعرضت لمثل تلك الجرائم، نلمس بداخلها الرغبة الشديدة بالانتقام، حتى وإن لم تكن تلك الرغبة معلنة صراحة، وترجع تلك الرغبة المدمرة إلى كون الطعنة التي جردت الضحية من طفولتها أو شبابها كانت على يد أقرب الناس إليها، ما قد يدفع الضحية لقتل الجاني أو الانعزال والوحدة أو العمل بالدعارة، وهذا بالتالي سيؤدي إلى مشاكل خطيرة في المجتمع ما لم يتم الانتباه لتلك الظاهرة التي تضرب في المجتمع”.
الخطوات والإجراءات القانونية
كان اللقاء مع الأستاذة انتصار السعيد، المحامية ومديرة مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، التي أوضحت الخطوات التي تقوم بها الضحية لرفع دعوى، قائلة: “الخطوات تبدأ من قسم الشرطة بتحرير محضر، ثم تحويله للنيابة، تقوم النيابة بسماع أقوال الضحية والشهود إن وجدوا، وأقوال الجاني إذا تم ضبطه، بعد ذلك تأمر النيابة بتحويل الضحية للطب الشرعي للكشف عليها وإجراء التحاليل اللازمة، وذلك بعد تأكد النيابة من صحة الواقعة من تحريات المباحث، بعد وصول نتيجة الطب الشرعي للنيابة، تقوم بإحالة الموضوع للمحكمة المختصة، حتى يتم تحديد موعد للجلسة ورقم القضية لكي تبدأ الإجراءات وصولاً لإصدار الحكم القانوني”.
قانون العقوبات
في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، كان اللقاء مع الدكتورة سهير عبد المنعم، أستاذ القانون الجنائي، التي أكدت أنَّ التعديلات اهتمت بتشديد العقوبات لتصل إلى الإعدام، ولكنها ترى أن هناك قصورًا في المادة “267”، حيث كانت ترغب في إضافة كلمة “المحارم” في الفئات التي تستحق تشديد العقوبة، إذا وقع منهم الاغتصاب.
وأشارت إلى أنَّ البحوث التي قام بها المركز، أوضحت أن هناك العديد من جرائم القتل، وقعت نتيجة قيام فتاة بقتل الأب، أو الأخ، أو العم، أو زوج الأم، بعد أن اعتدى عليها جنسيًا، لكن عدد البلاغات التي تصل للشرطة عن جرائم التحرش والاغتصاب داخل الأسرة لا تمثل أكثر من 2% من الجرائم الحقيقية، بسبب امتناع الضحايا عن الإبلاغ.
أسباب الصمت
كان القرار بالذهاب لمكتب شكاوى المرأة التابع للمجلس القومي للمرأة، لمعرفة أهم الأسباب التي تجبر الضحايا على الصمت، كان اللقاء مع الدكتورة فاطمة خفاجي، المدير السابق للمكتب في الفترة من 2012 إلى 2014.
وأوضحت الدكتورة فاطمة، أن الأم قد تُجبر الضحية على الصمت، خوفًا من فقدان مصدر الدخل، لذا من المهم جدًا وضع معاش استثنائي للضحايا في مثل تلك الحالات.
واستكملت قائلة إنَّ الضحية قد لا تجد ملجأ آخر تذهب إليه بعيدًا عن الأسرة، موضحة أن الدولة توفر مجموعة من “دور الاستضافة” عن طريق وزارة التضامن الاجتماعي، لكن هناك صعوبات في الإجراءات الروتينية لاستقبال الضحايا في تلك الدور، وهو ما لا يناسب مثل تلك الحالات التي تحتاج سرعة في إجراءات تسكينها، ما يجعل تلك الدور شبه خالية من الضحايا.
كما أوضحت أنَّ أفراد الشرطة غير المدربين على التعامل مع مثل تلك الضحايا في أقسام الشرطة، قد يدفع حالات كثيرة إلى التردد أو الامتناع عن إبلاغ الشرطة، والحل يكون بنشر أفراد مدربين من شرطة مكافحة العنف ضد المرأة في جميع أقسام الشرطة، خاصة العناصر النسائية.
الأعداد والإحصائيات
نتيجة استبيان الإنترنت
على مدار ما يزيد على خمسة أشهر من بداية النشر، نجح الاستبيان في كسر حالة صمت الضحايا، وبلغ عدد الحالات المسجلة في الاستبيان 106 حالات.
سجلت محافظة القاهرة أعلى الحالات بعدد 41 حالة، ثم الجيزة 12 حالة، ثم الغربية 11 حالة.
35% من المشاركات في الاستبيان، أقررن بتعرضهن للتحرش أو الاغتصاب داخل الأسرة.
تقارير الأمن العام
حصلت على تقارير الأمن العام لسنوات 2010، 2011، 2012، والتي توضح أعداد جنايات الاعتداء الجنسي، وأعلى المحافظات في نسبة الجرائم.
استبيان المجلس القومي للمرأة
في استبيان صدر عن المجلس القومي للمرأة يشمل كل أشكال العنف ضد المرأة، ومنها العنف الجنسي، تم توزيعه على عينة من 500 امرأة من كل محافظة، بإجمالي 13.500 امرأة.
في الجزء المخصص للحالات التي تعرضت لجرائم التحرش والاغتصاب داخل الأسرة، أظهرت نتيجة الاستبيان، تصدر محافظتي القاهرة والبحر الأحمر أعلى النتائج بعدد 305 حالات، ثم محافظة الوادي الجديد، بعدد 145 حالة.
وفي لقاء مع الدكتورة نجلاء العادلي، مدير عام التعاون الدولي، ومسؤولة ملف العنف ضد المرأة، بالمجلس القومي للمرأة، للحديث عن نتيجة الاستبيان، قالت إن النتيجة أثبتت أنها ظاهرة كبيرة، ومنتشرة في كل الطبقات، مؤكدة أن طبيعة المجتمع المصري المحافظ، تجعله يستنكر الاعتراف بوجود مثل تلك الظاهرة، موضحة أن الاستبيان كان مجرد بداية لدراسات أشمل، لأن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير.
أسباب تلك الجرائم
أكدت الدكتورة نجلاء، أن تلك الجرائم ترجع إلى سوء التربية والأخلاق في المقام الأول، سواء من جانب الأسرة أو المدرسة والجامعة، حيث يؤدي ذلك إلى خلق جيل يرتكب فيه الأخ في حق الأخت مثل تلك الجرائم، ثم يرتكب ذات الجرائم في المستقبل في حق ابنته، بالإضافة إلى أسباب أخرى، مثل: أصدقاء السوء، والمخدرات، والخمور، ومشاهدة المواقع والأفلام الإباحية.
الحلول المقترحة
“تم تجميع الحلول من الضحايا، وبالتالي، قام المجلس بدراستها، ونظرًا لأن دور المجلس ليس تنفيذيًا، فإنه يقدم اقتراحات بالحلول للجهات التنفيذية، بالإضافة إلى التنسيق بين جميع الجهات والمؤسسات، مثل: وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة الصحة، وزارة التربية والتعليم، وزارة الأوقاف، وزارة التضامن الاجتماعي، ومنظمات المجتمع المدني، لضمان تنفيذ حلول جذرية للمشكلة، وذلك لأن من يقوم بتلك الجرائم من تحرش واغتصاب داخل الأسرة، سيقوم بها في خارج الأسرة”، طبقًا لقول الدكتورة نجلاء.
الخاتمة
على مدار ما يقرب من العام في العمل على هذا التحقيق، وبعد إجراء العديد من المقابلات، مع الضحايا و المتخصصين والخبراء، كانت كل المؤشرات تدل على عمق الظاهرة، وخطورتها على المجتمع.
وكان من المؤكد أن الضحايا تلتزم الصمت، خوفًا من رد فعل المجتمع والأسرة، بالإضافة لعدم وجود نظام حماية كاف من جانب الدولة.
كما أن المجتمع يستغل صمت الضحايا، لينكر وجود مثل تلك الظاهرة، لذلك على الأسر والمجتمع وكل المؤسسات المعنية، التكاتف من أجل مساندة الضحايا، وتشجيعهن على التحدث والإبلاغ عن كل الجرائم الأسرية التي تحدث خلف أبواب الصمت.
“أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) “


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *