"البراءة المسروقة".. أطباء يستأصلون أرحام فتيات معاقات ذهنياً بموافقة الأهل

7 مارس 2016

“محررا الصباح” يتفقان مع طبيب على إجراء العملية في مستشفى حكومي بـ 6 آلاف جنيه
والطبيب: “عملتها كتير وهتاخد ساعة واحدة.. والدفع مقدماً”
“دعاء” أجرت الجراحة في الرابعة عشر من عمرها.. وأمها أخفت الخبر عن اشقائها
مها خضعت للجراحة في عيادة مشبوهة ولم تخرج من منزلها منذ 3 سنوات
الأمهات يتحججن بالخوف من اغتصاب بناتهن والحمل سفاحاً
نقابة الأطباء: جريمة عقوبتها تصل إلى الشطب والغاء الترخيص.. والرقابة صعبة جداً
القومي للإعاقة: نتلقى شكاوى شفهية فقط.. وبلاغ أسبوعي عن تحرش واغتصاب معاقات
الصحة: اغلقنا 233 منشأة طبية مخالفة.. والأهل مدانون بحكم القانون
طبيب نفسي: الاكتئاب والانتحار نتيجة بديهية للمتعرضات لتلك الجراحة
أحمد عاطف ومحمد حميدة

الصباح: في داخل عيادات مشبوهة تنتشر في بؤر سكانية مزدحمة وعشوائية تحيط بها المخلفات والقمامة، يقرر الأهل الاستعانة بأطباء يخالفون القانون لاستئصال أرحام الفتيات المعاقات ذهنيا خوفا من تعرض بناتهم للاغتصاب والحمل سفاحا.
الكارثة الأكبر في الأمر أن بعض من ينتسبون لمهنة الطب يتحايلون لإدخال هذه الحالات لمستشفيات حكومية لإجراء عملية استئصال الرحم ويزورون أوراقا تفيد بوجود ضرورة طبية للاستئصال، ويحصلون على مقابل مادي يصل إلى 6 آلاف جنيه.
تمكنت الصباح في تحقيق استقصائي من الوصول لبعض الحال اللاتي تعرضن لتلك الجراحات ، وكانت هذه المعلومات صادمة للمجلس القومي لشؤون الإعاقة وهو الجهة الرسمية المعنية بمتابعة ملف المعاقين، والذي أكد مسؤولوه أنهم لم يتلقوا أي شكاوى رسمية بشأن عملية استئصال ارحام الفتيات المعاقات ذهنيا منذ تأسيسه علم 2012،تفاصيل مرعبة ومضاعفات نفسية وصحية ومخالفات للقانون وسط غياب الرقابة جميعها مفاجآت يكشفها هذا التحقيق.
محاولات عديدة ورفض وتردد، كان هو الواقع الصعب، حتى تمكن (معدا التحقيق) من الاتفاق على موعد لقاء مع الأم التي قابلتهم لأكثر من مرة، وتحدثت عن تفاصيل الواقعة التي ربما لم يعلمها سوى القليل جدا من أفراد العائلة، وكان من بينهم “أحمد” ابن شقيقتها، والذي استطاع (معدا التحقيق) اقناعه بأنهما مندوبان من إحدى الجمعيات الخيرية لمساعدة أسر حالات المعاقين، ويبحثون عنهم لتقديم المعونة والمساعدة.
داخل إحدى الحارات التابعة بمنطقة السلخانة بمحافظة الفيوم، أسرة بسيطة تتكون من ثلاثة أبناء ذكور وفتاة وحيدة، ترعاهم أمهم بعد وفاة الأب منذ 5 سنوات وتبيع الخضروات في الأسواق، وُلدت تلك الابنة معاقة ذهنية ولا يمكنها النطق إلا بكلمات نصف مفهومة هي أسماء أفراد الأسرة والأهل فقط، خاصة أنها لم تذهب للمدرسة الخاصة بالمعاقين ولا غيرها، تدرك جيدا ما يدور حولها في محيط الأهل فقط، مطيعة إلى حد بعيد، تسمع كل ما يقال لها وتنفذه -حسبما قالت الأم- التي تترك ابنتها في البيت كل صباح وتذهب لبيع الخضروات في السوق ثم تعود لتجد ابنتها إما جالسة بالشارع أو متواجدة عند بيت جدها الذي يبعد عن المنزل مقدار 5 دقائق سيرا على الأقدام بأحد الحارات الواقعة خلف حارتهم.
بدأت الأم تسرد الواقعة وكيف عزمت على إجراء عملية استئصال رحم لأبنتها الوحيدة خوفا من الفضيحة.
“ه.س”، 42 عام، أم الفتاة، قالت فى لقاء مسجل مع (معدا التحقيق) إنه لم يكن يخطر ببالها يوماً أن تجرى جراحة لابنتها بمثل هذا الأمر، إلا أن ما شاهدته عبر شاشات التلفزيون، وانتشار حالات الاغتصاب في الفيوم وفي مناطق أخرى مجاورة سمعت بها جعلها تشعر بالقلق والخوف على أبنتها، فناقشت الأمر مع إحدى جاراتها التي أشارت عليها بأن تقوم بعملية استئصال رحم لأبنتها لتفادي الفضيحة حال وقوع أي مكروه لها، وأضافت ” كان من الممكن أن تتعرض للاغتصاب.. إحنا كلنا عارفين بعضنا وأنا خفت من الفضيحة اللي ممكن تحصل لنا”

(اطار 1)
في العام 2012، أصدر مجلس الوزراء، قراراً حمل رقم 410 لعام 2012، بإنشاء مجلس قومي يُسمى (المجلس القومي لشئون الإعاقة تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتبع رئيس مجلس الوزراء، ويُشرف عليه وزير التضامن الاجتماعي، و مقره الرئيسي محافظ القاهرة ، ويجوز إنشاء فروع له في باقي المحافظات، ويكون للمجلس لجان نوعية برئاسة شخص من ذوي الإعاقة وعضوية عشرة من ذوي الخبرة في مجال شئون الإعاقة نصفهم على الأقل من ذوي الإعاقة.

واستطردت الأم لتسرد تفاصيل يوم العملية التي أجرتها في عام 2014، “في الثانية عشر صباح يوم الجراحة، انطلقت مع جارتي وأبنتي “دعاء” –- اسم مستعار- والتي كانت تبلغ وقتها 14 عاما، إلى منطقة الصوفي بالفيوم، قاصدة إحدى العيادات التي لم يكن مدون عليها أية أسماء، ويتواجد فيها فقط الطبيب وعدد من الممرضات ولم يكن هناك أي مرضى بالعيادة”.
وبحسب الأم، “كانت العيادة مجهزة بالفعل للعملية التي استغرقت نحو ساعتين، منذ وصول الأم وابنتها للشقة التي أغلقت عليهم بعد دخولهم بدعوى أنها مُعقمة بالكامل، وبعد العملية انطلق الطبيب وترك الفتاة وأمها والمساعدات له حتى افاقت الفتاة من العملية في وقت قارب ساعتين إضافيتين، وانطلقت في “تاكسي” وحملت ابنتها مرة أخرى إلى البيت، هي وجارتها”.
توضح الأم أن عملية استئصال الرحم لابنتها تكلفت نحو 5 آلاف جنيه، اربعة منها تكاليف العملية بأجرة يد الطبيب، و1000جنيه مقابل بعض التحاليل التي أجريت لها، مشيرة إلى أنها لم تطلع على تلك التحاليل، وطلب منها دفع مقابلها فقط بعد سحب العينات قبل إجراء العملية بأسبوع.
تحايلت الأم بعد ذلك على سؤال الجيران عن ابنتها ونوع العملية التي أجريت لها، بأنها عملية الزائدة وكانت لا تسمح لأحد بزيارتها بحجة انها غير مدركة لما يدور حولها ولا تعرف أحد، وكانت تسوق تلك الحجج لأشقائها الاولاد.
مبررات الأم التي قالتها تمثلت في الخوف من الفضيحة، وأن ابنتها مطيعة جدا ويمكن لأي أحد أن يضحك عليها بأي كلام خلال تجولها بالشوارع أو أمام البيت، خاصة أن الأم تذهب لبيع الخضروات وتتركها بالبيت أو لدى بيت جدها، فخافت من أن تجد ابنتها ذات يوم حامل فكان الحل هو استئصال الرحم، منوهة أنها لا تخاف من المسؤولية أياً كانت لأنها بما فعلت حمت إبنتها من مستقبل سىء من الممكن أن ينتظرها.
لم تكن الحالة السابقة، نموذج فردي في مسلسل الفتيات المعاقات ذهنياً اللائي سرقت براءتهن بانتزاع واستئصال أرحامهن بتورط من الأهالي والأطباء، فـ(مها) البالغة من العمر 17 عاما، ومقيمة بمحافظة الشرقية، ضحية أخرى كان الخوف من الفضيحة هو الدافع الأول إلى استئصال رحمها، إذ خططت والدتها دون علم العائلة، وفكرت فيما ظنت أنه “مبدأ الوقاية خير من العلاج” وقررت استئصال رحم ابنتها المعاقة ذهنياً، خوفاً من أن تجدها في يوم ما ضحية للاغتصاب دون الإمساك بالجاني.
ولم يتمكن “محررا الصباح” من التواصل مع والدة مها، غير أنهما نجحا في في الحديث مع شقيق الفتاة الأكبر، أحمد، الذي يقيم بمنشية أبو عمر التابعة لمركز الحسينية بالشرقية، وقال، إن مها، ولدت معاقة ذهنيا فضلاً عن إعاقة بدنية في حركة اليدين، وتنحصر قدرتها على النطق في كلمات بسيطة تخرج من فمها مثل الطفل الذي يتعلم الكلام حديثا، وهو الأمر الذي منعها من الالتحاق بالمدرسة، وكانت غالبا ما تخرج للعب مع الأطفال، ومع بدأ بلوغها كانت تبكي لمنعها من الخروج للعب.
ويستكمل أحمد، “بعد إجراء عملية استئصال رحمها في 2013، لم تحاول مها الخروج للشارع واللعب مرة أخرى، والتزمت الصمت”.
من خلال حديث أحمد أوضح، أنه يعمل بالقاهرة ولا يذهب للشرقية سوى مرة كل شهر أو شهرين، خاصة أن والده يعمل بقطعة أرض بسيطة لا يمكنها الانفاق عليهم، وهو السبب الذي كان وراء تأخره في معرفة نبأ إجراء عملية استئصال رحم شقيقته المعاقة، وأكتشف الواقعة بالصدفة من خلال أخته الصغرى بعد العملية بنحو 6 أشهر، وعندما كانت شقيقته الأصغر، 12 عام، تعاني من بعض آلام طلبت من شقيقها الأكبر، ألا تجرى عملية أخرى مثل شقيقتها “مها”.
يقول الاخ الذي فوجئ بعملية شقيقته مها، أختي الصغرى قالت لي: “أبويا وأمي نزلوا بمها البلد وعملوا لها عملية مش عارفة اسمها، احنا نزلنا عند دكتور اسمه خالد وعملنا العملية وأمي قالت لي ما تقوليش لحد”.
تابع أحمد أنه سأل والدته عن نوع العملية وبعض ضغوط كبيرة أخبرته بنوع العملية التي اجريت لأخته وأنها استأصلت رحمها، مبررة ذلك بأنها كانت تخشى عليها من سيناريو البنت التي حملت قبل شهور في احدى القرى المجاورة لهم، وخشيت أن يكون مصير أخته مثل مصير تلك البنت التي انتشرت سيرتها في المنطقة بأكملها قائلا ” اغتصاب المعاقين بقا منتشر بشكل كبير في الشرقية، واحنا بيتنا على شارع وقريب من طريق عمومي وفيه عربيات وتوك توك وشباب غريبة بتعدي كل شوية”.
يتابع أحمد، أختي الصغرى أخبرتني انهم توجهوا في نوفمبر 2013، إلى مركز الحسينية في الساعة التاسعة مساءا بسيارة خاصة استأجروها وقالوا أنهم سيجرون كشفاً على “مها”، وأن الطبيب وجه بضرورة إجراء عملية عاجلة لها تريد عملية عاجلة، إلا أن مواصفات العيادة كما وصفتها ولاء في حديثها لأخيها أحمد كانت مثيرة وقالت “إحنا طلعنا في أسانسير في دور عالي ودخلنا شقة كان فيها ثلاث أو أربع سيدات، وكان باب العيادة مقفول، وقعدنا تقريباً ساعة وأختي جوه وبعد كده أمي قالت إنها خلاص هتعمل العملية، ورجعنا الساعة 2 باليل ومها كانت مش فايقة، وأمي رفضت حد يقابها”
وأبدى أحمد انزعاجه ورفضه لإجراء عملية استئصال الرحم لشقيقته، غير أنه عاد وقال إنه لم يكن ليعرف كيف يتصرف، وأنه حاول معرفة عنوان الطبيب لإبلاغ الشرطة، إلا أنه لم يصل إلى عنوان العيادة التي يقوم فيها الدكتور بعمل هذه العملية.
وبحسب وصف أحمد، فإن شقيقته تحولت إلى شخصية اخرى بعد إجراء العملية، وعزفت عن الخروج إلى الشارع ولم تعد تتواصل مع أحد، وهو ما أدى إلى تدهور حالتها واصابتها بحالة تشنج من فترة للأخرى رغم عدم معرفتها بنوع العملية التي أجريت.
وتبلغ نسبة المعاقين ذهنيا في مصر نحو 22.4%، من مجمل المعاقين في مصر البالغ عددهم 12 مليون معاق، وفقاً لتقريرين صادرين في عام 2013 عن منظمة الصحة العالمية، والمركز القومي للتعبئة العامة.
ويتضمن نصوص القانون رقم 12 لسنة 1996 والمعروف باسم “قانون الطفل”، فصلا خاصا عن رعاية الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة وتأهيله، فضلاً عن تعيين نسبة 5% منهم فى الوظائف الحكومية، ويحظون بتخفيض أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنسبة 92 %، وخصصت لهم 32 ناديًا مخصصا للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن الرقابة من قبل الوزارت المختصة فى الحكومة للتعامل مع المعاقين فى غياب تام، فى ظل إجراء مثل تلك العمليات المُجرمة.
عيادات الموت
بعد أن أكدت لنا إحدى الحالات، عن وجود طبيب مجهول يجري عمليات استئصال الرحم بشكل سري في منطقة “صفط اللبن”، التابعة لمحافظة الجيزة، بدأت رحلتنا باتصال مع الطبيب “م.ع” المتخصص فى أمراض النساء والتوليد، لإيهامه بوجود معاقة ذهنياً تبلغ 15 عاماً، ويسعي والديها للبحث عن طريقة لأجراء جراحة استئصال للرحم، فرفض الطبيب الاسهاب في التفاصيل تليفونياً ودعاها للعيادة.

(اطار 2)
كشف تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء ان نسبة المعاقين بمصر فى فئة العمر الاولى (أقل من خمس سنوات) بلغت 2% وفي فئة العمر الثانية (من خمس إلى 14 سنه) 13.1% وفى الثالثة (من 15 إلى 64 سنة)72.1% وفى فئة العمر 65 سنه فأكثر12.8%، وقال التقرير إن أعلى نسبة إعاقة كانت للتخلف الذهنى 22.4% يليه الاصابة بشلل جزئى أو كلى 14.8%، وبلغت نسبة الاصابة بشلل الاطفال 13.1% والصم والبكم أو أحدهما 12.7% وفقد البصر 9.4% وفقد احدى العينين 4% وكانت نسبة المعاقين من فاقدى احدى اليدين او كلتيهما 2.3% وفاقدى أحد الساقين أو كلتيهما 3.7% وذلك من إجمالى عدد المعاقين.
وبلغت نسبة الامية بين المعاقين 61% للذكور و70% للاناث وهى ضعف نسبة الامية بين الاصحاء وبلغت نسبة حاملى الشهادة الابتدائية فأعلى بين المعاقين (10 سنوات فأكثر) 28.3% وهى نصف النسبة لاجمالى الجمهورية البالغة 58.3%، وقد انعكس ذلك على معدلات مساهمة المعاقين فى النشاط الاقتصادى، حيث بلغت النسبة 24.9% فقط وهى حوالى نصف النسبة لاجمالى سكان الجمهورية البالغة 44.7%، وأوضح التقرير أن نسبة البطالة بين المعاقين بلغت 14.4% للذكور و21.8% للاناث وهى نسبة مرتفعة مقارنة باجمالى نسبة البطالة على مستوى الجمهورية 7.7% للذكور و 19.2% للاناث.

بناية تزيد أدوارها عن 10 أدوار علوية، داخل إحدى الشوارع التي يغلب عليها العشوائية، فيما كانت تحيط القمامة بالمكان من كل الجهات، وتقع العيادة في الدور الثاني من البناية، واستوقفتنا لافتة كبيرة مدون عليها (عيادة الأمراض الجلدية وتجميل الجلد بالليزر)– اتضح بعد ذلك انها خدعة من الطبيب حتى لا يكتشف أحد عمله السري – العيادة تشمل 3 غرف ومراقبة بالكاميرات، وتعج بالفتيات بعضهن بصحبة رجال، وأخريات بمفردهن، ومعظمهن من الحوامل، 30 دقيقة استغرقها “محررا الصباح” ودفعا 200 جنيه قيمة الكشف، وانتظرا الدور حتى جاء لقاء الطبيب، وعند عرض إجراء عملية لاستئصال الرحم من فتاة معاقة ذهنياً، رحب بشكل كبير، كاشفاً عن أنه أجرى هذا النوع من العمليات أكثر من مرة لفتيات معاقات ذهنياً بطلب من أسرهم.
وكما يليق بتاجر وليس طبيب، سارع بفرض شروطه لإجراء العملية، والتي تضمنت دفع 6 آلاف جنيه منهم 4 آلاف مقابل أجرة يده – حسبما قال، وألفين آخرين سيتم دفعها للمستشفى الذى سيجري فيها العملية بمنطقة مدينة نصر، موضحاً أنه سيجري العملية بمشاركة طبيب تخدير وممرضتين على الأقل، واستكمل الطبيب “قبل اجراء العملية سيوقع المسؤول عن الحالة على تعهد بعدم مسؤولية الطبيب أو المستشفى عن العملية، وأن الفتاة كانت تعاني مرضاً يستوجب استئصال رحمه بسببه، وأضاف قائلاً: “كلها شكليات ما تقلقوش، والعملية لن تستغرق أكثر من ساعة”.
انتهت الصفقة، فى العيادة، ليكشف الطبيب كارثة جديدة، وهي أن المستشفى الذى تجري فيها العملية مستشفى حكومي بمدينة نصر.
(معدا التحقيق) حصلا بعد تقصي طويل على قائمة ببعض العيادات والمستشفيات والمراكز الطبية التي تجري مثل تلك العمليات بعد التواصل هاتفياً مع الأطباء والممرضين فيها، وأحياناً مع بعض الحالات التي أجرت عمليات تخص الاجهاض أو اعادة العذرية المعروفة بـ(عمليات الترقيع) وكذلك استئصال الرحم، وكان أشهرها مستشفي (ج.ك) القريبة من ميدان الحصري في مدينة 6 أكتوبر، والمركز (م.أ) فى حي المعادي، ومستشفى (ش) بشارع السودان في حي المهندسين، وعيادة الدكتور (ا. ع) في منطقة الجمالية، وعيادة الدكتور (م.ر) في رمسيس، وأحد المراكز الطبية بشارع محي الدين أبو العز في الدقي، وعيادة الدكتور (ع. س) في المهندسين.
يقول الدكتور عمرو كمال استشاري الجراحة بمعهد الأورام القومي بجامعة القاهرة، إن التجهيزات الطبية لعمليات استئصال الرحم بشكل عام، تتطلب فحصوات شاملة تجرى للحالة، ويشترط صيام المريضة قبلها بـ 8 ساعات وتدخل العمليات مثل أي عملية جراحية، وعادة ما تستغرق العملية من ساعة إلى ساعة ونصف.
وأوضح كمال أنه في الحالات العادية التي لا ترغب في الانجاب يمكن اجراء عملية مغايرة لاستئصال الرحم، وهي غلق (الأنابيب) الواصلة بين المبايض والرحم وذلك لمنع تخصيب الحيوانات المنوية لتفادي عملية الانجاب، إلا أن هذا الأمر يتم مع المتزوجات، ويعد بديلاً لعمليات الاستئصال.
وفيما يتعلق بالمخاطر التي قد تنتج عن هذه العملية أكد د.كمال، أن الأعراض التي قد تنتج عن العملية، تتمثل في مضاعفات قطع الشرايين وتربيطها مرة أخرى وهو ما يمكن أن يحدث معه نزيف حالة عدم اجراؤها بشكل صحيح وتتطلب متابعة من الطبيب بعد اجراء الجراحة لساعات وفي بعض الحالات تتطلب متابعة لمدة 24 ساعة للتأكد من عدم وجود أي أعراض بالأعضاء الأخرى.
وأكد عمرو أن اجراء مثل هذه العمليات يعد مخالفا للشرع والقانون وآداب المهنة، وأنه لا يجوز اجراء هذه العمليات في العيادات أو المستشفيات حتى لو كانت بموافقة الأهل، وأن هذه العمليات تجرى فقط في حالة الأمراض الخبيثة أو الدواعي الطبية التي تستوجب ذلك الأمر وتتم بعد الانتهاء من كافة الفحوصات، وأنه في حالة اجراء هذه العملية نتيجة مرض السرطان أو اي مرض عضوي في الرحم يستدعي استئصاله تستغرق العملية نحو الساعتين وتستوجب متابعة لمدة يومين تحسبا لأية أضرار بالشرايين والمنطقة التي اجري بها الاستئصال.

النقابة والوزارة
د. طارق كامل رئيس لجنة أداب المهنة بنقابة الأطباء، قال إن إجراء عمليات استئصال رحم المعاقات ذهيناً مخالف للائحة آداب المهنة رقم 238 لسنة 2003 بتاريخ 5 سبتمبر 2003، حتى ولو كان الأمر بطلب من الأهل أو ولي الأمر لتلك الفتاة خشية أي أمر كان، خاصة أن هذه الأمر يحرم الفتاة من عملية الانجاب حال زواجها، وحتى في حال عدم زواجها لا يحق للأهل استئصال الرحم إلا إذا كانت هناك دواعي مرضية تستوجب استئصاله، وهي أن يكون الرحم مُصاب بمرض ما ووجوده سيفسد باقي الأعضاء ويؤدي إلى الوفاة أو مضاعفات عضوية، ويكون الأمر بناء على تقارير طبية لا حديث شفهي، مؤكدا أن الأمر مخالف للائحة وكافة آداب المهنة، مشيرا إلى أن هناك بعض الاضرابات الهرمونية قد تحدث للفتاة بسبب استئصال الرحم من الممكن أن تؤدي إلى أمراض عضوية خطيرة.
د. كامل، يضيف، الاجراء الذي يتم بعد فحص الشكوى ضد طبيب متهم بإجراء هذه النوعية من العمليات هو إحالة الطبيب إلى هيئة تأديب داخل النقابة، مشكلة بحكم قانون النقابة من اثنين من أعضاء المجلس ومستشار بمجلس الدولة وشخصية عامة يرشحها وزير العدل، وهى هيئة ابتدائية داخل النقابة تحاكم الطبيب تأديبيًا داخل النقابة وتقضى إما بالبراءة أو بتوجيه عقوبة، وهى (اللوم أو التنبيه أو الغرامة ألف جنيه أو إيقاف مؤقت عن العمل)، بمعنى إيقاف ترخيصه من النقابة لمدة قد تصل إلى سنة، أو فصله من النقابة نهائيًا، وعقوبتا إيقاف الترخيص والفصل من النقابة لا يتم تنفيذهما إلا بعد خطوة التصعيد إلى هيئة التأديب الاستئنافية، المختصة فقط بإصدار هاتين العقوبتين.
ويؤكد د. كامل أن هيئة التأديب الاستئنافية عبارة عن دائرة فى محكمة الاستئناف بالقاهرة، مكونة من ثلاثة مستشارين، يضاف إليهم عضو من مجلس النقابة، وطبيب، يختاره الطبيب المحال إلى التأديب، وتجرى محاكمته خارج النقابة، وإذا قررت هيئة التأديب الاستئنافية البراءة فهذا يعنى إلغاء الأحكام السابقة والخاصة بالغرامة أو اللوم أو التنبيه، أما إذا كان بالإدانة فإنه يتم تنفيذ القرارات وتبلغ الجهات المعنية، مثل وزارة الصحة والهيئات الطبية، بفصل الطبيب من النقابة، وبالتالي من مهنة الطب، منوهاً بأن الفترة الذي تولى فيها لجنة التحقيق بالنقابة منذ أربعة أشهر لم ترد إليه مثل هذه الشكاوى، خاصة أن أولياء الأمور هم الذين يقومون بالأمر وهو ما يستبعد معه أمر الشكوى.
وفيما يتعلق بعملية المتابعة الدورية والرقابة على هذه العيادات، أوضح د.كامل أن دور النقابة يقتصر على منح التراخيص للطبيب بفتح العيادة والتي يراعي فيها التخصص، وتتأكد وزارة الصحة من أن المنشأة تصلح لتكون عيادة طبية، كما أن الترخيص الذي يحصل عليه الطبيب يكتب به غير مصرح بإجراء عمليات، مشيرا إلى أن مصر بها نحو 60 ألف عيادة مرخصة على مستوى الجمهورية ويصعب عملية المراقبة الدورية نظراً لضخامة العدد.
وفى مصر نحو 250 ألف طبيب مقيدون بجداول نقابة الأطباء، أحيل إلى لجنة التأديب منهم – وفقاً لرئيس لجنة آداب المهنة د. كامل- نحو 500 طبيب اجري معهم التحقيق، خلال العام الماضي 2015، متهمين في عدد من الوقائع، ومن بينهم 50 فقط أحيلوا إلى لجنة التأديب، وبعضهم تم إيقافه عن العمل وبعضهم تم تغريمه، بينما لم يتم حصر عدد الأطباء الذين أحيلوا للتأديب بسبب إجراء عمليات استئصال الرحم لمعاقات ذهنياً.
وواجه (معدا التحقيق) الدكتور صابر غنيم، رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والترخيص، بما تم توثيقه، إلا أنه قال أن التفتيش الذى تنفذه إدارة العلاج الحر على العيادات والمراكز والمستشفيات الخاصة، يكون إما عن طريق الشكاوى المقدمة من المرضى او المرور الدوري من قبل الادارة، من خلال التفتيش على التجهيزات الطبية ومدى مطابقتها للمواصفات الفنية ويتم دراسة ملف المستشفى بالكامل، منوهاً بأنه في حالة العجز عن التوصل لحل فيتم تشكيل لجنة للتحقيق في الموضوع، او التحويل للجنة آداب المهنة بنقابة الاطباء في حالة وجود شكوى عن اهمال طبى، ومن العقوبات التي قد تصل للمستشفيات المخالفة فأن من الممكن ان يصدر قرار بغلق المستشفى لمدة اسبوعين او سنة – على حد قوله.
د. غنيم يشير إلى أنه في حالة اجراء أي من الاطباء لعمليات استئصال رحم لفتاة معاقة ذهنيا، يعد من مرتكبي إحدى الجرائم الكبرى، وكذلك يعُاقب عليها والدى الفتاة، والأجراء الأمثل والأسرع في حال ثبوت ذلك هو أن يتم تحويل الطبيب وأهالي الفتاة الى النيابة العامة عل الفور.
يؤكد د.غنيم، أنه تم اغلاق 233 منشأة طبية خاصة مخالفة، في عام 2015، من خلال حملات التفتيش والمتابعة الميدانية على المنشآت الطبية الخاصة والتي أسفرت عن غلق 128 عيادة خاصة، 7 مراكز بصريات، 9 مراكز أشعة، 2 حضانة، 2 عيادة تخصصية، 11 مركزا طبيا، 8 مراكز علاج طبيعي، 3 مستشفيات خاصة و63 معمل تحاليل، بإجمالي 233 منشأة طبية خاصة مخالفة، ولم يحدد غنيم نسبة المؤسسات الصحية المغلقة جراء تورطها في إجراء عمليات استئصال أرحام الفتيات المعاقات ذهنياً
وأوضح أن قرارات إغلاق للمنشآت الطبية الخاصة باختلاف أنواعها جاءت إما لعدم وجود ترخيص عمل لها، أو لمخالفتها اشتراطات مكافحة العدوى أو مخالفتها الاشتراطات اللازمة لتشغيلها، مؤكدا أن حملات التفتيش والرقابة على المنشآت الطبية يهدف إلى تطبيق أعلى الأسس والمعايير الصحية في كافة المنشآت الصحية وضمان التزامها بأعلى مستويات الدقة، والالتزام في نوعية الخدمات التي تقدمها للمواطنين.
مجلس الاعاقة
وتكشف تقول داليا عاطف، مدير إدارة الطفل والمرأة بالمجلس القومي لشؤون الإعاقة، (جهة حكومية تم تدشينها منذ 2012) إنها تلقت الكثير من المعلومات والشكاوى الشفهية، بشأن عمليات استئصال الرحم للمعاقات ذهنياً، إلا انه لم يتم التوصل لحالات بعينها ليتم توثيقها، مؤكدة أنها علمت أن الكثير من اولياء الأمور وخاصة في الطبقات الثرية يجرون عمليات استئصال الرحم للفتيات المعاقات ذهنيا، خوفا من تعرضهن للاغتصاب والحمل سفاحاً.
داليا أضافت، أن دور المجلس يتمثل في متابعة أي قضايا مرفوعة أو شكاوى بشأن العنف الذي يقع على المعاقين، وأنه في حالة طلب اي حالة رفع دعوى يتم التنسيق مع (المجلس القومي للمرأة) وتتولى لجنة الدفاع فيه رفع الدعوة ومتابعة الاجراءات، ونوهت عاطف إلى أن الجهاز دوره رقابي على الوزارت المعنية، كالصحة والتضامن والتخطيط والاسكان والتعليم، فيما يخص الحفاظ على نسبة 5% من الوظائف لذوى الاعاقة، وكذلك مساواتهم بالموظفين الآخرين، وتوفير تأمين صحي لهم، ومعاملتهم معاملة خاصة.
وتابعت، أرسلت مطالبات عدة لشيخ الأزهر ودار الافتاء منذ 3 سنوات مضت، لمطالبهم بعقد جلسة معهم لمناقشة تجريم تلك العمليات ولم يستجيب لها أحد – حسبما قالت، مشيرة إلى أنها تستقبل على الأقل كل أسبوع شكوى بخصوص تحرش أو اغتصاب للفتيات المعوقات ذهنياً (بمعدل 52 قضية سنوياً)، وفى المعظم يتم اكتشاف تلك الحالات بالصدفة بعد البحث عنهم عندما يتم فقدانهم ويتم اغتصابهن، منوهة أن متوسط الشكاوى تكون لفتيات فى اعمار تتراوح بين 17 – 18.
داليا أكدت أن دول الغرب لديهم حلول فعالة للتعامل مع المعوقين ذهنياً فأحياناً يضعون سوار GPS حوار معصم اليد لتتبعهم فى حال فقدانهم، ووضعهم فى أماكن ايداع مناسبة لتأهيلهم نفسياً وجسدياً.
وقال أولياء أمور بعض الفتيات اللاتي تعرضن لاستئصال الرحم، أنهم قصدوا دار الافتاء أولاً قبل اجراء العملية لبناتهن للحصول على فتاوى تجيز لهم تلك العمليات، غير أن الدكتور، حسين صالح، عضو لجنة الفتوى التابعة لمشيخة الأزهر، قال إن القاعدة العامة التي يقررها الشرع، أنه يحرم شرعاً استئصال رحم المعاقة ذهنياً، سواءً كان دافع الاستئصال هو المشكلات التي تعاني منها المعاقة وذويها بسبب الدورة الشهرية، أو كان الاستئصال بدافع منع المغتصبين من استغلال المعاقة عقلياً جنسياً، أو أي سببٍ آخر، لأن في استئصال رحم المعاقة عقلياً، تعدٍ على عضوٍ في جسم الانسان وبتره، وهذا مخالفٌ للشرع، فلا يجوز استئصال أي عضو خلقه الله تعالى في جسم الإنسان إلا في الحالات المرضية التي لا يكون علاجها إلا باستئصال ذلك العضو. ويضاف إلى ذلك أن استئصال رحم المعاقة عقلياً، فيه إهانةٌ لإنسانية المعاقة وكرامتها.
وأكد د. صالح، أن الشرع يحرم مثل هذه الأفعال كما أنه لابد من أن يتخذ القانون مجراه في عقاب المشارك في هذا الأمر سواء كان الطبيب أو ولي الأمر.، وفيما يتعلق بوجود فتاوى خاصة بهذا تصدر من دار الافتاء الأمر، أشار إلى أن الأمر ليس خلافيا حتى يفتى فيه بل أنه قولا واحدا محرم ومجرم أيضا ويعد تغييرا في خلق الله دون سبب جائز.
الدكتورة فاطمة موسي، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، أكدت أن عمليات استئصال الرحم من المعاقات ذهنياً، تعد جريمة من أبشع ما يكون خاصة، لأنها تكون على فتاة فاقدة التصرف والوعي، وبدلاً من حمايتها يفعلون بها كذلك، منوهة إلى النتائج النفسية لتلك العمليات تكون كارثية خاصة أنها تتحول إلى اكتئاب أو انتحار فى حالة إذا كانت الحالة مدركة ما حدث لها، وأن الأهالي يفعلون ذلك حتى لا يتحملوا المسؤولية والتكليف بالانشغال والمتابعة للفتاة المعاقة ذهنياً.
إذا لم تضع الدولة بأجهزتها حد رادع للأطباء والأهالي المتورطين، في إجراء عمليات استئصال أرحام الفتيات المعاقات، ستستمر انتهاكات براءة الطفولة وسرقة الفطرة بحجة الخوف من العار والفضيحة، وستزيد الظاهرة بشكل لن يمكن ردعه وتتحول إلى بيزنس وتجارة في الأحياء.

 


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *