عمان نت – لحظة مرعبة تلك التي فقدت فيها رفيقي حين سقط مغشياً عليه وقد ازرق لونه وخرج الزبد من فمه بعد أن تعاطى جرعة زائدة من الهيروين”، بتلك العبارات يستذكر عماد .ح (21 عاماً) مصرع زميله الجامعي زياد في مشهد مأساوي.
جرعة زياد الأخيرة شكّلت نقطة تحول في حياة رفيق دربه الذي نجا بأعجوبة ليبدأ رحلة علاج غير مضمونة النتائج.
حاول عماد، إنقاذ حياة زميله في الجامعة خلال جلسة “تعاطي” ثنائية في منزل الضحية. تلك الفاجعة شكّلت صدمة لذوي زياد الذين لم يكونوا يعلمون بانزلاق ابنهم إلى حالة إدمان.
وهكذا ينضم اسم زياد ابن العشرين ربيعاً، إلى شواهد قبور برزت خلال اقل من عامين، لعشرة طلاب جامعات على الأقل تنسب وفاتهم- في معظم الأحيان- “لأسباب طبيعية” تجنبا للفضائح في هذا البلد المحافظ.
تشير إحصائيات رسمية إلى وفاة 46 مدمنا على الأقل خلال السنوات الثلاث الماضية جرّاء تعاطيهم جرعات زائدة من مخدّر الهيروين، الذي يصفه تجار ومتعاطون بأنه قاتل “رقم واحد” بين أصناف المخدر المنتشرة في الأردن.
تزايدت حالات الوفاة منذ حرب الخليج الثانية (1990-1991) مع تغير أنماط الحياة صوب النزعة الاستهلاكية، بالتزامن مع دخول صنف الهيروين الخطير على يد تجار مخدرات جدد اقتحموا أسوار الجامعات، بحسب مسؤولين وطلاب جامعات.
منذ مطلع العام الحالي سجّل المركز الوطني للطب الشرعي 13 حالة وفاة – ربعهم من طلاب الجامعات- نتيجة تعرضهم لجرعات زائدة من الهيروين، حسبما يؤكد مدير المركز الدكتور مؤمن الحديدي.
على أن العدد الحقيقي يفوق المعلن عنه، إذ يؤكد مرضى في مركزي معالجة مدمنين تابعين للأمن العام ووزارة الصحة وقوع أكثر من 80 حالة وفاة، ثلثها في صفوف الطلاب.
في مسح شمل أربع جامعات حكومية وخاصة،( الأردنية، الزرقاء الأهلية والحسين بن طلال والبتراء) داخل وخارج عمان- رصدت “الرأي” عشرات حالات التعاطي داخل الأسوار.
المخدرات ونظرة المجتمع
يغرق الطلبة من الجنسين تدريجيا في مستنقع الإدمان. عامل الخوف من العقاب أو العزل في المجتمع يحول عادة دون سعي المدمنين للعلاج. لذلك فإن العشرات من المتعاطين لا يندرجون ضمن السجلات الرسمية، بحسب القائمين على مراكز معالجة الإدمان.
طالبة جامعية أسرّت للدكتور جمال عناني رئيس مركز معالجة وتأهيل المدمنين، الذي تخضع فيه للعلاج سرا، بأن “25 من زميلاتها في نفس التخصص والسنة الدراسية، يتعاطين حبوبا مخدرة أوهلوسة”.
طالبة أخرى في كلية جامعية متوسطة ذكرت للمصدر ذاته بأنها أدمنت على حبوب الهلوسة بعد ان “غرّرت” بها إحدى زميلاتها، إذ أنها قدمت لها حبوبا مخدرة مدعية أنها طبية لألم الرأس. بعد فترة دخلت هذه الطالبة دائرة المتعاطين في الكلية.
اخترقت “الرأي” حلقة تجار المخدرات في عمان، العقبة (345 جنوب العاصمة) وسحاب (30 كيلو مترا شرق العاصمة) وداخل مراكز التوقيف والإدمان في مسعى لقياس حجم ظاهرة انتشار المواد السامة في صفوف طلبة الجامعات.
خمسة تجار على الأقل أكدّوا أن طلبة جامعات ومدارس ثانوية يشكّلون ثلث قاعدة الزبائن- التي تقدر بالمئات. كما أن طلبة كثيرون انزلقوا إلى الترويج على أمل تحقيق مكاسب تمكنهم من الحصول على جرعاتهم من “تجار الجملة”.
تاجر في سحاب يؤكد أن طلاب جامعات “يترددون عليه لشراء حبوب هلوسة أو هيروين أو مارجوانا”. مروّج آخر يضيف أن عددا من الطلبة يعملون كوسطاء في السوق مقابل الحصول على احتياجاتهم، لا سيما الطلبة الفقراء.
من جانبه، يري مدير إدارة مكافحة المخدرات والتزييف العقيد طايل المجالي أن شريحة المدمنين تتركز بين الأغنياء والفقراء جدا. أما الطبقة الوسطى، الآخذة بالانحسار، فهي أكثر تحصينا.
دراسات وأرقام
تشير دراسة رسمية نفذّتها عام 2004 مديرية الصحة المدرسية في وزارة الصحة في الاردن، بتمويل (المكتب الإقليمي المعني بالمخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة في القاهرة) إلى أن واحدا من كل أربعة فتيان بين الحادية عشرة والسادسة عشرة تعاطوا أو كانت لهم تجربة مرة واحدة على الأقل مع المخدرات أو الكحول أو المنشطات أو الدخان.
الدراسة التي اعد التقرير النهائي لها الدكتور مالك الحباشنة مدير السلامة الصحية في الوزارة، وجدت أن 27 % من عينة عشوائية عددها أربعة آلاف طالب وطالبة مرّوا عمليا بتجربة تعاطي أحد أنواع المنبهات، مسكرات أو مخدرات.
في العام 2001، وجدت دراسة لوزارة الصحة بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات والأمم المتحدة أن مادة الكوكايين – الأكثر خطورة- هي الأكثر شيوعا وانتشارا بين الطلبة. غطّت تلك الدراسة طلبة جامعات ومدارس ونزلاء سجون بكلفة 70 ألف دولار.
مع أن السلطات الأردنية تنفي انتشار ظاهرة الاتجار والتعاطي، ضبطت إدارة مكافحة المخدرات 1194 قضية، تورط فيها (1972) شخص منهم 433 تاجر خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي. بالمقارنة مع الأعوام السابقة، يتصاعد الخط البياني لقضايا المخدرات اتجارا وتعاطيا. (انظر الجدول رقم 3)
عام 2005، سجلت 2041 قضية اعتقل في إطارها 4792 شخصا منهم 746 تاجرا مفترضا. من بين المعتقلين 74 فتاة.. بينهن 22 من جنسيات غير أردنية و140 طالب جامعي منهم 46 من جنسيات أخرى.
في العام 2004، بلغ عدد القضايا المضبوطة 1691 اعتقل في إطارها 2134 شخصا بين اتجار وحيازة وتعاطي.
العقيد طايل المجالي مدير إدارة مكافحة المخدرات يقلّل من خطورة انتشار الإدمان بين طلبة الجامعات، إذ تشيرإحصائيات الإدارة إلى رصد 500 حالة تعاطي من بين 259 ألف طالب في 23 جامعة. على أن هذا الرقم يعطي دلالات مقلقة إذا قورن بأعداد المدمنين من الفئة العمرية 20 – 35 سنة المقدرة (3.5 – 4 ) آلاف شخص. وهكذا تفيد المقارنات بأن واحدا من كل ثمانية مدمنين ينتسب إلى إحدى الجامعات.
في مقابل ذلك يرى العقيد المجالي، ان أعداد طلبة الجامعات المدمنين ليست مرتفعة، مع أن سجلات الإدارة ترصد وفاة 46 شخصا نتيجة تعاطيهم جرعة زائدة و عينة “مضروبة” من الهيروين.
يؤكد المجالي أن مشكلة تعاطي المخدرات لا تشكل ظاهرة بحسب تقارير هيئة الأمم المتحدة.
بيد أن هذه التأكيدات لا تقلل من حجم مشكلة مزدوجة تتمثل بالاتجار وتعاطي المخدرات.
جهل في أوساط الطلبة
يؤكد مسؤلون في إدارة المخدرات والجامعات أن غالبية الطلبة من الجنسين يجهلون تماماً المخاطر الناجمة عن المخدرات، كما أنهم غير مطلعين على تجارب وعواقب المدمنين.
يقول أسامة الذي يدرس إدارة الأعمال في جامعة الحسين بن طلال الحكومية جنوب الاردن : “ثمّة طلبة يتعاطون المخدرات وبأعداد كبيرة، وأحيانا يتداولون الحبوب علنا فيما بينهم، وبالتحديد ينتشر القنّب الهندي بكثرة بين أوساط الطلبة”.
يؤكد هذه المعلومة زميل له يدعى (عامر. أ)، إذ يقول إن مروجي المخدرات هم الطلبة أنفسهم. ينصب الطلبة/التجار فخا للمتعاطين الجدد إذ يقدمون لهم حبوب هلوسة بالمجان على أمل جرّهم إلى عالم الإدمان.
حتى لا يقع فريسة لمروجي المخدرات سعى هذا الطالب، للانتقال إلى جامعة أخرى.
مدير العلاقات العامة في جامعة الحسين بشير كريشان، ينفى وجود أي اختراق للحرم الجامعي. على أن كريشان أقر بانتشار تجارة المخدرات في مدينة معان الصحراوية التي تؤوي عدداً كبيرً من التجار، إذ تم ضبط فيها 76 قضية في العام 2005 وفق سجلات إدارة المخدرات.
في مواجهة هذا الزحف، نظمت جامعة الحسين عدة أنشطة تثقيفية لتنبيه الطلبة إلى مخاطر المخدرات. تشكل الجامعات الخاصة أرضا خصبة لترويج المواد المخدرة بسبب تنوع جنسيات الطلبة وارتفاع مداخيل ذويهم، بحسب طلاب.
في الأردن 23 جامعة من بينها 15 جامعة خاصة.
في موازاة ذلك ينفي العقيد المجالي تلك المقولة، معتبرا أن التنافس بين الجامعات على استقطاب الطلبة يدفع بعضها لنسج شائعات عن بعضها الآخر.
أحد موظفي الجامعة الهاشمية (حكومية) قال إنه وجد “حقن مخصصة لتعاطي” المخدر ملقاة في إحدى قاعات التدريس ما دفعه لإخبار رجال الأمن الذين فتحوا تحقيقا لمعرفة حجم مشكلة التعاطي… ولم ترشح معلومات حول تفاصيل التحقيق في هذه القضية.
قبل عامين، ألقت الجهات الأمنية القبض على بائع “ترمس” أمام بوابة الجامعة الأردنية بتهمة بيع حبوب الهلوسة. اعترف للمحققين أنه كان يروّج بضاعته على مدى خمس سنوات.
يعتقد الدكتور كمال الحوامدة، استاذ في جامعة الزرقاء الأهلية، أن ثاني مدن المملكة من حيث عدد السكان (مليون نسمة) تشكل مرتعا لتجارة المخدرات بحكم تنوعها السكاني. يضيف الحوامدة أن جامعة الزرقاء الأهلية والهاشمية الحكومية ربما تكونان عرضة لمصائد التجار، خصوصاً وان نسبة المروجين والمتعاطين في المحافظة عالية مقارنة بغيرها من مناطق المملكة.
إذ تشير سجلات إدارة مكافحة المخدرات إلى ضبط 283 قضية في محافظة الزرقاء عام 2005، وهي تأتي ثانيا بعد العاصمة بواقع 977حالة .
تشريح الجثث
كشفت دراسة قام بها الدكتور مؤمن الحديدي عن وفاة 13 شخصاً منذ مطلع العام الحالي نتيجة تعرضهم لجرعات زائدة من الهيروين. وقعت أربع من هذه الوفيات في إطار قضيتين منفصلتين، توفي طالبين في كل منهما. لدى تشريح الجثث وجد أن سبب الوفيات يعود إلى جرعات زائدة من الهيروين أدت الى “فشل بالتنفس نتيجة تاثير المخدر على المراكز التنفسية العليا”.
يؤكد الحديد ان كثيرا من أولياء أمور يرفضون تشريح جثث ابنائهم، إلا أن القانون يحتم التشريح في حال وجود شبهة جنائية.
تطابق الأسماء
بمقارنة ضحايا الجرعات الزائدة خلال السنوات الثلاث الماضية مع رصد نزلاء مراكز معالجة الإدمان، تأكد وجود أعداد ضحايا أكبر من تلك المدرجة في سجلات إدارة المكافحة والمركز الوطني للطب الشرعي.
رئيس مركز معالجة الإدمان الحكومي في شفا بدران الدكتور جمال عناني أطلع”الرأي” على تطابق أسماء 90 % من الضحايا المدرجة أسماؤهم في السجلات الرسمية مع قائمة المدمنين داخل مراكز العلاج.
تذهب هذه المراكز إلى تأكيد وفاة 76 متعاطيا نتيجة الجرعات الزائدة- ربعهم من فئة الشباب- أي ضعف الرقم الرسمي المعلن تقريبا. العقيد المجالي، يعتقد مع ذلك أن هذا الرقم مبالغ فيه.
تستند إدارة المكافحة ومراكز علاج المدمنين الى نص المادة 14 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الفقرة ج.. التي تقضي” بمراعاة السرية التامة في هوية الأشخاص الذين تتم معالجتهم وفي أي معلومات أو وقائع تتعلق بهم… ويعاقب من يفشي تلك الأسرار بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على 500 دينار”.
فتيات لإيصال المخدرات
أحد المروجين تحدث عن استخدام فتيات، لاسيما من طالبات الجامعات، في ترويج المخدر. يمكن توصيل المادة المخدرة إلى نقطة الاستهلاك مقابل زيادة في السعر أو نقص في الكمية. يتولى عملية التوصيل المدمنين الذين يلجأون الى تأمين حاجتهم بالعمل كوسطاء يجلبون «الهيروين» من المناطق الحدودية لبيعه في المدن.
يقول أحد التجار إن المدمن “يضطر لشراء ما يعرضه المروج، حتى لو كانت المادة المخدرة ” مغشوشة” ونادراً ما تتوافر المادة النقية غير المخلوطة نهائياً أو المعدة للتصدير. وإن وجدت فأسعارها عالية جداً. اذ يتراوح سعر غرام الهيروين المغشوش غالباً بين 15 – 20 ديناراً بينما ما يصل غرام الهيروين النقي إلى 120 ديناراً.
طرق التعاطي
يتعاطى المدمنون «الهيروين» بطرق مختلفة منها الاستنشاق أو «الشم». هناك أيضا طريقة «الحرق» إذ يوضع الهيروين فوق قطعة قصدير وتعرّض لنار قداحة حتى تحترق المادة. حينذاك “يشفط” الدخان الناتج عن عملية الحرق بواسطة لفافة ورقية إلى الفم مباشرة بينما تتبقى بقع سوداء هي رواسب المواد الكيمائية المضافة.
ولعل الحقن هو الأكثر شيوعاً باعتباره الأشد فاعلية وتأثيراً في الجسم والأوفر مادياً بحسب المدمنين. توضع المادة في ملعقة ثم تخلط مع الماء وبضع ذرات من حمض الليمون لتساعد على التفاعل قبل وضعها على نار حتى درجة الغليان. ثم تعبأ في (سرنجات) وتؤخذ عن طريق الوريد.. وربما تكون القاتلة!!
يصف الأطباء هذه الطريقة بأنها شديدة الخطورة على حياة المتعاطي لأن استخدام «المحاقن» بشكل مشترك هو إحدى وسائل انتشار الإيدز، ولأن جرعة زائدة أو خاطئة منها تؤدي الى الموت.
يبلغ عدد المصابين بالإيدز في الأردن 471 مصاباً من مختلف الأعمار منهم (166) أردنيا. تشكل نسبة الإصابة في الإيدز عن طريق الحقن 4 بالمئة من مجمل الحالات المسجلة، طبقا لإحصائيات البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز.
وتشير إحصائيات إدارة مكافحة المخدرات إنها أتلفت خلال خمس سنوات ما مجموعه 9.2 طن حشيش و( 15129864) حبوب مخدرة ، ( 456) كيلو هيروين و( 83) كلغم أفيون، ويقدر رجال مكافحة المخدرات والجمارك ان نسبة المواد المضبوطة لا تتجاوز 10 % من المواد التي تسوق أو تعبر الاردن، أما السجلات فأنها تشير الى ان الظاهرة في تصاعد خلال خمس سنوات( الجدول رقم (3)
الطريق السري
يقول تاجر مخضرم “إن المخدرات تأتي عبر سورية ليواصل معظمها طريقه الى دول الجوار لا سيما إسرائيل ودول الخليج العربي. في حين تروج كميات لا يستهان بها داخل السوق الأردني”.
يستخدم الأفراد في عمليات تهريب صغيرة عبر المطارات حقائب مصممة خصيصاً، أو في الأحذية أو « عبوات خاصة» يتم إخفاؤها في منطقة الشرج أو داخل المعدة. هذه تتسع بين 50 و 70 غم من المادة المخدرة وتكون مغلفة بالكربون على أمل التحايل على المجسات الإلكترونية وكلاب الأثر في المراكز الحدودية… غير أن الأجهزة الحديثة تكشف محاولات التهريب داخل جسم الانسان، حسبما يؤكد العقيد المجالي.
المدمنون ومراكز العلاج
منذ مطلع الألفية الثالثة، عالجت ثلاثة مراكز إدمان خمسة آلاف مدمن استفادوا من فرصة عدم دخول السجن، بموجب قانون المخدرات والمؤثرات العقلية. اثنان من هذه المراكز حكوميان تابعان للأمن العام ووزارة الصحة والثالث قطاع خاص.
استفاد المدمنون وذووهم من التعديلات التي طرأت على قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الذي يعفي الراغب في العلاج طوعا من العقوبة.
عقوبة التعاطي تصل إلى الحبس ستة شهور مع غرامة بين 500 و 1000 دينار، بحسب المادة 12 فقرة ب من القانون. أما التاجر فتصل عقوبته إلى حد الإعدام في حال تكرار الجرم.
ثلاث غرف لمعالجة المدمنين
في مركز معالجة الإدمان التابع لإدارة مكافحة المخدرات خمسة عشر مدمناً أحيل غالبيتهم من السجن، ومنهم من أمضى عقوبة تجاوزت سبع سنوات، بتهمة الاتجار.
مدير مركز معالجة المدمنين التابع للأمن العام المقدم خالد العدوان الذي يحمل الماجستير في الإرشاد النفسي يرى “إن فترة علاج المدمنين في المركز غير كافية إذ تصل إلى ثلاثة شهور بينما يفترض أن تستمر حتى ثمانية شهور على اقل تقدير على غرار المراكز العالمية المماثلة”.
هو يطمح أيضا إلى تغيير مقر المركز الذي لم يعد ملائماً نظراً لصغر حجمه– ثلاث غرف وملحقاتها. عالج المركز مند تاسيسه عام 1994 وحتى الآن (1628) حالة إدمان، بينما يتلقى (15) مدمناً العلاج حاليا.
مدير هذا المركز يؤكد أن عدد ضحايا المخدرات يفوق بكثير الأرقام الرسمية المعلنة، إذ يقدر وقوع 94 حالة وفاة نتيجة جرعات زائدة، وذلك نقلا عن نزلاء في المركز. من بين الضحايا، يضيف المقدم العدوان، طلبة جامعات من الفئة العمرية (20 – 30 ) عاما.
المركز التابع للامن العام يتيح لطالبي العلاج “فرصة المعالجة المجانية وفق أحدث الطرق العلاجية المتمثلة بالعلاج الدوائي ( الكيميائي) وما يصاحبه من أعراض انسحابية وبدائل علاجية واضطرا بات نفسية مثل ( ذهان، اكتئاب، قلق)”.
أما العلاج غير الدوائي فيشمل، العلاج المعرفي، السلوكي، الأسري، بالعمل والعلاج النفسي المشترك، الاسترجاع الذاتي، الجلسات النفسية الفردية والعلاج ألبدني (الرياضي)، بحسب مدير المركز.
من يدفع تكاليف المعالجة للحكومة؟
المركز الوطني لمعالجة وتأهيل المدمنين على المخدرات، التابع لوزارة الصحة، انشيء سنة 2001 وهو مركزً إقليمي يتسع ل (60) سريراً، نصفها غير فاعل حاليا.
يقدم مركز وزارة الصحة المعالجة للأردنيين مجاناً. كلفة علاج المريض الواحد تصل إلى 93 دينارا يوميا. منذ إنشائه عالج هذا المركز1517 حالة إدمان منهم 42 فتاة، وفق مدير المركز الدكتور جمال العناني.
وقال:” إن المركز يعمل على معالجة المدمنين بإقامة قصيرة ويقدم خدمات علاجية تأهيلية للذكور والإناث والمراهقين، الا انه يحتاج الى دعم مالي كبير لتشغيله بكامل طاقته الاستيعابية، وان الإقبال عليه ضعيف من قبل الإناث بسبب النظرة المجتمعية”.
أرقام فلكية
وكشف الدكتور فائق الزغاري الذي يدير مركز معالجة الإدمان التابع لمستشفى الرشيد عن إحصائية لعدد حالات الإدمان في المركز خلال الأعوام الخمس الماضية.
إذ ان المجموع الكلي للمتعاطين ذكوراً وإناثا منذ بداية العام وحتى نهاية شهر آب الماضي ( 92 ) حالة لمختلف أنواع المخدرات، وهم مقسمون حسب الإحصائية أردنيون وغير أردنيون.
أما المجموع الكلي لعدد حالات الإدمان التي عولجت في المستشفى قبل إنشاء المركز أي منذ العام 1996 وحتى الآن بلغ (1296) حالة منهم (777) أردنيون و (519) من جنسيات أخرى.
ويؤكد الدكتور الزغاري ان أعداد الطلبة والشباب المدمنين يفوق أضعاف ما هي عليه أرقام الجهات الرسمية وهذا واضح من خلال الدراسات التي أجريت على فئة الشباب.
شهادات مدمنين يتلقون العلاج
(زهير.س 39 عاماً) مدمن هيروين، يصف تجربته مع الإدمان بالقول:” إنني خسرت دراستي الجامعية”وضيعت” ثروتي على المخدرات، كما تحولت الى سارق حين مددت يدي على مصاغ والدتي ذات يوم”.
تدرج زهير من تعاطي الحشيش وصولا إلى الهيروين، حاول الإقلاع عن الإدمان لكنه لم يستطع.
ويعتقد زهير ان السجن يشجع المدمن على الاستمرار في إدمانه والتاجر التوسع في تجارته، لأنه يعيش في أجواء المدمنين والتجار التي غالباً ما تنشأ بينه وبينهم صداقات. وهذا ما يدفع المدمنون المفلسون شراء حاجاتهم من المخدرات “بالدين”. انفق على المخدرات والعلاج (200) ألف دينار.
أوردته غارت ويبحث عن أخرى
(محمد.ح 29 عاما) لم يكن يحسن حقن نفسه، إذ تخطيء الإبرة مكانها وتذهب تحت الجلد بدل الوريد، ما أدى الى فقدانه لأوردته التي غارت في جسده، وبدا يبحث عن أماكن أخرى يحقن بها نفسة كمنطقة القدمين وتحت اللسان.
دخل السجن ثلاث مرات وتفكيره بالنشوة الزائفة يدفعه الاستمرار بتعاطي الهيروين والبحث عن مروجيها أينما كانوا..
لم أشاهد ” الكريزا” الا في الاردن
شاب آخر (لبناني) صاحب وشم كثيف على أجزاء كبيرة من جسده، يدعى(احمد. س 20 عاماً) قال ” ان أدماني على المخدرات عن طريق “الشم” منذ ثلاث سنوات لم يكن نتيجة مشاكل عائلية أو فشل إنما فضول. بسبب إدمانه توقف عن دراسته الجامعية، لم يشاهد احمد ” الكريزا” في لبنان وإنما شاهدها في الاردن فقط..
يفسر المختصون «الكريزا» بأنها خروج المادة من الجسم، وتبدأ بوهن عام وسيلان من الأنف وأوجاع في الظهر قبل ان تتحول الى ما يشبه «الأنفلونزا» الشديدة المصحوبة بإقياء وتشنجات واكتئاب واحباط ويأس، وعدم القدرة على التركيز الذهني والنفسي، ما يدفع المدمن الى البحث بلا هوادة عن جرعة أخرى!! وهي ما يطلق علية أخصائيو علم النفس “الاعراض الانسحابية”.
خفايا التعاطي في “اللّبن”
اضطر( محمود. خ 45) الذي يتلقى العلاج في مركز وزارة الصحة للمرة الثانية الى بيع محلاته بأقل من نصف ثمنها الأصلي .. كما انه فقد ابنه بحادث دهس وطلق زوجته التي حرمته من ابنته الوحيدة حسب قوله.
تعاطى محمود الهيروين خمسة أيام عن طريق الشم ظناً منه انه يقوي الجنس كما اخبره احد أصدقائه. بعدها شعر بأنفلونزا حادة وهي ” الكريزا”، وحين اخبر صديقه بالامر طلب منه الاستمرار بشم الهيروين لتزول اعراض مرضه وبعدها ادمن الهيروين لسنوات امتدت 22 عاماً.
يرى ان عدد مدمني الهيروين وخصوصا من الشباب اكثر بكثير من الأرقام الرسمية، والسبب ان مادة الهيروين اصبحت تباع بثمن رخيص، فهي ارخص من الكحول، إذ وصل الغرام من 15 – 20 ديناراً في حين كان يباع ب 70 – 90 ديناراً بما يؤشر الى ان هذه المادة كغيرها من السلع تخضع لمبدأ العرض والطلب.
قال محمود:” ان منطقة (اللبّن) في سحاب من اكثر المناطق التي يرتادها المدمنون، ولها اربع مداخل ويوجد على كل مدخل دورية لمكافحة المخدرات، وان الداخل الى تلك المنطقة لا يتعرض له رجال الامن ولكنه يخضع للتفتيش بعد خروجه واحياناً يتم تحويل البعض الى المختبر لقياس نسبة المخدر في( البول والدم).
ما سر الحقيبة؟
حكم على علي بالسجن سبع سنوات بتهمة الاتجار بالمخدرات. وحكايته كما يقول:” انه فتح حقيبة لاحد الزبائن استأمنها عنده ووجد فيها مادة الحشيش واخذ يبيعها، ولم يقف عند هذا الحد بل توسع بتجارتها في استراحته الى ان ُكشف أمره من قبل رجال مكافحة المخدرات وقبض عليه.. يستطرد :” إنني دخلت السجن منحرفاً وخرجت منه محترفاً”.
تراجع المركز خفية
وكانت إحدى المدمنات تورطت في الإدمان على الهيروين عن طريق الأصدقاء، حسب ما ذكره الدكتور عناني، حيث تحاول الفنانة التشكيلية ابنه الثلاثين عاماً ان تتخلص من إدمانها بالعلاج، دون ان يعرف أهلها، وقد عبّرت عن خطورة الإدمان بلوحة رسمتها بالفحم عُلقت على احد جدران المركز.
ويشعر (عماد ) بعد ان تعافى من الإدمان على الهيروين انه أحسن حالاً من ذي قبل وانه عازم على مواصلة دراسته في الجامعة التي تأثرت بحصوله على نسب متدنية، وانه لن يفكر بالعودة إليها لان وفاة صديقه أمام عينية مشهد مرعب لن ينساه، وهو اكبر رادع له ليخرج من مستنقع الإدمان على المخدرات !! غير أنه لم يؤكد قدرته على نزع فكرة التعاطي من تفكيره!
(تم إعداد هذا التحقيق الاستقصائي بدعم من شبكة أريج وباشراف “سعد حتر” أعلامين من أجل صحافة استقصائية عربية ومقرها عمان) www.arij.net
Leave a Reply