تحقيق: حنان الكسواني
شباب أردنيون في عداد مفقودي الهجرة غير الشرعية
عمان– تحت ستار السرية، ينشط “سماسرة” في سوق يبيع “الأحلام”، ضحاياه شباب، يحملون أرواحهم على أكفهم وهم يطاردون خيط دخان، لشراء “الأمل”، لكنهم لا يلبثون أن يكتشفوا أنهم لم يحصلوا سوى على “أوهام”.
في الخفاء وبعيدا عن أعين الرقابة، تنشط شبكات تهريب بشر دولية، أبطالها سماسرة أردنيون وعرب يعملون بأسماء مستعارة، يحتالون من خلال عرض أوهام “بلاد السمن والعسل” على شباب تقاذفتهم ضروب الحياة.. شباب أثقل كاهلهم ضنك العيش، فسارعوا إلى دفع “تحويشة” العمر، دون أن يدروا أنهم اشتروا “أكاذيب” غالبا ما ستفضي بهم إلى طريق “الموت” أو “الضياع” في البحار والغابات الأوروبية.
ووسط عجز تشريعي، جراء “ثغرات” قانونية عديدة، تدور منذ سنوات رحى جريمة تصل حد “الاتجار بالبشر”، دون القدرة على إثبات أركانها، وفك طلاسم “شيفرتها” الموصوفة محليا، كما دوليا، بـ”الهجرة غير الشرعية”.
تبدأ الحكاية، بعد تجاوز “زبائن الوهم” للحدود الأردنية، هناك حيث تتغلغل أذرع شبكات التهريب الدولية بين الدول العربية والأوروبية، إذ يعمل السماسرة على حبك قصة أشبه بفيلم “التهريب”، من حيث تجهيز الأوراق الرسمية التي تقنع حراس حدود دول مجاورة للأردن بتجاوزها.
وقبل ذلك، ينشط السماسرة في مناطق شعبية، في قلب عمَان وإربد والزرقاء على وجه الخصوص، يتعاونون كـ”مجندين” مع نظراء لهم في دول أوربية لرسم خريطة السفر، والتهريب، من بلدان أغلبها لا تطلب تأشيرة سفر للأردنيين، كتركيا ولبنان ومصر، ليصار الى تأمين المهاجرين الشباب لـ”جماعة ” تنتظرهم في دول العبور (الترانزيت).
ويكمن عمل هذه “الجماعات” المجهولة الشخصية بالنسبة للمهاجر الأردني، بتأمين قطار او “قوارب الموت”، وتسليمهم إقامات مزورة من دول أوروبية تحمل أسماءهم وصورهم ليجتازوا بها تلك الحدود، وغالبا ما يقوم بإرسالها متعاون عربي مقيم في أوروبا بعد أن يتم تحويل حصته من المبلغ المالي الإجمالي.
غير أن العملية الأكثر صعوبة، وهي ذات ضمانة عالية في عالم السماسرة، تتمثل في تحويل جنسية المواطن الأردني إلى “سورية” مقابل ثلاثة آلاف دينار أردني، ما يساعد “المهاجرين” على طلب الحق في اللجوء السياسي أو الإنساني في حال وصولهم لأي دولة أوروبية.
على أن الخروج من الأردن يتم بـ”طريقة شرعية”، وباستخدام جواز السفر الأردني ساري المفعول، وهو الأمر الكفيل وحده، بحسب مصادر أمنية أردنية تحدثت إليها “الغد”، بأن يحيل كل من يجري في فعل “اتجار بالبشر” إلى “ضرب من الاحتيال والنصب والتزوير”.
شيفرات خاصة بالسماسرة
تقمصت معدة التحقيق دور سيدة تسعى إلى “شراء” هجرة لأشقائها، الذين قام بدورهم شباب متطوعون، وتواصلت معدة التحقيق بشأنهم مع “متعاون” أردني مع المهربين، مقيم في أوروبا، تبين لاحقا أنه وسيط بين الطرفين: الشباب الراغب بالهجرة، ووسطاء إصدار التأشيرات.
كان التواصل السري عبر تطبيق “الواتسب” بين مندوبة “الغد” و “السمسار”، الذي تعهد بتسهيل المهمة عن طريق ترتيب لقاء، بهدف إصدار تأشيرة (شنغن) من إحدى السفارات الأوروبية في عمان.
وبعد انتظار وسلسلة من المراسلات والاتصالات الهاتفية، تلقت “الغد” رسالة نصية من الثلاثيني سامي (اسم مستعار للسمسار) مفادها: “انه تم الاتصال بصديق في الأردن … وهو سيرتب الأوراق والحجوزات المطلوبة بالإضافة الى كشف بنكي”، وأن “2000 دينار سعر التأشيرة هو أفضل عرض ممكن الحصول عليه”.
استغرقت الاتصالات قرابة الشهرين لإقناع السمسار بالموافقة على لقاء مندوبة “الغد”، في منزله بإحدى المناطق الشعبية العمّانية، والذي طلب 1000 دينار دفعة مقدما، قبل أن يبدأ بعملية إصدار التأشيرة السياحية، وألف دينار بعد الحصول عليها، غير أن هذا السعر غير شامل رسوم التأشيرة وتذكرة السفر.
في المقابل، تعهد الكفيل الأردني باستقبال معدة التحقيق، وبعض الشباب المرافقين، وهو الآن مقيم في مخيم للاجئين في إحدى الدول الأوروبية، حيث تمكن من الهرب من إيطاليا مستقلا القطار، وقال: “سيتم تزويدكم بآلية الوصول من الألف الى الياء وحتى طلب اللجوء…. لا تقلقي لكن المغامرة تحتاج قوة قلب وإصرار”، وفق رسالة أخرى عبر تسجيل صوتي خاص.
بدوره، شجع الكفيل فريق “الغد” على استخدام هذه الطريقة في حال توفر المبالغ المالية، كونها الأكثر ضمانة بين طرق الهجرة غير الشرعية، مؤكدا أن “الإقامة ستصدر له ولزوجته التي تحمل جنسية عربية خلال 8 أشهر، لكن أصعب مرحلة من البهدلة هي أول شهرين لحين يتم توزيعنا على المقاطعات”.
وشرح سامي، بعد أن بات لاجئا، عن الامتيازات التي تقدمها الدولة الأوروبية، والتي فضل عدم ذكر اسمها، قائلا: “عند الوصول تمنح المساعدات العينية للاجئين مثل الطعام والشراب والغطاء وبقية المستلزمات مع السكن في الكامب”.
أما عن طبيعة المساعدات للاجئين، بعد قبول طلب اللجوء، فتتمثل “بتوفير سكن وتوزيعهم على البلديات، ثم يتم منح اللاجئ راتبا شهريا يبلغ 900 إلى 950 يورو للشخص الأعزب، ومن 1300 إلى 1400 يورو للعائلة، ويدفع مع الراتب 50 % من قيمة إيجار المنزل، و50 % من قيمة التأمين الصحي، وفواتير الماء والكهرباء يدفعها اللاجئ كاملة”.
وبالسؤال عن “البصمة الأوروبية”، أكد سامي أن بعض الدول تتغاضى عن البصمة، حسب حالة اللاجئ والأسباب التي يقدمها، وحسب الحالة المزاجية للمحقق بدائرة الهجرة، مضيفا: “توقعاتي أن كافة الولايات الألمانية تتغاضى عن البصمة الخاصة باللاجئين السوريين والفلسطينيين والعراقيين إذا تمكنوا من الوصول الى أوروبا”.
أما بالنسبة لتلافي التعرض لخطر البحر أو الغابات أثناء السفر، خصوصاً للأشخاص الذين يصطحبون عائلاتهم معهم، إضافة الى سرعة الوصول، وعدم الخوف من “بصمة دبلن”، فجميعها ميزات للجوء من خلال الفيزا، حسب سامي الذي أوضح أن “شنغن” هي مصدر ثقه وأمان عندما تكون صادرة عن السفارة أو القنصلية للدول الأوروبية في الأردن.
ولحين توفير المبالغ المالية للحصول على تأشيرة “شنغن” رسمية، توجهت معدة التحقيق برفقة فريق شبابي متطوع، الى منزل أحد السماسرة في إربد، بعد أن تم إيهامه بالرغبة بالهجرة.
جاء ذلك بعد سلسلة من اتصالات هاتفية، وعبر “الواتسب” تخللتها “شيفرات” لا يستطيع فكها غير الطرفين فقط، ومع كل اتصال كانت التأكيدات تتكرر حول ضرورة اتباع السرية والحذر.
الاتصال الأول من قبل فريق “الغد” مع السمسار الأردني، قابله السمسار أبو رائد (اسم مستعار) بالتهرب، قائلا: “من أعطاك رقمي، أنا لا أعمل في هذا الطريق”، غير أننا ذكرنا له اسم أحد الشباب المهاجرين من إربد، وهو (مراد)، وأعطيناه أوصافا عامة له، فرد علينا بتردد: “ابعث لي اسمك الرباعي برسالة نصية وسأعاود الاتصال بك”.
توسلنا إليه كثيرا بأن يساعدنا، زاعمين بأن “الأوضاع الاقتصادية صعبة في الأردن، وأن الخلاص من هذه المعاناة سيكون بالسفر بأي طريقة، من دون ذكر كلمه “تهريب” أو “هجره غير شرعية”.
وبينما ساد الصمت قليلا بيننا على الهاتف، قطع أبو رائد الصمت بسؤاله: “كم عمرك، وهل تعرف لغة إنجليزية، وين بدك تسافر؟”.
وبعد أن جمع أبو رائد المعلومات الأولية البسيطة، قال: “سأرسل لك هاتف من يعمل على ذلك، وانتظر الرد”، واستغرق وقت الانتظار أسبوعا حتى أرسل لنا رقم شريكه عبر خدمة “الواتسب”.
وكانت المفاجأة اكبر من حجم توقعاتنا عندما بدأ أبو رائد نفسه يتواصل معنا عبر” الواتسب”، ورد على بعض أسئلتنا لكن باقتضاب شديد وبكلمات عمومية، فكان رده على سؤال: “هل ستكون الطريقة مضمونة للوصول”، قوله عبارة ” إن شاء الله خير”، أي “مضمونة”، وأما عبارة “حسب الإقامة” فتدل على الطريق التي سنسلكها.
أساليب عملية ونفسية مقنعة
ضعف السمسار الأول أمام الإغراءات المالية، وخاصة أن عدد الراغبين بالهجرة ممن استعانت بهم “الغد” وهم ثلاثة شباب من خريجي الجامعات، أعمارهم ضمن العشرينيات، ومنهم من لا يحمل الجنسية الأردنية، وسيدفعون له مبلغ (9) آلاف دينار شاملة تكاليف الإقامة والسفر.
غير أن السمسار اعتذر من الشاب الغزي محمد (24 عاما)، لعدم قدرته على استصدار تأشيرة سياحية له، مبررا ذلك بأنه “من الصعوبة بمكان استصدار التأشيرة للفلسطينيين والغزيين، والتنقل بين البلدان عبر الترانزيت”، فيما طلب منه أن يبلغ أصحابه بانتظار مكالمة هاتفية منه.
وبعد 15 يوما من الانتظار، وفي حي شعبي بإربد، حدد السمسار أبو الفضل (اسم مستعار) الذي يعمل في قطاع السياحة موعد اللقاء بيننا، وذلك بناء على طلبه، إذ “إن مثل هذا الموضوع لن يناقشه عبر الهاتف”، حسب المكالمة الهاتفية بين الطرفين.
كان تعامل السمسار الأربعيني ومساعده مع فريق “الغد” يتسم بحذر شديد، بعد التعارف والاستفسار عن بلدنا الأصلي، ومكان إقامتهم الحالية، وتعليمهم الجامعي ومهاراتهم المعرفية باللغات الأجنبية.
وبعد عدة لقاءات، طرح السمسار خيارات الهجرة غير الشرعية، وذلك بأن يكون الخروج بتأشيرة سياحية وضمن مجموعة من المهاجرين، على ان يرافقنا هو كدليل سياحي.
والواقع أن تأكيدات السماسرة لـ”الغد” بأن طريقة الهجرة “مضمونة”، وأن آلية تسليم المبلغ المتفق عليه “لن تتم إلا خارج الأردن، حيث سيتم توزيعه على جماعتهم المتعاونين معهم، كما سيتم تحويل مبلغ آخر للسويد لمن سيرسل إقامات غير مزورة تمكننا من تجاوز الحدود”، كلها أساليب عملية ونفسية مقنعة يستخدمها السماسرة لتشجيع الشباب على المغامرة.
في المقابل، لا تعتبر الأجهزة الأمنية هذه الحالات نوعا من أنواع “الاتجار بالبشر” داخل الأردن، لكن “يمكن أن يتعرض الأشخاص في الخارج لظروف تشبه ظروف الاتجار”، حسب مصدر أمني مطلع فضل عدم نشر اسمه لـ”الغد”.
وأشار المصدر إلى أنه تم التعامل مع عدد محدود جدا من هذه الحالات، لكن على أساس أنها قضايا “نصب واحتيال”.
ودعا الى أهمية تقديم شكوى رسمية ضد السماسرة “المحتالين” في الأردن لمتابعتها وتحويلهم إلى المدعي العام، مؤكدا صعوبة متابعة السماسرة والوسطاء خارج المملكة.
وتتناول المادة (153) من قانون العقوبات، “تشديد العقوبة على مرتكب جريمة تهريب الأشخاص بعقوبة تصل إلى الحبس لمدة سنتين على الأقل، أو عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة، وذلك لضمان الردع في مجال تهريب الأشخاص وسلامة الأراضي الأردنية من حالات الدخول أو الخروج غير الشرعي منها وإليها”.
خيارات رحلة الموت
ينشط سوق سماسرة الرحلات غير الشرعية في المناطق الشعبية في عمان والمحافظات، خصوصا في إربد ومناطق الأغوار، وتلك التي ترتفع فيها نسبة العاطلين عن العمل، حيث تعجز الدولة عن توفير فرص عمل كافية ولائقة للشباب.
وحسب أقوال مهاجرين، تحدثت إليهم “الغد” عبر اتصالات هاتفية، سواء منهم من نجا أو وصل إلى السويد أو تمت إعادتهم الى الأردن، فإن السماسرة يقترحون للراغبين بالهجرة عدة خيارات “مقنعة” من خلال شبكة سماسرة دولية، شريطة دفع (3) آلاف دينار عن المهاجر الواحد، شاملة التذاكر والإقامة، ومقسمة على دفعتين أو ثلاثة، بينما يفضل سماسرة دفع المبلغ كاملا (2500 دينار للشخص الواحد غير شاملة تذاكر السفر).
ومن هذه الخيارات يلجأ السماسرة إلى أسلوب التمويه وإخفاء الحقائق، من دون ذكر تفاصيل المناطق وطريقة التنقل فيها للمهاجرين، كأن يكون السفر جوا الى مصر او تركيا ومن خلال سمسار مقيم هناك يتولى إيصالهم الى اوروبا.
أما الطريقة الأخرى فتشمل السفر الى جمهورية البوسنة والهرسك، التي تقع في منطقة البلقان بجنوب شرق أوروبا، ومن ثم يتم نقل المهاجرين الى السويد، وأما الخيار الأخير فيتم عن طريق روسيا الى اوروبا، وهي الرحلة ذاتها التي جربها سمير وزوجته، وتحطمت أحلامهما قبل وصولهما.
ووسط عجز الجهات الأمنية عن فك شيفرات هذه الشبكات، وارتفاع عدد المجازفين بحياتهم للوصول الى الأراضي الإيطالية أو السويدية أو البلجيكية، فإن وزارة الخارجية الاردنية عادة ما تتوسط لفك احتجاز المواطنين الأردنيين، وكان آخرها احتجاز عائلة أردنية لدى السلطات المصرية، وتضم 14 فردا، بينهم 9 أطفال ونساء، وكان أفراد العائلة يحاولون الهجرة “بصورة غير شرعية” إلى إيطاليا، عبر مصر، قبل أن تحتجزهم السلطات المصرية، حسب تصريحات صحافية سابقة لـ”الغد” صادرة عن المتحدثة الرسمية باسم الوزارة صباح الرافعي.
حجوزات وهمية وجواز سفر أحمر
يروي أحد الناجين، الذين تواصلت معهم “الغد” عبر اتصال هاتفي، تفاصيل رحلته “غير الشرعية” إلى السويد عام 2008.
ويقول الشاب الأعزب ربيع (اسم مستعار)، وكان يعمل في مخبز في عمان، إن “القدر وحده ساعدني في رحلتي”، بعد أن دفع لسمسار (2500) دينار غير شاملة تذاكر السفر، مؤكدا أن “عيون الرقابة في الأردن والاتحاد الأوروبي بدأت تتفتح عليهم فانخفض نشاطهم”.
ووفق الثلاثيني ربيع، فإن سمسارا أردنيا أصدر تأشيرة سفر من سفارة أوروبية في عمان ضمن مجموعة سياحية عددها(12) شخصا، وحجز تذاكر وهمية (بودابست -فينا- استوكهولم).
وأضاف “في مطار فينا انتظرنا ساعات طويلة للتحقيق والتدقيق على تأشيرات الدخول، وآنذاك كان الرعب والخوف من الحبس أكبر من هاجسنا بالعودة، غير أنهم سمحوا لنا بالطيران الى السويد، وبمجرد وصولنا الى هناك وبعد أسبوعين طلبنا حق اللجوء الإنساني باعتبارنا سوريين”.
وبدأت دائرة الهجرة تحقق مع مقدمي طلبات اللجوء، وفق ربيع الذي بدأ يسرد مغامرته لنا، بقوله: “دخلنا بجوازات سفر لونها أحمر، وساعدنا مهرب للوصول الى استوكهولم، وتعرضنا للسرقة هناك، ولم نملك كسوريين أي وثائق، وكان جواز السفر الأردني مخفيا عن الأنظار”.
وظل ربيع ومن معه يختبئون وراء الجنسية السورية حتى تمكن بعضهم من الزواج من نساء يحملن الجنسية السويدية، فنجا ربيع من “براثن الموت”، على حد تعبيره، بعد أن تزوج وأنجب طفلتين في السويد، وكذلك بعد أن أقام على أراضيها اكثر من 6 سنوات كلاجئ سوري.
بينما تشير منى (اسم مستعار)، وهي شقيقة لشابين برفقة ابن عمها، ويحملون جواز سفر أردنيا مؤقتا، إلى طريقة اخرى “للهروب من الظروف الاقتصادية الصعبة في عمان إلى هولندا” من خلال الزعم أنهم سوريون.
والحال أنه، نظرا للحرب الدائرة في سورية، وللفوضى التي تعم المنطقة، استغل سماسرة أردنيون هذا الوضع وتعاقدوا مع متعاونين لإصدار إقامات سكن وهويات شخصية مزورة، وصولا إلى إصدار جوازات سفر سورية، تكلفتها الإجمالية للأردني (3) آلاف دينار، وفق منى.
وتضيف: “بعد تسليم الجوازات السورية، وفق الخطة المتفق عليها بين الطرفين، يحتفظ الأردني بجوازه أو يعيده مع السمسار لأسرة “المغامر” حتى يتمكن في حال نجاته من “لم شملها” مستقبلا، إذ تكون الأولوية للنساء والأطفال تحت سن 18 عاما. وتقول منى: “لن يتصور عاقل ما حل بنا، فقد ذقنا الأمرين”، مضيفة: “أكبر مشكله اصطدمنا بها أثناء رحلتنا في غابات هنغاريا (المجر)، مواجهة مصيرنا مع الحيوانات المفترسة، وحبسنا 20 يوما بعد ضبطنا من السلطات الأمنية”، لافتة الى أنه “بعد الإفراج عنا لم تتم إعادتنا بل انضممنا الى صفوف اللاجئين السوريين”.
ويبدو أن أحلام وفرص المهاجرين الباحثين عن الوصول إلى المانيا مروراً بصربيا ومن ثم هنغاريا قلت بعض الشيء، وذلك بعد أن أعلنت هنغاريا مؤخرا إغلاق حدودها مع صربيا لمحاربة ظاهرة “الهجرة غير الشرعية”.
تفاصيل رحلة سمير وزوجته
انطلقت رحلة المواطن الأربعيني سمير وزوجته من عمان عبر طائرة بطريقة شرعية توجهت بهما الى روسيا كسائحين، لكن الاتفاق المسبق كان أن يتم “تهريبهما” الى السويد لغايات الهجرة والإقامة هناك.
“حزمنا حقائبنا وودعنا أسرتنا بالدموع والألم والحسرة على فراق والدتي الطاعنة في السن، لكن احلامنا بالعيش في أوروبا كانت أكبر من عواطفنا”، حسب سمير الذي انضم الى صفوف البطالة منذ أكثر من 10 أعوم.
غير أن سمير لم يدفع كامل المبلغ للسمسار، والبالغ ستة آلاف دينار، شاملة تذاكر السفر والإقامة والتنقل حسب خط الرحلة (موسكو-لتوانيا الأوروبية- السويد)، غير أنه دفع 2000 دينار دفعة مالية تحت الحساب للسمسار.
وما بين مصدق ومكذب للرحلة، يقول سمير لـ”الغد”: “بعد وصولنا للفندق في موسكو أقمنا أربعة أيام، وخلالها التحق بنا السمسار الأردني وبدأت عملية الاتصال مع جماعته وفق الاتفاق المبرم بيننا”.
وأضاف: “فعلا صدق سمسار رحلات الهجرة غير الشرعية الاردني ولحق بنا الى روسيا ودفع المبلغ المتفق عليه لجماعته، إذ تبين أن السمسار الآخر هناك هو من جنسية مزدوجة مصرية وروسية، ومهمته تأمين المسافرين من روسيا الى الحدود اللتوانية مقابل ألفي دينار”.
وكان لعملية إقناع السمسار الأردني لهما، خصوصا وأنه يحمل رخصة دليل سياحة وسفر أردنية، أن هدّأت من روع الزوجين لا سيما عندما بدأ القطار التوجه بهما إلى حدود لتوانيا، فيما تم تزويدهما ببطاقتي إقامة بلجيكية لمدة خمسة أعوام ثمنهما ألفا دينار، تم دفعهما لشخص ثالث أردني مقيم ببلجيكا مهمته إصدار تلك البطاقات المختومة والمروّسة بصورهما وكافة المعلومات المطابقة لجوازي سفرهما الأردنيين.
يقول سمير “كدنا نتحول إلى وجبات غذائية لكواسر البحر بعد أن ابلغنا السمسار المصري –الروسي أنه بعد اجتيازنا الحدود فإن عبارة بحرية ستنقلنا من لتوانيا عبر بحر البلطيق الى السويد، خلافا لما كان متفقا عليه بأن تكون الرحلة جوية، من دون أي تفاصيل، أو اعتذار ليتركنا نواجه مصيرنا وحدنا مع حرس الحدود”.
والأنكى أن سمير كان يجهل ماهية اللغة التي يتحدث بها حرس الحدود في لتوانيا، غير أنه يتقن لغة الإشارة وبعض الكلمات الإنجليزية التي يتذكرها منذ أيام دراسته الثانوية، لكنها تلاشت أمام عناد الحرس ورفضهم السماح لهما بالدخول لعدم حصولهما على تأشيرة.
والواقع أن أحلام الزوجين تحطمت، إذ احتجز حرس الحدود سمير وزوجته نحو 17 ساعة في مكتب صغير يشبه السجن الانفرادي، من دون إبداء أي سبب، حتى توصل الحرس إلى قرار يقضي بإبعادهما الى بلادهما خلال ثلاثة أيام بعد أن اكتشفوا أن البطاقات البلجيكية مزورة.
وبالفعل عاد الزوجان إلى الأردن وهما يجران أذيال الخيبة، برفقة قريب لهما رافقهما في الرحلة، وكان يعمل في “حسبة خضار” في إربد، عاد الثلاثة منهكين جسديا وماديا، ولم يسترد سمير أي مبلغ من السمسار الأردني الذي اكتفى بالقول: “حظكم هيك، جربناها كثير مع غيركم، ووصلوا إلى السويد بسلام”.
وعلى الرغم من ذلك، وعد السمسار سمير، حسب قوله، “أن يقوم بتسفيره بطريقة شرعية أخرى أو إعادة أمواله له”.
على الجانب الآخر فإن الناشطة الحقوقية المحامية سعودة سالم، تشير لـ”الغد”، الى وجود “تقصير من الدولة بمتابعة ملف هجرة الأردنيين للخارج بطرق غير شرعية”، مؤكدة أن “ما يقوم به السماسرة في الأردن والخارج هو نوع من أنواع الاتجار بالبشر”.
وطالبت سالم الدولة بمتابعة هذه الشبكات العالمية (المافيات) التي “تتاجر بأرواح وأموال الشباب مقابل ربح مالي غير مشروع”.
وتضيف: “ثمة نقطة قانونية، تشجع على انتشار هذه الظاهرة وعدم السيطرة عليها، في ظل عدم وجود أي إثبات مادي يقدم للمحكمة لإدانة السماسرة المستغلين للشباب الراغبين بالهجرة”.
وكانت سالم التي تابعت قصصا لبعض حالات من الشباب الذين انقطع الاتصال بهم بعد وصولهم الى أوروبا، اقترحت أن يعقد الأردن اتفاقيات مع الدول المستضيفة أو دول “الترانزيت”، لإعادة المهاجرين غير الشرعيين من الأردنيين بدل إيوائهم في مركز (شلتر) قد لا ترتقي ظروفها الى الحد الأدنى للإنسانية، فضلا عن تعرضهم لاستغلال نفسي وجسدي، خصوصا وأن “القتل والاتجار بأعضائهم البشرية احتمال قائم”، وفق شهادة الصليب الأحمر الدولي ومفوضية شؤون اللاجئين الدولية.
المفقودون لا بواكي لهم
يجهل من ينجح بدخول أوروبا، واقع استغلال أصحاب الأعمال والنساء في حال تزوج المهاجر غير الشرعي من امرأة أجنبية لغايات “قوننة إقامتهم”، فضلا عن عدم تمتعه بحقوق تذكر، إضافة إلى العنصرية التي يواجهها.
كل ذلك يتحمله هؤلاء الشباب لأن هناك ظروفا اقتصادية طاحنة تجبرهم على المخاطرة، وفق ما اشار إليه ربيع لـ”الغد”.
وبينما نجا ربيع و”قونن” نفسه، ما يزال الشاب الثلاثيني مراد من سكان إربد مفقودا منذ شهرين، بعد أن كانت هجرته من مصر الى أستراليا.
وكان مراد تزوج وأنجب 3 أطفال، قبل أن يقرر ترك إربد ليحقق حلمه بالعمل في أستراليا، حسب قول شقيقته لـ”الغد”، والتي أشارت إلى أن أخبار شقيقها انقطعت عنهم ولم يصلهم سوى اتصال من شخص مجهول من مصر يخبرهم أن مراد “وصل مطار هونج كونج ووقع في مشكلة هناك”.
أصيبت والدة مراد بجلطة دماغية أدخلت على إثرها المستشفى، فيما لا تزال تنتظر عودة ابنها الذي اختفى من الأردن بحثا عن مستقبل مجهول.
وتناشد الوالدة أم خالد الجهات الرسمية، ووزارة الخارجية، بضرورة الاستفسار عن ابنها، خشية أن يكون عاجزا عن التواصل معهم.
أما المواطن سمير من إربد، فيرفض تزويد “الغد” بأسماء وهواتف السماسرة، كونه ما يزال يأمل إما باستعادة أمواله أو إيجاد طريقه أخرى مضمونة وناجحة للهجرة غير الشرعية وفق ما تعهد له أحد السماسرة، وليس غريبا، أن يصر على الهجرة بعد أن باع مصاغ زوجته وأثاث منزله المتواضع، وسلم مفتاح شقته المستأجرة لمالكها، معلقا أحلامه بتحسين وضعه الاقتصادي وأسرته الممتدة على هذه المغامرة.
ورغم ذلك، يحاول سمير ويصر على تحصيل حقوقه المالية، وفي حال فشلت مخططات فسيتقدم بشكوى رسمية للجهات الأمنية لاتخاذ الاجراءات القانونية المحلية والدولية بحق “المتاجرين” لوقف نشاطهم “المشبوه”.
وتعد محدودية فرص الهجرة القانونية أمام الاردنيين وعجز الدولة عن توفير فرص عمل لائقة وكافية، خصوصا في ضوء المغريات الاقتصادية والاجتماعية في دول الغرب، أسبابا تدفع الشباب الأردني بشكل خاص للهجرة غير الشرعية، بصرف النظر عن نتائج تلك “المغامرة المرعبة”، حسبما يشير مدير المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض.
ويؤكد عوض أن ما يدفع الشباب ليكونوا ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر، هي تلك القيود الكبيرة المفروضة من قبل الدول المتقدمة على عمليات الهجرة القانونية والطبيعية، وخاصة القادمة من دول تعاني صعوبات ومشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية.
احتيال ونصب وتزوير
وعلى صعيد منظمات المجتمع المدني، يشار الى أن مؤسسة أرض العون القانوني، اعتبرت أن هناك “تجارة بالبشر من قبل مافيات عالمية تمتهن عملية التهريب إلى دول أخرى بطرق غير قانونية، غير آبهة بحياة المتاجرين من حيث نجاح الرحلة وبقاء المهاجر على قيد الحياة أم لا”.
وأضافت: “إن ما يهم هذه المافيات من حيث النتيجة كسب المال، إضافة إلى أساليب العنف والضرب والتهديد والخطف والسرقة التي تمارسها”.
وتحاول منظمات المجتمع المدني والجهات الأمنية حسم الجدل الدائر بينهما حول تصنيف عمل وعقوبة شبكات التهريب الدولية، إذ يقول الخبير الإقليمي في مجال مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب الأشخاص الدكتور مهند الدويكات لـ”الغد” إن “التصنيف يعتمد على الأفعال من استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بغرض استغلالهم. بالإضافة الى الوسائل المستخدمة لارتكاب تلك الافعال وأغراض الاستغلال”.
وفيما يتعلق بالوسائل المستخدمة لارتكاب تلك الأفعال، فتكون من خلال “التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استعمال حالة ضعف، أو بإعطاء أو تلقي مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الأشخاص”، حسب الدويكات.
ويزيد: “أما في حال انقطاع الاتصال بين الطرفين، بعد إيصال المهاجر الى سماسرة آخرين في دولة “الترانزيت”، فهذا يعتبره قانون العقوبات الأردني تهريبا، وإذا تم تزويده بأوراق مزورة من هوية اثبات شخصية وجواز سفر وإقامة، وتقاضى مبالغ مالية عنها فتصنف تحت بندي التزوير والاحتيال”.
و”بذلك، تشكل أفعال شركاء التهريب ثلاث تهم جنائية، هي التهريب والتزوير والاحتيال”، حسبما أضاف الدويكات
الحكومة تضع رأسها بالرمل
ومن الغريب، حسب قول القانونية سالم، أن الحكومة ما تزال “تخبئ رأسها بالرمل” بعدم إقرارها بوجود ظاهرة تستحق الدراسة والبحث عن حلول جادة لمنع الهجرة غير الشرعية للأردنيين، علما أن “أسبابها واضحة في الأردن، ومن أهمها البطالة والفقر”.
وتضيف: “رغم أن الحالات التي تنشد الهجرة غير الشرعية قليلة، إلا أنه تم التنبه على الصعيدين الرسمي والمدني لهذه المشكلة، فعلى الصعيد الرسمي أكد وزير الداخلية السابق حسين المجالي أثناء اجتماعه مع المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة والمواطنة ديمتريس افراموبولس، نية الأردن استحداث ادارة خاصة بالهجرة الشرعية وغير الشرعية، تتولى ادارة ملف الأمن والتسلل والاتجار بالبشر”.
إلى ذلك، فإن عدم تعرض المحتالين للعقاب الرادع يشجعهم على تكرار فعلتهم مع ضحايا آخرين، بسبب تردد أو خوف بعض الضحايا من تسجيل شكوى ضدهم بسبب طول أمد التقاضي، وفق عدد من المهاجرين غير الشرعيين لـ”الغد”.
وأوضح الدويكات أن أكثر مسائل ظاهرة جرائم الاتجار بالبشر إثارة للجدل، هو تحديد قائمة الأنشطة التي يتعين أن تكون محلاً للتجريم، وتحديد أنماط السلوك الإجرامي والأركان القانونية لها، وهو ما يثير جدلاً حول مدى انطباق نصوص القوانين الجنائية الأخرى على هذه الجرائم.
Leave a Reply