بلا وثائق

26 مايو 2015

العربي الجديد – اضطر الزوجان السوريان، محمد وسلاف، إلى دفع مبلغ 800 دولار أميركي لسمسار لتثبيت زواجهما في تركيا حتى تضمن الزوجة حقوقها في حال وقع الطلاق وحماية نسب الأبناء لحين توثيق العقد في بلدهما، التي هربا من جحيم الحرب فيها.

بعد انتظار ثلاثة أشهر ـ عاد السمسار السوري المرتبط بشريك تركي ـ ببيانات مطلوبة بما فيها “القيد الفردي” أو بطاقة تعريف شخصي مصدقة من وزارات العدل والخارجية السورية ومحافظة دمشق تثبت بأن الزوج أعزب؛ أحد شروط السلطات التركية لتثبيت عقد القران في بلد يحظر تعدّد الزوجات، بخلاف الحال في سورية.

محمد وسلاف يندرجان ضمن شريحة لا تتجاوز (3 إلى 5%) ممّن حالفهم الحظ في توثيق عقود قرانهم في تركيا؛ إذ إن هناك 11500 عقد نفذت بين اندلاع الثورة في سورية عام 2011 ونهاية 2014، بحسب أرقام رابطة اللاجئين السوريين، وهي منظمة أهلية سورية في تركيا معارضة للنظام في دمشق وتعنى بمتابعة أوضاع اللاجئين السوريين في دول اللجوء.
سيف “السمسرة” وحيازة بعض المال ساعدا هذين الزوجين في “شراء” راحة البال والخروج من دائرة المعاناة اليومية.

أما البقية فيغرقون في المتاهة. لا يدرون كيف سيوثقون نسب الأولاد لحين تسجيل ذلك في سورية، وبعدها نيل الجنسية التي تنتقل من الأب لأبنائه، وفق الدستور السوري، خاصة وقد ارتفع عدد المواليد السوريين في تركيا من قرابة 400 إلى 50.000 طفل بين عامي 2011 و2014، بحسب وزارة الداخلية التركية.

فمن وراء معاناة غالبية اللاجئين السوريين ممّن تزوجوا وأنجبوا بعد فرارهم من أتون الحرب الدائرة في بلادهم؟

تتقاسم المسؤولية قيود في قانون الأحوال الشخصية التركية تحول دون توثيق شهادات الزواج قبل إثبات عزوبية الراغبين بالاقتران من بلدهما الأصلي وعدم قدرة المنظمات الأممية على إيجاد آلية توثيق موازية أو متداخلة مع إجراءات الدولة المضيفة.

ويعاني اللاجئون من سياسات نظام بشار الأسد الذي يرفض تأمين الوثائق المطلوبة لمن يصنفهم ضمن خانة “إرهابي” أو “فار من الخدمة العسكرية” أو معارض يستوجب العقاب منذ غادروا بلادهم، وكذلك من عبثية جهود الحكومة السورية المؤقتة التي تعمل غالبية وزاراتها من مدينة غازي عنتاب التركية، المحاذية للحدود السورية، لكن اسطنبول لا تعترف بأي وثائق شخصية ـ بطاقة هوية أو جواز سفر أو أوراق شخصية صادرة عنها، كحال الحكومة السورية التابعة لنظام الأسد.

أما المنظمات الدولية فتعجز عن إجبار الحكومة التركية على تصويب هذه الملفات القانونية المتداخلة بحقوق الإنسان، بسبب ضرورات الحصول على تعاون أنقرة لتسهيل مهامها الإنسانية.

يفاقم معاناة اللاجئين حدّة التنافس بين حزب التنمية والعدالة الحاكم ذي الجذور الإسلامية الذي يسعى لإسقاط نظام بشار الأسد والمعارضة السياسية، التي توعّد أحد قادتها، كمال كليجيدار أوغلو، زعيم حزب “الشعب الجمهوري”، بإخراج السوريين من بلاده إن فاز حزبه بالانتخابات المقررة في 6 يونيو/ حزيران 2015.

السلطات التركية، التي تصنّف بـ”الضيوف” أكثر من 1.6 مليون لاجئ سوري، بعضهم يقيم داخل 23 مخيماً موزعة على عشر ولايات، ترفض تسجيل أي عقد قران ما لم يستوف الزوجان ـ إما سوريان أو أحدهما تركي والآخر سوري ـ الشروط المدنية القانونية.

تركيا تدرك أنها تخالف بذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يفرض على الدول المضيفة القيام بإجراءات تسجيل اللاجئين فيها بحيث لا يترك أي شخص بدون تسجيل أو وثائق.

لكن، بحسب أيتين ماهكوبيان، كبير مستشاري رئيس الوزراء داود أوغلو سابقا، تتعامل تركيا مع ملف السوريين “كقضية سياسية داخلية وليست إنسانية”. يشرح ماهكوبيان لكاتب التحقيق: “لا نتحدث عن لاجئ أو اثنين… بل نتعامل مع أكثر من 1.6 مليون سوري. ومع حدود لا نستطيع إغلاقها لكي لا نتعرض لنقد المجتمع الدولي”. ويضيف: “نعلم حجم الكارثة الإنسانية للسوريين في بلدنا ونعمل في الحكومة على تفعيل قرارات جديدة بعد الانتخابات في ما يخص السوريين”.

وفي غياب إحصائيات رسمية تركية عن حالات الزواج والطلاق والولادات في ما يتعلق بالسوريين والسوريات، وثّق كاتب التحقيق 30 حال إنسانية لمتضرري الحرب ممّن تزوجوا وأنجبوا في تركيا.

عزلة في الغربة
محمد وسلام معارضان سوريان مطلوبان من قبل النظام السوري. تزوجا، لكنهما لا يستطيعان السفر إلى بلادهما لإنهاء معاملاتهما الرسمية هناك. السفارة السورية في أنقرة أغلقت أبوابها منذ مطلع مايو/ أيار 2011، بينما بقيت القنصلية السورية في اسطنبول تعمل بعدد محدود من الموظفين. وهي تماطل أو ترفض منح سوريين غالبيتهم محسوبين على المعارضة، معظم الأوراق الثبوتية اللازمة لتثبيت الزواج، حسبما يشتكي سوريون في مهب اللجوء.

وتزداد الأمور تعقيداً مع إقدام النظام السوري على منع العديد منهم من الحصول على وثائق رسمية ورفض تجديد جوازات سفرهم بحجة التهرب من الخدمة العسكرية أو “القيام بأعمال إرهابية”.

رجل تركي، قرين السورية سميرة (28 عاماً)، قرّر تطليقها بعد شهرين من الزواج دون أن يسجّل زواجهما لأنها لم تتمكن من ذلك. خسرت سميرة حقوقها المادية بما فيها دفع المؤخر، وانتهى بها الحال على أرصفة الطرقات. لكنها تقول: “الحمد لله أني غير حامل”، وهي تقيم حالياً في مخيم الإصلاحية قرب مدينة غازي عنتاب.

وفاة الزوج التركي للسورية (أم نضال)، حالت دون تثبيت زواجها، رغم إنجابها لطفلين منه، ما حرمها من الحصول على الجنسية التركية بعد ثلاث سنوات ـ بموجب قانون الجنسية ـ فقط لأن تثبيت عقد الزواج لم يتم. الصحافي السوري، سامر، غير قادر على دفع 1000 دولار لتثبيت زواجه من هند في تركيا أو تسجيل ولدهما الأول محمد، “لم يبق أمامي اليوم إلا السفر غير الشرعي إلى أوروبا للم شمل أسرتي هناك”، حسبما يقول.

السوري علاء (25 عاماً)، يبحث عن عمل حيث يقيم في مخيم أورفة 1 (تل أبيض)، وهو لم يثبت زواجه بسبب عدم قدرته على استخراج الوثائق وتأمين المال لتغطية “السمسرة”. 

1

استثناء
في المقابل، وثّقت “العربي الجديد” قراناً بين سوريين عن طريق سفر الزوج والزوجة من تركيا إلى مناطق سيطرة المعارضة في سورية، وتمكنا من تثبيت زواجهما عبر أقارب ومعارف في داخل مناطق سيطرة النظام دون اضطرارهما لدفع أكثر من 100 دولار كرسوم وطوابع معاملات رسمية.

غسان (30 عاماً)، يعمل في قطاع العقارات بتركيا، وزوجته حنان (30 عاماً)، تعمل بمجال التصميم، ليسا من المحسوبين رسمياً على المعارضة. سافرا إلى دمشق لاستخراج الأوراق المطلوبة مقابل 100 دولار كرسوم وطوابع.

على أن الأمر ليس بالسهولة ذاتها بالنسبة لآلاف اللاجئين السوريين ممّن لا يملكون دخلاً شهرياً يزيد عن 400 دولار في أحسن الأحوال، بل إن متوسط دخل سوريين التقاهم معد التحقيق لا يصل بالكاد إلى 100 دولار.

تداعيات عدم التوثيق
علاء، المقيم في مخيم أورفة، قرب مدينة تل أبيض، يحصل وزوجته على 80 دولاراً شهرياً من منظمة “أفاد” (وكالة الغوث والطوارئ التركية). تزوج هذا الشاب الباحث عن عمل منذ سنة ولم يثبت زواجه عن طريق سماسرة. يقول علاء: “زوجتي حامل في شهرها السابع، وأنا لا أملك سوى ورقة غير معترف بها أني متزوج”.

قبل اشتعال الثورة في سورية بداية 2011، كانت معاملة تثبيت زواج سوريين في تركيا لا تستغرق أكثر من أسبوعين ولا تكلف أكثر من 100 دولار كرسوم للبلدية التركية في الولاية التي يقطن بها، أو في سورية لدى المحكمة ودائرة العدل والخارجية السورية.

غياب الصفة القانونية لـ”الضيوف” السوريين في تركيا، تعني أن أنقره تتعامل معهم كأجانب في جميع المعاملات الرسمية رغم صدور قانون الحماية المؤقتة قبل أشهر.

رأس جبل الجليد
عدم القدرة على تسجيل عقود زواج اللاجئين هي رأس الجليد في هذه المعضلة. وتبقى أبعاد المشكلة غير واضحة، فوزارة الداخلية التركية ردت على طلب رسمي للحصول على المعلومات بأنها غير قادرة على توفير إحصائيات دقيقة عن أعداد الزيجات بين سوريين أو بين سوريين وأتراك مسجلة في تركيا منذ 2011، “لأن المعلومات المطلوبة تحتاج إلى جهد إضافي وبحث وتحليل”. وبالتالي، تضيف الوزارة: “لا نستطيع إعطاء جواب إيجابي”.

يقول مدير إدارة الحماية الدولية لدى المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، فولكر تورك، عبر موقع المفوضية الإلكتروني، إنّ “الكثير من أطفال اللاجئين السوريين لم يتمكّنوا من الحصول على الوثائق التي تُثبت كونهم مواطنين سوريين، وإن هؤلاء قد يبقون بلا جنسية”.

خبيرة حماية الطفل في منظمة اليونيسيف، إيزابيلا كاستروجيوفياني، تقول من جانبها، إن “اليونيسيف لا تملك إحصائية دقيقة لعدد المواليد الفاقدين للهوية السورية”. لكنها تردف: “تقديرات المنظمة للعام 2013 أشارت إلى أن نحو 80% من اللاجئين السوريين الأطفال لا يملكون وثائق رسمية”. وترى كاستروجيوفياني أن المشكلة تتفاقم في مناطق سيطرة المعارضة، ودول اللجوء السوري.

في رد مكتوب، يفيد مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في أنقره بأن “تركيا تسجل الأطفال السوريين بشكل رسمي وأن المفوضية طبعت ورقة إرشادات باللغات العربية والتركية والانجليزية تحث الآباء على تسجيل مواليدهم في سجلات النفوس في مراكز إقامتهم”.

إثبات عملي
ليس من السهل وصول هذه التعليمات بسرعة للمتضررين. معدّ التحقيق رافق شخصين سوريين لتسجيل أطفالهما رسمياً ومعهما “برشور نصائح” المفوضية حول إجراءات تسجيل الولادات. لكن دائرة النفوس في مكان إقامتهما رفضت ذلك، وطلبت عقود زواج مصدقة كشرط لتسجيل الأطفال.

سيلبن أونال، المسؤولة عن ملف الإعلام في المفوضية، تقول إن “المفوضية لا تسجل أطفال اللاجئين السوريين، لأن هذا من شأن السلطات التركية، وهم تحت بند الحماية المؤقتة”. وتستدرك قائلة، لـ”العربي الجديد”: “نعمل مع السلطات التركية لتسجيل الأطفال”.

مفوضية اللاجئين أعلنت على موقعها الرسمي أنها قد تساعد الأشخاص الذين لا يمكنهم توفير وثائق تثبيت الزواج في تركيا من خلال منحهم وثيقة الحالة الاجتماعية بما يسهّل إجراءات التسجيل. على أن “العربي الجديد” توصلت، من خلال استبيان غير علمي شمل عيّنة من 30 سوريّاً، إلى أن أياً منهم لم يمنح أي وثيقة من هذا النوع.

ووجدت أيضاً أن 50% من العيّنة (15 شخصاً)، يعانون من حالات زواج غير مثبتة وبالتالي صعوبة استخراج وثيقة “القيد الفردي” التي تطلبها البلديات التركية استناداً إلى قانون الأحوال الشخصية.

كما تبيّن أن 45% منهم لا يملكون أصلاً جوازات سفر. ولم يثبت وثائق عقد القران سوى 5% منهم، وهي نسبة متقاربة مع تقديرات رابطة اللاجئين السوريين التي تشير إلى 3%.

رسالة غير مكتملة
وتفيد المفوضية بأنها تكتفي بتقديم النصح للسلطات التركية في هذه القضية رغم أن أحد مبادئها المنشورة على موقعها يشير إلى مسؤولية الدول والمفوضية بالالتزام بمنح الوثائق، “جميع الدول، بما فيها الدول التي لم توقع على اتفاقية جنيف 1951، ملزمة بالتمسك بمعايير الحماية الأساسية التي تعتبر جزءاً من القانون الدولي العام، وما تتضمنه من تأمين حماية وتعليم وتنقل ومنح وثائق”. 

 

“توعد كمال كليجيدار أوغلو، زعيم حزب “الشعب الجمهوري” التركي ، بإخراج السوريين من بلاده إن فاز حزبه بالانتخابات المقررة في 6 يونيو/ حزيران – 2015″ 

أستاذ القانون في جامعة اسطنبول، البرفسور إبراهيم كايا، يتحدث في مقابلة عبر الهاتف مع “العربي الجديد”، عن “الحاجة إلى استصدار قوانين وتشريعات جديدة خاصة بالسوريين في مجلس الشعب، وليس هناك أي عائق قانوني لذلك”.

ويقول كايا: “لا يحق للسوريين الإقامة الدائمة في تركيا، وعليهم الذهاب إلى دولة ثالثة أو العودة إلى بلدهم حين يرغبون طواعية”، لافتاً إلى أن “تركيا لا تمنح السوريين صفة لاجئ، لأنها لا تعترف بغير الأوروبيين كلاجئين على أراضيها، بحسب معاهدة 1951 الخاصة باللاجئين”.

لكن ماهكوبيان، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي، يعلّق على ذلك بالقول: “لا أعلم ما إذا كان محامون قد قدموا أي مقترحات لتعديل بعض القوانين لتسهيل أمور السوريين. أنا أقدم وجهة نظر سياسية”.

مصطفى القاسم، مدير الشؤون الإدارية والقانونية في وزارة العدل في الحكومة السورية المؤقتة، يقول: “بحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يجب على الدول المضيفة للاجئين أن تقوم بإجراءات تسجيل اللاجئين فيها بحيث لا يكون هناك أي شخص بدون تسجيل أو وثائق”.

ورفضت تركيا عرضاً من الحكومة السورية المؤقتة بمنح السوريين الذين يرغبون بتثبيت زواجهم أوراقاً رسمية، بحسب وزير العدل في الحكومة السورية المؤقتة، فايز الضاهر. ويقول الضاهر إن الرد التركي جاء “بأن الأمر سيادي ولا تقبل به تركيا”.

من جهتها، تفيد مصادر وزارة العدل، في مقابلة مع مجلة “الاقتصادي” السورية في دمشق، بأن “وثائق تثبيت الزواج في المخيمات لا قيمة لها وفقاً للقوانين السورية، ولا يوجد أي حالات في المنظور الشرعي يمكن اعتمادها في فحص الحمض النووي لجهة إثبات النسب”.

بطاقة “98” وهوية “أفاد” غير فعالتين
اعتذر مسؤول قسم الملف السوري في الخارجية التركية، عن الإجابة عن أسئلة معد التحقيق بسبب “ضغوط العمل في الوزارة”، وهو ما تكرر مع السفارة التركية في العاصمة الأردنية عمّان بعد سلسلة مراسلات عبر البريد الالكتروني، لكن مكتب الشؤون الإعلامية التابع لوزارة الداخلية أجاب عن ذات الأسئلة التي وُجّهت للخارجية.

وجاء رد “الداخلية” عبارة عن سرد الإجراءات البيروقراطية لتسجيل الزيجات في تركيا، وأكد أن “تثبيت الزواج يتطلب إحضار ورقة قيد فردي مصدقة من دمشق تثبت الحالة الاجتماعية لمن يرغب بتثبيت زواجه”.

اعتذر مسؤول قسم الملف السوري في الخارجية التركية، عن الإجابة عن أسئلة معد التحقيق بسبب “ضغوط العمل”، وهو ما تكرر مع السفارة التركية في العاصمة الأردنية

كانت تركيا مؤخراً قد أبدت بعض التساهل إزاء ولادة السوريات في المشافي من خلال منح الأم تقريراً من المستشفى يذيّل بأسماء حسب طلب الأبوين. وفي أحسن الأحوال تطلب جوازات سفرهما، حسبما وثقت “العربي الجديد”.

لكن في المدن، فإن الطفل لا يمنح أي وثيقة غير تقرير المشفى، في حال كان الأبوان غير مثبتين لزواجهما. أما في المخيمات فيمنح الطفل هوية “أفاد” الخاصة بالمخيمات، وهي تصلح داخل المخيم فقط ولا قيمة قانونية لها خارجه.

ودخل قانون الحماية المؤقتة حيز التنفيذ أواخر 2014 الشهر العاشر، وبموجبه يمنح جميع السوريين هوية تعريفية مؤقتة يطلق عليها بطاقة “98”. لكنها لا تحمل رقماً وطنياً مع أنها تعد بديلاً للإقامات الرسمية. ورغم التصريحات الرسمية، فإن هذه البطاقة غير معترف بها لدى المؤسسات التركية حتى الآن، ولا تصلح عند الحاجة لاستخراج أي وثائق، أو استئجار منزل، أو فتح حساب بنكي.

تتعامل المؤسسات التركية بمزاجية مع هذه البطاقة، فقد يتساهل موظف ويفتح “عداد” الكهرباء على سبيل المثال للمستأجر السوري عبر البطاقة لكن كثيرون يرفضونها، “هذه البطاقة تخولك الدخول إلى جميع المستشفيات الحكومية التركية بدون أي أجر إطلاقاً، حتى أن المستشفيات الحكومية التركية لا تستقبل أي سوري بدون هذه البطاقة، والحكومة تقصد من خلالها إحصاء عدد السوريين وضبط الأوضاع الأمنية، والأكيد أنها لن تحل محل “إخراج القيد” المشترط توافره لتوثيق الزواج، إلا في حال استصدار قانون خاص بالسوريين أو تعديل القانون التركي، أو الاعتراف بالسوريين كلاجئين بشكل رسمي”، كما يشرح الباحث والناشط السياسي محمد زاهد غول.

عادل داود ناشط سياسي واجتماعي سوري مقيم في تركيا منذ 25 سنة، يقول إن القانون التركي ينص على أن “كل طفل يولد على الأراضي التركية يعامل معاملة الطفل التركي ويتمتع بكافة حقوقه المنصوص عليها بقانون حقوق الطفل العالمي حتى يبلغ 18 سنة. وحينها يحق له المطالبة بالجنسية التركية لكنه لا يمنحها لوالديه بشرط أن يكون مسجلاً في النفوس التركية بشكل رسمي. وقبل ذلك يجب أن يكون زواج والديه مثبتاً في بلده الأصلي أو في تركيا”.

وفق هذا القانون، يضيف داود: “تستطيع السورية التي تزوجت من تركي دون تثبيت وأنجبت أطفالاً، وحصل طلاق، إثبات نسب الولد لأبيه التركي عن طريق رفع دعوى قضائية (فحصDNA )، إذ لا يخلو هذا الأمر من مصاعب وقد يكلل بالنجاح”. على أن “المحاكم التركية لا تقبل أي دعوى لتثبيت الزواج لاحقاً ولو أصبح هناك حمل أو أولاد”، حسبما يؤكد المكتب القانوني في الحكومة السورية المؤقتة.

ويقول القاضي عبد الإله أحمد، مدير المكتب القانوني في وزارة العدل بالحكومة السورية المؤقتة، إن هذا الأمر “قرار سياسي ولا أفق لحله لأنه يحتاج قراراً مركزياً من أنقرة كاستصدار قانون جديد أو استثناء ما لتعديل القانون فيما يخص السوريين المقيمين في تركيا، خصوصاً مع عدم اعتراف تركيا بالسوريين كلاجئين، ورفض المعارضة التركية اعتماد الحكومة أي تسهيلات تجاه السوريين”.

محاولات فردية لا قيمة قانونية لها
“مجلس القضاء الحر”، المؤلف من تكتل للقضاة المنشقين عن النظام السوري، أبرم بالتعاون مع نقابة المحامين الأحرار (محامون سوريون منشقون عن النظام)، اتفاقية مشتركة لتوثيق حالات الزواج والطلاق والولادة وتثبيتهما، وفق ما يقول القاضي إبراهيم حسين، من نقابة المحامين الأحرار.

لكنه يستدرك شارحاً أن هذه الوثائق “بلا قيمة قانونية في تركيا، أو خارجها، يمكن الاستئناس بها فقط في أي حل سياسي للصراع في سورية، لمن لا يملكون وثائق لتثبيت عقود القران في تركيا”.

مجلس القضاء الحر”، أبرم بالتعاون مع نقابة المحامين الأحرار، اتفاقية مشتركة لتوثيق حالات الزواج والطلاق والولادة وتثبيتهما

في مخيم أورفة، بجوار مدينة تل أبيض التركية ـ حيث يقيم نحو 35 ألف سوري ـ يقول مسؤول مكتب الاستشارية السورية، الذي فضّل التعريف بنفسه باسمه الأول، عبد الفتاح: “وثّق المكتب 800 حالة زواج بالتعاون مع منظمة أفاد و20 حالة طلاق منذ إنشائه قبل عام ونصف، لم تنل فيها الزوجة حقوقها المادية”.

ويضيف مسؤول المكتب، الذي أسس لتوثيق حالات الزواج والطلاق داخل المخيم: “لا قيمة قانونية لتوثيق حالات الزواج والطلاق عبر المكتب، فالمحاكم والبلديات والمؤسسات التركية أو مؤسسات النظام السوري وكذلك المنظمات الدولية لا تعترف بهذا التوثيق”. ويقول: “تؤكد الوثيقة تثبيت الزواج داخل المخيم من أجل منحه خيمة مستقلة فقط”.

من بين 21 مخيماً واثنين آخرين للعسكريين والضباط، لا يوجد مثل هذا المكتب إلا في ثلاثة مخيمات هي أورفة ـ تل أبيض، ورأس العين ت جيلان بيلار، ويلداغ في هاتاي. وفي انتظار الفرج والاعتراف الرسمي على الورق، تعيش “أم نضال” في اسطنبول مع طفليها من زوجها التركي المتوفى، بحثاً عن بارقة أمل بتسوية وضعها. أما مواطنتها، سميرة، فلم تعد ترجو شيئاً بعد أن “رماها” زوجها التركي أمام أحد المخيمات دون أي حقوق يمكن أن تحصل عليها في المحاكم التركية.

كما أفل حلم هند وسامر بتثبيت زواجهما من أجل توثيق ولادة طفلهما الأول. فسامر غادر إلى هولندا للحصول على تلك الوثائق من هناك، وعلاء لا يزال ينتظر العودة إلى سورية دون أن يدري أي قدر ينتظر ابنه القادم.

يذكر أن (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) التابعة للأمم المتحدة، تتحدث عن فرار ما يزيد عن مليوني سوري من البلاد منذ اندلاع الثورة الثورية. ويمثل عدد المليوني لاجئ كلاً من السوريين الذين سجلوا كلاجئين أو أولئك الذين ينتظرون التسجيل لدى المفوضية. وحتى نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، اشتمل هذا العدد على 110.000 لاجئ في مصر و168.000 في العراق و515.000 في الأردن و 716.000 في لبنان و460.000 في تركيا.

ويشكل الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 17 عاماً أو أقل حوالي 52 في المئة من هذه الفئة من السكان. كما أن هناك 4.25 ملايين شخص آخر في عداد النازحين داخل سورية، وذلك وفقاً لبيانات وفّرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وتبلغ هذه الأرقام مجتمعة ما مجموعه أكثر من ستة ملايين شخص هجروا من ديارهم ـ ما يعني أن هناك عدداً أكبر من السوريين الذين نزحوا قسراً إلى أي بلد آخر.

تم إعداد التحقيق بدعم من شبكة (أريج) “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية”


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *