اندماج طلاب الأقليات والمدارس الخاصة في الدنمرك: هل يتوافقان؟

14 يوليو 2011

في الوقت الذي تواجه فيه وزارة الاندماج في الدنمرك تحدي اندماج الأقليات في المجتمع الدنمركي، تسعى وزارة التعليم لرفع النتائج الدراسية لطلاب الأقليات، التي أظهرت الدراسات تدنيها عن متوسط نتائج الطلاب الدنمركيين

المدرسة الإسلامية

خلافا للمدارس التي يسودها الطلاب الأقليات، لا تعاني المدرسة الدنمركية الإسلامية العربية الخاصة، التي تأسست في عام 1979، من تدني درجاتها.

ويؤكد مدير المدرسة، محمد الخطيب، على التنسيق والتوافق مع وزارة الإندماج، وكيف تجسد ذلك في أزمة رسوم الكرتون المسيئة للنبي، حيث عبرت المدرسة الإسلامية عن دعم الحكومة الدنمركية لها في تصريحات لوسائل الإعلام.

وتنظم المدرسة العديد من النشاطات لطلابها، بالتنسيق مع وزارة الإندماج، مثل إشراك الطلاب في إعداد أفلام وتقارير إذاعية ميدانية عن قضايا الحي.

وصفوف المدرسة مختلطة رغم اعتراض بعض الأهالي الذين يفضلون فصل الأولاد عن البنات. لكن المدرسة تصر على الاختلاط، كما تركز على قيم المواطنة الدنمركية بهوية مسلمة تليها هوية جنسياتهم الأخرى، لتحضير هؤلاء الطلاب لحياة ما بعد الدراسة، يبين المدير.

في المدرسة 450 طالبا وطالبة، جميعهم من الأقليات، وثلثا معلميها من الأقليات، لذلك هناك تركيز على تعليم اللغة الدنمركية، كما يقول مديرها.

وتشكل الطالبات نسبة 65% من مجموعهم ويتفوقن على الذكور بدرجتين. والسبب وفقا لمدير المدرسة هو أن البنات يردن إثبات عدم صحة الصورة التي يكرسها بعض السياسيين ووسائل الإعلام المعادية للمسلمين، عن أن البنات مضطهدات ولا يجدن عمل شيء سوى المكوث في المنزل.

وينفي المدير الاتهامات الموجهة ضد مدرسته بأنها ترفض الطلاب الضعيفين دراسيا.

لكن انتقاء الطلاب الأكفاء الذي ينكره المدير يظهر عبر امتحان قبول في المدرسة يقيس كفاءة الطلاب في الدراسة.

وهناك قائمة انتظار من 900 طالب ينتظرون قبولهم في المدرسة. وعملية الانتقاء تظهر في عدم التناسب بين عدد البنات والأولاد، وتحديدا في صفوف التاسع، ففي الصف الأول 5 أولاد من مجموع 17 طالب وطالبة، وفي الثاني 4 أولاد من مجموع 16 طالب وطالبة.

هذا بالإضافة إلى فصل المدرسة لـ4-5 طلاب ذكور سنويا بسبب ضعفهم الدراسي وتورطهم في مشاكل قانونية، غالبيتهم في صفوف الثامن والتاسع.

ويعزو المدير سبب هذه الحالات إلى المشاكل الأسرية التي يواجهها 10-12% من الطلاب، والتي تؤثر على أدائهم الدراسي وتورطهم في المشاكل التي قد تصل إلى السجن.

والمشكلة الأسرية الرئيسية، وفقا للمدير، ضعف دور الأم وعدم معرفتهم باللغة الدنمركية. وعندما يعتمد الأبوان على الابن في الترجمة يشعر بالتفوق عليهما وبالتالي الإستقواء والتمرد.

ورغم تأكيد المدير على التزام المدرسة بالمنهاج الدراسي المقرر من الحكومة، تقول إحدى طالبات المدرسة أنها تحب تعلم الموسيقى لكن مدير المدرسة منع حصص الموسيقى لأنها “حرام”. ولا يسمح سوى بالأناشيد الإسلامية التي يؤديها الأطفال.

ومن مشاهداتنا خلال التجوال في المدارس الثلاث أن مستوى البنى التحتية للمدرسة الإسلامية أقل من المدرستين الحكوميتين، من حيث نظافة البناء وحجم الصفوف والمقاعد وتجهيزات المختبرات وغرف الكمبيوتر والمرافق العامة.

تتلقى المدرسة الإسلامية الخاصة دعما من الحكومة الدنمركية يغطي 75% من تكاليفها، في حين تغطي الرسوم التي يدفعها أهالي الطلاب 25%، وقيمة الرسوم 100 دولار عن كل طالب شهريا، إضافة إلى كلف الكتب العربية والسفر والرحلات، وهذا يشكل 10% من دخل الأسرة التي لا يعمل فيها الأبوان وتعتمد على المعونة الحكومية.

ووفق الإحصاءات الرسمية فإن ما يقارب 50% من الأقليات المهاجرة عاطلة عن العمل وتعتمد على المعونة الحكومية.

أكثرية من الأقليات

يشكل طلاب الأقليات 80% من مجموع طلاب مدرسة تاغينسبو، لآباء هاجروا إلى الدنمرك من 42 دولة أخرى، غالبيتهم عرب، ثم ألبان وصوماليين وباكستانيين.

مدير المدرسة يينس هوسوم يفضل وصف مدرسته بـ”الدولية”، ويريد بها تغيير واقع الدنمرك باتجاه دولة تتعدد فيها الثقافات واللغات.

ويطمح المدير إلى أن تصبح مدرسته مركزا ثقافيا يتضمن حصصا دراسية وملاعب مفتوحة من السابعة صباحا ولغاية السابعة مساء.

لكن مدرسته تعاني من تدني أداء طلابها. وكانت درجة المدرسة أقل من متوسط درجات المدارس في الدنمرك، حيث حصلت على 4,5 من أصل 10 درجات.

ولا ينفي المدير العلاقة بين تدني درجات طلابه وبين كونهم من الأقليات المهاجرة.

ويعزو سبب ذلك إلى اختلاف اللغة الأم وصعوبة التعلم بلغة أخرى.

وعن ذلك يقول “قد تخلط طالبة بين لغتها الأم واللغة الدنمركية. وفي الصف يستخدمون أحيانا لغات مختلفة”.

لكن المدير يرى أن الحل في السماح بالتعليم بلغات أخرى. “أتمنى أن نعلم الرياضيات يوما ما باللغة العربية مثلا، ففي هذا العالم تحتاج إلى لغات عدة للتعايش. لكن ذلك غير مقبول لدى بعض الدنمركيين”.

يبين مدير المدرسة أن المشكلة بدأت بعد دمج مدرستين كان الهدف منه توفير الحكومة للنفقات، والذي تسبب في انتقال الطلاب جيدي الأداء إلى مدارس أخرى.

كما كان لتعدد الجنسيات تأثير سلبي على المدرسة، فلا يفضل الأهالي الدنمركيون وضع أبنائهم في مدارس تكثر فيها الأقليات المهاجرة، حتى أن هناك أهالي عربا وباكستانيين فضلوا سحب أبنائهم من هذه المدرسة بسبب تعدد الجنسيات فيها ودمج المدرستين.

كما تأثرت سمعة المدرسة بدخول أربعة من طلابها إلى السجن بتهم السرقة. وبعد خروجهم من السجن حاولت المدرسة مساعدتهم لمتابعة حياتهم بشكل طبيعي.

لكن المدير هوسوم يقول إنه “كان من الصعب عليهم إيجاد عمل لأن دخولهم للسجن يعني أن يصبح لكل منهم ملف أمني لمدة عشر سنوات، وفي العادة ليس من السهل عليهم الحصول على عمل خلال هذه المدة. هذا بالإضافة إلى مشكلة تجار المخدرات الذين يتواجدون في منطقة قريبة من المدرسة”.

ويؤكد المدير أن “لدى الطلاب الذكور مشاكل أكثر من الطالبات لأن البنات أكثر نضجا، في حين أن الأولاد أكثر تأثرا بالمحيط والرفقة التي تكون سيئة أحيانا، وبالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها بعض الأهالي، وتحديدا الأسر التي يكون الأب فيها غائبا معظم الأحيان ويكون دور الأم ضعيفا في الأسرة.

ويضيف إن “هناك أيضا تأثير الإعلام والتصريحات السياسية التي تظهر عنصرية ضد الأقليات المهاجرة، ويكون رد فعل الطلاب عليها إما محاولة إثبات الذات بالأداء الدراسي الجيد أو بافتعال المشاكل ورفض المدرسة”.

وتحاول إدارة المدرسة رفع الدرجة بتشجيع الطلاب على تحسين أدائهم المدرسي عبر عروض مسرحية “.

و”لأن للأهالي، وبخاصة الأمهات، دورا مهما في تعليم الأبناء، ولأن بعض الأهالي لا يتقنون الدنمركية”، يقول المدير، يوجد في المدرسة معلمون ومعلمات يتقنون اللغات الصومالية والألبانية والباكستانية.

ويبين المدير أن “هناك مشكلة مع الأهالي الذين يعتقدون أن العملية التعليمية تقع على عاتق المدرسة فقط وأن لا دور للأهالي فيها. لكننا نحاول أن نشركهم في العملية”.

تحدي الاندماج في أحياء الأقليات

في مدرسة رودماردزغيد 640 طالبا وطالبة، 27% منهم من أسر عربية (فلسطينية، عراقية، لبنانية ومغربية)، و24% دنمركيون، يليهم أتراك وباكستانيون، و13% من جنسيات أخرى. وتعاني المدرسة من تدني درجاتها مقارنة بالمعدل العام بين المدارس الدنمركية الحكومية.

لكن مديرة المدرسة ليسا إنغهولم تقول أن “نتائج هذا العام أفضل من العام الماضي”.

وتتركز المشاكل الدراسية بين الطلاب العرب لأنهم مهاجرون من حروب ولأنهم الجيل المهاجر الأول كما تقول المديرة إنغهولم، التي تشير إلى أن المشاكل تقل بين الأتراك والباكستانيين لأنهم أجيال ثانية وثالثة من المهاجرين، وكذلك حال الصوماليين والسود عموما رغم أنهم أكثر عرضة للعنصرية، والسبب أن “للأم دورا قويا”.

وتضيف إنغهولم إن “المشكلة موجودة عموما لدى الطلاب الأقليات لشعورهم بأنهم غير مرغوب فيهم، ولا قيمة لهم. وهذا ما خلقه السياسيون اليمينيون والصور النمطية والتعميم عن العرب والمسلمين. ويعزز ذلك عدم اختلاط بينهم وبين الدنمركيين وعدم معرفة كل طرف بالآخر، وهو ما ينتقل للأبناء”.

وتؤكد إنغهولم أن مشكلة تدني التحصيل المدرسي لدى الذكور أكبر منها عند الإناث من الأقليات “لأن الأولاد يقضون مدة أطول خارج البيت، ولأن أهالي الأقليات لا يتدخلون في العملية التعليمية كما يجب “.

وفي هذه الحالات، كما تقول إنغهولم “يمضي الأولاد أوقاتاً طويلة في الشارع ضمن شلل مغلقة، وحتى عندما يعودون للمنزل لا يشاهدون سوى محطات عربية، ولا يختلطون بالثقافة الدنمركية”.

وتضيف إن “بعض الأولاد يدركون المشكلة متأخرا في الصف الثامن أو التاسع”.

وهذا ما تقول إنغهولم إن مدرستها تحاول علاجه “عن طريق المعاملة المتكافئة والمعلمين متعددي اللغات ونشاطات ثقافية متعددة مثل استضافة نموذج شخصية من الأقليات مرتين شهريا للحديث مع الطلاب عن نجاحاتهم، واجتماعات مع الأهالي ليشعروا أنهم شركاء في العملية التعليمية”.

تطور الشخصية وتحسين السلوك أهم من العلامات، بالنسبة لمديرة المدرسة. فيمكن للأبناء العمل في مجالات مختلفة وليس بالضرورة أن يكونوا أطباء كما يريد الآباء.

وتقول المديرة “أحيانا يستخدم المعلمون لغات أخرى في الصف ويفرح الطلاب عندما تستخدم لغة أهاليهم في الصف. وكل أسبوع يوجد ثلاث حصص لتحسين السلوك يديرها معلمون متخصصون، إضافة إلى الأخصائية الإجتماعية. فالاندماج يكون تدريجيا ويجب أن يأخذ وقته”.

وخلافا للمدارس الدنمركية التي تسود فيها المعلمات، يشكل المعلمون في مدرسة رودماردزغيد 49%، وهذا مهم للطلاب الذكور الذين يحتاجون للتواصل ومصادقة معلمين ذكور.

التحدي الآخر الذي تواجهه مدرسة رودماردزغيد هو انتقال الطلاب الدنمركيين إلى مدارس أخرى بسبب غلبة الطلاب الأقليات في المدرسة. ففي أربعة صفوف روضة يوجد فقط 20 طالبا دنمركيا، أي خمسة في كل صف. ولإرضاء أهاليهم ولزيادة عددهم، اضطرت إدارة المدرسة إلى تجميعهم في صفين بحيث أصبح هناك 10 طلاب دنمركيين في كل صف في حين لم يعد هناك أي طالب دنمركي في الصفين الآخرين. أما الآن فيوجد 10 طلاب دنمركيين في ثلاثة صفوف روضة.

نموذج كوبنهاغن

معضلة الاندماج والهوية التي يعيشها طلاب الأقليات هي أساس مشكلة تدني نتائج طلاب الأقليات، كما تراها مفوضة التعليم في الحكومة المحلية لكوبنهاغن، آن فانغ.

قبل بضع سنوات كانت الحكومة المحلية قد بدأت بتطبيق ما عرف بـ”نموذج كوبنهاغن”، الذي عمدت من خلاله إلى تخصيص مقاعد للأقليات في المدارس التي لم تكن فيها أقليات.

وحتى الآن، حصل 900 طالب وطالبة على مقاعد في هذه المدارس.

وإضافة إلى ذلك، جرى تعيين مستشاري إندماج في كل مدرسة من تلك المدارس لضمان اندماج طلاب الأقليات عن طريق تعليم المعلمين كيف يتعاملون معهم ومع أهاليهم.

لكن من التحديات التي واجهها “نموذج كوبنهاغن”، كما تقول فانغ، “هو أن الطلاب الأقليات الذين انضموا لها كانوا ممن يتمتعون بأوضاع اقتصادية جيدة، ممن رأوا فيها تجربة جيدة لأبنائهم، وهم في الواقع الأقل حاجة للمساعدة. والآن يجب أن نضمن أن المقاعد تذهب لمن يحتاجها من الطلاب الذين يواجهون صعوبات في تعلم اللغة الدنمركية”.

وتضيف آن فانغ إن “المقاعد المتوفرة في هذه المدارس غير كافية، لذلك رصدنا نصف مليون كرونا لعمل تحليل لبناء مدارس أخرى لمواجهة التحدي الديموغرافي. فسكان كوبنهاغن في تزايد سريع وعلينا مواجهة تحدي الإندماج”.

وتؤيد آن فانغ قرار سابقيها بإلغاء مراكز الإندماج “لأنه في وقت توجب فيه تقليص النفقات الحكومية من الأفضل إعطاء مخصصات هذه المراكز للمدارس مباشرة وتعيين مستشاري إندماج في كل مدرسة بدلا من مراكز فيها موظفين يجلسون بانتظار من يأتي لطلب المساعدة”.

إحصاءات حكومية

وفقا لتقرير حكومي لعام 2010 فإن متوسط درجات طلاب الأقليات في الصف التاسع في الدنمرك، وهي السنة الإلزامية الأخيرة، يقل عن أقرانهم الدنمركيين بدرجتين من أصل عشر درجات. فمتوسط درجات عموم طلاب الصف التاسع في كوبنهاغن 6,28، ومتوسط الطلاب الدنمركيين 6,84، أما متوسط طلاب الأقليات 4,90، وفقا للدراسات الحكومية لعام 2010.

ونسبة من يتابعون دراستهم بعد المرحلة الإلزامية من أحاديي اللغة 84,9% أما نسبتهم بين ثنائيي اللغة 80,8%. ويشكل ثنائيو اللغة في كوبنهاغن نسبة 30% من مجموع السكان.

وعند ربط هذه الأرقام بالخلفيات الاجتماعية والاقتصادية للطلاب نجد أن غالبية طلاب الأقليات من أسر فقيرة.

كما أن تدني النتائج يتركز بين الطلاب الذكور من الأقليات، في حين أن نتائج الإناث يقارب متوسط نتائج الطلاب الدنمركيين.

وبمقارنة تقرير هذا العام مع تقارير سابقة فإن الهوة بين الطلاب ثنائيي اللغة والطلاب أحاديي اللغة تناقصت وتحديدا بين البنات. لكنها ليست بالسرعة والمستوى المتوخى.

ويعتمد تعريف طلاب الأقليات على ما إذا كانت اللغة الدنمركية هي اللغة الأم للطالب. ولا تعد الدنمركية اللغة الأم إذا كانت الدنمركية ليست اللغة الأم لكلا الأبوين. وحسب هذا التعريف فإن 10% من طلاب المدارس في الدنمرك هم من الأقليات أو “متعددي اللغات” كما يوصفون في التقارير الرسمية والأكاديمية


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *