الوفد – في حجرة واحدة مساحتها 15 متراً مربعة تعيش فتحية وأولادها الخمسة تحت سقف متهالك وبين جدران تتساقط منها الأتربة، حتى إنها وضعت دعامات خشبية للسقف وغطت الجدران بقطع من القماش.
هذا هو حال المبنى الذي تقع فيه حجرة فتحية ويقع في وسط مدينة الزقازيق عاصمة الشرقية ويطلق عليه الأهالي اسم «معسكر الإيواء» – واحد من ستة مبان شيدتها الحكومة لمن فقدوا مساكنهم من معدومي الحال، وذلك مقابل إيجارات رمزية تصل إلى جنيهين اثنين للوحدة السكنية.
وحذر السكان بالشكوى من أن المبنى المؤلف من طابقين وتملكه الدولة قد ينهار في أي لحظة.
لكن المسئولين يردون بأن السكان هم من يصرون على البقاء فيه بسبب إيجاراته الرمزية ويسهمون في حالته البئيسة.
يبعد المبنى، الذي يضم 67 أسرة تعيش كل منها في غرفة واحدة وتتألف من حوالي خمسة أفراد في المتوسط، خطوات عن حي ثاني الزقازيق ومبنى ديوان عام المحافظة الذي تردد عليه السكان كثيرا لتوفير سكن بديل، كما يقولون.
تصميم المبنى، الذي تبلغ مساحته 440 مترا مربعا، يشبه معسكر الجنود ومنه أخذ اسمه «معسكر الإيواء»، إذ يتوسطه ممر يمتد بطول 26 مترا على جانبيه في كل طابق غرف تعيش في كل منها أسرة تتألف في المتوسط من ستة إلى سبعة أفراد.
وقد بدأت المحافظة تشييد هذه المباني بعد ثورة 1952 لتسكين معدومي الحال الذين فقدوا مساكنهم بسبب هدمها أو سقوطها ولا يستطيعون توفير بديل. ومعظم المباني الستة، التي يقطنها حوالي ألف أسرة، في حالة متهالكة وتحتاج إلى حوالي مليوني جنيه لإعادة تأهيلها لكن المخصصات غير متوفرة، حسبما يذكر مسئولون.
تبدو آثار الزمن على «معسكر الإيواء»، الذي تم تشييده قبل أكثر من 50 عاماً، وذلك نتيجة العوامل الجوية التي أثرت على الطبقة الأسمنتية التي تآكلت وسقط بعض أجزائها حتى أن حديد التسليح ظهر من تحتها.
يقول مسلم أبو اليزيد، الذي يعيش في هذا المبنى منذ 45 سنة والذي كان يعمل سباكا، أن معسكر الإيواء متهالك منذ عام 1990 ولم تقم الحكومة بترميمه «كما طلبنا من المسئولين كثيرا، إلا مرات قليلة تم إسناد الترميم فيها إلى مقاول لم يقم بالترميم بالطريقة الصحيحة ما أدى إلى تصدع المبنى وإصابته بالرطوبة الشديدة نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي من المواسير المتهالكة».
ويشير إلى أن الأسر التي تقطن تلك المساكن تقدمت إلى المسئولين لتوفير سكن بديل لها يؤويها «بدلا من أن يستيقظ المسئولون على كارثة مقتل 67 أسرة سقط عليها معسكر الإيواء».
تؤكد فتحية، البالغة من العمر 35 عاما وهي مطلقة، أن قلة الحيلة وضيق موارد الرزق هما الدافع الأساسي لبقائهم هم وغيرهم من السكان في المبنى الذي وصفته بأنه «غير آدمي يفتقد إلى أدنى مقومات الحياة».
وفي غرفة أخرى، تشكو خديجة محمد القرش، أرملة ستينية ولديها 4 أبناء، من أن مسئولي الأحزاب السياسية استغلوا طوال العقود الماضية الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه سكان المبنى بالتعهد لهم بنقلهم إلى وحدات سكنية جديدة مقابل منحهم أصواتهم في الانتخابات.
وتتابع خديجة قائلة إن استغلالهم لم يتوقف أبدا من جميع التيارات السياسية حيث حضر إليهم مرشحو أحد الأحزاب اثناء الانتخابات البرلمانية عام 2011 وانتخابات الرئاسة في يونية 2012، وتكفلوا بطلاء المبنى بالجير، وهو أردأ أنواع الدهانات. وبعد الانتخابات لم يفوا بوعودهم بترميم المبنى بالكامل.
وتضيف قائلة «تلك الوعود ما هي إلا كلام معسول مقابل تأييدهم في الانتخابات»
تقرير المحافظة يطالب بالترميم السنوي
حصلنا على تقرير فني كانت الإدارة الهندسية للمشروعات بالمحافظة أصدرته في 22/9/2010 وأوضحت فيه أن آخر ترميم لمبنى مساكن الإيواء تمّ عام 2005 بناء على مقايسة أعدت عام 1999 أي أن عملية الترميم التي لا تشمل سوى البياض وإصلاحات السباكة استغرقت ست سنوات لإتمامها. ويختص هذا التقرير بمعسكر الإيواء فقط، ويوضح أن كلفة الترميم الواردة بلغت حوالى 60 ألف جنيه.
وطالب التقرير بـ«وجوب» عمل صيانة سنوية للمبنى لم يحدد كلفتها، لكن هذا لم يحدث.
وقد بدأت مشكلة مساكن الإيواء في الشرقية منذ التسعينات. ويقول مهندسون إن هذه السنوات كانت كافية لتقويض حالة المباني لعدم القيام بصيانتها كما ينبغي.
طلبنا من الدكتور المهندس سمير عبدالله عيسى، الأستاذ المتفرغ بهندسة الزقازيق ونقيب المهندسين سابقا بالشرقية، معاينة المبنى لإبداء رأيه، وبعد المعاينة، ذكر عيسى أن المبنى به شروخ عرضية وطولية، وأن العناصر الإنشائية المكونة للمبنى من خرسانات وطوب أصبحت في حالة تماسك ضعيفة، «وأن المبنى آيل للسقوط ويشكل خطرا دائما على السكان».
بدورهم، يتهم المسئولون في محافظة الشرقية السكان بوقوفهم وراء تهالك المبنى وأنهم لا يريدون مغادرته ولا تحمل أي تكاليف للصيانة رغم أنهم يسكنون مجانا تقريبا حيث يصل الإيجار إلى حوالي جنيهين للغرفة الواحدة شهريا.
ينحي جمال غريب، مدير إدارة الإيجارات والتمليك بمجلس مدينة الزقازيق، باللائمة على السكان، قائلا «الدولة تستهدف المواطنين المعدمين الذين تتعرض مساكنهم للهدم أو الإزالة، وذلك بتسكينهم في هذه المباني حتى تتحسن أوضاعهم، على أن تقوم مديرية الشئون الاجتماعية بدراسة أوضاعهم بين الحين والآخر. وعند تحسن أحوالهم المعيشية يجب أن يتركوا هذه المساكن كي يستفيد منها غيرهم. لكن الغالبية العظمى من السكان ظلوا في هذه المساكن لا يغادرونها أبدا حتى مع تحسن أوضاعهم»
ويؤكد غريب أن عددا من سكان المبنى يقومون ببيع وحداتهم السكنية لآخرين، لكنه لم يحدد عدد الغرف التي تم بيعها. وقال إنه لم يتم اتخاذ إجراءات ضد المشترين الحاليين «لأنهم في النهاية غلابة»
ويوضح محامون كيفية قيام أحد السكان ببيع وحدته، قائلين إن ذلك يتم عن طريق عمل «صحة توقيع» في الشهر العقاري أو في المحكمة بينه وبين المواطن الذي يريد شراء هذا المسكن، بمعنى أن يثبت الموظف المختص أو القاضي أن توقيع البائع على العقد صحيح.
يكشف غريب أن قيمة إيجار الوحدات في معسكر الإيواء جنيهان وبالرغم من ذلك يتأخر بعضهم في سداد الإيجار، مشيرا إلى أن المحافظة عرضت على السكان «الانتقال عام 2011 إلى مساكن الأسر الأولى بالرعاية بقرية السعدية على مساحة 40 مترا مربعا للوحدة. لكن السكان يرفضون هذه العروض بحجة عدم رغبتهم في الخروج من الزقازيق حيث مصدر رزقهم وأماكن تعليم أولادهم».
وتوضح فاتن عبدالحميد، وكيل وزارة بمديرية الشؤون الاجتماعية بالشرقية، أن الوزارة مسئولة عن دراسة حالة المواطنين الذين تتعرض مساكنهم للهدم أو السقوط وذلك بناء على طلب من صندوق الإسكان بالمحافظة؛ لكنها تضيف أن المديرية لم تتلق أي طلب خلال الفترة الماضية لدراسة حالة سكان معسكر الإيواء.
ويقول صادق عبدالعظيم، مسئول صندوق الإسكان بمحافظة الشرقية، إن مساكن الإيواء تستهدف تسكين الحالات الحرجة والملحة لفترة مؤقتة حتى تتحسن حالتهم.
ويضيف «يتم إنذار من تتحسن حالته لإخلاء الوحدة السكنية وعند اعتراضه يتم إخراجه بالقوة. الا أن الوضع الحالي يمنعنا من القيام بذلك نظرا للظروف الاقتصادية التي يعاني منها جميع المواطنين».
ويتابع أن هذه المشكلة كانت تكررت في مساكن أخرى مخصصة لإيواء الحالات العاجلة في مدينة الزقازيق؛ وتم إخلاء سكان تلك المباني قبل 25 يناير 2011 وذلك لخطورتها على السكان، وحصل كل ساكن على 10 آلاف جنيه تعويضا من الدولة مقابل ترك السكن.
وأوضح عبدالعظيم أن المحافظة تفحص المبنى من وقت لآخر لتحديد مدى سلامته، «وفي حالة احتياج المبنى للترميم نقوم بأعمال الترميم… رغم عدم التزامنا بذلك لأن عمليات الإصلاح والصيانة للمباني من الخارج وصيانة السلم (من الداخل) هي مهمة اتحاد الشاغلين طبقا لقانون اتحاد الشاغلين رقم 119 لسنة 2008.
ويتهم عبدالعظيم سكان المبنى بأنهم «لم يمتثلوا لهذه القوانين ما يؤدي إلى تهالك المساكن ويعرضها للخطر بسبب عدم إحساسهم بالمسئولية تجاه المسكن الذي يعيشون فيه».
ووسط تبادل الاتهامات من الجانبين يبقى سكان معسكر الإيواء معرضين لخطر انهيار مسكنهم الوحيد فوق رؤوسهم.
Leave a Reply