العقل المدبر ... قضية فساد شغلت مصر

23 يوليو 2016

تسريبات Swiss leaks تفتح الستار عن إمبراطورية الملواني ودوره بقضية التلاعب بالبورصة المصرية

تحريات مباحث الأموال العامة في قضية التلاعب بالبورصة المصرية تصفه بـ “الرأس المدبرة” لعملية بيع البنك الوطني

يشارك ويمتلك شركات مع كبار رجال المال والأعمال منهم جمال وعلاء مبارك وصفوان ثابت وصلاح دياب وياسين منصور ونجيب ساويرس وحسن هيكل

أحمد عاطف وأحمد الشامي

الصباح: مع بداية شهر فبراير/شباط 2015، كان العالم على موعد مع الكشف عن الحسابات السرية والتي استخدم بعضها في عمليات غسيل أموال وتهرب من الضرائب، وهي تسريبات وثائق “بنك HSBC سويسرا الخاص” والمعروفة إعلامياً “سويس ليكس” والتي بلغت ما يزيد عن 60 ألف وثيقة تحتوي على بيانات أكثر من 100 ألف عميل من 211 دولة لدى فرع البنك في سويسرا.

جاءت مصر في الترتيب رقم 20 بقائمة تضم أكثر من 1400 حساب لعدد 700 عميل، بإجمالي أرصدة وصلت إلى 3.5 مليار دولار.

احتوت القائمة المصرية على بيانات أشخاص من بينهم وزراء سابقون ورجال أعمال وشخصيات عامة على رأسهم رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وخديجة الجمال زوجة جمال مبارك، وغيرهم، إلا أن اسماً كان لافتاً للانتباه لارتباطه بالقضية المعروفة إعلاميا بـ “التلاعب بالبورصة” خاصة أنه لم يكن من المشاهير ولا يميل للظهور الإعلامي، غير أنه كان عضواً بلجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، هو “هشام سليمان الملواني”، حيث أظهرت الوثائق امتلاكه هو وزوجته غادة طاهر لعدد أربعة حسابات لدى فرع البنك، قاموا بفتح تلك الحسابات في 28 مايو 2004، بلغت أرصدتها بين عامي 2006/2007 وهو وقت الحصول على المستندات ما يزيد عن 760 ألف دولار.
فمن هو “الملواني” ولماذا أُدرج اسمه في قائمة وثائق وحسابات تسريبات سويس ليكس؟.. سؤال تتبعه “معدا التحقيق” لثلاثة أشهر كاملين من البحث والتقصي، كشف الامبراطورية الخاصة بالملواني وشبكة علاقاته مع كبار رجال الأعمال، ودوره بقضية التلاعب بالبورصة المصرية.

من هو الملواني؟
ياسر سليمان هشام الملواني هو أحد الأشخاص الذين صدر بحقهم قرار التحفظ على أموالهم ضمن قضية “التلاعب في البورصة” وأشارت له النيابة بـ “المتهم الثالث”، يبلغ من العمر 55 عاماً، تخرج في كلية التجارة جامعة القاهرة عام 1981، عضو مجلس إدارة البنك الوطني سابقًا ورئيس تنفيذي بشركة E.F.G هيرمس القابضة.

“المتهم الثالث”
“اسألوا ياسر الملواني؟” .. هكذا قال علاء مبارك نجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك للمستشار أحمد حسن المحامي العام الأول بالمكتب الفني للنائب العام في جلسة تحقيق بتاريخ 13 / 4 / 2011، عندما سأله حول وجود شركات عنقودية تم تكوينها تتعامل مع أصول الدولة بالبيع والشراء وتحصل على عمولة يتم تحويلها لشركة “هيرميس” في الخارج، وذلك في القضية رقم 10427 لسنة 2012 الخاصة بالتلاعب في البورصة وصناديق الاستثمار وسداد ديون مصر وخصخصة شركات قطاع الأعمال، والاستيلاء على البنك الوطني المصري، حسبما اتهمته النيابة العامة آنذاك.

الحسابات السرية
تشير المستندات التي حصل “معدا التحقيق” عليها إلى وجود مبلغ يتجاوز 760 ألف دولار، بين عامي 2006/2007، في أربعة حسابات سرية يمتلكها ياسر الملواني في بنك HSBC سويسرا الخاص، والذي تشاركه في ملكيته زوجته (غادة طاهر)، قد تم فتحهم في مايو 2004.

البنك الوطني المصري

وبعد حصول معدي التحقيق على وثائق الدعوى، تبين أنّه لم يتم الإشارة إلى هذا الحساب أثناء التحقيقات المتعلقة بقضية التلاعب بالبورصة المصرية، خاصة وأن ياسر الملواني كان يشغل منصب عضو مجلس إدارة البنك الوطني في الفترة من عامي 2006-2007 وهو ما يستلزم تقديم إقرار ذمة مالية بكل ما لديه هو وزوجته، كونه موظفاً عاماً.

العقل المدبر
“ياسر الملواني هو الرأس المدبرة، وهذا كله من تفكيره”. كانت تلك العبارة هي إجابة العقيد طارق مرزوق الضابط بالإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، رداً على سؤال المستشار/ عاشور فرج – المحامي العام، ما هو دور ياسر الملواني تحديداً في صفقة بيع البنك الوطني؟
وذلك في محضر التحقيق بتاريخ 20 سبتمبر 2011 – والذي حصل معدا التحقيق على نسخه منه – حيث تم تعريف العقيد طارق مرزوق أنه مدير إدارة مكافحة جرائم الاختلاس والإضرار بالمال العام، بالإدارة العامة لمباحث الأموال العامة.
ويستكمل العقيد مرزوق حديثه عن ياسر الملواني قائلاً: هو الذي عرض الفكرة التي تم الاتفاق عليها بينه وبين أيمن أحمد فتحي حسين (رئيس مجلس إدارة البنك الوطني وقتها) وتنفيذها والاتفاق على حصة حاكمة ساعدت على دخول ياسر الملواني وأحمد نعيم بدر (العضو المنتدب لشركة النعيم القابضة) عضوية مجلس الإدارة (البنك الوطني) كممثلين لتلك الحصة للاستفادة المادية بأكبر قدر ممكن للأسهم المالكين لها، وتم اجبار أحمد حسن قورة (مدير البنك الوطني حينها) على تقديم استقالته نظير قيامهم بدفع إجمالي التعاقد معه كعضو منتدب، ثم قام ياسر الملواني بتوجيه الشركات التابعة للشركة القابضة التي يشرف ويوجهها بمقتضى صفته كمدير تنفيذي للشركة القابضة (هيرمس) على الاستثمار في هذا السهم، وإجراء عمليات بيع وشراء تؤدي إلى صنع سوق قوى لسهم البنك الوطني والاتفاق مع مستثمر استراتيجي على شرائه محققين أرباح هائلة.

تفاصيل القضية
وطبقاً لأوراق القضية التي حصل عليها معدا التحقيق، فقد أسندت النيابة العامة عدة تهم لياسر الملواني والذي أشارت إليه بـ “المتهم الثالث”، منها بحسب وثائق النيابة في “أمر الإحالة”:
“كان المتهم السادس “جمال مبارك” قد اشترك مع المتهم الثالث بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جريمة التربح موضوع التهمة الموصوفة بالبند رابعاً، بأن اتفق معه على تكوين حصة حاكمة من أسهم البنك الوطني المصري، وساعده بأن استغل صفته كمساهم استراتيجي بشركة بوليون – التي تساهم في شركة هيرميس للاستثمار المباشر والتي تقوم على إدارة صندوق حورس 2 – فوجهها لشراء أسهم البنك الوطني المصري من خلال صندوق حورس2 للاستثمار، مما مكنه من الحصول لنفسه وللشركة التي يساهم فيها بغير حق على ربح ومنفعة مقدارها 414 مليون و407 آلاف و130 جنيه، فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات”.

وجاء في اتهام النيابة العامة: “اشترك –جمال مبارك- مع المتهم الثالث “ياسر الملواني” بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمة الموصوفة بالبند ثالثاً، بأن اتفق معه على تكوين حصة حاكمة من أسهم البنك الوطني، وساعده بأن أسند لشركة هيرميس للاستثمار المباشر – القائمة علي إدارة صندوق حورس 2 – تنفيذ عمليات شراء أسهم البنك سالف الذكر، فحقق لنفسه وللشركة التي يساهم فيها بغير حق ربحاً مقداره 493 مليون و628 آلاف و646 جنيه فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالأوراق”.

أما المتهم السابع في القضية، “علاء مبارك”، فقد اشترك مع المتهم الثالث بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جريمة التربح موضوع التهمة الموصوفة بالبند رابعاً، بأن اتفق معه على أن يمكنه الأخير من الحصول بغير حق على ربح وأن يمده بالمعلومة الجوهرية، وهي إبرام اتفاق بين كبار المساهمين في البنك الوطني علي بيعه لمستثمر استراتيجي، فقام “علاء مبارك” بشراء عدد 290 ألف سهم من أسهم البنك من خلال حساب لزوجته هيدي محمد مجدي راسخ- حسنة النية “أي أنها ليس لها دور في الواقعة حسبما أسفرت التحريات” – في تاريخ معاصر لإتمام الصفقة موضوع المعلومة الجوهرية، مما مكنه من تحقيق ربح مقداره 12 مليون و335 آلاف و442 جنيه يمثل الفارق بين سعري شراء الأسهم، وإعادة بيعها دون وجه حق والذي تم تحويله في ذات التوقيت من حساب زوجته لحسابه الشخصي بالبنك الأهلي المصري، فوقعت الجريمة بناء ذلك هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالأوراق.

منع من السفر
في 5 فبراير/شباط 2011، أي بعد مرور نحو 10 أيام على اندلاع ثورة 25 يناير وقبل الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ورموز نظامه، منعت سلطات الأمن بمطار القاهرة الدولي ياسر الملواني من السفر، حيث توجه لمطار القاهرة للسفر على طائرة الخطوط الجوية الإماراتية المتجهة إلى دبى، وعند إنهاء اجراءات سفره فوجئ بوجود قرار من النائب العام المصري حينها (المستشار عبدالمجيد محمود) بمنعه من السفر، بعد إدراج اسمه بقوائم الممنوعين من مغادرة البلاد، وفي 31 مايو 2012 قرر النائب العام تحويل حسن هيكل (رجل أعمال مصري وهو نجل الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل) وياسر الملواني إلى محكمة الجنايات في شبهة فساد متعلقة بصفقة بيع البنك الوطني المصري (الذي تساهم فيه الدولة والخاضعة أمواله لرقابة وإشراف البنك المركزي المصري) تم خصخصته وبيعه – بحسب الاتهامات الموجهة لياسر الملواني وآخرون بالاستيلاء على نحو 2 مليار و51 مليون جنيه.

الإمبراطورية الغامضة
وبالرغم من كشف قضية التلاعب بالبورصة –والتي لاتزال تنظر أمام المحاكم- عن الشراكة والتعاون بين ياسر الملواني ونجلي الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أن ثلاثة شهور من البحث كشفت لنا شبكة واسعة من علاقات الملواني بكبار رجال المال والأعمال داخل مصر وخارجها، تكاد تكون امبراطورية شراكة مع رجال أعمال كبار وشركات شهيرة وصلت لـ 10 شركات، جاء على رأسها شركة (إس سي آي ميلو SCI MELLO) وهي شركة مالية تقع في فرنسا، منذ عام 2009 وتشاركه سيدة تدعى فاطمة حامد، وشركة (ميلو يخت – MELLO YACHTS LIMITED)، التي يمتلكها الملواني، وتقع في انجلترا، والتي تم انشاؤها في يوليو 2009 تحت اسم (ATLANTICA YACHTS LTD) والتي تم تغييره في أغسطس 2009، وذلك بالشراكة مع “فيليب خوري” البريطاني المقيم في تركيا وتم تصفيتها في نوفمبر من العام 2011.

كذلك شركة (COMMERCIAL INTERNATIONAL INVESTMENT COMPANY S.A.E) وهى شركة تجارية للاستثمار تقع فى القاهرة، والتي يمتلكها “البنك الأهلي المصري، وشغل الملواني منصب نائب رئيس الشركة،كما ورد اسم الملواني أيضاً كعضو مجلس إدارة في شركة بيكو الحديثة (PICO MODERN COMPANY FOR AGRICULTURE SAE)، وهى شركة صناعية ولها أعمال في مجال الزراعة، والتي من أهم مالكيها توفيق صلاح الدين دياب والسيدة عنايات سعيد الطويل وهما ابن رجل الأعمال صلاح دياب وزوجته.
كذلك يشارك ياسر الملواني كعضو بمجلس إدارة شركة (جهينة – JUHAYNA FOOD INDUSTRIES SAE) وهي شركة أغذية، يساهم فيها ويديرها رجل الأعمال صفوان ثابت.
كما أن الملواني عضو مجلس إدارة بشركة (حورس للأغذية – HORUS FOOD & AGRIBUSINESS MANAGEMENT LIMITED) والمسجلة بقبرص والتي تمتلكها شركة (EFG – HERMES PRIVATE EQUITY LTD).

وكذلك حصل معدا التحقيق على وثائق تكشف عضوية ياسر الملواني بمجلس إدارة شركات أخرى موجودة في مصر، هي Wings Imperial for Hotels ويشاركه بها رجل الأعمال نجيب ساويرس والأمير بندر بن محمد عبدالعزيز وتوفيق صلاح دياب وياسين لطفى منصور ومنى مكرم عبيد، وأيضاً شركة Palm Hills Development Company s.a.e ويشاركه فيها رجل الأعمال والوزير السابق للنقل محمد لطفي منصور وشهاب و آخرون، وMaritime & Oil Services Co. MARIDIVE وهي شركة خدمات بترولية يشاركه فيها محمد نديم وسحر السلاب، ومقرها الاسكندرية .

كما تكشف الوثائق التي حصل عليها معدي التحقيق من السجل التجاري اللبناني، على وجود اسم الملواني في عدة شركات في لبنان، بصفته رئيس مجلس إدارة (هيرميس سي ال هولدنغ – EFG – Hermes cl Holding SAL) كما ظهر أسمه أيضا كمساهم في هذه الشركة مع حسن محمد حسنين هيكل نجل الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين، وأخيرا يأتي اسم الملواني كعضو مجلس إدارة في بنك الاعتماد اللبناني CREDIT LIBANAIS SAL فى بيروت.

تكشف هذه العلاقات المتشابكة بين رجال الأعمال ورجال السلطة مثالاً واضحاً على زواج السلطة والمال في عهد مبارك، والذي مازالت خفاياه لم تتكشف بالكامل حتى اليوم، لتأتي هذه التسريبات والوثائق التي لم تكن متاحة من قبل لتساهم في إلقاء الضوء على هذا الجزء الغامض من تاريخ مصر.
حاول “معدا التحقيق” التواصل بشكل رسمي وبأكثر من وسيلة مع السيد ياسر الملواني ومحاميه طوال فترة إعداد التحقيق، ومن ضمنها مراسلتهم عبر رسالة مرسلة عبر TNT وتم تتبع الطرد الكترونياً، والتأكد من استلامه من قبل أصحاب العلاقة، لمنحهم حق الرد على المستندات والمعلومات التي حصلنا عليها، لكن لم نتلق أي رد بعد مرور المهلة الممنوحة لهم.

تم إنجاز هذا التحقيق بدعم من إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، وإشراف الزميل حمود المحمود.