احتيال مُزخرف

21 يونيو 2016

أحمد عاطف رمضان

الصباح: جلس سامي البكري، الرجل الخمسيني، يحاول الاتكاء على عصاه التي رافقته لعام ونصف، أمام منزله المطل على الطريق، بقرية “الصف” التابعة لمحافظة القليوبية، يشاهد السيارات المارة ويتحسر على أيامه التي قضاها في المهنة التي سرقت عمره (قياداة سيارات أجرة). بعدما إنفجر الإطار الأمامي لسيارته الممتلئة بكامل ركابها، على طريق مصر اسكندرية الزراعي خلال نزوله من محور قليوب، ما أدى إلى انقلاب سيارته.
الحادث تسبب بوفاة 7 ركاب، فيما تعرض البكري لكسر شديد في قدمه اليسرى وجروح متفرقة بالوجه واليدين كادت تودي بحياته، فيما زرعوا له لاحقا 12 شريحة ومسمار في قدمه.
يقول سامي، في إفادته المسجلة بتحقيقات النيابة، إن إطار السيارة الذي إشتراه مالك السيارة بالرغم من أنه قديم إلا أنه عند رؤيته تشعر وكأنه جديد(مبرراً ذلك بالتوفير في نفقات صيانة وتجديد السيارة)، وأنه هو السبب الحقيقي في حادث سيارته، مضيفاً “ما اتخيلتش إنه ممكن يعمل كده”.
سامي يضيف، أن أصحاب السيارات لا يهمهم حياة المواطنين، وبعضهم يذهب لشراء إطارات معاد تجديدها لسياراتهم بأسعار زهيدة تصل لثلث ثمن الإطار الجديد، وأن تلك الاطارات من أخطر أسباب حوادث الطرق.
حالة سامي، المتضررة من حادث سيارة بسبب إنفجار إطار السيارة، لم تكن حالة فردية، ففي مصر 12 ألف مواطن يموتون بحوادث طرق سنوياً، وفقاً لتقرير صدر عام 2014 لبرنامج سلامة الطرق، فيما تقول منظمة الصحة العالمية إن مصر تخسر سنوياً ما بين 20 إلى 60 مليار جنيه نتيجة حوادث الطرق.
يكشف هذا التحقيق قيام أصحاب ورش ومحال بيع اطارات غير مرخصة، بإعادة نقش (حفر) الاطارات بعدما تنتهي صلاحيتها بتجاوز مسافة تتراوح بين 40 – 50 ألف كيلو متر حددتها الشركات العالمية للاطارت، بأدوات وطرق بدائية مخالفة للمواصفات القياسية لإعادة تجديد الاطارات، لبيعها من جديد فى السوق على أنها صالحة للاستخدام، في غياب رقابة مباحث التموين التابعة لوزارتي الداخلية والصناعة والتجارة مما يتسبب في زيادة حوادث الطرق ويعرض حياة مواطنين للوفاة أو الاصابة.

قرية “الذهب الأسود”
بعد تتبع إطار سيارة سامي، والمكان الذي إشترى منه مالك السيارة هذا الاطار، توصلنا إلى قرية “ميت الحارون” التابعة لمدينة “زفتي” بمحافظة الغربية، والذي يطلق عليها اعلامياً مسمى “قرية الذهب الأسود” نظراً لأن أكثر من 80% من الأهالي والأسر يعملون في تدوير إطارات السيارات، إذ يقومون بجمع الاطارات منتهية الصلاحية (غير الصالحة للاستعمال) ويقومون باعادة تدويرها وصناعة المقاطف “وعَاء صغير مصنوع من الجلد” ومن ثم ببيعها، وأن شباب القرية بتلك الطريقة يحاربون البطالة المنتشرة في البلاد، حيث يوجد 3.5 مليون عاطل عن العمل في مصر من إجمالي قوة العمل في الربع الثاني من 2015، أي بنسبة 12.7% من المصريين وفق بيانات الجهاز المركزي للاحصاء في 2015.

6815d02a-51fd-407e-9ed7-0002bba2007b


إطار سيارة سامي، كان خيطاً لتحقيق إستمر نحو شهرين، للكشف عن تلك القرية “ميت الحارون”، التي تحتوي قرابة 200 ورشة ومحل غير مرخص لبيع الاطارات المستهلكة، وخلال تواجد “معد التحقيق” بالقرية في أكتوبر 2015، التي شهدت وجود حملة لإزالات التعديات والمباني على الأراضي الزراعية، حيث بنى بعض أهالى القرية ورشهم عليها، وكانت الحملة بحماية أمنية مشددة، حيث قاموا بهدم وإزالة بعض الورش التي كنا بداخلها بعد تحذيرنا بالخروج، حيث قال المسؤول عن الحملة أن معظم الورش لا تحمل ترخيصاً بل أيضاً مبنية على الأراضي الزراعية، دون مقاومة من أصحاب ورش لأنهم يعلمون أنهم مخطئون.

أصحاب سيارات متورطون
محمود السيد (اسم مستعار)، 38 عاماً، سائق سيارة نقل ثقيل من محافظة القليوبية ويحمل رخصة قيادة درجة أولى، قال إن السيارة النقل التي يعمل عليها يكلف تغيير اطاراتها 112 ألف جنيه (13.500 ألف دولار) حيث تشمل السيارة من نوعية (3 اكس) على 28 إطار 16 منهم في المقطورة و12 في القاطرة الامامية، الزوج الجديد (الاثنين منهما) أسعارهم لا تقل عن 8 الاف جنيه (960 دولار)، لذلك يقوم مالك السيارة بشراء إطارين جديدين فقط يتم تركيبها في المنطقة الأمامية التي تحمل مقدمة السيارة، فيما يذهب إلى قرية “ميت الحارون” حيث محلات الاطارات المستعملة ويقوم بشراء باقي الاطارات كلها المطلوبة (أي ما يقرب من 26 إطار) من المستعمل المعاد ترميمه الذى يبدو كأنه جديد بتكلفة تبلغ ربع المبلغ تقريباً 2000 جنيه (240 دولار) لتوفير الأموال.
رغم معرفة (محمود) أن تلك الإطارات تمثل خطورة على حياته، وحياة غيره ممن يسيرون على الطرق السريعة، إلا أنه لا بديل لديه لأنه في حال ترك عمله سيفقد مصدر رزقه ولن يتمكن من تمويل أسرته المكونة من زوجته وطفلتين.

الطريق لـ”ميت الحارون”
اطارات مهملة على جانبي الطريق، وعشش وأكواخ ممتلئة عن آخرها ببقايا الاطارات الممزقة، وسيارات تخرج وتدخل تمتلئ بالإطارات المقبلة أو الخارجة من تلك القرية التي تستهلك مدة الساعتين لتصل إليها من القاهرة.
في القرية، طلبة تركوا مدارسهم للعمل في ورش الاطارات والبيع، لمساندة عائلاتهم، بالرغم من أن القرية بها مدرسة ابتدائية – بحسب تأكيدات بعض الأهالي في القرية الذي يبلغ تعداد سكانها 3 آلاف نسمة وفقاً لإحصاء الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.
كاوتش “صنعة”
يقول أحمد المصري، 27 عاماً، تاجر وموزع إطارات، إلتقاه “معد التحقيق” خلال تجواله في القرية، أن الاطارات التي يتم تجميعها عبر مناقصات حكومية أو خاصة من محافظات السويس والاسكندرية والقاهرة وبورسعيد، بأسعار تصل إلى 2% من سعرها الحقيقي بعدما استهلكت أعداد الكيلوهات المحددة لها وانتهت صلاحيتها يتم تقسيمها لثلاثة أنواع، الأول الذى يتم تقطيعه وتدويره لصناعة المقاطف، والثاني يتم تقطيعه بمقاسات 5 سم*5سم (خمسة في خمسة) عن طريق آلات كهربية تقطعها بشكل خاص ليتم استخدامها كوقود لأفران مصانع الأسمنت بديلاً عن الفحم حيث تشتريه مصانع الأسمنت بأثمان رخيصة عن الفحم والبنزين والسولار، أما النوع الثالث فيتم اختيار الاطارات ذو الحالة الجيدة من حيث المظهر الخارجي ومن الجانبين والتى بسبب استعمالها أصبحت (ملساء) بلا حفر أو نقشات، ويتم إعادة حفره من جديد عن طريق آلات صغيرة مخصصة لهذا الأمر لتظهر حديثة بشكل جيد بعد مسحها أو غسلها بالمياه، وتباع كإطارات صالحة للاستخدام.

30d13cdb-1211-4f44-bd49-6afc1915ef6a
معد التحقيق أثناء تجواله بالقرية

“معد التحقيق” توصل بعد ثلاث مرات تردد خلالها في ثلاث أسابيع متفرقة على القرية قضى خلالها ساعات كثيرة مع الصنايعية والتجار والبائعين ودخل أكثر من 10 محال بيع وورش، وعلم أن في القرية أربعة نقاشين للإطارت وتلك هي مهنتهم فقط حيث يعطي لهم أصحاب محال بيع الاطارات خصيصاً الإطارات ليتم حفرها واعادة نقشها من جديد ليصبح مظهرها الخارجي قابل (لجلب الزبون) بحسب محمد أحد النقاشين بالقرية، وتتراوح أسعار عملية اعادة النقش وفق تتبع معد التحقيق بالنسبة لاطارات النقل الثقيل من 7: 10 جنيهات، أما الاطارات الصغيرة فتكون 5 جنيهات فقط.

نقاشين الموت
يزعم محمد نقشة – وتلك هي شهرته – أحد نقاشين الاطارات في “ميت الحارون” والذي يمتلك ورشته الخاصة داخل منزله، ويستخدم (كاوية صلب موصلة بالكهرباء) يتم تسخينها في اعادة النقش – استطعنا تصوير عملية اعادة النقش كاملة – أن النقشة الذي يقوم به لها فائدة كبيرة جدا بالنسبة للسائقين، فإذا كان الاطار ممسوحاً وبلا نقش في الجزء العلوي ومستخدمة في سيارة نقل على سبيل المثال، إذا حاول السائق استخدام الفرامل يقوم الاطار بالانزلاق وتكون السيارة معرضة لأي حادث أو الاصطدام بالسيارة الموجودة أمامها، ولذلك يقوم باعادة نقش الإطار من جديد من خلال تفريغ مسارات سطح الإطارات لتساعده عندما يستخدم الفرامل بالتشبث والتمسك في الأرض.
نقشة يضيف، أنه عندما يكون الاطار (بلا نقش) ويتم عرضه في محلات بيع الاطارات تجبر مالك المحل لبيعه بثمن بخس وأقل بكثير مما إذا كان منقوشاً، أما في حال إعادة نقش الاطار يتم رفع سعر الاطار لأنها تجعل الزبون سعيد بمظهرها الخارجي، منوهاً بأنه يعمل منذ 40 عاماً في تلك المهنة (اعادة النقش)، وأن القرية بها ما يقرب من 4 نقاشين للاطارات ينتجون بشكل متوسط يومياً 40 اطاراً بمعدل 10 لكل نقاش يومياً.
نقشه يزعم، أن الإطار مسموح بنقشه لمرتين فقط وذلك لأن سمك المادة الكاوتش (اللحمية – بحسب تعبيره) يتم تآكلها بعد ذلك خلال عملية الحفر، منوهاً بأن بعض السائقين يلجأون لإعادة نقش إطاراتهم عندما يذهبون لتجديد رخص سياراتهم حيث تفحص السيارة والإطار شكليا من قبل شرطة المرور التابعة لوزارة الداخلية، فإذا كان مظهر الإطار غير منقوش لا يتم التجديد له.

ماكينات سرية
بعد أكثر من شهر من البحث والتقصى تأكد “معد التحقيق” من أن معظم أصحاب محلات بيع الإطارات في القرية يحتفظون بشكل سري بماكينات نقاشة كهربية (في حجم كف اليد وتشبه ماكينات الحلاقة الكهربية ولها مقدمة مدببة يتم غرسها فى كاوتش الإطار لإعادة حفره) حيث يستخدمونها بشكل خاص لاعادة حفر إطارات قبل عرضها للزبائن من السائقين – استطاع معد التحقيق تصوير ماكينات منها، إذ يبلغ سعرها حوالى 2000 جنيه ( 240 دولار) للماكينة الواحده ويتم استيرادها من خارج مصر.

الطريق للاختبار

(إطار 1-1)
طبقا للمواصفات القياسية للإطارات المجددة لعام 2015، المادة 109، بند رقم(3.2.9) فإن ثمة شروط لإعادة الحفر أولها وضع كلمة  “REGROOVABLE ” على الاطار أو الرمز بقوسين مفتوحين فارغين من الداخل هكذا “….” ليبين لمن يشتريه أنه معاد نقشه ولا يتم خداعة، وشددت المواصفة على أن من يقوم بذلك لابد أن يكون شخصاً تقنياً.

بالرغم من أن المشهد الواضح للعيان أن تلك الإطارات مخالفة للمواصفات القياسية المحلية والعالمية، إلا أن “معد التحقيق” قام بشراء اطارين من هذا النوع من الاطارات المُعاد نقشها، واختار اطارات خاصة بالنقل الثقيل لأنها الأخطر في حوادث الطرق وتتسبب في كوراث على الطرق ، وذلك لاختبار صلاحيتهم ومدى مطابقتهم للمواصفات القياسية، حيث أكد لنا التاجر الذي ابتعناه منه أن الإطارين صالحين للاستخدام مشيراً إلى أن سعر الإطارين جديدين يبلغ حوالي ألفى جنيه، بينما على حالهم هكذا يكون سعرهم 400 جنيه فقط (48 دولار).

ذهب “معد التحقيق” بإطار منهم لـ”هيئة المواصفات والجودة” التابعة لوزارة الصناعة والتجارة لفحصه حيث أنها الجهة الحكومية المختصة بفحص واختبار الإطارات، وفي ذات الأثناء ذهب بالإطار الآخر لأحد التوكيلات العالمية للإطارات (توكيل دانلوب في مصر) للكشف عن جودته ومدى صلاحيته وامكانية استخدامه من جديد على تلك الحالة التي اشتريناه بها.

يقول اللواء عادل ترك رئيس هيئة الطرق والكباري التابعة لوزارة النقل، إن الهيئة لديها حصر وتصنيف لحوادث السيارات، ووفقاً للاحصاء الأخير فى 2014، فإن نصيب السيارات الملاكي أو الصغيرة من حوادث الطرق يبلغ 45% من اجمالى الحوادث، فيما كان نصيب السيارات النقل من الحوادث النقل 25%، مشيراً بأن هذه النسبة الخاصة بالسيارات النقل “مهولة” خاصة لأن حوادثها يكون فيها حجم كبير جدا من القتلى والجرحي لما تسببه من حوادث أخرى لاحقة بالحادث الأساسي.
منوهاً بأن الهيئة معنية بالأمان والسلامة على الطرق السريعة، التابعة للهيئة، وأن أرقام أصبحت مزعجة جدا، وأن الاسباب موزعة على العنصر البشرى وحوادث عن المركبات وثالثة عن أخطاء فى الطرق، وأكبر عنصر متورط فى حوادث الطرق هو عنصر السيارات، خاصة أن معظمها قديمة أو بها عيوب فنية فى الاطارات، وكهيئة لى سلطات فقط على الأوزان، بحيث ألا يتجاوز 13 طن على كل أكس، وذلك بيتم تحديده من رخصة السيارة حيث وضعنا بمشاركة ادارة المرور لوائح خاصة بتلك الأوزان، ولا تحصل أى سيارة على رخصها إلا بالحصول على ترخيص من الهيئة خاص بالسماح الوزن،
أما عن دور الهيئة للتقليل من الحوادث، فقد خصصنا طرق خاصة بسيارات النقل فقط مثل طريق السويس، وكذلك تخصيص حارات فى الطرق للسيارات النقل مقيدة بسرعة محددة، كما أن وزير النقل الدكتور سعد الجيوشي أنشأ هيئة خاصة لسلامة الطرق وسيارات النقل.
اللواء ترك طلب مراقبة وفحص ضباط المرور والميزان ومحطات الوصول بفحص الإطارات والتأكد من سلامتها، وذلك لما تمثل خطورة على كل من يسير على الطريق وليس على الشخص وحده.
نتائج الفحوصات والاختبارات
تلقى “معد التحقيق” اتصالاً هاتفياً من مسؤولي هيئة المواصفات والجودة بعد حوالي أسبوعين، قالوا له إن الإطار الذي تم ارساله مستخدم من قبل ولا مواصفات له، وبعد محاولات مضنية لتخطى الروتين الحكومي والاجراءات بالهيئة، تم إرسال الإطار من قبٍل هيئة المواصفات إلى الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات الموجودة بمحافظة الاسكندرية التابعة لوزارة التجارة والصناعة والخاضعة لإدارة هيئة المواصفات والوجودة، وبعد أسبوعين آخرين، حصل “معد التحقيق” على تقرير رسمي موقع بختم هيئة المواصفات والجودة المصرية، يؤكد أن نتيجة الفحص الظاهري للإطار يظهر عليه التآكل بشكل غير منتظم كما أنه يحوي مواداً غريبة غائرة داخل مداس الإطار (حديد وزلط) صغير، وغير مدون عليها أي عبارات دالة على التجديد retreated، وأن الاطار غير صالح للاستخدام.
فيما كشف تقرير الفحص الفني لتوكيل “دانلوب للاطارات في مصر” للاطار الثاني الذي أرسلناه لهم، أن الإطار غير صالح للإستخدام ويعرض مستخدميه للخطر وذلك لأنه معرض للفصل والإنفجار في أي لحظة، وشدد التقرير بأن هذا الإطار مرفوض (reject).
التفسير الفني
ويفسر باسم نبيل، مسؤول الدعم الفني في شركة جنرال مصر (توكيل دانلوب للإطارات)، التقرير الفني للفحص بأن من قام بعمل إعادة حفر (نقش) للإطار، هو شخص غير مهني وغير تقني، خاصة لأنه وصل بالحفر للسلك والأحزمة الداخلية للاطار وأصبح هذا السلك معرض للصدى والتآكل نتيجة التعرض للمياه والهواء وأي عوامل أخرى خلال السير على الطريق، ولذلك فهذه الإطارات ستتعرض لفصل في المداس (الجزأ العلوى من الاطار) ويصبح معرضاً للانفجار فى أي لحظة، كما أن من قام بعملية إعادة الحفر استخدم آلات بدائية “على السُخن” وذلك له خطورة كبرى لما له من تأثير على الأحزمة السلكية الداخلية ويعمل على فصل الاطار.

عملية فحص الإطار
عملية فحص الإطار

نبيل، يقول أن لعملية اعادة الحفر (النقش) على الاطار شروط حاسمة، لابد من توفرها وهي أن يقوم بهذه العملية مهندس أو فني تقني متخصص في هذا المجال وبأدوات وماكينات حديثة حتى يكون متيقظ وواعي لمكونات الإطار جيداً وكذلك عالماً بالحد المسموح له بالحفر، كما أنه لابد من وضع كلمة regroving (مُعاد نشقه) بشكل بارز على جانبي الاطار، لا سيما وأن الـ traide (الجزء العلوي للاطار) يتم تركيبه على (أحزمة سلكية) موجودة قبلها وتكون سمكها حوالى 3 ملم، وذلك يكون خلال الاطارات العادية غير المسموح باعادة نقشها من الأساس، أما في الاطارت المسموح لها باعادة النقش (الحفر) فقد جعلت الشركات العالمية الجزء العلوي من الاطار سمكه 6 ملم بدلاً من 3ملم، ليكون مسموحاً للحفر فى الـ 3 ملم، وذلك ليتبقى 3ملم آخرين، يكون بإمكانهم تحمل الأثقال والأوزان الخاصة بالسيارات النقل.
ونوه نبيل، إلى أن هناك ثمة اختلافات بين الاطارت الجديدة والمعاد تجديدها، فالاطارات الجديدة تحتوي في الجزء العلوي على “خطوط طولية” يتم الاستفادة بها خلال تركيبها في السيارات النقل والأتوبيسات التي تسير في الطرق الوعرة لأنها تساعد على المرونة خلال الملفات والدوران، وهذه الخطوط غير موجودة فى الإطارات المجددة أو المعاد نقشها، كما أن هناك بروز واضحة فى الجزء العلوى للإطار الجديد موجودة فى عمق النقش بالإطارات الجديدة ومسماها العلمي “traide wear indactor وهي البروز التي تكون على ارتفاع 1.6 ملم من عمق النقش الحقيقي تقريباً، وعندما يتآكل الإطار أو المادة الكاوتشية حتى يتم الوصول لتلك النقطة، علينا تغيير الاطار بآخر جديد فوراً، لأنه فى حال تخطى تلك العلامة ستكون بمثابة من يسير على إطار أملس لن يعطيك قابلية للتحرك والوقوف بأريحية وربما لن تسطييع التحكم في السيارة، هذا بجانب أن الإطار لن يتحمل الضغط والوزن الثقيل ويكون هذا الإطار مُعرض للإنفجار في أي وقت.
مشيراً إلى أن التعليمات تكون على جانبي الإطار ويجب الانتباه لهم قبل السير، مشدداً بأن هناك بالإطارت الجديدة ندبات على سطح الاطار الخارجي بجوار النقشات الأساسية تكون وظيفتها خروج المياه والهواء، وفي حال تآكلها على الأسفلت بسبب الاحتكاك والسير فيصبح هناك خطورة لعدم وجود أي شىء يساعد على التفاعل مع المياه والهواء خلال عملية الاحتكاك مع الاسفلت، ناصحاً من يشتري تلك الإطارات المعاد نقشها بألا يقوم بتوفير أمواله على حساب حياته وأمانته الشخصية وكذلك الآخرين، وأن الأمر يستحق التمعن والتدقيق والمراجعة – بحسب قوله.
أما عن الأمر الأخطر، وفق نبيل، هو أن إطارات النقل أحياناً يكون مسموحا لعمل إعادة حفر لها لكن في حدود وشروط إلا أن هناك تجار في ورش بير السلم يقومون باعادة حفر ونقش لإطارات السيارات الملاكي رغم خطورته الشديدة.

عقوبة غير رادعة
وبالرغم من أن عقوبة الغش والتدليس وفقاً للمادة الثانية من القانون رقم 281 لسنة 1994 لا تقل عن عام حبس، وغرامة لا تتجاوز 20 الف جنيه، إلا أنها غير رادعة على الاطلاق بل ووفقاً لقانونيين فإنها تشجع على الغش لأنها عقوبات هزيلة وتشكل خطرا كبيرا على حياة المواطنين.

وتنص المادة الثانية من القانون رقم 281 لسنة 1994على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز الخمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز الثلاثين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر:
1- كل من غش أو شرع في أن يغش شيئا من أغذية الإنسان أو الحيوان أو من العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو من الحاصلات الزراعية أو المنتجات الطبيعية أو من المنتجات الصناعية معدا للبيع وكذلك كل من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئا من هذه الأغذية أو العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو الحاصلات أو منتجات مغشوشة كانت أو فاسدة أو انتهى تاريخ صلاحيتها مع علمه بذلك.

2- كل من صنع أو طرح أو عرض للبيع أو باع مواد أو عبوات أو أغلفة مما يستعمل في غش أغذية الإنسان أو الحيوان أو العقاقير أو البيانات الطبية أو الأدوية أو الحاصلات الزارعية أو المنتجات الطبيعية أو المنتجات الصناعية على وجه ينفى جواز استعمالها استعمالا مشروعا بقصد الغش وكذلك كل من حرض أو ساعد على استعمالها في الغش بواسطة كرأسات أو مطبوعات أو بأي وسيلة أخرى من أي نوع كانت.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز السبع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز الأربعين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر إذا كانت الأغذية أو العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو الحاصلات أو المنتجات المغشوشة أو الفاسدة أو التي انتهى تاريخ صلاحيتها أو كانت المواد التي تستعمل في الغش ضارة بصحة الإنسان أو الحيوان.
وتطبق العقوبات المقررة في هذه المادة ولو كان المشترى المستهلك عالما بغش البضاعة أو بفساده أو بانتهاء تاريخ صلاحيتها.

مواجهة مباحث التموين
وطبقا للفحصين اللذين توصل لهما “معد التحقيق”، ولدى مواجهة مباحث التموين الجهة الرقابية المسؤولة عن الاسواق بما تم توثيقه.
يقول اللواء محمود العشيري، مساعد وزير الداخلية لمباحث التموين، إنه تم ضبط 171 قضية قطع غيار سيارات مجهولة المصدر، و335 ألف و826 قطعة من ضمنهم اطارات السيارات، بالإضافة إلى ضبط 42 قضية غش، من 1 أغسطس وحتى 9 نوفمبر 2015، منوهاً بأن الخارجين عن القانون إما يقومون بتدوير الاطارات أو يقومون بإعادة حفره من جديد واعادة رشه وبيعه بالاسواق بعد انتهاء صلاحيته. وإلى نص المواجهة..
معد التحقيق: يوجد قرية كاملة اسمها “ميت الحارون” بالغربية تعيد ترميم الكاوتش من جديد، ويقومون ببيع الاطارات بعد إعادة حفرها من جديد، ويعاد بيعه كأنه صالح للاستخدام؟
اللواء العشيري: عندنا شكوى وعندنا معلومة عن هذا المكان، وسيتم استهدافه قريبا.

معد التحقيق: ذهبنا لتلك القرية واخدنا عينه الاطارات وقمنا بفحص مواصفتها بهيئة المواصفات والجودة وردوا علينا بأنه لا يوجد مواصفات له وأنه غير صالح؟
اللواء العشيري: عموما البلد دي مشهور عنها الكلام ده وهيتم استهدافها
معد التحقيق: ده كمان توكيل اطارات شهير في مصر عمل فحص للاطار وقال النتيجة إن الاطار غير صالح للاستخدام ويعرض حياة من يستخدمه للخطر.
اللواء العشيري: الجهة الفنية هي من تقول إن كان صالح أو غير صالح وبعد التحليل في معمل الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والوراردات الجهة المعترف بها.
معد التحقيق: ردوا علينا وقالوا لنا إنه ملوش مواصفات وغير صالح؟
وبمواجهته بعرض مقاطع الفيديو التي توضح عملية إعادة النقش باستخدام آداة كاوية بدائية للإطارات المنتهية صلاحيتها، وأن نتائج المواصفات والفحص أثبتت أن الإطار مُهدد بالانفجار، قال اللواء العشيري، إن الكاوتش له عدد كيلومترات محدودة يسير به وتررواح بين 50 :70 كم، معترفاً بأن هذا الفعل يعتبره مباحث التموين “غش”.
معد التحقيق: وهل سيتم التعامل يا سيادة اللواء؟
اللواء العشيري: احنا بنتعامل وهنتعامل، ومستمرون، وجرائم الغشة قديمة ومستمرة، ويبدعون فى كيفية الغش، وسيتم فحصها إن شاء الله.
فى غياب تلك الرقابة، لا تزال ورش غير مرخصة تقوم بإعادة نقش الاطارات المستهلكة، تباع باعتبارها صالحة للاستخدام وأصحاب سيارات متورطون في التحايل على حياة المواطنين لتوفير أموالهم مما يزيد من نزيف الاسفلت.

أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) www.arij.net .


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *