بإسهام: آرثر كاربنتييه (Le Monde)، وجايل فور ومارك جوردييه وسارة بنهيده وبينوا توسان وجان مارك موجون (AFP)، وليا بيروشون ووليد بطراوي (Forbidden Stories)، وماريا ريتر وماريا كريستوف وداجانا كولينج وفريدريك أوبرماير (Paper Trail Media)، ومانيشا جانجولي (The Guardian).
“استهداف برج الغفري، الذي يضم مكاتب إعلامية، غربي مدينة غزة”، أوردت قناة الحرة هذا النبأ قبيل الساعة 11:57 صباحاً بتوقيت غزة، في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. كان القناة الأميركية تغطي هجوماً وقع على مبنى الغفري المكون من 18 طابقاً، وهو المبنى الأطول في قطاع غزة. كان المبنى يظهر في أقصى الزاوية اليسرى من الشاشة، قبل أن تهتز الصورة فجأة على وقع انفجار، الذي تطاير معه الحطام وتصاعدت أعمدة الدخان. قالت المذيعة، ولم تكن بعد ملمة بتفاصيل ما حدث: “لا نعرف بعد موقع الضربة، لكنها وقعت للتو ونحن على الهواء مباشرة”.
في هذا الوقت، لم تكن المذيعة على علم بأن الجمهور كان يشاهد بثاً مباشراً عبر التلفاز لوقوع غارة على مؤسسة إعلامية أخرى؛ هي وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس). تلت هذه الغارة هجوماً استهدف قبل ساعة مكاتب المجموعة الإعلامية الفلسطينية، التي تتخذ من برج الغفري مقراً لها. وشغلت وكالة فرانس برس الطابقين العاشر والحادي عشر في برج حجي، الذي يقع على بعد بضع مئات من الأمتار (0.2 ميل) من الغفري.
وثقت كاميرا قناة الحرة الغارة؛ لأنها كانت تبث مباشرة من كاميرا وضعتها وكالة الصحافة الفرنسية على شرفة بالطابق العاشر. تسبب الهجوم في أضرار جسيمة بالمبنى والمكاتب، حيث أحدث حفرة كبيرة في أحد جوانب المبنى، وألحق بالمكاتب دماراً كبيراً. ولحسن الحظ، لم يبقَ أحد في هذا الوقت بمكتب الوكالة في غزة؛ بعد أن أخلى موظفو الوكالة الثمانية المكتب، في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عقب صدور أوامر إسرائيلية بإخلاء شمالي غزة، تاركين كاميرا متصلة بالطاقة الشمسية؛ تبث لقطات حية من غزة على مدار الساعة، وطوال أيام الأسبوع. انفردت وكالة الصحافة الفرنسية بين وكالات الأنباء العالمية الثلاث الكبرى ببثها المباشر من قطاع غزة.
تواصلت وكالة الصحافة الفرنسية على الفور مع الجيش الإسرائيلي، الذي نفى -في البداية- وقوع أيّ غارات على المبنى. لكن عندما طلبت الوكالة مزيداً من التفاصيل؛ أوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن الجيش نفذ هجوماً في مكان قريب، مشيراً إلى احتمالية تسبّبه في الحطام الموجود في المكان، نافياً بشكل قاطع تعرض المبنى للاستهداف بأي شكل من الأشكال. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن المتحدث لم يقدم تفسيراً لحجم الأضرار التي وقعت؛ ما دفعها لطلب إجراء “تحقيق متعمق وشفاف” للوقوف على حقيقة ما حدث.
وعلى الفور، توالت الإدانات؛ فقال رئيس الوكالة ومديرها التنفيذي فابريس فرايز، إن موقع المكتب معروف، وإن التواصل مع الجيش الإسرائيلي كان يتمّ بشكل روتيني؛ لمنع وقوع مثل هذه الهجمات، وللسماح لفريق العمل بمواصلة نقل الصورة من الأرض. وأصدرت لجنة حماية الصحفيين بياناً صنفت الحادث بـ “الهجومي”، فيما طالب الاتحاد الدولي للصحفيين بإجراء “تحقيق فوري”.
ولكن بعد ذلك، تصاعدت حدة الحرب في غزة بشكل كبير؛ حتى إن عدد القتلى الفلسطينيين الذي يقدر بأكثر من 37 ألف شخص، ما زال يتصاعد، و فاق حجم الدمار كل التوقعات. في خضم كل هذا، كاد أن يُغلق ملف هذا الهجوم، إلا أن أريج وشركاءها -بينها وكالة الصحافة الفرنسية- قرروا أن يحققوا في الواقعة ضمن “مشروع غزة” -وهو تعاون عابر للحدود ينسقه اتحاد فوربيدن ستوريز (قصص محظورة)، ويجمع 50 صحفياً من 13 مؤسسة إعلامية، بهدف التحقيق في الهجمات على الصحفيين، والبنية التحتية الإعلامية في غزة والضفة الغربية.
يكشف التحقيق، الذي استمر لمدة أربعة أشهر، أن الدبابات الإسرائيلية -خلافاً لادعاءات الجيش الإسرائيلي- أطلقت القذائف المدفعية مباشرة، أربع مرات، على مكتب وكالة الصحافة الفرنسية من على مسافة تبلغ نحو ثلاثة كيلومترات؛ بين الساعة 11:55 صباحاً و12:09 ظهرا، وفق التوقيت المحلي، في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2023. أصابت قذيفتان على الأقل مكتب الوكالة؛ ما أسفر عن تدمير، وإخراجه عن الخدمة.
تستند نتائج التحقيق إلى تحليلات بصرية مستقلة للقطات البث المباشر، أجرتها صحيفة Le Monde الفرنسية ومنظمة Paper Trail Media. أكد خبراء أسلحة مع خبراء آخرين نتائج التحقيق. تطابقت هذه النتائج مع الاستنتاجات التي توصل إليها التحليل الصوتي الذي أجرته “إيرشوت”، وهي منظمة غير ربحية متخصصة في إجراء التحقيقات الصوتية.
ويقول مهندس تحليل المتفجرات، الذي يعمل بشكل معتاد لصالح الأمم المتحدة، أدريان ويلكنسون: “من شبه المؤكد أن دبابة إسرائيلية أطلقت قذائفها على مكتب وكالة الصحافة الفرنسية”، ويتفق معه خمسة خبراء آخرين على الأقل، بما في ذلك الباحث المستقل في تحليل الأسلحة والصراعات، وور نوار، وفني التخلص من الذخائر المتفجرة (سابقاً) في الجيش الأميركي، تريفور بول، الذي يقول إن الأضرار التي لحقت بغرفة خوادم الحواسيب (الكمبيوتر) كانت متسقة مع مسار نيران الدبابات.
يستبعد ويلكنسون احتمالية إصابة الطابق عن طريق الخطأ، وترسخت لديه قناعة بأن الجنود الذين يقودون الدبابات الإسرائيلية كانوا يعتزمون ضرب ذلك الطابق بدقة، قائلاً: “إن نوع السلاح والدقة المتأصلة في نظام أسلحة الدبابات الإسرائيلية، يعني أن السلاح أصاب الهدف الذي صُوب عليه”، مضيفاً أن السؤال عن “أسباب هذه الضربة يظل من دون إجابة”.
يعد ظهور سلسلة من ومضات الضوء قبل أربع ثوانٍ من كل انفجار في اللقطات الحية، أحد العناصر الأساسية في التحقيق. هذه الومضات هي عبارة عن إطلاق نار، خلص تحليلها بجانب تحليل الانفجارات إلى أنها أطلقت من مسافة تقدر بثلاثة كيلومترات. ويخلص التحقيق الإضافي لسرعة وخصائص الذخيرة، إلى أنها أُطلقت من دبابة؛ وإسرائيل وحدها هي من تملك دبابات في غزة.
تظهر لقطات من برج الغفري -وهو أول مبنى قصف في ذلك اليوم- دبابات إسرائيلية بالقرب من المنطقة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر. وتظهر صور الأقمار الصناعية لشركة Planet Labs في 31 تشرين الأول/أكتوبر والثالث من تشرين الثاني/نوفمبر مئات الدبابات على بعد بضع مئات من الأمتار شمالي منطقة إطلاق النار المشتبه فيها، مع ظهور مسارات الدبابات بوضوح في المنطقة في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر. ولا تظهر صور الأقمار الصناعية وجود أيّ دبابات في الأيام السابقة.
في اليوم الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أعلنت إسرائيل انتهاءها من تطويق مدينة غزة، مشيرة إلى بداية فرض الحصار على القطاع.
وفي رد مكتوب، أصر الجيش الإسرائيلي على عدم وقوع هجوم على المبنى في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، نافياً استهداف مكتب وكالة الصحافة الفرنسية.
وكالة الصحافة الفرنسية ترسل -بشكل روتيني- معلومات عن موقع مكتبها إلى الجيش الإسرائيلي
في بداية الحرب، اعتقدت وكالة الصحافة الفرنسية أنها قد اتخذت كل التدابير الضرورية لتأمين مكتبها في غزة، الذي كان يعمل لمدة 30 عاماً. كانت الوكالة على دراية بالبروتوكولات المتبعة؛ لذا كانت تشارك -بشكل روتيني- عنوان مكتبها، وإحداثيات موقعه على خرائط جوجل، مع الجيش الإسرائيلي، تماماً كما تفعل كل وسائل الإعلام الأجنبية العاملة في فلسطين. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2023، ذكّر ممثلو الوكالة الجيش الإسرائيلي بموقع مكتبهم، الكائن في برج حجي بغزة، أربع مرات.
وفي التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أرسلت وكالة الصحافة الفرنسية خطاباً من رئيسها التنفيذي يحث الجيش الإسرائيلي على “توخي أقصى درجات اليقظة والحذر فيما يتعلق بأمن موظفيها في غزة”، لا سيما بعد سقوط جزء من قذيفة على إحدى شرف المبنى. وفي الليلة نفسها، طلبت جمعية الصحافة الأجنبية مشاركة موقع مكتب وكالة فرانس برس مع الجيش الإسرائيلي، كما كانت تفعل مع أعضائها. وأكدت الجمعية لوكالة الصحافة الفرنسية أنها شاركت معلومات الموقع مع الجيش.
ورغم الجهود التي بذلوها، أبلغ أحد العاملين في المكتب مدير مكتب الوكالة في القدس مارك جوردييه، في الساعات الأولى من يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر، بأن الجيش الإسرائيلي طلب من أحد السكان ضرورة إخلاء المبنى. رد جوردييه قائلاً: “لا تضيعوا دقيقة واحدة، وعجلوا بمغادرة المبنى، سأتصل بالجيش وأعود إليكم في أقرب وقت ممكن”.
بعدها، سارع جوردييه بالاتصال بالجيش مرة أخرى، وأعاد إرسال إحداثيات المكتب له. وفي الساعة 2:26 صباحاً، تعرض مبنى أصغر مجاور لضربة قوية؛ ما أودى بحياة عدة أشخاص، بينهم ثلاثة صحفيين كانوا أمام المبنى لتغطية الغارة المتوقعة على مبنى حجي، الذي تم إخلاؤه. وقال المتحدث باسم الجيش لجوردييه إنهم تمكنوا من وقف الضربة “بفضل اتصاله”.
ما زالت الأحداث التي جرت في هذه الليلة غامضة. وفي رده على الصحفيين بمشروع غزة، قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف منشأة يستخدمها عضو في حماس، لكنه لم يوضح سبب إصدار نداء لإخلاء مبنى يضم مكتب وكالة الصحافة الفرنسية، ثم قصف مبنى آخر.
وفي تشرين الأول/أكتوبر؛ أي قبل خمسة أيام من الهجوم على مكتب الوكالة، كان جوردييه قد أعاد إرسال موقع المكتب للجيش الإسرائيلي.
ردود الفعل
عند اطلاعها على نتائج التحقيق، تقول المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية التعبير والرأي إيرين خان: “وفق القانون الإنساني الدولي؛ تعد البنية التحتية لوسائل الإعلام بنية تحتية مدنية، وبالتالي قد يعد استهدافها جريمة حرب”.
ولا تبدي المتحدثة باسم نقابة الصحفيين الفلسطينيين، شروق أسعد، اندهاشها عند اطلاعها على نتائج التحقيق، قائلة: “لست متفاجئة”، في الوقت نفسه تعبر عن غضبها مما حدث، بالقول: “هذا اعتداء واضح ومباشر على مكتب صحفي… إسرائيل تعرف أهمية البث المباشر، وخاصة وكالات الأنباء ومدى أهميتها بالنسبة للصحافة الدولية التي تعتمد على وكالات الأنباء هذه”.
ووثقت النقابة تدمير 73 مكتباً إعلامياً كلياً أو جزئياً منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023. وتعلق أسعد على هذا قائلة: “لم يتبقَّ شيء”.
يشدد مدير قسم الأخبار الدولية في وكالة الصحافة الفرنسية، فيل شياويند، على ضرورة أن توضح إسرائيل سياستها بشأن البث المباشر، وما إذا كانت تعتبره أهدافاً مشروعة؛ “لأن لدينا ما يكفي من أدلة ظرفية تقودنا إلى هذا الاعتقاد”.
يقول مدير البرامج في لجنة حماية الصحفيين كارلوس دي لا سيرنا: “يحتفظ جيش الدفاع بتاريخ من الهجمات على المنشآت الإعلامية”، مشيراً إلى حوادث سابقة؛ مثل تدمير ما لا يقل عن 20 مقراً إعلامياً في عام 2021، بما في ذلك المبنى الذي يضم وكالة أسوشيتد برس الأميركية وقناة الجزيرة. ويصر على أن هذا يعكس نمطاً ممنهجاً، مرده “عدم مساءلة” الجيش الإسرائيلي عن استهداف المنشآت الإعلامية، قائلاً: “لا يمكن بسهولة تبرير هذه الهجمات بأنها ناتجة عن أخطاء؛ فإسرائيل تعرف كل شيء في غزة”.
قبل 51 دقيقة
أثناء مراجعة لقطات البث المباشر من كاميرا وكالة الصحافة الفرنسية، اكتشفت أريج وشركاؤها وجود لقطات مسجلة للهجوم على مكتب المجموعة الإعلامية الفلسطينية، الكائن في برج الغفري. وقع هذا الهجوم قبل 51 دقيقة من إصابة وكالة الصحافة الفرنسية بالقذيفة الأولى.
ويلاحظ وجود أوجه تشابه واختلاف بين المجموعة الإعلامية الفلسطينية ووكالة الصحافة الفرنسية؛ إذ تعرضت مكاتب المؤسستين الإعلاميتين، اللتين لا يفصل بينهما سوى بضع مئات من الأمتار، لقذائف دبابات إسرائيلية في اليوم نفسه، وكان الفاصل الزمني بين عملتي الاستهداف ساعة واحدة. وفي كلتا الحالتين، كانت لدى المؤسسة كاميرات تبث مباشرة من غزة.
ويكمن الاختلاف فيما بينهما في أن مكتب وكالة الصحافة الفرنسية كان فارغاً عند وقوع الاستهداف، في حين كان هناك أربعة أشخاص -بينهم صحفيان- في مكتب المجموعة الإعلامية الفلسطينية، الذي يشغل الطابق السادس عشر من برج الغفري. وأصيب أحدهم في ساقه، وفق شهادتهم.
في الصباح الباكر من اليوم الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، كان الصحفي المستقل إسماعيل أبو حطب، يحضر قهوته في مكتب المجموعة الإعلامية، بعد ذلك، بدأ في تشغيل الكمبيوتر لنقل لقطات مصورة من الليلة السابقة، يقول أبو حطب: “بمجرد أن جلست لتشغيل الجهاز، لم أعد أرى ولا أسمع شيئاً سوى شعاع أصفر من الضوء”. انهار الحائط على أبو حطب، وأدت قوة الانفجار إلى ارتطام عابد شناعة، صحفي آخر كان بالمكتب، بالحائط المقابل.
فقد أبو حطب وعيه لفترة وجيزة، قبل أن يستفيق ويدرك ما حدث له. يقول: “استهدفونا مباشرة، استهدفوا الطابق الذي كنا فيه”. هرع شناعة لإخراج أبو حطب من تحت الأنقاض؛ خوفاً من وقوع هجوم آخر. انضم إليه نجله هيثم البالغ من العمر 20 عاماً، وبكل قوته سحب أبو حطب وحمله إلى الطابق السادس عشر، صاعداً الدرج، لانقطاع الكهرباء وبالتالي فإن المصعد لم يكن يعمل.
كانت المجموعة الإعلامية تشغل الشقق الأربع في ذلك الطابق؛ ما أتاح لها إطلالة شاملة على غزة. يقول أبو حطب: “من هذا المكان الذي التقط فيه الصور، أشعر بأنني احتضن غزة بالكامل”. ثبتت المجموعة الإعلامية الفلسطينية كاميرات في جوانب الطابق الأربعة، وقدمت خدمات البث المباشر لوسائل إعلامية أخرى؛ من بينها رويترز والتلفزيون العربي.
ويتذكر حسن المدهون، الرئيس التنفيذي للمجموعة الإعلامية الفلسطينية، أنه قبل أيام قليلة من الهجوم الذي وقع في 30 تشرين الأول/أكتوبر، اقتربت الدبابات الإسرائيلية من المبنى، بحيث يمكن رؤيتها من النوافذ الشمالية. يؤكد شناعة أنها كانت في مجال رؤية كاميرتين على الأقل، وأظهرت لقطات بثت من برج الغفري في اليوم السابق للغارة، وجود دبابات إسرائيلية في المنطقة المجاورة؛ ما أنشأ خط رؤية بين المبنى والمنطقة التي أظهر التحليل الصوتي والمرئي أن الدبابات اتخذتها مكاناً تطلق منه قذائفها. (تظهر صور الأقمار الصناعية وجود آثار للدبابات في ذلك اليوم، في حين لم تكن مثل هذه الآثار موجودة من قبل.)
عندما خرج الصحفيون إلى الشارع، نقل شناعة أبو حطب إلى المستشفى لتلقي العلاج. وقرر عابد في هذا اليوم التوجه إلى جنوب غزة، وفي اليوم التالي، عاد المدهون -الذي لم يكن في المكتب أثناء الانفجار- لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من معدات، ووثق بفيديو الأضرار التي لحقت بالمكتب.
وبين 25 تشرين الثاني/نوفمبر و3 كانون الأول/ديسمبر 2023، تعرض مبنى الغفري للقصف مرة أخرى؛ ما تسبب -هذه المرة- في إلحاق أضرار جسيمة للمبنى بالكامل؛ تمثلت في انهيار أجزاء كاملة من الطوابق الثلاثة العليا.
ورغم تعرض المؤسستين الإعلاميتين لهجمات مماثلة في هذا اليوم، إلا أن ردود الفعل تجاه الحادثتين اختلفت؛ فالمجموعة الإعلامية الفلسطينية، وسيلة إعلام محلية، في حين أن وكالة الصحافة الفرنسية وسيلة إعلامية دولية، وهو ما ألقى بظلاله على الاهتمام الدولي، ورد فعل إسرائيل، رغم إصابة صحفي في حادث استهداف المجموعة الإعلامية الفلسطينية.
وهذا ما يعده دي لا سيرنا، من لجنة حماية الصحفيين، نمطاً آخر بالقول: “فعادة ما تجرى التحقيقات ويصدر رد عندما يتعلق الأمر بمقتل صحفي دولي أو استهداف مؤسسة إخبارية دولية، أما بالنسبة للصحفيين المحليين؛ فإن الرد المعتاد يكون أن الأمر لا يعدو كونه جزءاً من دعاية معادية للجيش الإسرائيلي”.
وأعربت المتحدثة باسم نقابة الصحفيين الفلسطينيين شروق أسعد عن إحباطها من فشل المجتمع الدولي في إعطاء أهمية لأمن وسلامة الصحفيين ووسائل الإعلام المحلية بالقدر نفسه الذي يوليه لنظرائهم من وسائل الإعلام الدولية، قائلة: “بالنسبة لنا، يعد استهداف المكاتب الإعلامية جريمة في كل الأحوال، سواء كان الاستهداف لوكالة الصحافة الفرنسية أو رويترز أو غيرهما من المكاتب الإعلامية العربية والمحلية”.
عند الساعة 10:31 صباحا من يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، توقف بث كاميرا وكالة الصحافة الفرنسية، الذي ظل يعمل بعد الهجوم، توقفاً نهائياً، ولم يوجد أحد هناك يعيد تشغيل البث. وكان هذا آخر بث مباشر من وكالة أنباء دولية في غزة.
يقول خان: “إذا كان هناك احتمال كبير لارتكاب جرائم حرب، فإن البث المباشر سيكون دليلاً قاطعاً عليها بكل تأكيد”.
يقول المدهون إنهم كانوا يبثون ما يجري من دون اقتطاع ولا تعليق، مضيفاً: “لكن يبدو أن الصورة في حد ذاتها تزعج إسرائيل”.