العنصرية ، العزلة وتحديات اللغة وراء تدني نتائج طلاب الأقليات في الدنمرك

28 فبراير 2011

اختار والدا أبوبكر، المهاجران من باكستان إلى الدنمرك، تدريس ابنهما أبوبكر في مدرسة خاصة باكستانية درس فيها عن باكستان ولغة الأوردو واللغة العربية والدين الإسلامي. لكن الإمكانات المتواضعة للمدرسة اضطرتهما إلى نقله لمدرسته الحالية تاغينسبو.

زميلة أبوبكر في الصف، مارفا، قدمت مع والديها من الصومال إلى الدنمرك منذ كانت في الثانية من عمرها. وقبل انتقالها لمدرسة تاغينسبو درست في مدرسة خاصة حتى الصف السادس حيث تلقت دروسا في اللغة العربية بناء على رغبة والديها المسلمين.

أبوبكر ومارفا يشعران بالارتياح في المدرسة وفي الحي حيث الغالبية من الأقليات المهاجرة. لكنهما إذا ما ابتعدا أو ركبا الحافلة قد يتعرضان في بعض الأحيان لمضايقات من بعض المسنين الذين يطلقون عبارات من مثل “ارجعوا إلى بلادكم” أو “هذه ليست بلادكم”.

وتختار مارفا العمل بنصيحة أمها التي تقول لها “كوني أذكى منهم ولا تردي”. وكذلك حال أبوبكر الذي لم يعد يكترث لما يقوله من يصفهم بأنهم “قلة من المسنين الدنمركيين الذين لم يعتادوا على وجود المهاجرين”.

وبغض النظر عن نظرة الآخرين لهم، يشعر مارفا وأبوبكر، وكذلك زميلهما في الصف محمد، أنهم دنمركيون أولا قبل أن يكون احدهم صوماليا أو باكستانيا أو مغربيا.

ورغم ارتياح أبوبكر، مارفا ومحمد في مدرسة تاغينسبو الحكومية ذات الغالبية المهاجرة، إلا أن درجاتهم الدراسية تبقى متواضعة، متأثرين بالأداء العام للمدرسة الذي يقل عن متوسط درجات المدارس في الدنمرك.

وهذا الحال لا يقتصر على طلاب مدرسة تاغينسبو. فقد أظهرت دراسات حكومية وأبحاث أكاديمية أن النتائج الدراسية لطلاب الأقليات في الصف التاسع في الدنمرك، وهي السنة الإلزامية الأخيرة، كانت أدنى من متوسط نتائج الطلاب الدنمركيين، وان نسب التسرب بين هذه الفئة كانت أعلى.

ووفقا لتقرير حكومي لعام 2010 فإن متوسط درجات طلاب الأقليات يقل عن أقرانهم الدنمركيين بدرجتين من أصل عشر درجات. فمتوسط درجات عموم طلاب الصف التاسع في كوبنهاغن 6,28، ومتوسط الطلاب الدنمركيين 6,84، أما متوسط طلاب الأقليات 4,90، وفقا للدراسات الحكومية لعام 2010.

ونسبة من يتابعون دراستهم بعد المرحلة الإلزامية من أحاديي اللغة 84,9% أما نسبتهم بين ثنائيي اللغة 80,8%. ويشكل ثنائيو اللغة في كوبنهاغن نسبة 30% من مجموع السكان.

وعند ربط هذه الأرقام بالخلفيات الاجتماعية والاقتصادية للطلاب نجد أن غالبية طلاب الأقليات من أسر فقيرة.

كما أن تدني النتائج يتركز بين الطلاب الذكور من الأقليات، في حين أن نتائج الإناث يقارب متوسط نتائج الطلاب الدنمركيين.

وبمقارنة تقرير هذا العام مع تقارير سابقة فإن الهوة بين الطلاب ثنائيي اللغة والطلاب أحاديي اللغة تناقصت وتحديدا بين البنات. لكنها ليست بالسرعة والمستوى المتوخى.

وظهر مؤخرا ازدياد حالات الطالبات من الأقليات اللاتي ارتفعت نتائجهن عن متوسط نتائج الطلاب الدنمركيين. وإحداهن كانت من أبوين عراقيين وظهرت صورتها على غلاف مجلة وهي تضع القبعة السوداء التي ترمز إلى تخرجها من الصف التاسع بدرجة تفوق.

ويعتمد تعريف طلاب الأقليات على ما إذا كانت اللغة الدنمركية هي اللغة الأم للطالب. ولا تعد الدنمركية اللغة الأم إذا كانت الدنمركية ليست اللغة الأم لكلا الأبوين. وحسب هذا التعريف فإن 10% من طلاب المدارس في الدنمرك هم من الأقليات أو “متعددي اللغات” كما يوصفون في التقارير الرسمية والأكاديمية.

معضلة الاندماج

أساس المشكلة، كما تراه مفوضة التعليم في الحكومة المحلية لكوبنهاغن، آن فانغ، يكمن في معضلة الاندماج والهوية التي يعيشها طلاب الأقليات.

ورغم تأكيد آن فانغ على أنها تنظر إلى الطلبة ثنائيي اللغة بوصفهم “مصادر غنية وليس كمشكلة”، إلا أنها تقول إن “المشكلة هي أن يحوي الصف طلابا من الأقليات فقط أو دنمركيين فقط، لأننا لا نريد أن نعيش في مجتمع لا نعرف فيه بعضنا البعض”.

وتضيف “أؤمن بأن المدارس الدنمركية يجب أن تكون للناس جميعا حيث ياسمين وأسامة يلتقون في المدرسة مع ييسبر وفيكتور وقد يصبحون أصدقاء”.

وتعبر آن فانغ عن قلقها من الصور النمطية التي يحملها الطلبة ثنائيو اللغة وأحاديو اللغة عن بعضهم بسبب حالة الفصل بينهم في بعض المدارس في الدنمرك.

وتوضح “يخيفني عندما أزور مدرسة ليس فيها سوى طلاب أحاديي اللغة وأسمع تصوراتهم عن الأقليات التي لا يعرفون عنها شيئا، كما تخيفني زيارة مدرسة ليس فيها سوى ثائيي اللغة وأسمع كيف يعرفون أنفسهم كجزء من مجتمع موازي أو معارض للمجتمع الدنمركي”.

وتؤكد مفوضة التعليم فانغ أن “هذا جزء من جدال دائر في الدنمرك يثير الرعب”.

وهي إذ ذاك ترى “الحاجة إلى وجود مدارس مختلطة. فوجود دنمركيين في صفوف الأقليات يساعدهم على تعلم اللغة الدنمركية بشكل أسهل ومن البديهي أن التحدث بلغة ما يساعد في تعلم هذه اللغة. وتظهر أهمية ذلك عندما يكون 80% من طلاب الصف الواحد يواجهون صعوبات في تعلم الدنمركية”.

وحتى يتم تلافي تهمة التعامل مع المشكلة بنوع من العنصرية، فان آن فانغ تشير إلى أن “هناك طلابا دنمركيين أيضا يواجهون صعوبات لغوية لذلك صممنا امتحان لغة يخضع له الجميع”.

تفاوت الأداء

من جهتها، تشير آن هولمين من الجامعة الدنمركية للتعليم، إلى التفاوت في الأداء الدراسي للأقليات، وترى أن للبيئة المحلية تأثيرا “أكبر من الخلفية الثقافية أو الإثنية” في هذا المجال.

وتقول “هناك تفاوت في الأداء الدراسي للأقليات، فمثلا أداء الطالب الصيني في كوبنهاغن يختلف عنه في مدينة أخرى. لكن التأثير الأكبر هو المستوى التعليمي للآباء”.

وتضيف إن “هناك تأثيرا أيضا لقدم أو حداثة الهجرة. فأبناء المهاجرين الجدد يواجهون مشاكل دراسية أكثر”.

وتشير آن هولمين إلى دراسات عديدة أجريت لتشخيص المشكلة، لكن أيا منها لم يظهر هذه الجوانب.

وتشير في هذا الصدد إلى أن “هناك دراسة عن الطلاب الذكور من الأقليات لكنها تعتمد على تناقل الصورة وليس على التحليل. فهي مثلا لا تجيب على سؤال عما إذا كان أبناء المهاجرين غير المؤهلين القادمين من شرق أوروبا يواجهون نفس المشكلة”.

وتضيف “وهناك دراسة أخرى عن نماذج أبناء اختلفوا عن آبائهم (Pattern Breakers) تظهر حالات أبناء كان أداؤهم التعليمي أفضل من أداء آبائهم. لكن تبين أن المستوى الاقتصادي لهؤلاء الآباء كان منخفضا ولكن المستوى التعليمي كان جيدا، وبذلك كان أداء الأبناء مماثلا لأداء الآباء ومنسجما مع واقعهم الاجتماعي”.

وعموما، تأخذ آن هولمين على عملية التعليم تركيزها على تطور كل طفل كفرد، دون “مراعاة لحساسية وخصوصية ثقافة وخلفية الطفل الاجتماعية”.

وعلى هذا الصعيد، تشير آن هولمين إلى مشروع “اللغة في كل المواد المدرسية” (the language in all school subjects) ، الذي أطلقته الحكومة، وهو مشروع تصفه بأنه جيد، لكنها تتساءل “كيف يمكن التأكد من تطبيق المعلمين للمشروع، وما هي الخطوة التالية”.

وتضيف “هناك أيضا إصدارات لكتب تتضمن توصيات جيدة ولكن هل يطبقها معلمو المدارس الابتدائية التي تديرها الحكومات المحلية”.

وتتابع قائلة انه “يجب على الحكومة المركزية توفير الإمكانات المادية لتنفيذ هذه التوصيات. خمس حكومات محلية نفذت التوصيات، يجب أن تصبح التوصيات إجبارية لتنفذها جميع الحكومات المحلية. الحكومة تجيد الدراسات على ورق لكن المشكلة في التطبيق”.

وتلفت آن هولمين إلى تفاوت الأداء بين المدارس الدنمركية التي تشكل الخاصة منها نسبة 30% من مجموع المدارس في البلاد.

وتقول “قبل عام 2003 كان هناك مدارس حكومية تدرس اللغات التركية والعربية وغرين لاند في مستوى (A)، وكان الأداء جيدا في هذه المدارس، لكن كل ذلك توقف”.

وتضيف “في السابق كان إلزاميا أن يذهب الطلاب إلى مدارس في أحيائهم، والآن يمكن للطلاب اختيار المدارس ويمكن فصل وتوزيع الطلاب في صفوف حسب كفاءاتهم وأدائهم الدراسي”، وبالتالي “تتحول المدارس إلى سوق تجاري حيث يتجمع الطلاب الأكفياء في المدارس الجيدة أو الخاصة”.

وهنا تتساءل “ماذا يحدث لطلاب الأقليات في هذه الحالة؟ قد تقرر حكومة محلية أو مدرسة ما أنها تقبل 10% أو 20% فقط من طلاب الأقليات. وهذا خطير وكأنهم يقولون أن هذه الفئة غير مرغوب بها”.

تطوير التعددية

الأزمة هي في تطور التعليم باتجاه التعددية في حين ما زالت أحادية اللغة والثقافة هي السائدة، بحسب آن هولمين، التي ترى أن المطلوب هو تطوير التعددية في الدنمرك “وإلا ستواجه (البلاد) مشاكل مستقبلية عدة، وخاصة اقتصادية”.

تقول آن هولمين إن “هذه هي المشكلة التي تواجه دولا عديدة. لكن أداء دول مثل كندا وبعض ولايات استراليا وفنلندا جيد في هذا المجال لأن فيها تعدد لغات وثقافات”.

لكنها تعتقد أن هذا الأداء الجيد ليس بالضرورة أن يكون متحققا في كل الدول “فبلجيكا مثلا متعددة اللغات والثقافات لكنها تواجه مشكلة في هذا المجال”.

وتقول إن “السويد من الدول التي تعاملت بنجاح مع المشكلة، بل وأظهرت دراسات سويدية أن الأداء المدرسي للأطفال متعددي اللغات أفضل من أقرانهم أحاديي اللغة. ولذلك تفسيرات عدة، منها تفسير علم النفس بأن قدرات الدماغ تتطور بتعلم اللغات، ومنها تفسير علم الاجتماع بأهمية تعدد اللغات في المحيط الاجتماعي للطفل”.

وتشير في هذا السياق إلى انه “منذ عام 2001 لم تقم الحكومة الدنمركية بأي نشاط يستهدف متعددي اللغة، مثل إصدار منشورات أو كتيبات”.

وفي ما تراه خبيرة التعليم آن هولمين، فان هناك مؤشرات على تغييرات محتملة بسبب قلق الاتحاد الأوروبي في هذا المجال وتوجهه إلى تعدد اللغات، وبخاصة التركية لكونها الأكثر انتشارا في أوروبا.

وقد أطلق الاتحاد الأوروبي بالفعل مبادرة تطوير تعدد اللغات في أوروبا وكانت الدنمرك هي الدولة الوحيدة غير المشاركة في أوروبا. والسبب بحسب آن هولمين “هو ضغوط السياسة اليمينية على وزارة التعليم في مجال تعدد اللغات”.

فارق جندري

التفاوت في الأداء الدراسي بين الأولاد والبنات من الأقليات أكبر منه بين الأولاد والبنات الدنمركيين، كما تؤكد لورا غيليام من الجامعة الدنمركية للتعليم.

وهي ترى أن هذا التفاوت، وهو في صالح البنات “قد يكون له علاقة بطريقة تربية البنات التي تنسجم أكثر مع بيئة المدرسة ومع ما هو مقبول بين الرفاق، فمثلا يوصف سلوك الولد الهادئ على أنه بناتي. وهذا غير مرتبط بالأقليات وإنما بمستوى أداء الطلاب عموم”.

وتشير غيليام إلى بعض التفسيرات التي تقول أن “أداء بنات الأقليات أفضل لأنهن يمضين وقتا أطول في المنزل، ولا خيار آخر لديهن سوى الدراسة. وقد يكون التعليم بالنسبة لبعض بنات الأقليات وسيلة لتأجيل الزواج المبكر”.

وتضيف إن هناك تفسيرات أخرى ترى أن “بعض الأهالي يهددون أولادهم في عمر الـ18 والمتورطين في المشاكل بتزويجهم من نساء في عمر مبكر قادمات من بلدانهم الأصلية”.

وفي المحصلة، تقول غيليام، إن بعض المعلمين قد يتوجهون “إلى مساعدة البنات من الأقليات لتعويض ما يعتقدون أنهن يتعرضن له من اضطهاد في المنزل، وبالمقابل يرون الأولاد كمستبدين يمارسون الاضطهاد على البنات”.

وتضيف إن “الصورة المسبقة لدى المعلمين بأن أولاد الأقليات يصنعون المشاكل تشعر الأولاد أنهم غير محبوبين وغير مرغوب بهم من قبل المعلمين. وهنا فإن المعلم الذي ينطلق من الفارق الجندري يتصرف بدافع الموازنة وتعديل الوضع، ويعتقد أن هذا واجبه”.

وتتشكل صورة المرأة المسلمة أو العربية لدى بعض المعلمين من الإعلام أو من الحوارات واللقاءات مع بعض الأهالي، والتي يتم تعميمها.

لكن غيليام تعتقد أن هناك معلمين يتعاملون بشكل إيجابي مع أولاد الأقليات، وان ذلك كان تأثير إيجابي على الأداء الدراسي للطلاب “فهم كالمرآة يتصرفون كما هو متوقع منهم”.

ورغم تأكيدها على أن للمعلم دورا كبيرا في هذا المجال، إلا أنها ترى انه “لا يمكن القول أن المسؤول عن أداء الطالب هو المعلم أو الأهل، بل هي علاقة ديناميكية بين جميع الأطراف”.

وفضلا عن حالة التفاوت في الأداء بين أولاد وبنات الأقليات في المدارس، فان هناك أيضا مشكلة التفاوت في التكيف بين المجموعات الثقافية ككل مع النظام والمجتمع والتي تلعب دورا في تشكيل حوافز التعلم لدى أبنائهم.

وتلخص غيليام هذه المشكلة قائلة إن “الجيل الأول من المهاجرين يحاولون التكيف أكثر من الأجيال اللاحقة. في حين أن أجيالا لاحقة قد تشعر أن التكيف لا يكفي للحصول على عمل وأن التمييز ضدهم موجود. وقد يرى طلاب أن آباءهم تعلموا ولم يحصلوا على عمل. يجب أن يشعر الطلاب بأهمية التعليم للحصول على عمل”.

إدراك متأخر

وإدراك أهمية التعليم لدى طلاب الأقليات الذكور خصوصا يأتي في وقت متأخر، عندما يبلغون السادسة عشرة أو السابعة عشرة، وهو أمر يوقعهم في دائرة مفرغة حيث تكون إمكانية التغيير صعبة جدا.

فهؤلاء، كما تقول غيليام “يكونون قد أصبحوا متأثرين بالمحيط ويخافون من فقدان هويتهم كذكور غير دنمركيين، ومن التماهي في هوية الآخر: الدنمركي، أو من التشابه مع البنات”.

أما كيف يصل هؤلاء إلى هذه المرحلة؟ تقول غيليام “عندما يفشل الطالب دراسيا يبحث عن هوية وكيان يجده في الشارع. هؤلاء الأولاد يدركون تماما العلاقة العكسية بين الأداء المدرسي وبين الدرجة في سلم “الشلة” أو مجموعة الأولاد المشاغبين. وبعضهم يتقصدون التحدث بلغة دنمركية مع مزيج من الباكستاني والتركي يسمونها (Perker Dansk) لأنها مرتبطة بهويتهم، والحديث بالدنمركية الصحيحة يعني أنهم دنمركيون وهم لا يريدون ذلك”.

وتضيف إن “بعض الأسر لا ترغب في اندماج أبنائها في المجتمع الدنمركي، وهؤلاء الأولاد يؤثرون على أولاد آخرين بإقناعهم أن هويتك كمسلم كافية ولا تحتاج الهوية الدنمركية. ولدى الأولاد ميل في أن يكونوا ضمن مجموعة متشابهة، مسلمين مثلا، وتعريف المسلم يختلف بين شخص وآخر. وفي هذه المجموعات يكون المسلم الأكثر تشددا هو الأعلى رتبة، وأن تكون مسلما قد لا ينسجم بالنسبة لهم مع كونك دنمركيا. وفي عمر الـ12 أو 13 الأهم هو تكون مقبولا بين الأصدقاء”.

وفي هذا الإطار، ترى غيليام انه “يمكن للمدرسة أو المعلمين تكريس الجمع بين الهوية المسلمة وهوية الطالب الجيد والأداء الدراسي الجيد، وذلك كسلوك اجتماعي وليس كأسلوب تفكير”.

وهناك مشكلة أخرى تشير إليها غيليام، وهي التسرب من المدرسة في أوساط الطلاب الذكور من الأقليات والتي تصل إلى 50% غالبيتها تحصل بعد الصف التاسع، أي في عمر الـ15.

وقبل هذه المرحلة لا يمكن التسرب من المدرسة لأن ذلك غير قانوني.

وغالبية الذكور من الأقليات تختار التعليم المهني ومع ذلك يتسرب من هذه الفئة نسبة 60%.

وتشير غيليام إلى أن هناك أبحاثا تتحدث عن أولاد من الأقليات في عمر الـ15 والـ16 ممن بدأوا بإدراك أهمية التعليم وبدأوا بالتوازن وتحسن أداؤهم الدراسي، في حين هناك فئة أخرى شعرت باليأس وتسربت من المدرسة.

وتقول إن “من التجارب الناجحة كانت أغاني الراب التي ساعدت طلاب على الجمع بين ثقافة المدرسة وثقافة الشارع، من خلال استخدام موسيقى الراب لإيصال أفكار مشجعة على التعليم”.

لكنها تستدرك قائلة إن “بعض المدارس تعتقد أن ضعف الأداء مرتبط بضعف اللغة الدنمركية فيركزون على اللغة”.

تأثير اللغة

على صعيده، يؤكد يينز نورمان، وهو بروفيسور لغة في الجامعة الدنمركية، أن للغة تأثيرا كبيرا على الأداء المدرسي للطلاب الذكور تحديدا من الأقليات.

ويستشهد نورمان بنتائج اختبارات تجريها الحكومة للطلاب لقياس الذكاء وتعتمد على اللغة الدنمركية.

ويقول “عندما أجرى أحد طلاب الجامعة الدنمركية اختبار لغة لطلاب مدارس يستخدمون الدنمركية الكلاسيكية وآخرين من الأقليات يستخدمون دنمركية يتعمد استخدامها أولاد المهاجرين في الشارع ليخلقوا هوية مختلفة خاصة بهم. وكانت نتائج من يتكلمون الكلاسيكية أعلى”.

وبحسب نورمان فان “هذا دليل على تأثير اللغة على أداء الطلاب من الأقليات منذ البداية”، وهو أيضا “يساهم في تكوين فكرة مسبقة لدى المعلم ويشعر الطالب بأنه غير مقبول في مجتمع المدرسة ويبقى أمامه خيار شلة الشارع التي يستمد هويته منها”.

ويرى بروفيسور اللغة نورمان أن الحل ربما يكمن في “الجمع بين هذين المجتمعين”.

ويشير في هذا السياق إلى نماذج ايجابية لهذا الجمع رصدها بحث أجراه طالب في الجامعة الدنمركية “مثل طالب مدرسة يغني الراب وفيها يطرح أفكار تشجع على التعليم، وهنا دمج بين قيم مجتمع المدرسة وبين الراب كفن يستخدمه أولاد الشارع من المهاجرين للتعبير عن أنفسهم”.

والى جانب التأثير الذي تلعبه اللغة، يلفت نورمان إلى المواقف العنصرية التي يعبر عنها بعض الساسة اليمينيين ضد المسلمين وتنمي لديهم شعور عدم القبول بهم في المجتمع والرغبة في الانغلاق عنه عبر تعزيز هويتهم ومقاومتهم للاندماج.

ويقول نورمان إن “هناك سياسيين يطلقون تصريحات تكرس صورة سلبية ودونية عن الذكور من الأقليات. مثل ييسبر لانغبالا حيث نقلت عنه وسائل إعلام وصفه لمجتمعات المسلمين المهاجرين بأن: الآباء يغتصبون بناتهم والعموم يقتلوهن. وهي الصورة التي يكرسها الإعلام التجاري واليميني”.

ولذلك لا يتوقع نورمان أن “الطلاب الذكور من الأقليات الأخرى يواجهون نفس مشكلة المسلمين منهم، فمشاعر عدم القبول موجهة ضد المسلمين”.

ويفسر نورمان حقيقة أن أداء الذكور من الأقليات في المدارس الخاصة، مثل المدارس الإسلامية أو العربية، أفضل منه في المدارس الحكومية بأن “الخاصة تجتذب القادرين على الدفع أو الذين يهتمون بتعليم أبنائهم، في حين ترفض الطلاب المتسببين بالمشاكل وضعيفي الأداء”.


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *