ثغرات في المطارات المصرية واليونانية تسمح بالهجرة السرية لأوروبا
8 مايو 2017
تحقيق: وسام جبر وسليم يوسف
القاهرة، بروكسل، روما-(العربي الجديد)– في مساء الخامس عشر من سبتمبر 2014، فتح البحر أبوابه ليبتلع حوالي ٥٠٠ مهاجر سري، غرقت مركب تقلهم أمام السواحل الليبية، ولم ينج منهم إلا 11 فقط. كان ذلك الحادث نقطة تحول في طريقة تفكير عبد القادر في الهجرة إلى أوروبا، فأخذ يبحث عن طريقة أكثر أمنا مما أصبح يُسمى “مراكب الموت عبر المتوسط”.
يقول عبد القادر لمعدي التحقيق اللذين اتصلا به هاتفيا، حيث يقيم حاليا في إحدى مدن شرق ألمانيا: “وقتها، كان سني اقترب من الثلاثين، وأُغلقت أمامي أبواب العمل في مدينتي فاقوس بمحافظة الشرقية. لم أستطع الزواج من خطيبتي علياء. لم يكن أمامي سوى الهجرة إلى أوروبا، لكنني استبعدت طريق البحر بعد تلك الحادثة، واكتشفت أن هناك طريقا بديلا أكثر أمانًا، طالما أنني مستعد لدفع 30 ألف جنيه مقدماً لأحد المهربين حتى يسهل لي المرور إلى أوروبا عبر مطار القاهرة”.
وبحسب عبد القادر، فإن الطريقة الجديدة كشفها له سمسار هجرة سرية في مدينة قها بمحافظة القليوبية، وفّر له جواز سفر يحمل تأشيرة أوروبية. قال له السمسار إنه اشترى الجواز من شاب يرغب في بيعه مقابل ألف يورو لينتحل عبد القادر صفته أثناء الخروج من مطار القاهرة، والدخول إلى مطار أثينا. ونجح، بالفعل، في الخروج من مطار القاهرة والدخول إلى مطار أثينا، ومنه برا إلى ألمانيا، حيث يستقر الآن، فكيف فعل ذلك؟
يكشف هذا التحقيق كيف استغل سماسرة هجرة سرية غياب أجهزة التدقيق الإلكتروني المتمثلة في “بصمة العين أو بصمات الأصابع” في المطارات المصرية واليونانية، وعدم وضوح الصورة في كثير من جوازات السفر، والاكتفاء بالكشف عن صحة الجواز فقط، لتسهيل تهريب الراغبين في السفر إلى الشاطئ الآخر من المتوسط.
في محافظة القليوبية، تنشط شبكات من السماسرة والمهربين لمساعدة الراغبين في الهجرة السرية على تحقيق غاياتهم. وتتبع معدا التحقيق، على مدى أربعة أشهر، إحدى هذه الشبكات التي تستغل غياب أجهزة التدقيق الإلكتروني في معابر الجوازات في مصر واليونان، والاكتفاء بالكشف عن صحة الجواز، ومعاينة حامله بالنظر إلى الصورة فقط دون الاعتناء بالكشف عن صحة حامله.
ويوثق التحقيق عبر التواصل مع سلطات الاتحاد الأوروبي، عدد المصريين الذين تم القبض عليهم وترحيلهم خلال العامين الأخيرين، ويعرض تقرير “المخاطر” الأوروبي الصادر عن وكالة “فرونتكس” الأوروبية، وهو التقرير الذي صنّف مصر دولة مصدرة للمهاجرين السريين “باستخدام وثائق أصلية”.
التسلل إلى أوروبا
دفع عبد القادر 30 ألف جنيه لمهرب هجرة سرية يُدعى سليمان غانم* في مدينة قها بالقليوبية، مقابل تذكرة سفر إلى أثينا وجواز سفر يحمل تأشيرة إلى أوروبا صادرة من القنصلية اليونانية بالقاهرة– حسب رواية عبد القادر– الذي أبلغه المُهرب بضرورة السفر في اليوم التالي للقاء. استطاع عبد القادر الخروج من مطار القاهرة والمرور من مطار أثينا بجواز السفر الذي لا يخصه، مُستغلاً عدم تعميم البصمة الإلكترونية في المطارات المصرية واليونانية. لا تطبق المطارات اليونانية بصمة العين أو بصمات الأصابع، على عكس الكثير من مطارات الاتحاد الأوروبي التي تُطبق بصمة الأصابع فقط، بحسب ما كشفته كاتريزنايا كولانكو المتحدثة باسم إدارة الشؤون الداخلية والهجرة بالمفوضية الأوروبية لمعدي التحقيق.
وفي مايو 2015، رفضت سلطة حماية البيانات الشخصية في اليونان تفعيل نظام التحقق من المسافرين باستخدام بصمة العين وبصمات الأصابع في مطاراتها، “لأنها تخالف قانون حماية الخصوصية” الذي تبنته اليونان منذ عام 1997.
بعد وصول عبد القادر إلى أثينا، قرر الذهاب إلى ألمانيا، وحاول تصحيح أوضاعه هناك بهويته الحقيقية ليعود إلى مصر بشكل رسمي حتى يتزوج من خطيبته التي تركها، لكنه لم يستطع، فبقي في شرق ألمانيا، وقرر إلحاق خطيبته به إلى ألمانيا، بالطريقة ذاتها التي سافر بها، وهي الرواية التي أكدها والد خطيبته لمعدي التحقيق. لكن علياء، خطيبة عبد القادر، فشلت في تحقيق ذلك، لاحقا.
وبالطريقة نفسها أيضا، تسللت رشا ممدوح* من مطار القاهرة بإقامة إيطالية تخص زوجة سمسار هجرة سرية يُدعى عرفة عبد الوهاب إبراهيم الخولي*. اتفقت رشا مع عرفة على تسهيل سفرها، وطفليها، باقامات لا تخصهم مقابل 100 ألف جنيه مصري، دفعتها له بالكامل بمدينة قها في محافظة القليوبية. صعدت رشا مع طفليها على متن الطائرة بعد مرورهم من بوابة الجوازات حاملين إقامات إيطالية وفرها لهم عرفة.
يعيش عرفة في إيطاليا، وكان اسمه كثيرا ما يتردد أثناء بحثنا في هذا التحقيق، ليتبين أنه أحد أبرز سماسرة الهجرة السرية عبر المطارات المصرية. ويستغل عرفة إقامته الإيطالية ووجوده بين العمال المصريين في إيطاليا، ليتفق مع حاملي إقامات على تأجيرها أو بيع جوازات سفرهم، التي تحمل تأشيرات سارية، لاستخدامها في القيام برحلات غير قانونية. رفض عرفة التعليق على أسئلة معدي التحقيق برغم التواصل مع أقاربه في القليوبية لمنحه حق الرد.
وحاولنا الوصول إلى مهرب آخر يُدعى متولي يحيى*، يعمل مع عرفة، لكن الأمر تعذر بسبب إقامته في إيطاليا أيضًا. وفي يونيو/ حزيران الماضي، تمكنا من مقابلة متولي يحيى بعدما علمنا بوصوله إلى مصر. كان يحيى قد حصل على إقامة شرعية إيطالية بعد خمس سنوات من سفره ما مكنه من إرسال دعوات سفر لزوجته وأبنائه ليلحقوا به، ويستخرج لهم إقامات إيطالية شرعية.
خطة مُكررة
لم ينتظر عبد القادر حصوله على إقامة شرعية في ألمانيا، فقرر أن تلحق به خطيبته “علياء”، بالطريقة ذاتها التي تسلل بها من مطار القاهرة.
مساء التاسع من مايو الماضي تلقت علياء عبد الحميد (25 عامًا)* اتصالاً هاتفيًا من رقم هاتف مصري نهايته (2075) يخص سليمان غانم، وهو سمسار الهجرة السرية نفسه الذي ساعد خطيبها عبد القادر على التسلل عبر مطار القاهرة. أبلغها غانم بحزم حقائبها استعدادًا للسفر يوم الأربعاء 11 مايو 2016 على رحلة الخطوط اليونانية رقم (A 3931) المتجهة إلى أثينا تمهيدًا للذهاب إلى ألمانيا. وحسب رواية والد علياء، أخبرها غانم بأن عليها أن تلتقي به قبل السفر بيوم واحد في مدينة قها بمحافظة القليوبية لتحصل على جواز سفر يحمل تأشيرة أوروبية، قال إنه اشتراه من فتاة ترغب ببيعه، لتنتحل علياء صفتها.
في اليوم السابق لتلقيها اتصال السمسار، تلقت علياء اتصالاً من خطيبها يخبرها بخطته لإخراجها، متسللة بوثائق لا تخصها، من مطار القاهرة، بحسب رواية والد علياء لمعدي التحقيق.
بيع جوازات وإقامات
مساء العاشر من مايو الماضي التقت علياء مع غانم في “قها”، وسلمها جواز سفر يحمل تأشيرة إيطالية سارية لسيدة تدعى لمياء حسين*، تقيم في مدينة القناطر الخيرية التابعة لمحافظة القليوبية أيضا. وكان برفقة غانم أثناء تسليم جواز السفر والإقامة لعلياء سمسار آخر يدعى محمد جميل*، وهو نفسه زوج صاحبة جواز السفر الذي ستحاول علياء الخروج به من مطار القاهرة.
اتفق غانم مع جميل الذي يعمل في بيع “جوازات سفر” على شراء جوازي سفر وإقامتين تخص زوجته لمياء وابنته الصغرى ذات العشر سنوات. ويحصل مالك جواز السفر والإقامة “الحقيقي” على ألف يورو مقابل بيع تأشيرته وجواز سفره للمهرب لمرة واحدة فقط، تنتهي بمجرد وصول الشخص (غير الحقيقي) إلى بلد الإقامة. بعدها يتم استرداد جواز السفر مرة أخرى من الشخص الذي استخدمه لبيعه من جديد، أو استخراج بدل فاقد، بعد مرور أسبوع من وصول المسافر المتسلل إلى وجهته، ويكون ذلك بالاتفاق مع المهرب وبائع الجواز.
ويعتمد السماسرة حيلاً للتمويه عند تنفيذ مخططاتهم، تقوم على البحث عن جواز سفر يقترب عُمر مالكه من عُمر المسافر المتسلل، كما يتم التمويه بمرافقة أفراد من العائلة من أصحاب جواز السفر الحقيقي للمُنتحل.
في الموعد المتفق عليه، دخلت علياء أبواب مطار القاهرة لتسافر متسللة بجواز سفر وتأشيرة زوجة جميل، وكان في انتظارها المُهرب سليمان غانم وبرفقته طفلة أخرى تُدعى هدى محمود*.
اتفق غانم مع علياء على أن يسلمها الطفلة هدى صباح يوم السفر، على أن تقول علياء- إن سُئلت- إن الطفلة ابنتها وتُدعى رباب محمد جميل*، وهذا بحسب الاسم المدون في جواز السفر المصري والإقامة الإيطالية، على أن يستلمها أهلها الحقيقيون عند وصولها مطار أثينا. ولا يسمح القانون المصري بسفر الأطفال إلا بصحبة الأب أو بتصريح منه في حالة سفرهم بمفردهم أو مع الأم، لذلك لجأ السماسرة إلى محمد جميل لمرافقة علياء وهدى في رحلة السفر.
صالة السفر
في صالة السفر بمطار القاهرة، وقف محمد جميل وأسرته “المزيفة” أمام ضابط الجوازات الذي مرّر جوازات سفرهم على جهاز الكتروني للتأكد من صحتها وصحة التأشيرات، وختم أحدها قبل أن يلاحظ علامات ارتباك على وجه الطفلة هدى التي كانت علياء تتقمص دور أمها وجميل دور أبيها. تلعثمت الطفلة عندما سألها ضابط الجوازات عن اسمها، فقالت له اسمها الحقيقي المخالف للاسم المدون في جواز السفر، رغم تلقينها الاسم قبل دخول صالة السفر، ليتماشى مع الاسم المدون في جواز السفر الذي كانت تحمله لتتسلل به.
توتر هدى كشف الحقيقة، وكان وراء إحالة محمد جميل وهدى وعلياء إلى لجنة من ضباط الجوازات بالمطار للتحقق من الهويات و الإقامات الخاصة بهم، ثم إلى النيابة العامة، التي وجهت لهم تهمة التزوير، وفقاً لمحضر رقم 9184 جنح النزهة.
تضاف حالة هذه “العائلة المزيفة” إلى 767 حالة أُخرى ضبطتها الإدارة العامة لشرطة ميناء القاهرة الجوي والتابعة لوزارة الداخلية عام 2015، وهي تحاول المرور عبر مطار القاهرة بطرق غير شرعية من خلال التلاعب بجوازات سفر وتأشيرات دول أجنبية أو تزوير مستندات. وأظهرت بيانات “الداخلية” أن 143 حالة مماثلة ضبطت في شهر مارس فقط من عام 2016، و93 حالة خلال شهر مايو.
مسافرون VIP
في مايو 2016 تعاقدت وزارة الطيران المدني على شراء أجهزة التوقيع الإلكتروني (بصمة العينين واليدين)، ووضعتها في مطار القاهرة فقط لمسافري الـ VIP ، بهدف تسهيل عبورهم من المطار من خلال بوابة إلكترونية، دون الوقوف في طابور الجوازات لتصبح الخدمة اختيارية لا إجبارية، وبمقابل اشتراك سنوي يزيد على ألفي جنيه
فيديو يوضح أهمية الخدمة
غير أن هذه الخدمة لم تسد الثغرات على أبواب الجوازات، وذلك لأنها اختيارية وبمقابل مالي، ولا تنطبق على جميع المسافرين.
واكتفى المهندس محمد سعيد محروس رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للمطارات والملاحة الجوية المسؤولة عن المطارات، وبعد عدة محاولات للوصول إليه للرد على أسئلتنا بقوله إن “أجهزة البصمة تخص العاملين والموظفين فقط، وليست مخصصة للمسافرين، كما أن البوابات الإلكترونية التي تم تفعيلها هي مخصصة للمسافرين الـ VIP”.
تتبع مسار
فحصنا الحقائق السابقة من أكثر من مصدر، بعدما رواها لنا نور الدين عبد الحميد* والد علياء الذي واجهناه باتهامات الشرطة لابنته وأقوالها في النيابة، التي تطابقت مع رواية أبيها للقصة. وقال عبد الحميد إنه لم يكن يعلم بما فعله خطيب ابنته، وأضاف أن محمد جميل (صاحب الجوازات والتأشيرات الحقيقية) كان يحمل إقامتين إيطاليتين تخصان باقي أسرته، لاستخدامهما في تسفير آخرين بهما. وبعد لقائنا والد علياء، وصلنا عبر مصدر من مدينة القناطر الخيرية، التي ينتمي إليها جميل، جميل إلى بيانات إقامتين إيطاليتين كانتا بحوزته، وتخصان اثنتين أخريين من بناته، وكانت كالتالي:
قال والد علياء أيضًا إن ابنته لم تكن الحالة الوحيدة، “بل كان هناك خمسة آخرون على الرحلة ذاتها المتجهة إلى أثينا”. وأضاف أنهم “تسللوا بجوازات سفر لا تخصهم، وصعدوا جميعًا على متن الطائرة وجلسوا على مقاعدهم دون أن يكشفهم أحد”. ولم يكن بإمكاننا التحقق من صحة ادعائه، بسبب عدم معرفته بالأسماء، لكننا حصلنا، في الوقت ذاته، على محاضر شرطية تُفيد بالقبض على آخرين صعدوا على الرحلة ذاتها، رقم ( A 3931).
البحث عن سمسار
بدأنا في البحث عن سماسرة، فتوجهنا إلى مدينة القناطر الخيرية كشابين يسعيان للحصول على وثائق تساعد في السفر لأوروبا بطريقة أكثر أمانًا من البحر، مستغلين حادثة غرق مركب رشيد في سبتمبر الماضي.
في الطريق، التقينا بموظف في الخمسينات من عمره يعمل في هيئة إسعاف القاهرة، لكنه من قرية تجاور القرية التي نقصدها. سألناه عن طريق للوصول إلى قرية بعينها في القليوبية، فكان رده مباغتًا: “ليه عاوزين تسافروا إيطاليا؟”. ثم قال: “إنتو شباب ومافيش حد غريب بيروح البلد، ومش عارفها ولا عارف حد فيها إلا عشان يسافر لإيطاليا، والقرية دي مشهورة بسماسرة التسفير، وأنا ابني في إيطاليا وسافر عن طريقهم”.
راسلنا السفارة الإيطالية في مصر عبر الإيميل الخاص بها، للرد على الأسئلة المتعلقة بإقامات المصريين في إيطاليا وبيع الإقامات لمهربين. وجاء رد السفارة على لسان هويدا عبد الحميد مساعد الملحق الصحفي: “يسرنا التعاون معكم، ولكن ليست لدينا معلومات كافية في الوقت الحالي”.
وتواصلنا مع وزارة الخارجية الإيطالية، لكنها لم ترد على أسئلتنا، رغم مرور المهلة التي حددناها في الطلب.
قبل الخروج إلى مدينة القناطر، تواصلنا مع أحد سماسرة الهجرة السرية عبر البحر، ويدعى أبو محمد*، فأوضح لنا أن “لكل سمسار طريقة”، مؤكدًا أن طريقته هي البحر فقط، وأنه لا يعمل في تبديل جوازات السفر والإقامات الأوروبية. مضيفًا: “تكلفتها عالية، وتعتمد على شراء جوازات سفر وتأشيرات، وبيدوها للي عاوز يهاجر بشكل غير شرعي، بس مفيهاش خطورة لأنها بتكون من المطارات وبسهولة شديدة، واللي بيشتغلوا في الموضوع ده بيكونوا أصلاً قاعدين في ايطاليا وعندهم إقامات، وبيقدروا يأجروا جوازات السفر من القريبين منهم، وأغلبهم يبجددوا جوازات سفرهم كل فترة قريبة”.
حديث أبو محمد عن أن مهربي “المطارات” يعتمدون على تجديد جوازات سفرهم بشكل شبه دائم. أكد لنا ما قاله سمسار الهجرة السرية متولي يحيى*، الذي انتظرنا قدومه من إيطاليا ثم قابلناه في منزله بالقليوبية. قال يحيى، إنه وأسرته جددوا جوازات سفرهم مؤخراً، مضيفا أن “المئات سافروا بطريقة التسلل هذه”. واستطاع معدا التحقيق توثيق حالات أخرى عمل مهربون وسماسرة على تسهيل سفرها:
اكتشفنا من البيانات السابقة أن جوازات سفر وإقامات زوجة وأبناء “متولي يحيى”، كانت من بين الوثائق التي استخدمها مهربون وباعوها للراغبين في السفر. والتقينا متولي يحيى في منزله بالقناطر الخيرية في القليوبية، فأنكر علاقته بالسماسرة، وادعى أن الجوازات والإقامات سُرقت من زوجته واستغلها آخرون. لكننا واجهناه بوثائق تثبت تحريره محضر السرقة بعد يومين من رحلة الهجرة السرية من مطار القاهرة إلى أثينا.
مصدر قريب الصلة من متولي يحيى، لم يحصل معدا التحقيق على دليل يؤكد عمله هو الآخر في الهجرة السرية، قال: “اللي بيبيع جواز السفر والإقامة مش مضرور في حاجة، المهرب بياخد الجواز والتأشيرة شهر، ويرجعهم تاني. ولو الإقامات اتمسكت بيعمل محضر فَقد في الشرطة وبيعمله بالإيطالي والعربي عشان يطلّع تأشيرات تانية، ويظهر الموضوع إنه سرقة بس”.
المفوضية الأوروبية
من جهتها، تؤكد المتحدثة باسم إدارة الشؤون الداخلية والهجرة بالمفوضية الأوروبية كاتريزيانا كولانكو، في ردها على أسئلة معدي التحقيق، أن الشرطة في دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي “تمكنت من ضبط مصريين يبيعون تصاريح إقامتهم في أوروبا إلى بعضهم البعض، ويبيعون جوازاتهم التي تحمل تأشيرات شنجن إلى آخرين، مستغلين عدم وجود بصمة عين في مطارات مصرية وأوروبية، للتحقق من هوية المالك الأصلي لجواز السفر وتأشيرة الإقامة”.
وتبلغ عدد تأشيرات شينغن قصيرة المدة (ستة أشهر) (Short-term visa) التي حصل عليها مصريون لليونان وإيطاليا كما هو موضح بالشكل التالي:
ويصدر عن الاتحاد الأوروبي تقرير مخاطر صنّف مصر، في إصداره للربع الثاني من العام 2016، كدولة مصدرة للهجرة السرية باستخدام وثائق أصلية بقصد الاحتيال. واعتبر التقرير أنّ حالات الاحتيال هذه “في ازدياد عبر مصر، حيث ارتفعت 14% خلال ثلاثة أشهر من بداية العام وحتى منتصفه”، وأن “نسبة 31% ممن يستخدمون هذه الوثائق مصريون”، فيما تستخدم النسبة المتبقية من جنسيات أخرى مصر طريقاً لهذا النوع من الهجرة.
واعتبر التقرير الذي حصل عليه معدا التحقيق بطلب رسمي من وكالة “فرونتكس” الأوروبية- ومقرها دبلن- أنّ المصريين “كانوا إحدى الجنسيات الأكثر استخداماً للإقامات الأصلية في إيطاليا في عمليات الاحتيال للدخول إلى أوروبا”، إذ أُلقي القبض على 65 حالة في عام 2015، و41 حالة حتى النصف الأول من العام 2016. كما استجوب المئات من المصريين أثناء الدخول بوثائق صحيحة (بدل فاقد) بعدما استخدم آخرون وثائقهم الأولى. وورد في التقرير أنّ المصريين “كانوا من بين أكثر 10 جنسيات احتاجت القوة لإجبار من تم القبض عليهم للعودة إلى بلدانهم”، فقد تم ترحيل 1102 مصري بالقوة عام 2015، و667 مصرياً آخرين خلال النصف الأول من 2016.
وتساهم أجهزة بصمة العين في تصنيف المطارات عالميًا من الناحية الأمنية. وكشف تقرير صادر عن مؤتمر مراقبة الحدود وأمن المطارات والموانئ الذي انعقد في دبي ديسمبر 2010، أن “أنظمة البصمة المطبقة في مطارات الإمارات أدخلتها في مصاف المطارات الأكثر أماناً على مستوى العالم”، لافتا إلى أن “نظام بصمة العين حال دون دخول أكثر من 600 ألف مطلوب ومشتبه فيه إلى الدولة (الإمارات)”.
القانون والعقوبة
يقول محمد كمال النويهي المحامي بالنقض، إن مواد قانون العقوبات المصري “غير رادعة، وتساهم في استمرار التسلل عبر مطارات مصر بجوازات سفر وإقامات لا تخص حامليها”، ويرجع ذلك إلى “عدم تغليظ العقوبة كما في المادة 217 من قانون العقوبات”.
ويضيف النويهي أن استخدام المهربين للمطارات المصرية للتسلل، مستغلين ثغرات في بوابات الجوازات، “يجب أن يكون جناية لأنه يمس الأمن القومي المصري”.
ويؤكد النويهي على أن تغليظ العقوبة والتعديل التشريعي، بجانب سد الثغرات في المطارات المصرية “من شأنه وقف التسلل والهجرة غير الشرعية عبر المطارات”.
*تعني اسم مستعار.
ملاحظة: ساهم في إنجاز هذا التحقيق الصحفية دولفين روتر من بلجيكا، والصحفية لورا سيلفيا من إيطاليا.
أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) www.arij.net
سنقوم بتعليق الرد على مقترحات التحقيقات الاستقصائية المُقدّمة بعد 18 كانون أول/ديسمبر 2023 إلى يوم 15 كانون ثاني/يناير 2024؛ وذلك لمناسبة عطلتي الميلاد ونهاية العام.
الزميل/ة العزيز/ة
يمكنك النقر هنا لتحميل نسختك من منهاج الصحافة الإستقصائية الحديثة، نرجو أن ينال إستحسانكم.
تعتذر هيئة تحرير أريج عن التاخر في الرد على مقترحات التحقيقات المقدمة من الزملاء والزميلات بسبب نشاطات ملتقى أريج الرابع عشر، على ان ترسل الردود على المقترحات في الأسبوع الأول من العام 2022 . وكل عام وانتم بخير.
العزيز/ة
يمكنك النقر هنا لتحميل نسختك من ورقة سياسات أريج حول “مكافحة المعلومات المضللة في العالم العربي” بالشراكة مع مؤسسة فريدريش ناومان للحرية
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.
Leave a Reply