ثغرة في قانون الأوراق المالية طيّرت الثروات من القاهرة إلى لندن - تهريب الأموال عبر قناة البورصة قبل استعار الثورة

28 أغسطس 2012

أحد مقومات رجل الأعمال الناجح هو امتلاك قرون استشعار للخطر، وهو ما أكدته وثائق حصلت عليها «المصرى اليوم» تثبت خروج أموال من البورصة المصرية فى صورة أسهم، ثم يتم تحويلها إلى شهادات إيداع دولية فى بورصة لندن، وهناك تباع فتتحول الشهادات إلى نقود سائلة دون دفع الرسوم المتعارف عليها فى عمليات تحويل الأموال عبر البنوك أو شركات تحويل الأموال المتخصصة، والأهم دون لفت الأنظار أو حتى الاستعلام من قبل البنك المركزى أو سوق المال عن سبب خروج هذه الأموال بهذه الكمية. هذه «الطريقة الشرعية» تسمى «شهادات الإيداع الدولية» أو الـ«GDR»، أو «عمليات الأربيتراج»، ولا تزيد تكلفة تحويل الأموال السائلة بهذه الطريقة على 0.007% من إجمالى المبلغ، وذلك عن طريق ربط بورصتى القاهرة ولندن، فى حين يستلزم تحويلها عبر البنوك أو شركات التحويل رسوما تصل إلى 3% من إجمالى المبلغ.

تربط 14 شركة مصرية مقيدة فى سوق المال المصرية أسهمها ببورصة لندن، لتسهيل دخول وخروج المستثمرين الأجانب من وإلى السوق المصرية، وتعميق الاستثمار فى الشركات العربية، لكن هذه هى الثغرة التى استغلها عدد من رجال الأعمال والبنوك الاستثمارية والشركات فى تحويل أموالهم خارج مصر عند اندلاع ثورة تونس وحتى إيقاف التداول بالبوصة المصرية فى 30 يناير 2011، وعقب إعادة التداول فى البورصة المصرية فى شهر مارس من العام نفسه.

وكشفت مستندات حصلت عليها «المصرى اليوم» أن إجمالى الأموال المحولة للخارج خلال عام 2011 بلغ 3.9 مليار جنيه كان نصيب الأشهر الثلاثة الأولى من العام منها نحو 2.7 مليار جنيه أى حوالى 70% من إجمالى الأموال التى خرجت من البلاد. وتركزت تعاملات الأموال التى خرجت من مصر على حاملى أسهم الشركات المربوطة ببورصة لندن، وأهمها أوراسكوم تليكوم وأوراسكوم للإنشاء والصناعة والبنك التجارى الدولى والمجموعة المالية هيرمس. أما شركة «جى.بى.أوتو» (غبور أوتو) فلم تشهد سوى عملية تحويل واحدة خلال العام بقيمة 215.1 مليون جنيه. وتضيف المستندات، التى تنشر «المصرى اليوم» صورا منها، أن حجم الأموال التى خرجت من مصر خلال عام 2010 نحو 3.8 مليار جنيه كان نصفها من نصيب شهر ديسمبر الذى شهد اندلاع الثورة التونسية.

وبلغ حجم الأموال التى خرجت من مصر بسبب المخاوف من انتقال الثورة من تونس إلى القاهرة نحو 341 مليون جنيه خلال شهر يناير فقط لعام 2011، قبل أن يرتفع الرقم إلى 555 مليون جنيه خلال أسبوع واحد من شهر مارس فور استئناف العمل بالبورصة بعد فترة إيقاف استمرت لنحو 55 يوماً جراء الثورة.

وخلال هذه الفترة تدهور الوضع الاقتصادى المصرى مع نقص السيولة تزامنا مع تراجع الاحتياطى النقدى الأجنبى بنحو 8.6 مليار دولار بمعدل 24.6% خلال السنة المالية 2010/2011 ليسجل 26.6 مليار دولار بنهاية يونيو 2011، مقابل 36 مليارا بنهاية ديسمبر 2010، كما تراجع معدل النمو الاقتصادى إلى 3.5% خلال عام 2011 مقابل 5.8% خلال 2010.

وكشفت المستندات عن وجود العديد من عمليات «الأربيتراج» التى ساهمت فى خروج ملايين الجنيهات من مصر، كان أبرزها خروج أكثر من 232 مليون جنيه خلال الفترة من 24 – 31 مارس لصالح رجل الأعمال شوقى عبدربه محمد هيبة، حيث حول الأخير 10.5 مليون شهادة أوراسكوم تيليكوم من بورصة القاهرة إلى بورصة لندن، وشركة بايونيرز القابضة التى استطاعت تحويل نحو 104 ملايين جنيه عن طريق تحويل 15 ألف شهادة من أوراسكوم للإنشاء والصناعة و4 ملايين و555 ألفاً و510 شهادات من أوراسكوم تيلكوم القابضة.

كما قام بنكHSBC بتحويل 126 مليون جنيه من خلال 500 ألف شهادة من شهادات شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، بالإضافة لخروج 22.1 مليون جنيه من حساب المهندس هشام سعد مكاوى رئيس مجلس إدارة شركة بريتش بتروليوم، و22.1 مليون جنيه أيضا لحساب محمود إبراهيم عبدالمطلب سليمان، علاوة على 22.1 مليون جنيه أخرى لصالح ياسر عبدالمجيد مصطفى العشرى، و9.5 مليون جنيه لصالح بنك فيصل الإسلامى، و3.4 مليون جنيه لحساب رجل الأعمال نشأت صبحى إسكندر بولس، و1.5 مليون جنيه لحساب أحمد عاصم محمود سليمان، شقيق اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات الأسبق، كما تضمنت المستندات أيضا العديد من أسماء المستثمرين الذين يحملون جنسيات عربية مثل خالد بن عبدالمحسن بن عبدالرزاق السديرى، سعودى الجنسية، الذى قام بتحويل 9.5 مليون جنيه، وإبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن أبوبكر، الذى قام بتحويل مليون جنيه تقريبا خلال الأسبوع الأول من شهر إبريل.

الحال فى مصر لا يختلف كثيرا عن حال الأسواق العربية فى عدم تقنين شروط شهادات الإيداع الدولية، لكن عدم البدء فى ذلك يعود إلى عدد من الأسباب يلخصها شيرين القاضى، الخبير الاقتصادى ورئيس مجلس إدارة أحد بنوك الاستثمار: «بعض الأسواق العربية لا تسمح باستثمار الأجانب من الأساس فى أسواقها المالية، مثل السوق السعودية، بينما لم يسجل رجال الأعمال القطريون والبحرينيون والكويتيون أى حالات خروج للأموال عن طريق شهادات الإيداع الدولية لأسهم (ناشيونال بنك) القطرى، وشركة الألومنيوم البحرينية وشركة جلوبال الكويتية والمسجلة فى بورصة لندن، رغم عدم إقرار ضوابط على طريقة عمل الشهادات الدولية».

تجربة موازية تطرح حلولاً للقضاء على عمليات خروج أموال بصورة تؤثر على الأداء الاقتصادى تأتى من الصين، يقول عنها «القاضى»: «استطاعت الصين مواجهة التلاعب فى سوق المال عن طريق شهادات الإيداع الدولية، وذلك من خلال إنشاء سوق موازية للمستثمرين الأجانب، يتم التداول فيها على 10% فقط من رؤوس أموال الشركات المقيدة، ولا يحق للأجنبى التداول على الأسهم المدرجة فى السوق المحلية، كما أنه فى المقابل لا يجوز للمواطن الصينى أن يستثمر فى السوق الأجنبية، وذلك بهدف الحفاظ على سعر العملة من جهة وعدم تهريب الأموال من جهة أخرى عبر شهادات، وبالرغم من ذلك تحظى سوق المال الصين بشريحة عريضة من المستثمرين الأجانب بما يحقق أفضل العوائد الاستثمارية للدولة».

وحول الدور الرقابى للبورصة على تعاملات شهادات الإيداع أكد الدكتور محمد عمران، رئيس البورصة، أن «الأمر برمته يعود إلى الرقابة المالية فى بورصة لندن، حيث تتم عمليات تحويل الأسهم إلى نقود سائلة، والبورصة المصرية غير مخولة بالرقابة على تعاملات المستثمرين هناك».

أما فيما يتعلق بعملية تحويل الأسهم فى البورصة المصرية إلى صورة شهادات الإيداع الدولية، وهى الطريقة التى يستغلها رجال الأعمال فى تحويل الأموال خارج مصر، فيقول عمران: «الأمر يقتصر على تقديم المستثمر طلبا لتحويل أسهمه إلى شهادات إيداع، وهو ما يستغرق نحو 5 أيام يتم خلالها إجراء التحريات على أسباب التحويل ومن المفترض ألا تزيد قيمة الأسهم المحولة على 100 ألف دولار فقط وفقا لتعليمات البنك المركزى»، وعندما واجهته «المصرى اليوم» بحقيقة خروج مبالغ تفوق الـ100 ألف دولار. رد عمران. «لا علاقة للبورصة بذلك، الرقابة للبنك المركزى»، وأوضح أن «الغرض الرئيسى من وجود شهادات إيداع دولية للأسهم المصرية يكمن فى استقطاب استثمارات أجنبية لمصر وليس خروج الأموال منها».

الحديث عن خطوات عملية لتقنين عمليات خروج الأموال عبر شهادات الإيداع الدولية، (GDR) يخلق حالة من الرفض لدى شيرين القاضى رئيس مجلس إدارة شركة «برايم» القابضة المالية، الذى يشرح رفضه الإبقاء على السوق مفتوحة بهذا الشكل، قائلا: «يساعد قانون سوق المال المصرية- المنقول عن قانون سوق المال الفرنسية- على تنشيط عمليات الأربيتراج بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية، لكنه فى حقيقة الأمر يساعد بشكله الحالى على خروج الاستثمارات من مصر». وطالب بما سماه «إعادة هيكلة شروط تحويل أسهم الشركات إلى شهادات إيداع دولية«GDR». ويشدد «القاضى» على ضرورة وضع تشريع جديد لضبط وتيرة إصدار شهادات الإيداع من خلال عدم السماح بتحويل أسهم الشركات المقيدة فى البورصة المصرية إلى شهادات الإيداع إلا بنسبة محددة تتراوح بين 10% و25% من إجمالى رأسمالها، مؤكدا أن ذلك سيحد من تهريب الأموال وحرمان الدولة من دخول العملة الصعبة بالإضافة إلى تقليل الآثار السلبية الناتجة عن الارتباط بالأسواق العالمية فى حالة الانهيار.

وطالب «القاضى» بـ«تشديد الرقابة على عمليات الأربيتراج، وتحديدا بعد قيام بعض الشركات بتحويل ما يقرب من 75% من رأسمالها إلى شهادات إيداع لتفتح الباب على مصراعيه لتهريب الأموال للخارج».

وأكد أن «تعاملات الأربيتراج تفتقر لمعايير الرقابة والشفافية وتسيطر عليها عشوائية التداول»، لافتا إلى أن «شهادات الإيداع الدولية تعكس آثارا سلبية على الاقتصاد المصرى سواء من ناحية خروج الأموال من مصر أو الإضرار بسعر الجنيه أمام الدولار بسبب حرمان الدولة من دخول العملة الصعبة إليها، لأن المستثمر الأجنبى يتعامل على أسهم الشركات المصرية ويحقق أرباحا فردية دون الالتفات لصالح الاقتصاد المصرى» حسب قوله.

وأضاف: «عمليات الأربيتراج تسهل خروج العملة ومن ثم ندرة الدولار فى السوق المصرية ليرتفع سعره أمام الجنيه، وهو ما حدث بالفعل بعد ثورة يناير مباشرة، وهو تكرار لما حدث عام 1999 بعد صدور قرار بتحرير سعر الصرف فى ما دفع المستثمرين العرب للخروج بأموالهم من مصر عن طريق شهادات الإيداع الدولية ليقفز سعر الدولار من 3.5 جنيه إلى 6 جنيهات فى فترة وجيزة».

وعن تأثير إدخال تعديلات فى القانون استبعد «القاضى» تأثر الاقتصاد المصرى بالسلب فى حالة تعديل التشريعات المنظمة لعمليات الأربيتراج، موضحا أن «كل دولة لها تشريعاتها الخاصة التى تتماشى مع سياساتها المالية خاصة أن طبيعة السوق المصرية تختلف كثيرا عن الأسواق العربية». وأكد أن «المستثمر الأجنبى يبحث عن الفرص الاستثمارية فى أى سوق ويتعامل مع مختلف القوانين والتشريعات بشرط وجود اقتصاد قوى بغض النظر عن وجود نظام شهادات الإيداع الدولية من عدمه».

طريقة التعامل الرسمية الجديدة مع هذا الأمر يكشف عنها النقاب محمد عمران، رئيس البورصة المصرية، قائلا: «سيتم وضع ضوابط جديدة تحد من عمليات تحويل الأسهم إلى شهادات إيداع دولية، ولكن سيتم تطبيقها على الشركات الجديدة الراغبة فى قيد أسهمها فى بورصة لندن، أما الشركات الموجودة بالفعل، والتى يصل عددها إلى 14 شركة، فلا يمكن تعديل قواعد قيدها».

وعن الآثار المترتبة على خروج الأموال من مصر يرى الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، أنه يؤثر بشكل مباشر على المواطن البسيط، لأن البنك المركزى يخصص جزءا من الاحتياطى النقدى لدعم سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية خاصة الدولار، وهو ما يؤثر على تراجع الاحتياطى النقدى والذى من المفترض أن يتم استخدامه فى توفير السلع الأساسية للمواطنين.

وأضاف «إبراهيم»: «خروج استثمارات كبيرة من مصر بهذه الطريقة يؤثر على توفير فرص عمل للشباب تدر بدورها عوائد تدخل فى مشروعات جديدة سكنية وطبية وغذائية، كما أن ذلك تسبب فى تراجع معدلات النمو خلال الربع الأول من العام الفائت ليصل إلى أقل من 3.5%».

شهادات الإيداع الدولية«GDR»

شهادات الإيداع هى أداة مالية قابلة للتداول فى أسواق المال الدولية، ويقوم بإصدارها إحدى المؤسسات أو البنوك الدولية مثل (بنك أوف نيويوركBank of New York أو دويتش بنكDeutsche (Bank بالدولار الأمريكى أو أى من العملات الأجنبية الأخرى المتداولة بالسوق الحرة مقابل الاحتفاظ بغطاء يقابلها من الأسهم المحلية، وذلك بناء على اتفاق مع شركة مصدرة محلية.

ويتم إيداع الأوراق المالية لتلك الشركة لدى وكيل بنك الإيداع أو بنك الإصدار (فى المعتاد يكون بنكاً محلياً) ومن ثم فإن الشهادات يتم تداولها كبديل عن الأوراق المالية الأصلية فى أسواق المال الدولية مثل بورصة لندن ولأن مالك شهادات الإيداع هو فى حقيقة الحال مالك الأسهم المحلية المقابلة لها (حسب نسبة تحويل متفق عليها) فإن له الحقوق المترتبة لمالك السهم المحلى من حيث التوزيعات النقدية والعينية وبيع الأسهم.

مالك الأسهم المحلية المقابلة لها (حسب نسبة تحويل متفق عليها) فإن له الحقوق المترتبة لمالك السهم المحلى من حيث التوزيعات النقدية والعينية وبيع الأسهم

010

رصد الأموال التى خرجت من مصر 2012

011

رصد الأموال التى خرجت من مصر فى 2011

 

 

 تم إنتاج هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة أريج – إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *