دولفان برواري -أصوات العراق -إربيل – فرحت نازين بـ”العروسة” التي اشترتها لها والدتها في الطريق إلى حفلة بيت الجيران، لكنها أحست بالرعب حين وجدت نفسها في غرفة شبه معتمة، تعج بالنساء. وخلال لحظات، باعدت الخاتنة العجوز “حبيبة” بين ساقيها وقطعت جزءا من عضوها التناسلي بشفرة حلاقة مستعملة. حدث هذا عام 1985، حين ذاب الثلج من على سفوح جبل كيوة رش في منطقة رانية (131 كم شمالي شرق السليمانية)، وابتدأ موسم ختان الإناث الذي يتكرر في قرى ومدن كردستان العراق، ربيع كل عام.
آثار تلك الليلة الظلماء ما تزال تطارد نازين على شكل كوابيس تستحضر لون الدم والرعب. اليوم، تحمل هذه المرأة لواء “مناهضة الختان” كناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة. “تزوجت قبل 5 سنوات، لكنني أشعر بأني مقصرة ولا أقوم بواجبي في فراش الزوجية بشكل سليم، أشعر وزوجي بوجود خلل في علاقتنا، وأنا في ألم دائم وحسرة”. حسبما تؤكد نازين ذات الثلاثين عاما. وتضيف بحسرة: “ما تعرضت له جريمة كبيرة بحقي كإنسانة ويجب أن نقف ضد كل من يحاول تكرارها (…) ولن أسمح بختان بناتي إن رزقني الله باطفال في المستقبل”. مأساة نازين تتشابه مع تجربة سوران (16 عاما)، فهي الأخرى تعرضت لعملية ختان “جماعية” بشفرة حلاقة ايضا حين كانت في الخامسة من عمرها. اصطحبتها والدتها لزيارة بيت الجيران، لكنها وجدت نفسها في باحة منزل تتجمع فيه فتيات صغيرات، بانتظار الدخول إلى غرفة الختان. اثنتان من نساء الحي “ربطتا يدي ورجلي. ثم أحسست بألم حاد في الأسفل”. وحين غسلت الخاتنة مكان الجرح بالماء والملح ووضعت الرماد لإيقاف النزيف، همست أم سوران في أذن ابنتها: “صرت عروسة، أنت الآن أجمل من كل البنات”.
رغم آلامها المتكررة مع كل دورة شهرية، تجبر أم الطالبة مزكين (..) على كتمان آلامها لأنها ألّحت عليها بأن تتحمل الألم ولا تظهر أي إشارات توجع، خصوصا عندما يكون والدها وأخوتها في البيت. مع أن الرجال هم الذين يأمرون بالختان ويعرفون طقوسه، فإنهم يحرصون على أن تجرى بالخفاء. بخلاف الذكر في العائلة، يجرى طقس ختان البنت بدون صخب أو زفّة، في غرفة مظلمة تستدرج إليها الفتاة بقطعة حلوى أو لعبة بخسة الثمن.
مع أن الرجال هم الذين يأمرون بالختان ويعرفون طقوسه، فإنهم يحرصون على أن تجرى بالخفاء.
