النفايات الطبية.. الموت داخل صناديق القمامة

28 أكتوبر 2014

تحقيق استقصائي

المصري اليوم   الوقاية خير من العلاج، جملة دارجة ترددها الألسن، وتحفظها الآذان، غير أنه على أرض الواقع ليس لهذه الجملة محل من الإعراب فى قاموس المسؤولين، خاصة داخل القطاع الصحى.

تتكبد الدولة سنويا عشرات المليارات نتيجة تقديم العلاج لمن يسكن أجسادهم المرض، نتيجة الإصابة بفيروس قاتل أو مرض عضال، ورغم أن فاتورة دعم العلاج تزداد عاما بعد الآخر، فإن المسؤولين بدلا من أن يسعوا لتفعيل آليات الوقاية، راحوا يعبثون بحياة المرضى، تاركين يد الإهمال تفترس الأصحاء، وتقضى على حلم من يبحث عن الشفاء.

النفايات الطبية صورة ماثلة لأوجه الإهمال داخل القطاع الطبى، مخاطر عدم التخلص الآمن من هذه النفايات لا تقتصر على الإنسان، وإنما تمتد للبيئة، نظراً لأن مخاطرها تصاحبها حتى بعد التخلص منها بطرق تقليدية، حيث تتسبب فى انتشار الأمراض والأوبئة.

لم يجن رضا يونس من عمله فى جمع القمامة وتنظيف الشوارع بمنطقة المجزر بمدينة المنصورة بالدقهلية سوى المرض، بعد أن قضى ثلث سنوات عمره الـ٥٥ بين قاذورات الشوارع ومقالب القمامة العمومية.

يونس يقاوم الآن فيروس التهاب الكبد الوبائى (سى) المصاب به منذ وخزته «سرنجة» ملوثة بيده أثناء العمل نتيجة ضعف نظام فرز النفايات الطبية الخطرة فى المستشفيات والعيادات وغياب معدات السلامة للعمال.

«إحنا ضحية، إحنا أكتر فئة بتتصاب بالأمراض، لأن المستشفيات والعيادات ترمى المخلفات الطبية فى القمامة العادية»، كلمات قليلة لخص بها الرجل الخمسينى معاناة عمال القمامة بالدقهلية، حيث يسكن نحو ٦ ملايين نسمة، تختزل قصة فشل تطبيق قانون البيئة لعام ١٩٩٤ وتعديلاته لعام ٢٠٠٥، فيما يخص إدارة النفايات الطبية الخطرة فى المستشفيات الحكومية، الجامعية والخاصة، من حيث جمعها ونقلها وإعادة تدويرها وِالتخلص الآمن منها.

وتنتشر فى مقالب القمامة بالمحافظة عبوات المحاليل والحقن المستعملة وأكياس الدم الملوثة وبقايا الأنسجة، حيث تملأ القمامة العادية الملقاة فى الشوارع، ناهيك عن أعضاء بشرية مستأصلة وأجنّة وآثار الزئبق السام. «حسبما رصدت معدة التحقيق على مدى عام كامل».

يرتطم عمال النظافة بهذه الأدوات وسط القمامة، ما يعرضهم – وبالتبعية أسرهم – لخطر الإصابة بأمراض خطيرة مثلما حدث مع يونس.

وتنذر حالة الفوضى وتداخل الصلاحيات بين وزارات الصحة والتعليم العالى والبيئة بتفاقم المشكلة، ويساهم فى ذلك تجاهل المستشفيات لبنود الدليل القومى لمكافحة العدوى، الذى وضعته وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عام ٢٠٠٤.

هذه القوانين والتعليمات مثالية على الورق، لكن تطبيقها شبه معدوم. المادة ٢٩ من قانون البيئة تحظر التعامل فى المخلفات الطبية الخطرة دون ترخيص من السلطات الإدارية المسؤولة؛ وهى الإدارة العامة لصحة البيئة بوزارة الصحة والسكان. وتصل عقوبة المخالفين إلى السجن خمس سنوات على الأقل وغرامة لا تقل عن ٢٠ ألف جنيه ولا تزيد على ٤٠ ألف جنيه، وفق نص المادة ٨٨ من القانون.

لكن غالبية المحاضر المحررة حيال المخالفين لم تطبق، وإن طبقت فعقوبتها ضعيفة وبالكاد تصل إلى ١٠٠٠ جنيه؛ أى الحد الأدنى لعقوبة إلقاء القمامة العادية- وليست الخطرة – فى الشارع.

يوجد فى محافظة الدقهلية ٦٠٢ منشأة طبية حكومية تتبع وزارة الصحة، بين مستشفيات عامة ووحدات صحية، إلى جانب ١٦ منشأة حكومية أخرى تابعة لهيئة التأمين الصحى و٩ مراكز طبية ومستشفيات تابعة لجامعة المنصورة، وهناك أيضا ٥٠٣٨ منشأة صحية خاصة، بحسب بيانات مديرية الصحة بالمحافظة.

تفرز هذه المنشآت نحو ١٩ ألف كيلو جرام يومياً من مخلفات الرعاية الصحية، وفق تقرير صادر من جهاز شؤون البيئة بالمحافظة فى نهاية عام ٢٠١٣.

«المصرى اليوم» تمكنت من توثيق مخالفات منظومة التخلص الآمن من النفايات الطبية الخطرة بزيارات ميدانية شملت ٢٢ مستشفى وعيادة منها ٩ مراكز طبية تابعة لجامعة المنصورة و٥ مستشفيات ووحدات صحية تابعة لوزارة الصحة و٨ مستشفيات وعيادات خاصة.

وتركزت المخالفات، وفق الرصد الميدانى، على عدم التزام منشآت طبية بالحصول على تصريح لتداول النفايات، وعدم فرز النفايات من المنبع وفصلها بغرف وسيطة، يضاف إلى ذلك عدم الاحتفاظ بسجلات بيئية وسجلات تسليم وتسلّم النفايات والتخلص من النفايات الطبية فى أكياس قمامة عادية ثم إلقائها فى المقالب العمومية.

وتبدأ محطة الخلل الأولى فى الأقسام الطبية «غرف المرضى»، حيث يشترط الدليل القومى لمكافحة العدوى وضع المخلفات الصلبة العادية كالورق والصناديق وأوانى الطعام- حوالى ٨٠ % من القمامة- داخل أكياس سوداء، أما النفايات الخطرة والمعدية والملوثة بسوائل الجسم وما ينتج عن غسيل الكلى ومخلفات التشريح والمحاقن والمواد المشعة ومخلفات الزئبق السام، فتلقى داخل أكياس حمراء يكتب عليها اسم المستشفى والقسم ووزن الشحنة.

يضاف لذلك فئة ثالثة من المخلفات الحادة كالمشارط والمحاقن التى يشترط أن توضع داخل عبوات بلاستيكية أو كرتونية منفصلة ومغلقة بإحكام.

لكن ما يحدث على أرض الواقع يتنافى مع ذلك، وفق ما رصدته معدة التحقيق بجولاتها الميدانية؛ إذ تلقى النفايات مباشرة فى مقالب القمامة العامة لتختلط المخلفات الطبية الخطرة والعادية بشكل عشوائى، وتهدد بذلك صحة عمال جمع القمامة وجميع سكان المناطق المحيطة، فى خرق للدليل القومى الإرشادى.

الدليل القومى والإرشادى يُلزم المستشفيات والوحدات الصحية بنقل أكياس وعبوات النفايات الطبية الخطرة والحادة إلى غرفة وسيطة داخل كل منشأة طبية فى مكان مستقل جيد التهوية. ويشترط احتواؤها على مصدر مياه ليتم حصر المخلفات وفرزها قبل إقرار كيفية إعدامها، بوجود سجل تسلم تدوّن فيه النفايات الواردة مع بيان الوزن. بعد ذلك تكلف لجان رقابية من جهاز شؤون البيئة ووزارة الصحة بالتأكد مرة كل شهر من تطابق هذه البيانات مع سجلات المحارق والمفارم للتأكد من عدم حدوث تسريب أو مخالفات لكيفية إعدامها، بوجود سجل تسلم تدوّن فيه النفايات الواردة مع بيان الوزن. بعد ذلك تكلف لجان رقابية من جهاز شؤون البيئة ووزارة الصحة بالتأكد مرة كل شهر من تطابق هذه البيانات مع سجلات المحارق والمفارم للتأكد من عدم حدوث تسرب أو مخالفات.

ولا توجد بمحافظة الدقهلية سوى ١١ محرقة أنشأتها الحكومة بمستشفيات عامة ومحرقة خاصة واحدة أنشأتها جمعية خيرية أهلية؛ جمعية الشبان المسلمين، ومن هذه المحارق هناك محرقة لا تعمل؛ لأن أهالى المنطقة يرفضون تشغيلها؛ خوفا على السلامة العامة.

أما المنشآت الطبية التى لا تحوى محارق فيفترض بها إرسال نفاياتها الخطرة إلى مستشفيات بها محارق مرخصة من وزارة البيئة بسيارات تحمل حاويات محكمة لمنع تطاير المخلفات، وبعد الحرق أو الفرم يدفن الناتج فى مدفن صحى.

ونتيجة لضعف الرقابة وغياب المساءلة، يتجه وسطاء وعمّال مكلفون بالتخلص منها إلى بيعها لجهات تعيد تدويرها مستغلة حالة الفوضى.

يقول عامل النظافة مصطفى الباز: «الحاجة وقلة الدخل تدفعنا لجمع المخلفات ثم بيعها ونجمع مخلفات البلاستيك ومنها عبوات المحاليل وجراكن الغسيل الكلوى والسرنجات البلاستيك ونبيعها بـ ٢.٥ جنيه للكيلوجرام لأم حمادة التى تؤجر مقلب قمامة سندوب، وهى تبيعها بدورها لأصحاب مصانع البلاستيك وتجار من القاهرة مقابل أرباح هائلة، ويمكن يكون اللى بنعمله غلط لكن الحكومة مش حاسة بينا».

ورفضت أم حمادة التعليق على كلام عامل النظافة مكتفية، بالقول: «أنا باشترى أى حاجة بلاستيك من أى حد وكله بيسترزق. إنتم ليه عايزين تقفلوها فى وش الناس».

ولم تسجل أى مخالفات ضد أم حمادة لأنها تؤجر المقلب بشكل قانونى، ولها أن تفرز فيه القمامة بينما تكون الرقابة على المستشفيات فقط.

وكشف تقرير سرى صدر عن جهاز الرقابة الإدارية فى الربع الأول من عام ٢٠١٤ عن وجود كميات كبيرة من النفايات الطبية الخطرة بمقالب القمامة العمومية بالدقهلية، وتجنيب فرز المواد البلاستيكية الناتجة عن النفايات؛ تمهيداً لبيعها وإعادة تصنيعها رغم خطورتها الشديدة على حياة المواطنين، الأمر الذى يؤكد وجود تسريب فى كمية النفايات الناتجة عن المستشفيات دون التخلص منها بطريقة آمنة.

ويكشف تقرير الرقابة الإدارية أن المنشآت الطبية التابعة لجامعة المنصورة لم تحصل على ترخيص بتداول النفايات الطبية الخطرة «جمعها والتخلص الآمن منها»، وفقا لما نص عليه القانون.

وتعليقا على ذلك يقول مدير الشؤون الإدارية بمستشفيات جامعة المنصورة أشرف سرحان: «لم نكن نعلم أن هناك شيئاً اسمه تصريح بتداول النفايات الطبية، وعندما وردت ملاحظات جهاز شؤون البيئة، تقدمنا بطلب لمديرية الصحة بالمحافظة للحصول عليه منذ شهر فبراير الماضى، وحتى الآن لم يصدر التصريح».

ويرد الدكتور مجدى حجازى، وكيل وزارة الصحة بالمحافظة: «لم يصلنا أى طلب بهذا الشأن. فكل ما وصل لنا من الجامعة هو خطاب وحيد يطلب التخلص من نفايات قسم الباثولوجى (الأنسجة البشرية). وطلبت الوزارة موافاتها بالكمية المطلوب التخلص منها لكن للأسف لم ترد الجامعة».

ويتم التخلص من هذه المخلفات بطريقة غير سليمة، بالمخالفة للمادة السادسة من العهد الدولى الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والمادة ١٢ من العهد الدولى الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللتين تكفلان الحق فى الحياة والعيش فى بيئة صحية سليمة.

وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن استخدام محاقن ملوثة تسبب فى ٢١ مليون إصابة بفيروس(B) فى العالم أى بنسبة ٣٢ % من إجمالى الإصابات الجديدة ومليونى إصابة بفيروس (C) بنسبة ٤٠ % و٢٦٠ ألف إصابة بالإيدز أى بنسبة ٥ % من إجمالى الإصابات الجديدة.

وتبيّن من الجولات الميدانية خلال مدة التحقيق أن غالبية المستشفيات والعيادات سواء الحكومية أو الخاصة لا تلتزم بتطبيق قانون البيئة ولا بتعليمات الدليل القومى لمكافحة العدوى.

تشترط منظمة الصحة العالمية فرز وفصل النفايات الطبية من المنبع بدءا بسرير المريض وتحديد كيفية فرزها وفق الجدول الملحق.

مشاهد خلط النفايات الطبية بالعادية تكاد تكون ظاهرة عامة فى المستشفيات العامة والخاصة بما فيها مستشفيات جامعة المنصورة وطلخا العام ووحدة طب الأسرة بأبو الأخضر، التابعة لوزارة الصحة، وبجميع المستشفيات والعيادات الخاصة التى تم رصدها.

فى مستشفى جامعة المنصورة، تسللت معدة التحقيق للجرار رقم ٦٥٠٦٧ / ١٣ الذى ينقل المخلفات الصلبة والعادية إلى مقلب القمامة العمومى فى سندوب وفتحت بعض الأكياس السوداء الخاصة بالقمامة العادية فوجدت بداخلها مخلفات طبية خطرة منها محاقن وقطن وشاش ملوث وعبوات محاليل بلاستيكية. كما عثرت داخل بعض الأكياس السوداء على أكياس ملونة معبأة بمخلفات طبية خطرة. ثم وثقت بالصور مخلفات الفرم والتعقيم ضمن المخلفات الصلبة، فى مخالفة صريحة لدليل مكافحة العدوى.

سيد سائق الجرار يقول: «مهمتى أن أنقل المخلفات إلى مقلب سندوب وليس لى شأن بما تحويه الأكياس، هذه مسؤولية عمال النظافة والممرضين والممرضات بمستشفى الجامعة».

لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ رصدت «المصرى اليوم» داخل ساحة مستشفى جامعة المنصورة مرتين إحداهما فى شهر فبراير والأخرى فى يونيو ٢٠١٤، أكياسا حمراء معبأة بمخلفات طبية خطرة متناثرة بالساحة وبجوار سورها الداخلى.

وتخلو الدقهلية من أى مدفن صحى. ففى مصر كلها لا يوجد سوى مدفن صحى واحد بمحافظة الإسكندرية، حسبما يقول مدير إدارة التخلص الآمن من النفايات الطبية الخطرة بمديرية الصحة بالمحافظة الدكتور رفعت السنباطى، ومدير جهاز شؤون البيئة بقطاع شرق الدلتا د. هشام ربيع.

«يصعب التعامل مع هذا المدفن بسبب بعد المسافة وزيادة التكلفة لأن تكلفة النقل ١٠٠٠ جنيه للطن والمدفن يحصل على ٥٠٠ جنيه مقابل دفن طن واحد من النفايات»، حسبما يضيف السنباطى، لافتا إلى الاعتماد على الحرق فى مستشفيات وزارة الصحة والفرم فى مستشفيات جامعة المنصورة. أما المستشفيات والعيادات الخاصة فتتعاقد مع محرقة واحدة ضمن مستشفى الشبان المسلمين، إحدى الجمعيات الأهلية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.

ورغم أن من شروط إصدار ترخيص مستشفى أن يتعاقد مع محرقة للتخلص من النفايات الطبية الخطرة، يؤكد عدد من مديرى المستشفيات الخاصة أن محارق وزارة الصحة ترفض التعاقد مع المستشفيات الخاصة، وبالتالى لا يكون أمام الأخيرة سوى محرقة مستشفى الشبان المسلمين.

ويرد السنباطى على ذلك: «المستشفيات والعيادات الخاصة هى التى لا تريد التعاقد مع المحارق التابعة لمديرية الصحة؛ لأن تكلفة نقل النفايات منها لتلك المحارق مرتفعة». ويوضح أن مديرية الصحة ومحارقها تمتلك شاحنات كبيرة لنقل النفايات من مستشفيات الصحة للمحارق، ولا تمتلك مركبات صغيرة لكميات المخلفات المحدودة التى تنتجها مستشفيات خاصة.

ويظهر جليا خلال عام- مدة إنجاز التحقيق- تقصير كبير فى تطبيق تعليمات الدليل القومى لمكافحة العدوى وقانون البيئة.

ففى مستشفى المنصورة الجامعى يتم وضع مخلفات قسم المخ والأعصاب بجميع أنواعها فى أكياس سوداء ووفق تقرير صادر من جهاز شؤون البيئة بتاريخ ١٩ أغسطس ٢٠١٤، يظهر تباين فى أوزان النفايات الخطرة المتولدة من الأقسام المختلفة وبين تلك التى يجرى تسليمها لوحدة الفرم والتعقيم، ويكشف الفارق بين الأوزان عن عجز فى كمية النفايات الواردة إلى المحرقة، حيث كانت أقل من الكمية المتولدة من المستشفى بنحو ٥٠٠ كيلوجرام فى المرة الواحدة، بحسب نفس الـتقرير.

يقول الدكتور أسامة الباز، مدير عام مستشفيات الجامعة: «هذا الفارق يدل على وجود تسريب من النفايات الطبية الخطرة إلى العادية ولكن لا يوجد دليل ملموس على ذلك؛ لأننا لا نعلم أين ذهبت تلك الكمية».

ويضيف د.الباز «تجنباً لذلك، أصدرت القرار رقم ١٣٩ بتاريخ ٦-٩-٢٠١٤ بإلزام جميع العاملين بفصل النفايات من المنبع وإحالة المخالف للمساءلة القانونية بالإضافة لحظر خروج النفايات العادية لمقلب القمامة العمومى إلا بمصاحبة موظف أمن يتم تغييره أسبوعيا».

لكن حديث مصدر مسؤول بجامعة المنصورة رفض الإفصاح عن اسمه يدحض هذا الكلام. إذ يقول: «الجامعة ليست لها رقابة مباشرة على المستشفيات التابعة لها. وأى مخالفات يتم رصدها تكتب بها ملاحظات ثم تبعث لمدراء المستشفيات».

يعود الدكتور الباز ليرفض هذا الكلام قائلا: «نحن لا نعيش فى جزيرة منعزلة، نخضع لرقابة الجامعة وجهاز شؤون البيئة»، مؤكدا «إحالة العديد من المخالفين للنيابة»، دون أن يذكر عددهم.

لكن التقرير السرى الصادر عن جهاز الرقابة الإدارية فى الربع الأول من عام ٢٠١٤ يتحدث عن تكدس نفايات خطرة واختلاطها بالمخلفات العادية بغرفة التخزين الخاصة بمستشفيات الطوارئ والجهاز الهضمى والأطفال والباطنة التخصصى بجامعة المنصورة.

بل إن التقرير يشير إلى قيام عاملين بالمستشفى بفصل العبوات البلاستيكية فى أكياس، تمهيدا لبيعها بالسوق، فضلا عن عدم انتظام التسجيل بسجلات تداول النفايات الطبية الخطرة.

ووصل الأمر إلى حد الاحتفاظ بأكياس دم منتهية الصلاحية وفاسدة – بما تحويه من فيروسات – فى ذات الثلاجات التى توضع بها أكياس الدم الصالحة فى مركز الجهاز الهضمى بجامعة المنصورة. كما كشف التقرير عن عدم التخلص من أكياس الدم غير الصالحة بمستشفى الطوارئ وعدم انتظامها بإعداد محاضر بإعدام النفايات الخطرة.

وفى أكتوبر من العام الماضى حررت لجنة بيئية محضرا للشركة المصرية لنقل النفايات الطبية الخطرة بعد أن رصدت إحدى سياراتها عقب خروجها من محرقة الشبان المسلمين، وهى محملة بأكياس مليئة بنفايات طبية خطرة يفترض أن تكون سلمتها. وتبين أن السيارة سلمت ٢.٧ كيلو جرام من النفايات بينما أبقت بها على ٤٢ كيلو جراما. ولايزال المحضر قيد التحقيق فى النيابة حتى الآن.

ورصدت معدة التحقيق خلو معظم المستشفيات من السجلات البيئية وسجلات المخلفات الصلبة، كما يقضى قانون البيئة. وإن وجدت فتصنيفها غير منتظم.

المادة ٣٣ من قانون البيئة تشترط «على صاحب المنشأة الصحية التى ينتج عن نشاطها مخلفات خطرة الاحتفاظ بسجل هذه المخلفات وكيفية التخلص منها وكذلك الجهات المتعاقد معها». ويعاقب المخالفون لهذه المادة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ٢٠ ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

أما عقوبة من يلقى مخلفات طبية فى الأماكن غير المخصصة لها فهى السجن مدة لا تزيد على سنة وغرامة لا تقل عن ٥ آلاف جنيه ولا تزيد على ١٠٠ ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وقال الدكتور هشام ربيع، مدير جهاز شؤون البيئة بقطاع شرق الدلتا، إن العقوبات الواقعة على المخالفين ضعيفة، مطالباً بتغليظها مع تخصيص دوائر قضائية خاصة بقضايا البيئة، مشيراً إلى أنه يتم تطبيق الحد الأدنى من الغرامة وهى ألف جنيه على جميع المخالفات التى رصدها الجهاز وحرر بها محاضر، وهى الحد الأدنى لعقوبة إلقاء مخلفات القمامة الصلبة العادية فى الشارع.

وبرر أحد أعضاء النيابة العامة: «نلجأ لتوقيع الحد الأدنى لأن صياغة المحاضر من قبل جهاز شؤون البيئة ضعيفة ولا تحدد المخالفة بوضوح ولا المتسبب فيها أو المسؤول عنها ولو تم تحويل تلك المحاضر للقضاء لحصل أصحابها على البراءة».

وطالب المستشار بسام عبدالكريم، رئيس محكمة استئناف طنطا، بتنظيم دورات تثقيف لوكلاء النيابة والقضاة، ذلك أن العديد منهم لا يدركون مخاطر تسريب النفايات الطبية إلى الشوارع وسط القمامة.

ويلخص عامل النظافة مصطفى الباز ما يراه بعينه كل يوم قائلاً: «أى صندوق زبالة قريب من عيادة أو مستشفى خاص يكون مليان بأكياس جواها مخلفات طبية خطرة»، وهو ما أكدته المهندسة لبنى عبدالنبى، مدير عام شؤون البيئة بشرق المنصورة قائلة: «للأسف مستشفيات خاصة كثيرة تلقى مخلفاتها الطبية الخطرة فى صناديق القمامة العادية، وعندما نجرى تفتيشاً عليها نجد السجلات مضبوطة ومكتوبا فيها أنه تم التسليم للمحرقة. لكن الواقع يؤكد أنها تلقى نفايات فى الشارع».

طلبت عبدالنبى من وكيل وزارة الصحة استصدار قرار بغلق المستشفيات المخالفة، لكن دون جدوى. لم يصدر أى قرار بالغلق خلال السنوات الخمس الماضية رغم كثرة المخالفات، على ما تشتكى.

إلا أن وكيل وزارة الصحة بالدقهلية الدكتور مجدى حجازى يشرح بأن قرار غلق أى منشأة صحية خاصة – جزئيا كان أو كليا – لا يصدر إلا من المحافظ أو سكرتير عام المحافظة بحسب تقرير بالمخالفات يصدر عن لجان مشتركة من جهاز شؤون البيئة والصحة وإدارة البيئة بالمحافظة أو الأحياء، ويتهم المحليات بالتقصير فى مراقبة ومتابعة المستشفيات المخالفة.

ورغم صدور قرار من وزير الصحة برقم ٢٧٣ لسنة ٢٠١٠ لتنظيم التعامل مع النفايات الطبية الخطرة بالمنشآت الطبية.. إلا أنه لم ينفذ فى أى من المستشفيات التى تم رصدها خلال التحقيق.

القرار ينص على ضرورة نقل النفايات الطبية الخطرة إلى أماكن الحرق أو الفرم أو التعقيم أو أى وحدات معالجة بواسطة سيارات نقل النفايات الخطرة ثم نقلها بعد معالجتها إلى أماكن التخلص النهائى.

كما يشترط القرار أن يتولى الإشراف على خطة إدارة النفايات الطبية الخطرة لجنة تجتمع كل شهر لرسم السياسة العامة لوحدة التخلص من النفايات الطبية ومتابعة تنفيذها.

بينما يقول الدكتور هشام ربيع، مدير جهاز شؤون البيئة: «للجهاز دور مهم فى الرقابة على التخلص الآمن من النفايات الطبية الخطرة، ولكن تشاركنا المسؤولية وزارة الصحة باعتبارها الجهة الإدارية المختصة طبقا للقانون».

لكن وكيل وزارة الصحة د. حجازى، يؤكد أن دور وزارة الصحة إشرافى فقط، خاصة على القطاع الخاص قائلا: «الرقابة الأساسية لجهاز شؤون البيئة لأن من حقه أن يراقب العمل داخل مديرية الصحة ومستشفياتها وأن يحرر لها المخالفات والمحاضر»، ويضيف: «فى مستشفيات وزارة الصحة إذا تم ضبط مخالفات فى أقسام معينة مثل عدم فصل النفايات أو إلقائها على الأرض فإن المخالفة تقع على عاتق رئيس القسم وطاقم التمريض والعمال بالقسم ودائما تكون العقوبات إدارية وليست جنائية».

أما مستشفيات الجامعة «فليس لنا سلطة عليها ونرفع تقاريرنا حول عملها إلى وزير الصحة وهو يرفعها بدوره لوزير التعليم العالى».

من جانبه، يؤكد مدير عام مستشفيات الجامعة د. الباز أن مسؤولية مخالفة فصل النفايات الطبية أو تسريبها يتحملها فريق العمل المناط به تلافى المخالفة.

ويضيف «فى الأقسام تكون هناك مدبرة وهى مسؤولة عن إدارة القسم ومتابعة عمل التمريض والعمال وأى تقصير أو مخالفة فيما يخص فصل النفايات تحاسب عليه ويمكن أن تصل العقوبات إلى التحويل للنيابة»، ولم يذكر حالة واحدة تم تحويلها للنيابة.

ووسط هذه المتاهة وتداخل الصلاحيات يبقى عاملو القمامة وأسرهم عرضة للمخاطر والمحظوظ منهم من يفلت من إصابة عمل أو وخز من حقنة ملوثة.

أنجز هذا التحقيق تحت إشراف «أريج».. صحفيون من أجل صحافة استقصائية عربية «مشروع الإدارة المحلية» بالمحافظات


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *