سدود ومضخات جففت وادي شبوكة
استيقظ أحمد، القاطن على أطراف وادي شبوكة، بإقليم خنيفرة وسط المغرب، في 15 أيار/ مايو 2022، على منظر أسماك نافقة على مجرى الوادي، بعد أن جفت مياهه تماما. أخذ هاتفه والتقط صورة للمكان. انتشرت الصورة بين سكان منطقة لهري فأشعلت غضبهم. وهنا اكتشف الجميع شجرة تخفي غابة من المصالح والتواطؤات.
مياه وادي شبوكة، لم تجف فجأة، بل تم ذلك على مراحل، منذ بناء كبار الفلاحين (المتنفذين) سدودا تلية، ووضع مضخات يتجاوز قطر قنواتها 10 سم لسحب المياه باتجاه مزارعهم على مساحات ما بين 500 و600 هكتار
، لسقي المزروعات التي تحتاج كميات وافرة من المياه كالبطاطا والشمندر السكري، ما حرم القاطنين بمحاذاة النهر من مصدر رزقهم في زراعة البساتين وإرواء المواشي، وأيضا من متنفسهم الترفيهي، حيث كثرت الحشرات، واختفت الأسماك.
يحق للفلاحين الاستفادة من مياه الأنهار (الملك المائي العمومي)، إلا أنه يمنع إقامة منشآت على الوادي أو تحويل مياهه. ويشكل ذلك جريمة وخرقا للقانون المنظم لتدبير الثروة المائية في المغرب، والضرر الأكبر وقع على الفلاحين الصغار ومربي الماشية في مركز لهري، والسكان على جنبات الوادي، كل هذا جرى أمام أعين السلطات المحلية التي لم تحرك ساكنا، لفرض تطبيق القانون.
احتج سكان لهري على “تجفيف” وادي شبوكة، ووجهوا شكاوى مكتوبة إلى كل المؤسسات المتدخلة في مجال تدبير استعمال الماء والبيئة، وقعها 70 شخصا وأرفقوا التوقيعات بأرقام بطائقهم الوطنية. وتضمنت دعوة لـ “التدخل العاجل والحازم ضد استغلال غير قانوني واستنزاف خطير للثروة المائية، نتج عنه توقف جريان مياه الوادي”، ولفتوا انتباه الجهات المعنية إلى تجاوزات ثمانية فلاحين من كبار المستثمرين وضعوا تجهيزات ومعدات على النهر مختلفة عما خبروه من قبل، من دون الحصول على أية تراخيص من الجهات المختصة.
مصطفى باعلي، من سكان لهري، يقول أن منطقة “أَدْخِسال”، تضم مجموعة من الأراضي تمتلكها عائلات “متنفذة” تسحب الماء من الوادي وتضخه في أراضيها. هذه الأراضي كانت بورية تحولت إلى أراض سقوية (مروية)، وارتفع إيجارها (الكراء) ليتراوح ما بين 8 آلاف و10 آلاف درهم (724 – 910 دولار) للهكتار الواحد في السنة، ثم بدأ المستثمرون في اعتماد زراعات تتطلب كميات أكبر من المياه، مثل الشمندر السكري والبطاطس والبطيخ، وأصبح الجميع يجلب المياه من الوادي لمسافات تتجاوز 6 أو 7 كيلومترات عبر أنابيب يبلغ قطرها 10 سنتيمترات”.
انقطاع مياه الوادي ستكون له انعكاسات على الزراعات المعيشية البسيطة لسكان لهري، وستحرم ماشيتها من مياه للشرب، بالإضافة إلى نفوق الكائنات الحية التي طالما عاشت في الوادي.
تحدث عبد الله محتى عن ارتباط السكان بوادي شبوكة: “سكان جماعة لهري ارتبط استقرارهم بالمنطقة بوادي شبوكة، فمنه كانوا يشربون، ويسقون بهائمهم، ومنه كانوا يروون زراعاتهم المعيشية، وهو المتنفس الوحيد لشباب المنطقة، في غياب دار شباب أو مسبح أو أي فضاء ترفيهي”.
“لا يتعلق الأمر فقط بالثروة السمكية بل هناك منظومة بيئية متكاملة، ما بين أسماك، وحشرات وطيور وحيوانات أخرى تعيش من مياه الوادي”، وهو ما أكده الحسين الشوهاني، أستاذ علوم الحياة والأرض، الذي قال إن المنظومة البيئية لوادي شبوكة كانت تحتضن سمك السلمون (la truite fario)، الذي لا يعيش إلا في مياه عذبة باردة، وغنية بالأكسجين. مضيفاً “الأسماك التي تعيش في نهر أم الربيع، خصوصا الأسماك المهددة بالإنقراض، كانت إناثها تضع بيوضها في وادي شبوكة، لأن يرقات بعض الأسماك، والأسماك الصغيرة لبعض الأنواع الأخرى لم تكن تتحمل نسبة الملوحة المرتفعة في نهر أم الربيع، وبالتالي كانت الإناث تهاجر وتنتقل إلى أعالي روافد نهر أم الربيع، حيث كانت تجد خصائص تسمح بعيشها”.
وبالرجوع إلى ملحق القرار السنوي المنظم للصيد في المياه القارية خلال موسم 2022 – 2023 والمحدد للائحة المياه المصنفة، نجده يضع وادي شبوكة وروافده من المنابع إلى ملتقاه وواد جنان ماس وويرغ، في مجموعته الأولى المتعلقة بالمياه التي توجد فيها فصيلة السلمونيات (Salmonidae).
وتوقع الأستاذ الشوهاني أن تتسبب “عملية تجفيف وادي شبوكة، بخصائصه الإيكولوجية المتميزة على مستوى العالم، وليس فقط في المنطقة، وقطع صلته بوادي سرو، في إطار العلاقة بين المجال الأحيائي والمجال البيئي، في تسريع انقراض أنواع عدة من الأسماك التي تعيش سواء في نهر أم الربيع أو وادي سرو”.
الشوهاني ذهب إلى أبعد من ذلك وقال إن “التخوف الأكبر -وهذا احتمال نبهنا إليه السلطات مباشرة- هو أن تبرز ظاهرة صحية خطيرة في الأبقار أو الأغنام، والأخطر هو أن تصيب الأطفال، لأن نسبة الحشرات في مركز لهري أصبحت مخيفة، وإذا استمر انقطاع مجرى الوادي طيلة الصيف، فقد تظهر أمراض جلدية لدى الأطفال”.
تنص المادة (28) من قانون الماء رقم (15-36) على أنه ” يخضع لنظام الترخيص: […]
3 -إقامة منشآت لمدة لا تتجاوز 10 سنوات فوق الملك العمومي المائي بهدف استعمال مياه هذا الملك كالمطاحن المائية والحواجز أو القنوات”، ويمنح هذا الترخيص من قبل وكالة الحوض المائي التي يدخل الملك المائي العمومي المعني تحت دائرة نفوذها وفي حالة وادي شبوكة يرجع الأمر لوكالة الحوض المائي لأم الربيع.
بعد يومين من الجفاف التام للنهر..
زارت المنطقة لجنة رصد تشكلت من الدرك الملكي، والسلطات المحلية، ورئيس المجلس الجماعي للهري، ومنتخبين باسم السكان. وأثناء هذه الزيارة رصدت اللجنة نحو 40 مضخة وضعها ثمانية فلاحين من دون الحصول على التراخيص المفترض أخذها من وكالة الحوض المائي لأم الربيع.