الاغتراب المزدوج

30 أكتوبر 2014

الاقتصادي  –  جنى عمره تبدد بلحظات، لكن ليس بالقصف أو المعارك. فبعد فترة من نزوحه عن منطقة سقبا شرق دمشق، عاد المسن أبو غياث وعائلته متفائلين بنجاة المنزل من المعارك، عقب رحلة شاقة مع تكاليف الاستئجار الباهظة، ليجد أن حجار المنزل التي صمدت أثناء الحرب، انهارت أمام التزوير. إذ خرج إليه من يدعي ملكية المنزل وبأوراق ثبوتية.

وها هو أبو غياث وما تبقى من عائلته يفترشون أحد أرصفة دمشق بلا مأوى. وربما يكون الآلاف من النازحين أو المهجّرين ضحايا مرتين كحال أبي غياث؛ الأولى ضحايا للحرب المباشرة والثانية فريسة لتجار حرب يستغلون غيابهم لبيع عقاراتهم بالتزوير، كما يكشف هذا التحقيق.

ويوثق التحقيق دهاليز التزوير وانتحال الصفة المنتشرين منذ اندلاع الأزمة السورية على يد تجار حرب، بالتواطؤ مع موظفين ومحامين يستغلون ثغرات بقوانين الوكالات القضائية والملكية العقارية والعقوبات. ويفاقم المشكلة رخاوة العقوبات الجنائية التي من المفترض أن تردع التزوير، وضياع حق أحد الطرفين المتضررين من هذه العملية، إضافة لطول أمد دعوى التزوير في المحاكم، بما يتجاوز 10 أعوام في بعض الأحيان.

ووثق معدا التحقيق خطوات استصدار وكالات مزورة من خلال زيارات متكررة لدوائر الكاتب بالعدل، كما تتبعا طرق التزوير والثغرات المستغلة لإتمام هذه العملية.

وإذا كنت تظن أن الأموات خارج معادلة ضحايا التزوير؟ فأنت لا تعرف شيئاً عن قصة توفيق علمدار من دمشق، الذي سُرق عقاره بموجب وكالة نظمتها شبكات تزوير باسمه عقب وفاته بعامين اذ توفي منتصف عام 2011.

 التزوير يدور بدوران عجلة الأزمة السورية ويطحن معها حقوق المواطنين الذين يلاحقهم هاجس الخوف على بيوتهم من ختم مزور.

وبما أن الحرب مستمرة – منذ ربيع 2011- فالفوضى شقيقتها بكل الظروف. إذ أنّ عائلة سورية تنزح كل 60 ثانية، وفق تقرير مركز الإشراف على المهجرين التابع للأمم المتحدة، الذي قدر عدد النازحين بمعدل 9500 عائلة يومياً.

هذه المأساة تزداد بإعلان مفوضية الامم المتحدة عن وجود 10 مليون شخص هجروا بيوتهم، 6.5 مليون نازح داخل البلاد و3 مليون لاجئ اجتازوا حدودها، وفق إحصائية نشرت بتاريخ 25/8/2014. جميع هؤلاء لا يضمنون عقاراتهم من شبح التزوير الذي يتم إما عبر وكالة مزورة باسم المالك المسافر أو انتحال صفته بهوية مزورة.

شبكات منظمة

في غياب إحصاءات رسمية حول تزوير ملكية العقارات، وثق معدا التحقيق خلال ستة أشهر من التقصي تسع حالات تزوير (ست وكالات وعقدين وقضية اختلاس عقار)، إحداها تدين عدة محاميين، مع إقرار جميع المسؤولين الذين قابلهما معدا التحقيق بوجود التزوير. واستطاعا الاطلاع على سجلات رسمية، وإعداد جدول (مرفق) يضم أكثر من 2300 دعوى قضائية يطالب فيها مواطنون سوريون باستعادة سندات ملكية عقاراتهم التي ضاعت بسبب الحرب أو تعرضت للتزوير، وآخر يضم 22 حكم قضائي بحق مزورين، خلال فترة عام تقريبا، شملت بحث معدي التحقيق وتوثيقهم الحالات من السجلات العقارية خلال الفترة ما بين 15/8/2013 و 30/8/2014.

إضافة إلى ذلك، اتبع معدا التحقيق سير عملية تزوير وهمية لوكالة عن شخص مسافر تم الاتفاق معه على تزوير وكالة باسمه، وفعلاً سارت العملية بيسر حتى مراحلها الأخيرة، إذ كان ممكنا ختمها رسمياً واعتمادها.

“شبكات منظّمة وخبيرة بالقانون تقف خلف عمليات التزوير وليست حالات فردية”، هكذا يصفها معاون وزير العدل السوري تيسير الصمادي، الذي يربط عمليات التزوير بنهش الدستور السوري، لافتاً إلى أن الإعتداء على الأولى هو اعتداء على الأخير، كون الملكية الفردية مصانة بموجب المادة 15 من “أبو القوانين”. لكنه يوضح أن العدل لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الحال بل اتخذت عدة “إجراءات صارمة للقضاء على التزوير”.

ويعرف التزوير بحسب المادة رقم /443/ من قانون العقوبات السوري بأنه “تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يحتج بهما، يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي”.

أرقام رسمية

الخبير العقاري الدكتور عمار يوسف – الذي يضطلع حالياً بعضوية عدة لجان عقارية أبرزها “لجنة إعداد تشريع عقاري موحد” تشكلت عام 2013 بعد ازدياد حالات التزوير والاستيلاء، وكان هدفها إعادة النظر بالقوانين العقارية بموجب القرار رقم 1244- لم يتردد في طرح أرقام كبيرة لحالات التزوير. إذ يقدرها لـمعدي التحقيق بـ 30 ألف حالة بالعاصمة وريفها والتي تتصدر حالات التزوير. تليها مباشرة محافظة حلب بـثمانية آلاف حالة، بينما تحتل حمص المرتبة الثالثة بستة آلاف حالة، فيما تتقاسم سائر المحافظات الإحدى عشرة خمسة آلاف واقعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

رئيس اللجنة ذاتها القاضي في محكمة النقض بديع هزاع – الذي التقاه كاتبا التحقيق مرتين- يختلف مع تقديرات د. يوسف، مشيرا إلى وقوع 11 ألف حالة تزوير بدمشق وريفها الملتهب أمنياً فقط منذ عام 2011. هذا الرقم يقلصه أكثر قاضي التحقيق السابع في دمشق محمد ياسين قزاز، الذي يكشف وجود ما يقارب خمسة آلاف حالة في دمشق وريفها، 50 % من الحالات المسجلة قبل اندلاع الأحداث الدموية. ويتدعم رأي قزاز بما كشفه مصدر رفيع بالقصر العدلي الذي يقدر حالات التزوير خلال عام 2014 بعشرين حالة يومياً، قد تزيد أو تنقص، أي ما يقارب 7300 حالة خلال العام المذكور.

وبحسب المحامية دلال هاشم، فإن تكلفة متابعة قضية التزوير في المحاكم تبلغ 150 ألف ليرة كحد متوسط (885 دولار)، وبالتالي فإن تكلفة متابعة 49 ألف حالة فقط ضمن المحاكم تبلغ وسطياً 735 مليون ليرة سورية (43 مليون دولار).

كيف تتم الوكالة؟

مع النزوح القسري أو هجرة السوريين بسبب الحرب، يصطف الآلاف أمام مكاتب الكاتب بالعدل لإبرام وكالات تدعي تولي أصدقاء أو أقارب الوكالة عن مسافرين أو نازحين للتصرف بممتلكاتهم. لكن الحقيقة أن العديدً من الحالات لم تكن إلا سرقة للممتلكات بالتزوير وانتحال للشخصية.

ففي كل صباح يتجمهر أمام القصر العدلي العشرات من “كتّاب العرائض” الذين يتولون مهمة كتابة الوكالة القانونية وتضمينها معلومات العقار وأسماء طرفي الوكالة مقابل 200 ليرة سورية (1.3 دولار). ثم تحال الوكالة إلى ديوان الكاتب بالعدل لتسجيلها ودفع رسومها؛ 1050 ليرة، (حوالي 7 دولارات). بعد ذلك، يحال طرفا عملية التوكيل إلى الكاتب بالعدل لختمها رسميا بالشكل النهائي بعملية لا تستغرق أكثر من عشر دقائق. وتبقى نسخة الوكالة الأولى مع الوكيل، بينما يحتفظ الكاتب بالعدل بالنسخة الثانية عبر لصقها بمادة “الصمغ” على صحيفة التوكيل الموجودة لديه.

تعريف الوكالة

تعريف-الوكالة-سورية-موقع-الاقتصادي

أربع طرق للتزوير

 اطلع معدا التحقيق على سجلات الكاتب بالعدل في دمشق. وبمراجعة معظم الضبوط التي نظمت تم رصد خطوات تزوير الوكالة العدلية، والتي تبدأ بالتأكد من أن العقار المستهدف شاغراً وأصحابه نازحون أو مسافرون. يعقبها سحب بيان قيد عقاري عن العقار المستهدف، وتضمين معلومات القيد على الوكالة ليتم تزويرها بأربعة طرق. تتبع كاتبا التحقيق هذه الطرق بالتعاون مع قاض مختص، وهي:

جدول 1

تزوير الهوية الشخصية لا يمكن كشفه

“مهند رجولة” أحد ضحايا هذه الطريقة، إذ التهمت إحدى شبكات التزوير عقاره، بعد أن تمكنت من تزوير هويته، وأضافت إلى تفاصيلها صورة عنصر في الشبكة ذاتها، الذي وكّل بدوره عنصراً آخر بملكية منزله.

 وتحصل شبكات التزوير على صورة هوية مالك العقار المستهدف، إما بحكم المعرفة لشخصية أو من السجل المدني دون علمه.

ولا يقف الأمر عند قصة مهند، “فهذه الطريقة سجلت أعلى نسبة في تزوير الوكالة” على ما يؤكد قاضي التحقيق الخامس بدمشق علاء تيناوي، الذي يقرَّ لـ”كاتبي التحقيق” بغياب آلية لكشف هذه الطريقة حتى اليوم.

التيناوي يعتبر أن اتباع قانون الأرشفة الإلكترونية عبر ربط الهويات بأرقام معينة، وتزويد الكتّاب بالعدل بأجهزة لكشفها هو الحل الوحيد لوقف هذه الطريقة. يشاطره بالرأي أغيد الجلاد مدير السجل المؤقت الذي وجد بنظام “الأتمتة الألكترونية” الحل الوحيد.

هذا الخطر الذي يخلفه تزوير الهوية الشخصية لا يلاقي صرامة في العقوبات. إذ يعتبره قانون العقوبات بحسب المواد 452، 454 جنحة تتراوح عقوبتها بين شهرين وسنتين، لأن عملية التزوير تمت دون التنسيق مع جهات حكومية عبر جهاز خاص تستخدمه مافيات لتزوير الهوية الشخصية.

فقدان سندات التمليك يخدم المزورين

من أكثر الكوارث التي تصب في صالح شبكات التزوير، فقدان المواطنين لسندات تمليكهم، الأمر الذي يجعل استرجاع هذه الملكيات غاية في الصعوبة، ولا سيما إذا كانت المنطقة متوترة أمنياً.

ووثق كاتبا التحقيق على مدار ستة أشهر 2317 شخصاً، فقدوا سندات التمليك الخاصة بعقاراتهم في معظم المحافظات السورية باستثناء الشرقية بسبب صعوبة الوصول إليها، وذلك من خلال الرصد اليومي لهذه الحالات في مديريات المصالح العقارية.

محامون وقضاة جزء من الشبكات

وبحسب تشخيص وزارة العدل، لا يمكن لأي شبكة تزوير مهما كانت حرفيتها وتنظيمها أن تكمل مهمتها دون مساعدة من محامين أو قضاة أو موظفين، وإن لم يكن تواطؤاً، فهو إهمال قضاة على أقل تقدير.  فالتعميم الموجه للقضاة برقم “67” عن وزارة العدل – الذي حصل كاتبا التحقيق على نسخة عنه – يفيد بأن تقرير التفتيش القضائي رقم 69 للعام 2013 كشف ارتكاب بعض القضاة “أخطاء مهنية جسيمة” لا سيما فيما يخص التأكد من هوية طرفي الدعوى.

هذا التقصير ليس جوهر المشكلة، إذ يؤكد رئيس الهيئة العقارية القاضي في محكمة النقض بديع هزاع لـمعدي التحقيق تكليف عدة قضاة بمحاكمة قضاة آخرين ثبت تورطهم بالإقرار بوكالات مزورة، كاشفاً عن وجود ستة قضاة حالياً قيد التحقيق في دمشق وحدها. ويتحدث أيضا عن ضبط عدة خلايا بهذا الصدد إحداها تضم قاض وخمسة محامين في دعوى واحدة. وأطلعنا هزاع على إحدى هذه القرارات، لكنه رفض كشف الأسماء حفاظاً على سرية السلك القضائي وحصانته.

الرأي ذاته يتبناه قاضي التحقيق الخامس علاء تيناوي، الذي يؤكد أن تحقيقاتٍ تجرى منذ أشهر مع عدد من كتّاب العدل، على خلفية الاشتباه بتواطؤهم مع شبكات التزوير، لافتاً إلى أن عقوبة القاضي تتراوح بين التنبيه والعزل والإحالة إلى القضاء. لكنه يشدد على ضرورة التفريق بين إهمال القاضي ووقوعه في الجرم.

إجراءات غير مجدية

رافق كاتبا التحقيق ثمانية أشخاص يريدون استصدار وكالات عدلية على مدى ستة أشهر، للتأكد من سلامة الإجراءات وتحديد الثغرات الإجرائية التي تساعد على التزوير. ووثقا ثمان ثغرات قانونية وإجرائية تساعد على ارتكاب جرم تزوير الوكالة، وهو أمر يزيد من قابلية احتماله ما ذهب إليه قاضي التحقيق السابع ياسين قزاز الذي يقدّر فعالية الإجراءات الرادعة للحد من التزوير بنسبة 30-40 %. ويشتكي قزاز من غياب الحلول النهائية لإيقاف التزوير خلال هذه الأزمة، واقتصار القدرة على الحد منه فقط.

جدول 2

ويلاحظ من خلال هذه الإجراءات أن معظمها فشل بسبب طريقة تزوير الهوية الشخصية وإنشاء وكالة بموجبها.

رخاوة العقوبات الجنائية

من الطبيعي أن تستمر عمليات التزوير بكثافة لصعوبة إيقافها من جهة، ولأنّ عقوبة التزوير بعد كشفه تعتبر رخوة من جهة أخرى، هذا ما أقرَّ به قاضي التحقيق السابع ياسين قزاز الذي كشف عن نية القضاء تأسيس لجنة لإعادة النظر بقانون العقوبات الذي يحوي عدة أخطاء في باب التزوير، إذ تعتبر المادة رقم 448 تزوير الأوراق الخاصة التي لا تحمل طابع رسمي في عملية نقل الملكية، كعقود البيع جناية تتراوح عقوبتها بين 3-15 سنة، لأنها تمت بالتنسيق مع دوائر الدولة، في حين تعتبر المادتين رقم 454 و452 من القانون ذاته تزوير الهوية الشخصية جنحة تتراوح عقوبتها بين شهرين وسنتين فقط، علماً أن تزوير الهوية الشخصية من أخطر طرق تزوير الوكالات التي لا يمكن كشفها، ويعود سبب اعتبارها جنحة إلى أن المافيات تقوم بعملية التزوير دون التنسيق مع دوائر الدولة، عبر جهاز خاص لتزوير الهويات بشكل منفرد

قزاز يضيف أن جميع الدعاوى يتعامل معها القضاة بحدها الأدنى، وإذا اعترف مباشرة بجريمته والتمس الرحمة والعفو، فإن القاضي يخفف له العقوبة حتى الربع تقريباً، بموجب المواد المخففة رقم 243 244 245، إضافة لوجود النظرة التقديرية للقاضي مثل طبيعة الجرم وكميته وحجم الضرر الناتج عنه.

متاهة استرجاع العقار

رافق معدا التحقيق أبو عمار أحد ضحايا التزوير في رحلة استرجاع منزله، فجاء الرد: “مشتري العقار ثبت ملكيته في السجل العقاري، لا حق لك في المنزل”، وفشل خمسة أشخاص ممن التقاهم معدا التحقيق في استرجاع عقاراتهم؟

بحسب الحالات التي رصدها التحقيق، تحرص شبكات التزوير على بيع العقارات التي تسرقها مباشرة. وهنا تبدأ الحرب بين مالك العقار الأساسي ومشتريه؛ “فالإثنان لهما الحق بالعقار، إذا اتضح أن المشتري حسن نية “أي لا علم له بعملية التزوير”، هكذا جاء رد قاضي التحقيق السابع ياسين قزاز الذي يؤكد ان القضاء ينظر عملية شراء العقار من شبكات التزوير. فإذا تم بيعه بموجب الوكالة وحدها يعود العقار لمالكه الأساسي ويتبخر حق المشتري، أما إذا أثبت الأخير ملكيته في السجل العقاري يصبح العقار من حقه، ولا حق لمالك العقار، علماً أن هذا المعيار الذي يتخذه القضاء لا يعد فصلاً في تحديد ملكية العقار.

ويتساءل أبو عمار إذا كانت عملية التزوير تمت دون علمه، واستطاعت الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على الفاعل، “فلماذا لا يعيدوا لي منزلي؟” ويضيف: “لا شأن لي فيما إذا كان المشتري ثبت ملكيته في السجل أم لم يثبتها فالمنزل ملكي”.

  القاضي قزاز يقر “بأن هذه الطريقة ليست عادلة لكنها الأكثر منطقيةً”، مضيفاً أن القضاء يحاول الضغط على مرتكب التزوير ليعوض الطرف الخاسر مادياً عن طريق سجنه لمدة 90 يوماً بموجب المادة 460 من قانون أصول المحاكمات. وإذا انتهت المدة ولم يتبين امتلاكه للأموال ينتهي كل شيء، وهذا الكلام ينطبق على الدعاوى المرنة وهي نادرة، فإغلب الدعاوى تستغرق سنوات، هذا الإجراء يندرج ضمن الإجتهاد القضائي على خلفية التزوير، ولا يستند لقانون يحدد هوية مالك العقار.

دعاوى لا أمد لها

بعض دعاوى تزوير العقارات والاستيلاء عليها، يستغرق بين 10-15 عام، إذ تخضع مدة المحاكمة لعدة عوامل ابرزها -حسب القاضي علاء تيناوي- وجود الموقوف وغيابه، ومتابعة المدعي للقضية أو عدمها، إضافة للفترة التي تستغرقها عملية جمع الوثائق والإثاباتات من عدة جهات أخرى عن طريق المراسلات التي تتم بين المحكمة المدنية الجهات التي تمت بها عملية التزوير، تيناوي يردف: “أن استغراق القضية لفترات طويلة أمر موجود في معظم دول العالم بسبب إجراءات جمع الدلائل لأي قضية” لافتاً لعدم وجود مدة محددة لفترة المحاكمة فإذا وجد المدعى عليه في المحاكمة، ولا حقها المدعي واستكملت عملية جمع الدلائل، لا تستغرق الدعوى سوى أيام.

وخلال هذه الفترة يبقى المقيم في العقار مكانه حتى نهاية الدعوى، حتى ولو كانت الشبهات تحوم حوله.

ويرد تيناوي بأن القضاء لا يمكنه إخراج أحد من عقاره حتى يتأكد من هوية مالكه، خوفاً من الإفتراء الذي وصل عدد دعاويه إلى 60 % من مجمل الدعاوى. فسبب التاخير، بحسب تيناوي، يتعلق بعدة عوامل على رأسها الوضع القانوني للعقار إضافة لعدد العقارات وعدد المدعين والمدعى عليهم وطبيعة عملية التزوير وحجم الضرر الناتج عنها.

التزوير بات واقعاً اليوم ولابد من محاربته، فتعديل مواد باب التزوير في قانون العقوبات أمر ملح، على ما يشير المحامي محمد منار حميجو، الذي يشدد على ضرورة رفع العقوبات لتتراوح بين 15-20 سنة بالأشغال الشاقة، واعتبار الوكالة جرم جنائي بالوصف المطلق، ناهيك عن تجريم الموظف المتعاون مع مافيات التزوير بقانون العقوبات الإقتصادية باعتبار هذا الجرم يمس القطاع العام.

وحول تحديد ملكية العقار، يرجح حميجو إعادة العقار وتعويض الدولة للمشتري بنصف خسارته على أقل تقدير، كون المجرم غير قادر على التعويض، وفي هذه الحالة لا يكفي سجنه 90 يوماً بل فرض عقوبات شديدة القسوة عليه

وبالانتظار، يبقى أبو غياث مفترشاً الأرصفة والحدائق في دمشق، بينما عادت الأرملة أم محمد وأطفالها من لبنان، حيث كانت لجأت عند اقارب زوجها المتوفي، بعد أن أبلغها أحد الجيران بأن بيتها في حلب أصبح مسكوناً من شخص آخر يدعّي ملكيته. عادت منذ أشهر لتسكن في خيمة ليست بعيدة عن بيتها، وهي تتابع يومياً الرحلة اليائسة بين المحاكم وسلطات الكاتب بالعدل لاستعادة منزلها، لكن بلا جدوى.

تم إعداد هذا التحقيق بدعم من شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) و بإشراف الزميل حمود المحمود.


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *