علي شعبان السطوحي
في أيلول/سبتمبر 2024، لم يمر حينها سوى أربعة أشهر على دخول إسلام غنيم (29 عاماً) قفص الزوجية، ليجد نفسه في سيارة خاصة تابعة لفريق شحن، تنقله من بيته إلى مصحة خاصة لعلاج الإدمان في مدينة ٦ أكتوبر بمحافظة الجيزة في مصر، حيث ادّخر والده خمسة آلاف جنيه (نحو مئة دولار أميركي) من عمله في بيع الخبز، ليدفعها للمصحة لإنقاذ ابنه من خطر إدمان مخدر الحشيش والشابو.
كان مشهد شحن الشاب قاسياً على الأب والابن، يقول الأب: “اعتقدت أن فريق الشحن سيستخدم حُقناً مخدرة”، لكن بدلاً من ذلك؛ تجمع الأهل والجيران والأصدقاء، وهم يحاولون مساعدة “فريق الشحن” في الإمساك بالشاب حديث الزواج في الشارع أمام أعين المارة. لم تفلح توسلات وبكاء الشاب لوالده، يقول الأب: “لقد كسرتُ كرامة ابني من دون قصد”.
بعد مرور خمسة أيام، استقبل الأب مكالمة من إدارة مركز علاج الإدمان تطلب منه استلام ابنه: “تعالي خد ابنك عالجه عشان تعبان”.
لم يستوعب الأب ما قيل له، يتساءل: كيف أعالجه؟! ومن ماذا أعالجه وهو داخل المركز؟ لم تمر ساعات حتى وجد ابنه داخل سيارة أمام المنزل، نزل الشاب من السيارة وبجسده آثار حريق؛ حينها أدرك الأب لماذا طلبوا منه علاج ابنه: “عشان عارفين إن الواد كان بيموت”.
آثار حروق مختلفة في جسد الضحية إسلام
أخبر الشاب أسرته أنهم “أشعلوا النار” في جسده داخل مركز العلاج، وكانوا يتلذّذون بإطفاء “السجائر” في جسده العاري، وفق روايته.
خضع الشاب بعدها لعمليتين جراحيتين لترقيع الحرق الذي أصاب جانبه الأيمن داخل المصحة. لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل وصل لقطيعة بين الأب وابنه: “ابني نبهني أكتر من مرة بعدم شحنه لهذه المراكز”. لم يسامح الشاب والده حتى هذه اللحظة، لأنه يرى أن أباه قد رمى به في جحيم هذه المراكز؛ ما تسبب له في جروح داخلية وظاهرية لن تزول مع الزمن.
يقول الأب إنه خُدع بكون المركز العلاجي عبارة عن “فيلا فاخرة” في منطقة راقية، يضيف قائلاً: “ابنى نجا من الموت”. ورغم كل هذا، فإن إسلام أحسن حظاً من غيره؛ فعشرات الحالات تدخل هذه المراكز “للعلاج”، لكنّها تخرج محمولة إلى المقابر.
دفع تنسيق دخول الجامعات والمعاهد حسين مصطفى (اسم مستعار) للالتحاق بمعهد التمريض بمستشفى حكومي للصحة النفسية. كانت حسابات مصطفى أن يضمن بعد تخرجه وظيفة حكومية ثابتة داخل المستشفى العتيق، وهو ما حدث بالفعل، لكن لم يمر وقت طويل حتى اختار الشاب حديث التخرج، لنفسه عملاً إضافياً يساعده على سداد تكاليف الزواج، إلى جانب الراتب الشهري المتواضع.
العمل في “فرق الشحن”، كان وظيفة إضافية مُجزية. مهام الوظيفة الجديدة تتطلب منه نقل المدمنين من داخل منازلهم إلى مراكز علاج الإدمان الخاصة غير المرخصة، بناء على استدعاء من الأسرة.
يتكون فريق الشحن من خمسة أشخاص؛ وهم اثنان من التمريض، وثلاثة أشخاص من الأمن، يتلقون المكالمات الهاتفية على مدار اليوم، ثم يتحركون باتجاه العنوان المُستهدف.
يقول حسين: “تعاملت مع حالات في كل المحافظات، شحنت مدمنين من كل الطبقات الاجتماعية، لم يتبقَ لي في مصر سوى محافظتي الأقصر وأسوان”.
في إحدي المرات استقبل فريق الشحن مكالمة هاتفية لشحن فتاة، كان العنوان شقة سكنية بمدينة السادس من أكتوبر؛ فتاة تنتمي لأسرة ميسورة الحال. صعد فريق الشحن إلى الشقة، وقام فريق التمريض بتخديرها، ثمّ حملوها على الأكتاف، لوضعها في سيارة الشحن، استعداداً لنقلها إلى مركز علاج إدمان خاص.
لم تكن الفتاة على علم بحضور فريق الشحن، في البداية سألتهم: من أنتم؟ لكنّهم أخفوا هويتهم. يُفضل مصطفى ألا يُعرّف الحالات حقيقة ما يجري، تفادياً للمقاومة. جرت العادة أن تستسلم بعض الحالات للواقع، لكن أغلب الحالات تبدي مقاومة عند الشحن، ليلجأ مصطفى وزملاؤه إلى استخدام حيل غير مشروعة: “أخبرهم أنني أريد عينة من الدم”، والحقيقة أنها حقنة مُخدرة.
كان مصطفى يبلغ 22 عاماً، عندما بدأ العمل في شحن المدمنين؛ ليتقاضى حينها 900 جنيه يومياً، مَن يرفض العمل في هذه المهنة؟! لكنّ مشهداً حدث أمام عينيه جعله يقرر التوقف، والعودة للاكتفاء بالراتب الحكومي.
دور مصطفى كان ينتهي عند باب مركز علاج الإدمان، بمجرد تسليم الحالة للمركز. لكن ذات مرة، أثناء شحن إحدى الحالات، اكتشف أنه يشحنه للمرة الثانية. دار حديث طويل بينهما، حكى له الشاب عن الانتهاكات الجسدية التي يتعرضون لها داخل هذه المراكز، مثل الضرب والحلاقة والإهانة في الأيام الأولى، كأنهم في زنزانة سجن.
عدة انتهاكات يتعرض لها النزلاء داخل مراكز علاج الإدمان غير المرخصة في مصر
يقول مصطفى إن أصعب ما سمعه من الشاب هو تجاهل الأهالي لشكاوى أبنائهم بتعرضهم للتعذيب، اعتقاداً منهم بأنها محاولة للتحايل والخروج من المركز؛ ولو تعافت الحالة من الإدمان يتغاضى الأهالي عن الضرب والإهانة.
يَعرف مصطفى جيداً أن ما يفعله ليس قانونياً: “شغلانة شمال، كلها أخطاء، ممكن تخدم المريض لكنها لا تعالجه، أحياناً يكون المركز بيئة خصبة لتسويق المخدرات”.
عملية شحن المرضى تتم بشكل غير قانوني، وتحدث خلالها انتهاكات ممنهجة؛ لكنّ القائمين عليها يجنون من ورائها أرباحاً طائلة.
يلجأ الأهالي إلى المراكز الخاصة بسبب وجود “ثغرة” في قانون الصحة النفسية، الصادر عام 2009، تمنع إجبار مريض الإدمان من دخول المستشفى للعلاج؛ ومن هنا تستغل المراكز الخاصة غير المرخصة هذا القانون، فلا تسمح فقط بإجبار المرضى “للعلاج”، بل تستخدم “فرق شحن” مهمتها جلبهم، بصرف النظر عن الانتهاكات الجسدية واللفظية التي تمارس ضد هؤلاء المرضى.
يَقبل أهالي مدمني المخدرات هذه الانتهاكات بحق ذويهم، أملاً في علاج أبنائهم، ولعدم وجود بديل “حكومي آمن” يقبل أبناءهم للعلاج من دون رضاهم. فمريض الإدمان عادة يرفض العلاج.
المادة 13 من قانون الصحة النفسية
في المقابل، أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، الدكتور حسام عبد الغفار، أن مريض الإدمان يُعامل معاملة المريض النفسي وفق المادة 13 من قانون الصحة النفسية؛ أي يجوز إدخاله إلزامياً للعلاج إذا كان خطراً على حياته أو الآخرين.
لكن المعضلة ما تزال قائمة، فليس كل المدمنيين يمثلون خطراً على حياتهم الشخصية أو الآخرين، وهو ما تستغله مراكز علاج الإدمان غير المرخصة حتى اليوم.
كانت المستشفيات الحكومية الملاذ الآمن والوحيد لآلاف المرضى، لكن تزايدت أعداد متعاطي المواد المخدرة على نحو كبير فبلغت نحو ستة ملايين شخص، بنسبة تصل إلى نحو 5.6 في المئة، بحسب ما ذكر دكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، بتاريخ تشرين الثاني/نوفمبر 2024، خلال إحدى اللقاءات التليفزيونية المحلية.
مقابل ذلك، بقيت أعداد الأسِرّة الخاصة بعلاج الإدمان داخل المستشفيات الحكومية محدودة، ولم تواكب هذه الزيادة. الأمر ذاته أكده المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، الدكتور حسام عبد الغفار، بأن عدد الأسِرّة في المستشفيات الحكومية بلغ نحو ألف و500 سرير فقط.
ووفق الدكتور تامر العمروسي، مدير إدارة علاج الإدمان بوزارة الصحة سابقاً، فإن محافظة القاهرة وحدها بها أكثر من 500 مركز غير مرخص لعلاج الإدمان، كما أن عدد المراكز غير المرخصة بحي المقطم فقط يصل إلى 50 مركزاً؛ أغلبها تحت إدارة مدمنين سابقين.
عجز كبير وواضح، دفع أغلب الأهالي لطلب العلاج في المراكز غير المرخصة، التي لا تخضع لرقابة وزارة الصحة.
أدمن علاء نبيل، طالب جامعي، أقراص الترامادول عام 2010، حين كان عمره 20 عاماً، وهو المُخدر الأكثر رواجاً وقتها بين الشباب.
في البداية، أودعه والده في مصحة نفسية خاصة بحي النزهة الجديدة بالقاهرة؛ لكنّ تكلفة علاجه العالية دفعت الأب لإخراجه من المصحة الخاصة، محاولاً إيجاد سرير لابنه داخل أحد المستشفيات الحكومية للصحة النفسية، لكن من دون جدوى.
تقول الأم: “لا توجد أماكن شاغرة، شاهدت بعيني والدة أحد المرضى تقول لإدارة المستشفى: خدوا ابني في أي مكان حتى لو تحت السرير، طالما مفيش مكان”.
اضطر الأب مجدداً إلى البحث عن أحد المراكز الخاصة لعلاج الإدمان، حتى قاده إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي لمركز بحي المقطم بالقاهرة. اتصل الأب برقم الهاتف، وصل فريق شحن تابع للمركز ليأخذ الشاب بالقوة، كان الأب والأم مع ابنهما حتى وصوله المركز.
دفع الأب حينها مبلغ ألف و500 جنيه مصري (200 دولار أميركي تقريباً) تحت الحساب، على أن يدفع ثلاثة آلاف و500 جنيه بعد يومين، كان ذلك مساء يوم 27 كانون الثاني/يناير عام 2013.
خلال اليوم الأول لعلاء داخل المركز، اتصل والداه عدة مرات بالمركز للاطمئنان عليه، وكان الجواب دائماً “علاء بخير”. تقول الأم: “لم أكن أعرف أنه في هذه اللحظات يتعرض للتعذيب”.
مساء 29 كانون الثاني/يناير؛ أيّ بعد يومين من دخول علاء المركز، تلقت الأم اتصالاً هاتفياً من مدير المركز: “ابنك قطع شرايينه ووصلناه المستشفى”، بعد قليل جاءها اتصال آخر: “ابنك مات”. تحركا الوالدان باتجاه المركز، ليجدوا ابنهم جثة هامدة هناك.
في الدور الرابع من هذا العقار، تعيش (منذ عام ونصف) داليا زكي، باحثة قانونية، لكنّها لم تعرف أن بالعقار نفسه توجد مصحة لعلاج الإدمان؛ فلا وجود لأي لافتة على مدخل العقار. اعتادت طوال هذه الفترة على سماع أصوات مريبة كل ليلة: “كنا بنسمع كتير بالليل ناس بتصرخ، وناس بتتألم، وناس بتزعق، كنا بنفكر إنه صوت ناس مدمنة عايزة تشرب مخدرات”.
في هذه الليلة، انتبهت داليا لأصوات عالية قادمة من الطابق الذي توجد به المصحة، وتجمع أشخاص أمام باب العقار؛ دفعها الفضول للنزول إلى الشارع، عرفتْ من والد الشاب أن ابنه فارق الحياة، وعندما سألت صاحب المركز عما حدث، أخبرها: “مدمن وعنده ميول انتحارية شنق نفسه في الحمام”.
في الأثناء، سمعتْ صاحب المركز، الدكتور محمد الحجار، وهو يقترب من الأب ناصحاً أن يأخذ ابنه ويدفنه بهدوء، متعهداً بإنهاء الإجراءات، فلا حاجة إلى إبلاغ الشرطة بما حدث، حفاظاً على جثة ابنه من التشريح و”البهدلة”. لكنّ داليا استرجعت الأصوات المريبة المعتادة التي كانت تسمعها بشكل يومي؛ فطلبت من الأب أن يتجاهل كلام صاحب المركز، ويتصل بالشرطة، فاستجاب الأب.
تشكّلت لجنة من وزارة الصحة بقيادة دكتور ممدوح الهادي، مدير عام الإدارة العامة للمؤسسات العلاجية غير الحكومية، وذكرت في تقريرها عن هذا المركز أنه مُسجّل عيادة خاصة وليس مركزاً، طبقاً للقانون 51 لسنة 1981، والمعدل بالقانون 153 لسنة 2004؛ حيث يمكن للعيادة أن تكون بها أسِرّة للملاحظة لا يتجاوز عددها ثلاثة أسِرّة، لكنّها ليست للإقامة، كما أن العيادة بالأساس غير مرخصة.
بمجرد وصول الشرطة، فرّ صاحب المركز هارباً تاركاً الكمبيوتر الشخصي الخاص به داخل المركز، وبتقديمه للنيابة وفحصه، تبيّن وجود مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية لبعض المرضى يقوم العاملون بالمركز بتجريدهم من ملابسهم، وربطهم من الخلف والتعدي عليهم بالضرب، ليتسبب مقتل علاء في إعادة حادثة أخرى للواجهة، حدثت قبل أربعة أشهر داخل المركز نفسه؛ حين مات أحد النزلاء نتيجة تعذيب واعتداء جنسي، في حين نجا ثلاثة نزلاء من الموت، كان من بينهم محمود محمد، الشهير بـ “بسة”.
انتهاكات مختلفة داخل مراكز علاج الإدمان غير المرخصة في مصر
التحريات السرية لرئيس مباحث قسم المقطم، كشفت عن أن المتهمينِ محمد وأحمد الحجار قاما بإنشاء مركز غير مرخص لعلاج الإدمان، تُستخدم فيه وسائل غير قانونية في علاج النزلاء، تمثّلت بإعطائهم عقاقير مخدرة واحتجازهم داخل المركز، وتعذيبهم وهتك عرضهم، وإيهام أهلهم باستجابتهم للعلاج وضرورة استمرار ذويهم في المركز.
تبيّن أيضاً قيام المتهمين بالتعدي بالضرب على المجني عليه، وحاولوا إعطاءه عقاقير مخدرة، لكنّه رفض. حينها خنقه محمد الحجار بيده حتى زهقت روحه، ثم قاموا بربط “تي شيرت” حول عنقه وتعليقه على شماعة الحائط بدورة مياه المركز؛ لإيهام جهات التحقيق أن المجني عليه مات منتحراً.
بعد عامين، وتحديداً في 13 كانون الثاني/يناير 2015، حكمت المحكمة بالسجن ثلاث سنوات على المتهمين، بتهمة ضرب أفضى للموت، وليس القتل العمد، وذلك في القضية التي حملت رقم 7597 لسنة 2014 جنايات المقطم، المقيدة برقم 14 لسنة 2013 حصر تحقيق جنوب القاهرة.
عبر مكالمة هاتفية في شباط/فبراير 2025، أخبرتنا أم الضحية (علاء)، أن العقوبة الجنائية طُبّقت على اثنين فقط من العاملين بالمركز، بينما نجا صاحب المركز وشقيقه من أي عقوبة، على الرغم من أنهما كانا متهمين رئيسين في التعذيب والقتل. وبحسب متابعتها للأخبار المتعلقة بهذه المراكز غير القانونية، تعتقد الأم أن الأمور ازدادت سوءاً داخل هذه المراكز خلال السنوات التي تلت مقتل ابنها وحتى الآن.
بعد ساعات من دخوله مركز “الحياة” لعلاج الإدمان في تموز/يوليو 2013، فارق ممدوح السبكي (42 عاماً) الحياة إثر تعرضه للاعتداء داخل المركز. كان ممدوح يعاني أزمة نفسية بعد خسارة تجارية؛ فقرر شقيقه ناصر إيداعه بأحد مراكز علاج الإدمان بمنطقة حدائق الأهرام، القريبة من محل سكنهما في الهرم بمحافظة الجيزة.
لم يكن ناصر يعلم أن هذه المرة الأخيرة التي سيرى فيها شقيقه حياً؛ إذ جاءه اتصال هاتفي من المركز بأن ممدوح أُصيب بأزمة تنفسية، استدعت نقله إلى مستشفى الهرم.
في الأثناء، اتصل المركز بسائق سيارة خاصة لنقل ممدوح إلى مستشفى الهرم، لكنّ السائق شكّ في أمر الحالة، فقام بإبلاغ الشرطة عند أقرب كمين شرطة؛ ليتبيّن حينها أن ممدوح جثة هامدة.
أفاد شهود عيان داخل المركز بأن ممدوح أصيب بالهياج بمجرد وصوله، فاعتدى باليد على أحد العاملين بالمركز، لينهالوا عليه بالضرب ثمّ أعطوه عقاقير تسببت في وفاته.
وبحسب تحقيقات النيابة، فإن المريض لم يكن مدمناً، وقد وافق شقيقه على دخول ممدوح “مصحة الحياة” ظناً منه أنها مصحة نفسية، كما أن العاملين بالمركز مدمنون سابقون غير حاصلين على أيّ شهادات صحية تؤهلهم لعلاج المدمنين.
أحمد (30 عاماً) كان أحد النزلاء بالمركز، وشاهداً على حالة وفاة ممدوح السبكي؛ تمكّن من الهرب مع باقي النزلاء بمساعدة أصحاب المركز قبل وصول الشرطة؛ تجنباً لشهادات النزلاء عن الواقعة.
اتصل أحمد بوالدته ليخبرها أنه هرب من المركز بعد مقتل أحد النزلاء بداخله، خوفاً من القبض عليه لأنه لم يؤدِ الخدمة العسكرية، وروى لوالدته ما شاهده من تفاصيل؛ فطلبت منه أن يُبلغ النيابة بحقيقة ما جرى. لكن بعد مرور أربعة أيام من مكالمة ابنها، جاءتها مكالمة هاتفية: “ابنك أحمد مات”، وجدوه جثة في ترعة الإسماعيلية، قبل الإدلاء بشهادته أمام النيابة.
ممدوح السبكي، وعلاء نبيل، وغيرهما كُثر، فقدوا حياتهم داخل مراكز علاج الإدمان المنتشرة في محافظات مصر المختلفة.
توفي شريف سعدي (31 عاماً) داخل أحد مراكز علاج الإدمان بمنطقة حدائق الأهرام؛ إثر حقنه بجرعة مخدر زائدة.
أمرت النيابة العامة بمحافظة الجيزة بإغلاق مركز غير مرخص لعلاج الإدمان، بعد وفاة شاب بداخله، قيل إنه مات منتحراً.
فارق شاب الحياة أثناء علاجه داخل مركز لعلاج الإدمان بالهرم؛ ووجهت أسرة المُتوفَى لأصحاب المركز تهمة التسبب في مقتله.
لقي شاب مصرعه داخل مركز لعلاج الادمان بمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة، قال أصحاب المركز إنه ألقى بنفسه من سطح المركز؛ لكنّ تحريات النيابة كشفت عن وجود آثار ضرب متفرقة في أنحاء جسده.
لقي شاب مصرعه داخل مركز لعلاج الإدمان بمحافظة الجيزة.
لفظ علاء محمد (30 عاماً) أنفاسه الأخيرة داخل مستشفى المقطم أثناء علاجه من الإدمان، وكشفت تحريات المباحث أن الشاب دخل مصحة لعلاجه من الإدمان منذ ثلاثة أيام؛ لكنّه لم يتحمل العقاقير داخل المركز.
فارق شاب الحياة بعد أيام من دخوله مصحة لعلاج الإدمان بمنطقة حدائق الأهرام، بعد التعدي عليه بالضرب المبرح داخل المركز؛ حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
تخلص أصحاب مركز غير مرخص لعلاج الإدمان من جثة أحد المرضى، بإلقائها بأحد شوارع مدينة 6 أكتوبر بمحافظ الجيزة.
فارق شاب الحياة أثناء علاجه داخل مركز لعلاج الإدمان بمنطقة البراجيل بمحافظة الجيزة.
توفي شاب داخل مصحة لعلاج الإدمان بمحافظة بورسعيد، ووجهت الأسرة لأصحاب المركز تهمة التسبب في مقتله، بعدما وجدوا آثار تعذيب في جسده.
توفي شاب داخل مركز لعلاج الإدمان بمنطقة أوسيم بمحافظة الجيزة.
يعمل دكتور خالد السياجي في علاج الإدمان منذ أكثر من 25 عاماً؛ يدير جلسات جماعية لمدمنيين من مختلف الأعمار، وكان مديراً لحقوق المرضى بالمجلس القومي للصحة النفسية وعلاج الإدمان.
يقول السياجي إن الجهة الوحيدة التي لها حق الضبطية القضائية هي إدارة العلاج الحر، التابعة لوزارة الصحة. ويضيف: “ورغم ذلك، فشلنا أكثر من مرة في إغلاق المراكز، لأن القانون لا يعطي الحق في اقتحام أيّ مركز لا توجد به لافتة من الخارج، وبالتالي فكل المراكز غير المرخصة لا توجد بها لافتات أصلاً؛ وهذه المراكز في نظر القانون مجرد شقق سكنية، لا يجوز لوزارة الصحة اقتحامها”.
وبحسب السياجي فإن قسم حقوق المرضى، التابع للمجلس القومى للصحة النفسية، هو المسؤول الوحيد عن استقبال شكاوى المرضى النفسيين وذويهم، ثمّ تُرسل لإدارة العلاج الحر، التي تقوم باقتحام المركز، والتأكد من التراخيص؛ لكن هذا التفتيش لا يحدث إلا قليلاً، وفق السياجي.
الأيام الأولى لدخول المرضى المراكز غير المرخصة لعلاج الإدمان تسمي”الديتوكس”، وهي فترة استخراج المخدرات من الجسم. يجني أصحاب هذه المراكز أرباحاً خيالية خلال هذه المدة، حيث يتمّ احتساب التكلفة يومياً، وتصل إلى أكثر من ألف و500 جنيه مصري لليلة الواحدة، وقد تزيد من مركز لآخر، وفقاً لطبيعة الغرفة زوجية أو فردية.
وتقدم المراكز غير المرخصة أسعاراً مخفضة لجذب أكبر عدد من الحالات، ويبذل أصحاب هذه المراكز جهوداً لإطالة هذه المرحلة؛ لتحقيق المزيد من الأرباح المالية من جيوب الأهالي الراغبين في علاج أبنائهم من الإدمان. وفي سبيل ذلك، يرتكب أصحاب هذه المراكز مخالفات صحية وقانونية بحق المرضى؛ تشمل العديد من الانتهاكات الجسدية والنفسية من تعذيب وإذلال يصل حد القتل.
حمادة كبريتة، يعمل مُعالجاً داخل مستشفى المطار الحكومي للصحة النفسية، وهو مدمن متعافٍ، يعمل في هذه المجال منذ عام 2005، ويعرف الكثير عن هذا العالم الخفي.
يفسر “كبريتة” إقبال الأهالي على هذه المراكز غير المرخصة، التي يسميها “بير السلم”؛ بسبب الظروف الاقتصادية للأهالي، حيث توفر بعض هذه المراكز تكلفة علاجية منخفضة، تتراوح شهرياً من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف جنيه (ما يقرب من مئة دولار أميركي)، وهذه المراكز يديرها مدمنون سابقون، غير مؤهلين. يضيف كبريتة: “أنا مُعالج فقط، لا يمكنني كتابة العلاج للمريض، أقوم بتنفيذ البرنامج العلاجي الذي يصفه طبيب مختص”.
وبحسب كبريتة، تعتمد هذه المراكز على قطع التواصل بين المريض وأسرته: “مفيش زيارات قبل شهر”، وتستعين بأطباء يذهبون للمركز كل فترة، يجلسون ساعة واحدة مع المرضى، ثمّ يكررون الأدوية.
تجمع هذه المراكز عشرات المرضى في مكان صغير أشبه بالسجن، ويُقدّم لهم “الفول والعيش”، ومَن يعترض يكون مصيره “الضرب”، مع استخدام متكرر لأدوية نفسية تُصيب الجسم بضعف شديد، وتُقلّل من قدرة المريض على المقاومة أثناء العقاب؛ مثل أدوية “بوبرينورفين وبوبرينورفين-نالوكسون/ميثادون/سافينيز/هالونيز/كيوتابكس”؛ لذلك تستمر الإقامة شهراً وشهرين، وتصل ستة أشهر، يضيف كبريتة: “بيلعب بالمريض زي الكورة”.
ووفقاً لكبريتة، يُقْبِل مُدمنو الهيروين على إضافة قَطرة “مدروبيد” على جرعات الهيروين، لتضيف له “هبة” أكبر (تأثير مزاجي أقوى)، تتسبب هذه التركيبة في عمل “خُراج” (دمل) على الرئة.
عندما يصل مدمن الهيروين إلى المستشفيات الحكومية، يتمّ عمل الأشعة والتحاليل اللازمة -كما يقول كبريتة- لمعرفة تأثير المخدر على الجسم، ومدى انتشار “الدمامل” على الرئة، لوصف الدواء المناسب للمريض. لكن عند وصول هؤلاء المرضى للمراكز غير المرخصة، يعطون لهم الأدوية من اليوم الأول، على أنه مدمن رغم كونه يعاني مرضاً نفسياً مصاحباً، يضيف كبريتة: “تاني يوم بيموت المريض”؛ وهو ما يفسر حالات الموت في الأيام الأولى من دخول هذه المراكز، وفق كبريتة.
في حزيران/يونيو عام 2012، أودع والد محمود علي (22 عاماً) وشهرته بسة، ابنه بمركز “الندى” لعلاج الإدمان بحي المقطم (وهو المركز نفسه الذي قُتل فيه علاء نبيل، أوائل عام 2013) بهدف التعافي من عقّار الترامادول. بمجرد وصول الابن للمركز، طلبوا من الأب الانصراف: “قالوا امشي وهنتصل بيك، مفيش زيارة قبل 25 يوماً”.
بعد انقضاء المدة المُحدّدة، ذهب الأب لزيارة ابنه، لكنّهم رفضوا: “محمود كويس، وما ينفعش الزيارة دلوقت، عشان نفسيته متتعبش”، ليكتفي الأب بدفع باقي تكاليف العلاج ثمّ انصرف. بعد مرور نحو 40 يوماً، سُمح له بالزيارة، أخبره الابن بما يتعرض له داخل المركز: “بيعذبوني، ويضربوني على أيّ حاجة بقولها”. لكنّ الأب لم يتعامل بجدية مع شكوى ابنه، التي تكررت بعد ذلك عدة مرات، وظن أنها حيلة منه للخروج من المركز، والعودة للمخدرات مرة أخرى.
يقول بسة: “كانوا بيعذبونا علشان منمشيش من المركز، ولا نشتكي لأهلنا، ونفضل في المركز، ويخدوا فلوس من أهالينا”. بعدها لم يجرؤ بسة على أن يحكي لوالده شيئاً مما يتعرض له داخل المركز؛ خوفاً من ملاقاة المصير نفسه، مضيفاً: “اللي اتعمل معايا مينفعش يتحكي”. حتى جاء مقتل علاء نبيل داخل المركز؛ ليتمكن جميع النزلاء من الخروج بعد اكتشاف الأمر.
على وقع هذه الانتهاكات، قرر خمسة من النزلاء الهرب من المركز، لكن أحدهم أبلغ الإدارة بخطة الهروب.
وعقاباً لهم، تمّ حقنهم بمواد مخدرة، وجردوهم من ملابسهم ثمّ انهالوا عليهم ضرباً بالعِصي؛ فرد أحد النزلاء يُدعى محمود: “أنا همشي، واللي عايزين تعملوه اعملوه، ولما أمشي هاخد حقي منكم”، ليقوم بعدها أحد العاملين بإدخال عصا في مؤخرته أمام بقية النزلاء، وانهال عليه بالضرب والشتائم وهو يصور ذلك بهاتفه متفاخراً بفعلته.
انتهاكات جسدية وجنسية بحق مرضى الإدمان
تأثر محمود جسدياً ونفسياً بهذه الواقعة، لكنّ المركز سارع بالاتصال بأسرته، وطلبوا منهم الحضور لاستلام ابنهم. عرف بسة أن زميله محمود فارق الحياة في اليوم التالي لخروجه.
يقول حمادة كبريتة، الذي يعمل مُعالجاً داخل مستشفى المطار الحكومي للصحة النفسية، إن أصحاب هذه المراكز يفضلون العمل بشكل غير قانوني؛ بسبب ارتفاع تكلفة الترخيص: “أكثر من مليون جنيه مصري، وحتى إن وفرت هذا المبلغ الكبير، تحتاج إلى إجراءات طويلة من أكثر من جهة رسمية للحصول على التراخيص”. لتصبح المراكز رخيصة الثمن الوجهة الرئيسية، والراعي الرسمي للأسر متوسطة الحال؛ فتكلفة علاج الإدمان في مركز مرخص تبلغ نحو 18 ألف جنيه شهرياً.
دكتور نبيل القط، طبيب نفسي، حاصل على دكتوراة في علاج إدمان المراهقين، يُحمّل الحكومة وتحديداً وزارة الصحة مسؤولية انتشار مراكز علاج الإدمان غير المرخصة، بسبب ضعف الرقابة. يضيف: “الأخطر هو الروتين الحكومي، الذي يحرم أصحاب المراكز الخاصة من تسجيل المنشأة، حيث يتطلب الحصول على الترخيص عشرات الخطوات المعقدة، التي تجعل أصحاب المراكز يختارون الطريق الأسهل، ويفتح الباب أمام غير المؤهلين للعمل في المجال “.
ويؤكد دكتور نبيل، أن هذه المراكز تستخدم كوادر غير مؤهلة: “العاملون في هذه المراكز، معظمهم مدمنون سابقون، غير مدربين أو مؤهلين، وتستخدم بعض هذه المراكز أسماء أطباء مزيفة”.
وإعمالاً بحق الرد، تواصلنا مع وزارة الصحة المصرية، للسؤال عن دورها الرقابي على مراكز الإدمان، فردت على لسان متحدثها الرسمي، الدكتور حسام عبد الغفار، بأن هناك رقابة دورية من الإدارة المركزية للتراخيص والعلاج الحر والمجلس القومي للصحة النفسية، تتمثل بقيام الجهتين بحملات التفتيش بالتنسيق مع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والأمانة العامة للصحة النفسية كطرف فني للتعامل مع المرضى.
وأرجع الدكتور عبد الغفار سبب الانتشار السريع للمراكز غير المرخصة إلى الرغبة في تحقيق الربح المادي السريع، والخوف من الوصم المجتمعي في حال اللجوء إلى المراكز الحكومية.
وفيما يخص الاتهامات التي توجه للوزارة بصعوبة الحصول على التصاريح اللازمة لمراكز علاج الإدمان الخاصة، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة: “إدارة العلاج الحر قامت بتجهيز موقع إلكتروني لتسجيل المنشآت، يحقق سياسة الشباك الواحد في ترخيص المنشآت العلاجية؛ ومنها منشآت الصحة النفسية ومنشآت علاج الإدمان”.