جريدة الغد/ عماد الرواشدة ومجدولين العلان- ككرة الثلج، سيصلك أحدهم بالآخر، فلا سبيل لهم إلا هم أنفسهم، ولا ثقة إلا داخل حلقتهم المغلقة. بلا شهادات، بلا مؤهلات. بعضهم من رماه أهله وغابوا، بعضهم بلا أهل.
في شارع خرفان، الغويرية، حي المصاروة، وادي الحدادة… في قاع المدينة ابتلعتهم الازقة… قد يبيتون ليالي بلا طعام، قد يقرر بعضهم أن لا يبيت، فيضع حدا لحياة يراها بلا جدوى أو يبقى أسيرا لفكرة الانتحار… إنهم الأيتام من خريجي دور الرعاية الحكومية والخاصة في الأردن.
إلى الآن، لا توجد قاعدة بيانات ناجزة لتتبع هؤلاء، ومعرفة مصائرهم بعد تخرجهم من الدور عند سن الثامنة عشرة.
“فالعمل على هذه القاعدة ضعيف والأولوية لأخرى تخص خريجي دور الأحداث”، بحسب وزيرة التنمية الاجتماعية هالة بسيسو لطوف.
خروج الأيتام من الدور… مقدمات مختلفة ونتائج واحدة
“إجاني المشرف قلي إقامتك خلصت لأني صرت 18 عاماً. كان بجيبتي 15 قرشاً لما طلعوني. هيك فجأة لقيت حالي بالشارع مش عارف وين لازم أروح”، هكذا يصف قاسم (26 عاما)، وهو اسم مستعار، الكيفية التي تخرج بها من دار الرعاية الإيوائية بالطريقة القانونية، بعد أن أتم الثامنة عشرة.
براءة (23 عاماً)، اسم مستعار أيضاً، لم يتسنّ لها المكوث في دار النهضة لرعاية الفتيات لحين انتهاء فترة الإقامة القانونية.
إذ طردت من المركز وهي في السابعة عشرة من عمرها في العام 2006. لتبدأ رحلتها مع التشرد لأكثر من عام قبل أن تحظى برعاية إحدى المحسنات التي آوتها وخريجات أخريات في بيت تملكه.
أما نوح (20 عاما)، اسم مستعار، فقد رمي وشقيقه الأصغر إلى الشارع قبل أربعة أعوام، لأن “إدارة دار رعاية الأطفال- مادبا، لم تجدد إقامته” كما يفيد.
نوح الآن بلا عمل أو مأوى، بعد أن تشاجر مع مالك ورشة دهان سيارات، حيث كان يعمل ويبيت.
قاسم، براءة، نوح، يختزلون قصص معاناة يرزح تحت وطأتها معظم خريجي دور رعاية الأطفال، الذين بلغ عدد من تخرج منهم 1205 شباب وفتاة بطريقة (قانونية) بين الأعوام 2001 و2008، حسب أرقام وزارة التنمية الاجتماعية.
ناهيك عمن تخرج قبل إتمام السن القانونية بطرق مختلفة تتراوح بين الطرد، الهرب، والتسليم لأقرباء غير مؤهلين.
نظام غربي لبلد عربي
خروج هؤلاء الأيتام عند سن البلوغ من دور الرعاية إلى “اللامكان” أمر يندرج في سياق نظام لدى وزارة التنمية الاجتماعية أقر منذ 38 عاما يحدد الرعاية لسن الثامنة عشرة فقط، وهو “نظام رعاية الطفولة منذ الولادة حتى سن 18 رقم 34 للعام 72 الصادر بموجب (قانون وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتعديلاته) للعام 54”.
ليس لدى الوزيرة لطوف أي تحفظ تجاه هذا النظام، “فالأردن من البلدان المبادرة لرفع سن الطفولة للثامنة عشرة بمصادقته على اتفاقية الطفل العام 1990، التي تنص على انتهاء عمر الطفولة ببلوغ الثامنة عشرة، حيث يستطيع المنتفع عند هذه السن الاعتماد على نفسه”، كما تضيف.
الباحث والاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي لا يرى هذا النظام مناسبا “فمن غير الجائز رفع مظلة الحماية عن الأيتام بعد سن الثامنة عشرة، لأنه عمر الاندماج في الحياة، وفيه يحتاج اليتيم إلى من يعينه على استيعاب التناقضات الاجتماعية والمادية الطبقية من حوله”.
ويؤكد الخزاعي أن “تلك الأنظمة غربية تتماشى مع مجتمعاتها الفردية، أما المجتمعات العربية، فتقوم على البناء الجمعي الأسري، حيث يبقى الشخص بحاجة إلى العائلة والرعاية المعنوية في كل مراحل حياته”.
الانتحار أو الانحراف… مصيران أحلاهما مر
(م، ش) 26 عاماً، طرد من دار رعاية الأطفال- مادبا، طفلاً لم يتم الـ18 عاما، وجد نفسه مسؤولا عن تأمين مأوى له ولصديقه، فقادته قدماه للاستئجار في شارع خرفان. لم يكن يملك النقود لدفع الإيجار، فكان الثمن الذي يرضي صاحب البيت “ممارسة الجنس معه”، وكان خيار الطفل قتل المؤجر دفاعا عن عرضه، تلك الرواية منتشرة بين أقرانه الأيتام وأحد المشرفين ممن تابع أحواله بعد التخرج.
هذا الشاب يمضي الآن حكما مدته 13 عاماً في سجن سواقة بتهمة “القتل” ينتهي في العام 2014.
اليتيم (م.ع) سلمته دار الرعاية العام 2001 إلى أخوة غير مؤهلين، بحسب شهادة أحد مشرفي الدار في ذلك الوقت، وبعد رحلة من الانحراف، قرر أن يضع نهاية لحياته.
هذا الشاب وجد منتحرا شمال المملكة، حسب ما أكد المكتب الإعلامي لمديرية الأمن العام.
ثائر (20 عاما)، وهو اسم مستعار، حاول الانتحار أكثر من مرة، لكنه لم ينجح، كما يفيد تقرير طبيبه النفسي.
من عجز عن الانتحار، وجد نفسه منقاداً لطرق الانحراف لتأمين لقمة عيشه كما حصل مع فريدة (22 عاما)، وهو أيضاً اسم مستعار، التي أجبرها العوز والتشرد على العمل كمغنية في ناد ليلي في العقبة، بعد أن افترشت ليالي كراج أحد المولات لتنام.
تلك الشابة تعاني الآن من مشكلة في تدبر أجرة سكنها، بعد توقفها عن العمل وعودتها إلى عمان.
“ما يمر به هؤلاء الأيتام من عنف أسري، مؤسسي ومجتمعي، يفسر تفريغ مآسيهم في المجتمع وفي أنفسهم بعد البلوغ، فشخصية الإنسان تتكون نتيجة خبرات الصغر بشكل أساسي”، كما يؤكد مدير مركز الرعاية والمشورة المتخصصة في مؤسسة نور الحسين الدكتور جلال ضمرة.
التسليم… طرد بوسائل أخرى
في 21 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، تفاجأ كاتبا التحقيق، بالطفلة رجاء (17 عاما)، اسم مستعار، تجوب الشوارع بحثا عن مأوى، بعد هربها من منزل ذويها في اربد.
رجاء سلمتها دار النهضة لرعاية اليتيمات قبل عام ونصف العام لشقيقتها المتزوجة، إلا أن زوج أختها أصر على إعادتها لأهلها أخيرا، ما دفع الفتاة إلى الفرار وتبرير تصرفها بعدم قدرتها على تحمل العيش في “خيمة” يعيش فيها أهل تشعر بالاغتراب عنهم.
رجاء تقيم اليوم في إحدى جمعيات الرعاية بعد أن سلمها أحد المحسنين لمديرية حماية الأسرة.
أما فريدة (21 عاما)، وهو اسم مستعار لفتاة مجهولة النسب، فتؤكد أيضا أن دار الرعاية أجبرتها على مغادرة المركز بعد إرغام خالها التوقيع على استلامها.
لدى الخال عملت الطفلة كـ”خادمة”، فآثرت الهرب عند أخيها الذي حاول صديقه اغتصابها، فكان الهروب خيارها القسري للمرة الثانية.
واقعة التسليم لوليّ غير مؤهل، تكررت مع عشرات الأيتام واليتيمات الذين تمت مقابلتهم، فيما وجدت نتائج استبانة وزعها كاتبا التحقيق شملت 50 يتيماً ويتيمة تخرجوا من دور الرعاية، أن سبعة من كل عشرة أخرجوا من الدار قبل السن القانونية من خلال التسليم، وأن خمسة من كل عشرة تعرضوا للطرد من الدار.
وكشفت النتائج عن أن نسبة الطرد ترتفع عند الفتيات أكثر من الشباب، فمن أصل 25 فتاة خضعن للدراسة، 20 منهن تم طردهن.
يأتي ذلك رغم أن قوانين الوزارة تشترط أن يتم إعداد دراسة من قبل اختصاصيين وباحثين على وضع الولي ومدى أهليته لتسلم الطفل.
إلا أن اختصاصية اجتماعية سابقة في دور الرعاية تؤكد أن آلية التحقق من قبل الوزارة “غير مفعلة في معظم الأحيان، فالأطفال يسلمون من دون التأكد الكافي من أهلية الولي”.
الزواج… طرد بأساليب أخرى
لم يشفع لها ضعف البصر، بل لعله كان سببا في تمرير زواجها أثناء إقامتها في دار النهضة للفتيات اليتيمات من رجل في الـ39 من عمره، ليتبين لها في ليلة الدخلة وبعد نقل “العريس” إلى المستشفى أنه يعاني أمراضا في القلب ومشاكل صحية تحول بينه وبين الزواج، كما علمت الفتاة من طبيبه.
نشوة (22 عاما)، اسم مستعار لفتاة مجهولة النسب، شبه الضريرة، والمطلقة الآن، تؤكد أن “أحدا لم يخبرها بمعنى الزواج وماهيته. وإن طليقها العليل لم تكن تعنيه حرمة الجماع في فترة الحيض”.!!
تلك كانت إحدى حالات الزواج لفتيتات يتيمات زوجن بالترغيب والترهيب في سن الثامنة عشرة وقبل التخرج من دار الرعاية.
في رصد لعشرين فتاة متزوجة أمضين أكثر من نصف حياتهن في دور الرعاية، تبين أن تسع زيجات انتهت بالطلاق، فيما تعاني من لم تطلق من الضرب المبرح وانعدام المستوى المعيشي الآمن.
ويرفض الخزاعي تزويج اليتيمات قبل التخرج، معتبراً ذلك “عائقا أمام دمجهن في المجتمع”.
بدورها، نفت الوزيرة لطوف أن تكون وزارتها زوجت أيا من المنتفعات منذ توليها المنصب قبل نحو عامين، مشيرة إلى أنها تفضل أن يتم تأهيل اليتيمة وتعليمها قبل الإسراع بتزويجها.
عناية حكومية لا تكفي
تحاول وزارة التنمية الاجتماعية توفير مظلة حماية للفتيات لفترة محددة بعد التخرج تؤهلهن فيها للاندماج في المجتمع معتمدات على ذاتهن.
“بيوت اليافعات”، عبارة عن شقتين دشنتا بمبادرة ملكية في آب (أغسطس) الماضي، من أبرز مشاريع الوزارة في هذا السياق، حيث يؤمن لهن السكن والأكل واللباس على نفقة الوزارة بالتوازي مع برامج التأهيل والدمج الاجتماعي حتى سن 27 عاما.
إلا أن 12 فتاة فقط يستفدن من المشروع في مقابل عشرات اليتيمات المشردات اللائي أصبحت بيوت الوزارة بالنسبة لهن حلما صعب المنال.
نرمين (22 عاماً)، اسم مستعار، حاولت مراراً الالتحاق ببيوت، إلا أن رفض الوزارة كان سيد الموقف دوما بسبب “عدم قدرة المشروع الوليد على استيعاب المزيد منهن”، حسب قولها.
“عدم توفر الميزانية والتروي بتوسيع الفكرة، مع الحرص على استدراج أكثر الفتيات حاجة للإيواء والدعم”، السبب في قلة عدد تلك البيوت بالقياس مع أعداد الخريجات، كما تؤكد لطوف.
وإلى حين توسعة المشروع، تبقى عشرات الفتيات ممن تخرجن وسيتخرجن عرضة للانحراف، التشرد وانعدام الأمان، تماما كما حصل مع خالدة (19 عاماً)، وهو أيضاً اسم مستعار.
ففي منتصف ليل ثالث أيام عيد الأضحى، اتصلت تلك الفتاة، وهي خريجة حديثة من قرى الأطفال (إس أو إس) بكاتب التحقيق على استحياء لطلب المساعدة، فبعد 24 ساعة ستكون هي وصديقتها منال بلا مأوى، في حال لم تقوما بدفع أجرة المنزل.
وفي ظل سعيهما المحموم لتوفير أجرة المأوى خشية المبيت في العراء، يتحول الخبز والطعام إلى كماليات تغيب عن أرفف ثلاجة بيت هاتين اليتيمتين لأيام.
لا بيوت للذكور
مشكلة الأيتام الذكور مع السكن ليست أقل تعقيدا في ظل افتقارهم للتعليم والخبرات من جهة، وتدني الأجور وندرة فرص العمل من جهة أخرى، فمعظمهم يعيش في بيوت مهترئة، وإن استطاع تدبر الإيجار، يقع فريسة الجوع وعدم القدرة على توفير الحد الأدنى من احتياجاته الأخرى.
قاسم (26 عاماً)، اسم مستعار، تخرج وإخوته الثلاثة من دور للرعاية قبل سبعة أعوام، يسكن منزلا رثا في وادي الحدادة يعوزه الجو الأسري الدافئ.
يعمل وإخوته الثلاثة بإجمالي دخل لا يتجاوز الـ300 دينار، يذهب أكثر من نصفه أجرة تنقل، والباقي يتوزع بين تسديد أجرة المنزل والفواتير.
يقول قاسم “ماذا بيدي لأفعله، في النتيجة لا احد يعرف أنني وإخوتي ننام ليومين أحيانا بلا طعام”.
ثائر (22 عاماً)، اسم مستعار أيضاً، يواجه الواقع ذاته، في منزل أقرب للبيت المهجور، من غرفتين صغيرتين ومنافعهما في الغويرية بمحافظة الزرقاء.
يسكن وبصحبته أكثر من 5 أيتام، ينفق جل ما يحصله من منحة صندوق الأيتام على تنقله من وإلى عمان.
رغم ذلك، ترفض الوزيرة لطوف “توفير” مشروع بيوت للشباب شبيهة ببيوت اليافعات الخاصة بالفتيات، فهم من وجهة نظرها “قادرون على تدبر أمورهم”، على أنها لا تمانع من مساعدة بعض من تخرج منهم قبل سنتين، بدفع إيجار سكنه لمدة لا تزيد على 3 أشهر شرط أن يعمل.
أطواق نجاة ولكن
في أول أيام عيد الفطر الماضي، نامت نرمين في أحراش الجامعة الأردنية بعد أن طردها مدير السكن الذي كانت تقطن فيه على خلفية شجار نشب بينها وبين إحدى المشرفات.
لم يشفع لها انتفاعها من صندوق الأمان المخصص لدعم خريجي دور الراعية من أن تبيت ليلة العيد في العراء، “ولم يتحرك الصندوق إلا بعد أن أمضت أسبوعا بلا مأوى”، حسب قولها.
من جهتها، تقر المديرة التنفيذية لصندوق الأمان لرعاية الأيتام مها السقا بعدم وجود آليات للاستجابة لبعض الحالات الطارئة، مضيفة أن العمل على إدراجها سيكون ضمن خطط الصندوق المستقبلية.
صندوق الأمان… حلقة مفرغة
تدور نرمين في حلقة مفرغة، إذ أن المصروف الذي تحصل عليه شهريا من الصندوق يتراوح بين 80 و90 دينارا لا يكفي لتغطية احتياجاتها من الطعام واللباس والكتب الدراسية والمواصلات، ما دفعها إلى العمل بدوام جزئي في احد المطاعم، الأمر الذي أثر سلبا على تحصيلها العلمي.
رسبت الفتاة في إحدى المواد الدراسية، فلم يكن من الصندوق إلا أن سارع بخصم ثمن المساق من مصروفها على أقساط كإجراء عقابي، وبالتالي انكمش المصروف إلى 40 ديناراً حتى يستوفى ثمن المادة.
تأسس صندق الأمان العام 2006 كجمعية خيرية تعنى بـ”توفير رعاية لاحقة لخريجي دور الرعاية ممن بلغوا سن الثامنة عشرة” كما ينص نظامه.
ورغم أن الفئة المستهدفة هي خريجو دور الرعاية، إلا أنهم لا يشكلون إلا 20% من إجمالي المنتفعين، حيث يقدم الصندوق خدماته لـ200 منهم من أصل 800 منتفع.
وفي نتائج الاستبيان، الذي أُجري لصالح التحقيق على 50 شابا وفتاة من خريجي دور الرعاية، تبين أن اثنين فقط من كل 10 أيتام ينتفعون من صندوق الأمان.
السقا فسرت هذه النسبة، بـ”تفضيل خريجي دور الرعاية الحصول على منح مالية أو سكن، وهو ما يتنافى مع سياسة الصندوق التي تشترط الالتحاق بدارسة أو تدريب قبل ذلك”.
وتعلل أيضاً انعدام رغبة خريجي دور الرعاية بالانتفاع لدى الصندوق، بـ”انحدار مستواهم التعليمي التأهيلي وهم داخل الدور”، وهو ما أكدته كشوفات وزارة التربية والتعليم لمعدلات طلاب في أربع دور رعاية تقع وسط وشمال المملكة، حيث تبين أن متوسط علاماتهم يتراوح بين 45 و50 من مائة.
أيتام دور الرعاية… إساءة في الصغر… أمراض نفسية في الكبر
ثمة بعد نفسي أيضا لعدم قدرة الكثير من خريجي دور الرعاية على الانتفاع من برامج تأهيل صندوق الأمان، بحسب تقييم نفسي أجري لصالح التحقيق في أحد مراكز الرعاية النفسية.
التقييم، الذي خضع له 20 شابا وفتاة تخرجوا من دور الرعاية تم اختيارهم عشوائيا، كشف عن أن جميع من خضعوا للفحص “يحملون مفاهيم متدنية عن ذواتهم، ويعتبرون أنفسهم مرفوضين من المجتمع”.
الفحص النفسي، الذي تنوعت أدواته بين المقابلات الإكلينيكية، مقياس بيك للاكتئاب، وقائمة مسح المشكلات النفسية، يظهر أيضاً أن معظم الحالات تعاني من “القلق، الاكتئاب وتحمل أفكارا عدائية وسلبية تجاه محيطها، نتيجة لما واجهوه في الماضي من إساءة وتهميش”.
وشدد التقييم على “ضرورة خضوع بعض الحالات لبرنامج نفسي اجتماعي طبي متكامل، خشية لجوئها للانتحار أو الانحراف”.
بدوره، يرى ضمرة “أن هذه الفئة بحاجة إلى تأهيل نفسي وشخصي مدته عام على أقل تقدير قبل دمجهم في المجتمع”.
الأيتام… ضحايا المؤسسات أطفالاً… ضحاياها شباباً
صعوبة الاندماج تظهر جلية لدى جمانة (22 عاماً)، اسم مستعار لطالبة جامعية متفوقة من ضحايا التفكك الأسري.
تلك الفتاة ترفض أن تبوح لزملائها وأساتذتها في الجامعة أنها تربت في مراكز الرعاية، خشية الوصم الاجتماعي الذي عانت منه سابقا عندما رفضت عائلة الشاب الذي أراد الارتباط بها تزويجه إياها، فهي “ابنة مراكز” و”العرق دساس”، حسب وصفهم.
“المجتمع باختلاف شرائحه ينبذ هذه الفئة ويعاقبها على ما لم ترتكب” كما ترى الوزيرة لطوف، التي استدلت على ذلك بقلة أعداد المتطوعين في مراكز دور الرعاية.
فيما يفسر الخزاعي عدم تقبل المجتمع لخريجي دور الرعاية “بأساسية وجود الأب والأم والعائلة في مجتمعنا الأردني. فالسؤال عن هذا الثالوث بديهي في كل معاملاتنا، وأي فاقد لهذا الثالوث يعتبر شاذا عن القاعدة”.
دينيا، يعد عدم تقبل المجتمع لهذه الفئة ووصمها وتعييرها تلميحا أو تصريحا أمراً مرفوضاً ولا مكان له في الشريعة الإسلامية، كما تنص فتوى صدرت عن مفتي المملكة الدكتور نوح القضاة، رد فيها على استفسارات كاتبي التحقيق حول الموضوع.
القضاة بين “عدم جواز اعتبار الأيتام نتاج عمل خاطئ أو بيئة غير سوية، وتجب معاملتهم باحترام، فالأيتام فاقدو الرعاية، وهم أمانة في عنق المجتمع، وأي ظلم يصيب هذه الفئة يوقع المجتمع كله في الإثم”.
القانون يحول الأيتام إلى أحداث
تحاول الوزارة أحيانا استباق مرحلة التخرج، بالنسبة للذكور، عبر نقلهم إلى دور الأحداث للعمل مقابل 50 دينارا، كما حصل مع أسامة (26 عاماً)، وهو أيضاً اسم مستعار.
أسامة عيّن كمشرف متطوع في سن الثامنة عشرة، لكنه فعليا كان يعمل “مراقب استحمام” في دور الأحداث التي هرب معظم من عمل فيها من الأيتام، إما نتيجة الخوف من الأحداث الجانحين، أو لأن المكافأة على قلتها لا تصرف لأشهر طويلة.
الوزيرة لطوف أكدت إيقافها مؤخرا لهذا الإجراء، إلا أن هذا الإيقاف ليس قطعيا في ظل نصوص “قانون الأحداث” الذي يساوي بين اليتيم والحدث في كثير من الحالات.
وبالرجوع إلى قانون الأحداث رقم 24 لسنة 1968 وتعديلاته، يتبين من خلال المواد 31 و34 كيف يجد اليتيم نفسه حدثا.
فالمادة 31 فقرة 4 تؤكد أن القانون يشمل الأيتام، فيما تؤكد الفقرتان 1 و2 من المادة 34 على اختصاص محكمة الأحداث بالنظر في فترات إقامة الأيتام في دور الرعاية وتجديد مدة إقامتهم حتى سن العشرين في حالات معينة.
سريان قانون الأحداث على الأيتام أمر استهجنته مديرة دائرة الرصد والشكوى في المركز الوطني لحقوق الإنسان كريستين فضول، مؤكدة ضرورة إعادة النظر في المادة 31 فقرة 4.
شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية “أريج” وباشراف الزميل سعد حتر
Leave a Reply