ما حدث لنازين، سوران ومزكين تكرر مع 89 من 139 طالبة في متوسطة كولستان الواقعة في قضاء رانية، بحسب مسوحات أجرتها منظمة “وادي” الألمانية بين أيلول/ سبتمبر 2007 وأيار/ مايو 2008. يعزو خبراء قانون ونشطاء حقوق المرأة استمرار هذه الظاهرة إلى خشية السلطات من مواجهة رجال دين متزمتين ومناصري عادات قديمة ربطت خطأ بين الدين وعادة الختان. الباحث عبد الكريم شيخ بزيني يربط الختان بـ”اتساع موجة التدين التي غزت كردستان بعد انتفاضة 1991. حين استطاعت الحركات الإسلامية ممارسة أنشطتها علنا دون خوف من سطوة النظام السابق”. فالتوجهات الدينية “نمت بشكل كبير في القرى والأرياف البعيدة عن مراكز المدن، لتعيد معها مظاهر كان الاهتمام بها أقل خلال العقود الماضية، ومنها ظاهرة الختان”، حسبما يشرح الشيخ بزيني. ويعزو تردد الحكومة والحزبين الرئيسين فيها في مواجهة الظاهرة إلى تجذر المؤسسة الدينية والعرف العشائري في هياكل السياسة. “الحكومة لن تستطيع بدون المؤسستين الدينية والعشائرية أن تحد من أي ظاهرة سلبية لها جذور دينية أو عشائرية”، حسبما يضيف، لافتا إلى أن النظام السياسي هنا “يمتلك شبكة علاقات معقدة مع العشائرية والدينية، وظاهرة الختان ترتبط بهاتين المنظومتين معا”. وبينما يستبعد “تواطؤ الحكومة مع الطبقات التقليدية المحافظة”، يؤكد الشيخ بزيني “أنها لن تستطيع الدخول في مواجهة مباشرة معها في هذه المرحلة بالذات”.
ما حدث لنازين، سوران ومزكين تكرر مع 89 من 139 طالبة في متوسطة كولستان في قضاء رانية، بحسب مسوحات أجرتها “وادي” بين أيلول/ سبتمبر 2007 وأيار/ مايو 2008
بين الدولة والدين
ظاهريا يبرر الختان اجتماعيا بأنه فرض ديني يرتبط بـ “الطهارة”. لكن هذا التحقيق توصل إلى أنه نابع من خلفية عشائرية وحرص عوائل كردية على خفض الرغبة الجنسية لدى البنات منذ سن مبكرة لمنعهن من التفكير بممارسة الجنس خارج الزواج، بغض النظر عن المخاطر الصحية والنفسية الآنية واللاحقة التي تتعرض لها البنت. الدولة لم تتخذ موقفا واضحا من الختان رغم مطالبات نواب ومنظمات مجتمع مدني. وهكذا اصطدمت محاولات الحد من هذه الظاهرة بطريق مسدودة. ففي عام 2007 كان يفترض أن تنجز القراءة الأولى لقانون مناهضة العنف الأسري. لجنة الدفاع عن حقوق المرأة أضافت آنذاك أربع نقاط تتعلق بمنع الختان، أكثر من 60 نائبا من 105 عضوا في برلمان كردستان العراق وقّعوا على مشروع القانون، لكن بمجرد ذكر اسم المشروع في البرلمان أحيل للجان مختصة. حتى الآن، لا تعرف النائب السابق بخشان زنكنة “السبب الحقيقي الذي دفع النواب إلى خذلان لجنة الدفاع عن المرأة وسحب تواقيعهم من مشروع القانون”. وتكتفي زنكنة بالقول إن القانون تعطل بـسبب “ظروف داخل البرلمان” لم تحددها. بعد أن أعيد القانون إليها، سنّت الحكومة مشروع قانون جديد ودفعته للبرلمان في وقت كانت الانتخابات التشريعية على الأبواب. حينها برزت مشكلة عدم أحقية البرلمان بتشريع قوانين جديدة. زنكنة لا تعرف ما حل بمشروع القانون مذاك. وهي ليست متفائلة. “ففي السابق كان لدينا وزارة لحقوق الإنسان وعدد من اللجان المتخصصة بالدفاع عن حقوق المرأة. لكننا الآن بلا وزارة للمرأة، ولجنة الدفاع عن المرأة شبه معطلة ولم تنجز أي مشروع حتى الآن”. مسؤولة لجنة حقوق المرأة في البرلمان الحالي كشة دارا حفيد، لا ترى صورة مغايرة عما كان سائدا في البرلمان السابق.فما يزال نواب “يرفضون مناقشة مشروع مناهضة العنف الأسري الذي يتضمن مواد خاصة بختان الإناث، بحجة أن الختان ليس ظاهرة في كردستان”.
المرأة ضد المرأة..
آخرون يخجلون حتى من الحديث عن الختان، كما تقول دارا حفيد: “والغريب أن إحدى البرلمانيات ترفض منع الختان لأنها تعتقد أنه “يمنع الرذيلة في المجتمع”. تأمل النائب السابق في أن يناقش المجلس الحالي مشروع قانون مناهضة العنف الأسري من بين 15 قانونا ستعرض في الدورة الحالية. على أنها ترى بأن القانون لن يكون كافيا للتصدي للختان بدون دعم حكومي وعزم على تطبيقه. القاضية أميرة حسن نائب مدعي عام محكمة السليمانية تدعو من جانبها السلطات إلى إقرار قانون متكامل يحوي بنودا صريحة تجرم عملية الختان حتى تردع القابلات والأطباء، وحتى أهالي الضحايا. وهي تشترط أيضا وجود إسناد حكومي واضح يكفل تطبيقه.
ظاهرة أم حالات؟
مسوحات منظمة “وادي” الألمانية وجدت أن 64 % من فتيات المدارس في متوسطة كولستان (أرض الورود) مختونات. لكن هذه النسبة لا تقارن بنسب قيست في مدارس داخل قضاء رانية. فنسبة الطالبات المختونات في متوسطة كيوة رش (الجبل الاسود) بلغت (88 %)، ومتوسطة دروازي (92 %)، فيما بلغت النسبة في المدارس الثانوية (كزنك) و (وهريم) و(كسين) و (رشوشنبيري) و(هيوا) قرابة الـ 100 %. المسوحات التي اجريت في 700 قرية وناحية بكردستان العراق، المقدر عدد سكانها بستة ملايين نسمة، أظهرت أن 72.7 % من العينات التي اختيرت خضعن لعملية الختان، وبمعدل 77.9 % في محافظة السليمانية، 81.2 في منطقة كرميان، فيما انخفضت النسبة إلى 63 % في قرى إربيل، كبرى مدن إقليم كردستان. على أن المؤسسات الحكومية وهيئات دينية ترى أن هذه النسب مبالغ فيها إلى حد كبير، لأنها أجريت في مناطق محددة تنتشر فيها هذه الظاهرة، وعممت على مجمل كردستان. لذلك ترفض هذه الجهات وصف الختان بـ”الظاهرة” وتتحدث عن “حالات” منعزلة. منطقتا رانية وكرميان تشهدان أعلى معدل ختان في كردستان بسبب تجذر التقاليد العشائرية. تقطن منطقة رانية خصوصا عشائر بشدر، بردشامي، مير اودالي ومنكور.
المسوحات التي اجريت في 700 قرية وناحية بكردستان العراق، المقدر عدد سكانها بستة ملايين نسمة، أظهرت أن 72.7 % من العينات التي اختيرت خضعن لعملية الختان، وبمعدل 77.9 % في محافظة السليمانية، 81.2 في منطقة كرميان، فيما انخفضت النسبة إلى 63 % في قرى إربيل، كبرى مدن إقليم كردستان.
مناطق انتشار الختان
ظاهرة الختان تتمركز في منطقة كرميان وتمتد على خط عرضي يوازي حدود إيران حتى يجتاز محافظة السليمانية مرورا بقضاء رانية وصولا إلى منطقة سوران التابعة لمحافظة إربيل . أما الخط التاريخي فيبين بأن الختان كان منتشرا في مختلف مناطق محافظة السليمانية مرورا بالمركز. أما في سوران فينزل الخط من مدينة رانية بشكل عامودي وصولا إلى إربيل وحتى أطرافها المحاذية إلى الموصل. إلا أن الظاهرة بدأت تنحسر في ريف إربيل وبعض المناطق الشعبية فيها. في الإجمال انزاحت هذه الظاهرة من المدن نحو المناطق الريفية. الباحثة روناك فرج تقول إن الفكرة السائدة في القرى التي زرناها تفيد بأن الختان جزء من تعاليم الإسلام، حتى أن رجلا ابلغها أنه سيواصل “تشجيع الختان في قريته إلى أن يسمع رجل دين يقول له بشكل صريح ان عليهم ان يكفوا عنه”. ورغم القواسم المشتركة في القومية والدين، فإن هناك انقسام جغرافي واجتماعي واضح في ممارسة الختان، ففي منطقة بهدينان التي تضم محافظة دهوك واجزاء من محافظة اربيل، يكاد الختان ينعدم كليا. وتقول الناشطة النسائية روناك فرج ان “ظاهرة الختان تمتد في مناطق سوران حتى منطقة قنديل بالقرب من عقرة وتنتهي مع حدود النهر الفاصل بين منطقتي سوران وبهدينان، وهو الفاصل بين العوائل التي تمارس الختان كفريضة وبين الذين لا يعرفون عنه شيئا”. يصل الاختلاف حول ختان الاناث على ضفتي النهر الى العشيرة الواحدة، فعشيرة سورجي المنتشرة على جانبي النهر منقسمة بين ممارسة الختان وعدمه. عوق جنسي أم جرح بسيط
الطالبة مزكين في متوسطة كولستان الواقعة في قضاء رانية تعاني من أوجاع مع كل دورة شهرية، وأخرى مزمنة في منطقة الحوض بسبب خطأ في الختان الجماعي الذي شمل عشر فتيات بعمرها خلال ساعات. في مقابلاته مع خاتنات ومختونات، رجال دين وأطباء، لاحظ كاتب هذا التحقيق اختلافات في شكل الختان، بين التصور الديني الذي يعتبر الأمر “مجرد جرح بسيط” ، وبين التطبيق الواقعي لهذا “الجرح البسيط” وبين تقديرات المنظمات التي ترى فيه “عوق جنسي”، وما تراه المادة 412 من قانون العقوبات العراقي التي تنص على معاقبة “بتر الأعضاء الإنسانية بقصد الإيذاء والتشويه”.
طرق الختان بين الماضي والحاضر
الخاتنة محروس مارست الختان لأكثر من 40 عاما. محروس تقارن بين كيفية إجراء عملية الختان سابقا ولاحقا. ففي السابق كان “بظر الطفلة يقطع من عضوها التناسلي بواسطة شفرة حلاقة ذات مقبض. ثم ينظف الجرح بالماء والملح ويرش رماد على العضو التناسلي لوقف النزيف. أما الآن، فيطهر الجرح بالمكروكروم ولفافات طبية. محروس لا تفضل استخدام المخدر أثناء العملية كما تفعل بعض الخاتنات لأنه، كما تعتقد، يسبب مشاكل للفتاة المختونة. تعتبر محروس السنوات بين الخامسة والعاشرة العمر المثالي للختان. لكن نساء تجاوزن الـ50 من العمر أتين إليها للختان قبيل الحج.
بين الدين.. العرف والطب
رغم تشخيص رجال دين مثل الناطق باسم اتحاد علماء الدين في كردستان الشيخ جعفر كواني “بأن الختان يركز على جزء بسيط وثانوي من عضو المرأة”، فإنهم يرجعون التداعيات الصحية لدى الفتيات إلى أخطاء في التطبيق. فـ”حالات الختان الآن ليست ختانا إنما تشويه للعضو التناسلي وهو بعيد كل البعد عن الشرع (..) ذلك أن المذكور في الشرع هو إحداث جرح بسيط استنادا لحديث الرسول إلى الصحابية أم عطية (هشّمي ولا تنهكي)”.
الناطق باسم اتحاد علماء الدين، المظلة التي تنضوي تحتها هيئة الإفتاء، أشار إلى “تقارير صحيحة تؤكد أن الختان مفيد وليس له أضرار صحية”، لكنه استدرك قائلا: “لا أؤيد الختان نهائيا. وهيئة الإفتاء تريد منع كل أنواع الختان”، علما أنها أصدرت فتوى اعتبرت فيها أن “الختان ليس من قيم الإسلام”. على أن ناشطات في منظمات نسائية ترى أن هذه الفتوى ناقصة وتطالب بتطويرها إلى الحظر التام بدل إناطة قرار الختان بيد الأهل. روناك فرج المتخصصة في مجال ختان الإناث تضرب مثلا على دور الدين في لجم الظاهرة. وتقول السيدة فرج أن عشيرة تراخان التي تقطن في منطقة كرميان، أبرز البؤر التي ينتشر فيها الختان، لم تشهد أي حالة منذ قرن نتيجة فتوى تحريم أصدرها رجل دين يدعى الشيخ محمد. وفي مناطق أخرى غدا الختان ممارسة رمزية تسقط فيها الفتاة “سكينا من أعلى ثوبها طلبا للتطهر” بعد أن أفتى رجال دين بأن “الختان ليس واجبا دينيا”. لاحظت السيدة فرج أن نسبة الختان تضاعفت حتى نهاية عام 2005 في بعض القرى، ثم أخذت بالانخفاض. فمن بين 54 قرية أجرت الباحثة فيها مسحا لنسبة الختان نهاية عام 2005، لم تخضع سوى 13 فتاة جديدة إلى الختان حتى عام 2007. وترجع فرج هذا الانخفاض إلى حملات التوعية الواسعة التي نفّذتها منظمات المجتمع المدني. رجال دين آخرون يؤكدون أن الختان “واجب ديني لا تكتمل طهارة المرأة وتقبل منها الفروض الدينية بدونه”. لهذا الاعتقاد صدى في هذا المجتمع المحافظ. فأم دلير (54 عاما) تفتخر بأنها ختنت بناتها الأربع وحرصت على ألا يتزوج أبناؤها بفتيات غير مختونات. تصر أم دلير على أن “الختان جزء من الإسلام، ونحن مسلمون يجب أن لا نخرج عن ديننا بترك الختان”. تشاركها في هذا الاعتقاد أم نازين التي روينا قصتها في مستهل التحقيق. فهي ترى أن الختان “فرض ديني واجب التنفيذ والفتاة لن تكون طاهرة ولن تقبل صلاتها أو صيامها إذا لم تختن”. وتذهب هذه السيدة إلى الاعتقاد بأن الطعام الذي تطبخه غير المختونة “محرم إذا لم تتطهر بالختان”.
الختان والإرث
مع التأكيد على الفرض الديني، تبين الجدة بريخان بأنها انتهت من ختان كل حفيداتها الربيع الماضي على العرف السائد. وبينما تذكّر: “نحن ورثنا الختان عن أبائنا وأجدادنا وعشنا حياتنا دون مشاكل. وكانت الفتاة تكبر وتتزوج بشكل طبيعي”، تتساءل الجدة: “فما الذي تغير الآن”؟ الدكتورة شلير فائق غريب مديرة مستشفى الولادة في مدينة السليمانية ترفض الختان من زاوية طبية وتحذّر من تداعياته الصحية والنفسية. وتؤكد الدكتورة غريب أنها “عملية بتر لجزء أساسي من عضو المرأة التناسلي، وليس ثانويا كما عند الرجل”. تقول الدكتورة غريب إنها تعاملت مع حالات نزيف لدى طفلات بسبب تعرضهن للختان على “أيدي قابلات غير متخصصات”. كما أن النزيف يتحول في معظم الحالات إلى “التهابات مزمنة بسبب قطع جزء كبير من العضو التناسلي، أو حتى بتر أجزاء أخرى غير البظر، بسبب عدم المعرفة”.
البرود الجنسي
إضافة للأذى الجسماني، يؤدي قطع البظر إلى اختلال في وظائف الجهاز التناسلي، لأنه أكثر الأجزاء حساسية، وهو المسؤول عن الرغبة الجنسية لدى المرأة. كيلاس عبد الله، المتخصصة بالعلوم النفسية بجامعة السليمانية تقول إن البرود الجنسي لدى المختونة يدفعها للاحساس بأنها “أنثى مشوهة”. ويصاحب المختونة شعور دائم بـ”العوق الجسدي” يجبرها على كتمان الآلام التي تنتابها أثناء ممارسة الجنس، لدى الولادة أو الدورة الشهرية. وتعاني المختونات اللواتي اطلعت كيلاس على حالاتهن في مركز الرعاية النفسية، من قلق بالغ إزاء جفاء أزواجهن أو هاجس فشل زاوجهن في المستقبل نتيجة للبرود الجنسي. فيان (24 عاما) عاشت سنوات المراهقة وهي تحمل فكرة أنها أقرب للرجل منها للمرأة. مرت سنوات الجامعة على فيان وهي تتجنب الحديث عن أي موضوع يتعلق بأحاسيس المرأة تجاه الرجل. وفي سنة التخرج عاشت قصة حب مع زميل يكبرها بعامين، لكنها سرعان ما هربت من التجربة لأنها تتوهم أنها “شبه رجل”، وتعاني من برود جنسي شديد. الآن، تقضّي فيان وقتها في مهنة التدريس، “ولم أعد أفكّر بالزواج لإني اعتقد أني سأفشل فيه خصوصا وأنني أشعر بأني أعاني من برود جنسي”. أما بنار (اسم مستعار لامراة في الـ 42 من العمر) فتراجع منذ عامين مركزا للتأهيل النفسي، بعد أن عانت من حياة زوجية متوترة. فزوجها يتهمها دائما بالبرود الجنسي، وكانت تعاني من شعور قاتم وهي تسمعه يردد أنها امرأة بلا إحساس. في النهاية اقترن زوج بنار من إحدى قريباته، ولم يعد يزورها إلا في حالات نادرة. ثم انقطع عنها نهائيا، وهو يكتفي الآن بتأمين مصاريف بنار وطفليها. سجلات مراكز التأهيل النفسي تحفل بعديد حالات تشبه تجربتي فيان وبنار. لكن قيود الطلاق في 3 محاكم أحوال شخصية في مدينة السليمانية، تشير إلى أن هناك نحو 6 آلاف حالة طلاق سنويا، عدد كبير منها سببه “عدم الانسجام في فراش الزوجية” دون أن تحدد ما إذا كان الذكر أم الأنثى سببا في عدم الانسجام . نائب مدعي عام محكمة السليمانية القاضية أميرة حسن تؤكد أن هذه الحالات تزداد على نحو “غير منطقي (..) لكن للأسف، ليست هناك احصائية دقيقة”. ولدى تدقيق السجلات، لم تجد القاضية أي شكوى قدمت بسبب ختان الإناث، بسبب عدم وجود نص قانوني نافذ ينص على معاقبة القائمين على ختان الإناث. المادة 412 من قانون العقوبات العراقي التي تنص على معاقبة “بتر الأعضاء الإنسانية بقصد الإيذاء والتشويه” لم تطبق حتى الآن بحق أي شخص مارس عملية الختان. سبب ذلك، كما تقول القاضية حسن، هو أن الشكوى تمس أهل المجني عليها، وبطبيعة الحال “لا يمكن أن يقدم الإنسان شكوى ضد نفسه”.
رأي الرجل
وإذا انتقلنا إلى عالم الرجال، نجد أن العرف يتداخل مع الدين بهدف ما يسميه سليمان محسن (54 سنة) بـ”تطهير المرأة ومنعها من الفاحشة التي انتشرت في هذه الأيام”. هذا الإعتقاد الراسخ بالختان كفرض ديني يبين أنه حتى لو صدر القانون صريحا وواضحا فإن الأمر يتطلب دعم المؤسسة الدينية ذات النفوذ القوي في ريف كردستان. المؤسسة الدينية واسعة النفوذ تتردد في إصدار فتوى واضحة تحرم الختان، رغم أنها تعترف بأن ما يجري بعيد عما أقره الدين. ويستشهد معارضو الختان في جدالهم مع رجال الدين بفتوى جامع الأزهر عام 2006 التي حرّمت الختان وطالبت بإصدار قوانين تجرم من يمارسه. الناطق الرسمي باسم وزارة الاوقاف في كردستان ميروان نقشبندي، بأن الختان في كردستان “لا يتطابق مع ما أقرته الشريعة”. ويرى نقشبندي أن الختان” عنف ضد جزء كبير من المجتمع هو المرأة، ولم يرد في القرآن أي ذكر لختان الإناث”. مسؤول منظمة “وادي” في العراق فلاح مراد خان ينتقد موقف رجال الدين الذين “اكتفوا بإصدار فتوى خجولة، كان عليهم تجنب إصدارها”. ويفضل مراد خان لو بقيت فتوى الازهر التي تحرم الختان هي السائدة. رجال الدين في كردستان تجنبوا تحريم الختان خشية اصطدامهم بالعرف. ويوضح كواني الناطق باسم اتحاد علماء الدين أن المؤسسات الدينية “لا يمكنها محاسبة أي رجل دين يخالف الفتوى”. ولذلك أحالوا مسؤولية المنع إلى الحكومة. إلى ذلك يطالب كواني وزارة الصحة بأن تبادر لإصدار تقرير يشير إلى أن الختان مضر، معتقدا بأن إرفاق هذا التقرير مع الفتوى “سيؤدي إلى إنهاء الحالة بشكل نهائي”.
الصحة والدين
لكن وزارة الصحة لا ترى ضرورة لإصدار مثل هذا التقرير، كما يقول الناطق الرسمي باسم الوزارة الدكتور خالص قادر أحمد. وأشار في المقابل إلى أنها تعتمد “منذ فترة مبدأ التوعية بأضرار الختان الصحية من خلال حملات مشتركة وبرامج في الإعلام، وهذا يكفي لتوضيح أضرار الختان”. الحملة المشتركة بين وزارة الصحة والمؤسسة الدينية تقوم على قيام ممثل وزارة الأوقاف بتعريف الناس بأن الختان ليس واجبا دينيا، بينما يشرح ممثل وزارة الصحة أضرار الختان من الناحية الصحية، وتقوم منظمات المجتمع المدني بالتثقيف حول ضرورة ترك هذه العادة. هذا التوافق الثلاثي بدأ يحد من ختان النساء، بغض النظر عن اعتباره “ظاهرة”، بحسب منظمات المجتمع المدني أو “حالات” منعزلة، كما تعتبره المؤسسات الرسمية والدينية. لكن عدم دخول الدولة في مواجهة صريحة ضد الختان يحول دون القضاء عليه، مع أن شخصيات بارزة قريبة من قمة السلطة تناصر قضايا العنف الأسري ومن بينها الختان. روناك رؤوف، والدة رئيس الحكومة برهم صالح، من ابرز الناشطات في مجال مناهضة الختان. تشاركها في ذلك زوجة رئيس الوزراء السابق نيجرفان بارزاني، وهي أيضا ابنة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، حسبما يؤكد الباحث شيخ بزيني.
أنجز التحقيق باشراف رئيس تحرير وكالة (أصوات العراق) زهير الجزائري ورئيس القسم العربي في (أصوات العراق) محمد الربيعيوبالتعاون مع شبكة “اعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” (أريج)
Leave a Reply