أوراق باندورا: جزر العذراء البريطانية مخبأ شركات 'ممول للنظام السوري'

7 ديسمبر 2021

أوراق باندورا: جزر العذراء البريطانية مخبأ شركات “ممول للنظام السوري”

في 23 كانون الثاني/ يناير 2017، بينما تحتشد الجهود للوصول لتسوية بين طرفي النزاع السوري أثناء مفاوضات “استانة”، كان مسئول الإبلاغ عن غسيل الأموال في فرع جزر العذراء لمكتب المحاماة البنمي ALEMAN, CORDERO, GALINDO & LEE، يرفع إلى وكالة التحقيقات المالية بجزر العذراء تقريرًا كتب في 11 من الشهر نفسه، عن النشاط المالي المشبوه بشأن ثلاث شركات مسجلة في الجزر.

الشركات الثلاث التي ضمها التقرير، libra Investments Trading و Samya Investment Limited و Sunset Real Estate Properties Limited، مملوكة لرجل الأعمال السوري سمير حسن، المدرج على قائمة العقوبات الأوروبية منذ 2011 لدعمه نظام الأسد اقتصاديًا.

يستند التحقيق إلى وثائق مسربة حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين” (  )، وشاركها مع “أريج” وعدد كبير من الناشرين حول العالم، ضمن مشروع أطلق عليه اسم “أوراق باندورا”. التسريبات هذه، يحقق فيها أكبر مشروع تعاون صحفي عابر للحدود في التاريخ، تضمّ ملايين الوثائق من مكاتب محاماة، حول الملاذات الضريبيّة، وتكشف عن الأصول والصفقات السريّة والثروات الخفيّة لأثرياء -من بينهم أكثر من 130 مليارديراً- وأكثر من 30 من قادة العالم وعدد من الهاربين أو المدانين ومشاهير الرياضة وغيرهم، وكذلك قضاة ومسؤولو ضرائب وأجهزة مكافحة التجسس.

ويكشف عن استمرار شركات حسن في جزر العذراء البريطانية، بالرغم من العقوبات التي طالته منذ بداية الثورة السورية، بل أنه أسس شركة جديدة عام 2015، متخصصة في العقارات، وهو أحد مجالات عمله في سوريا.

وعلى الرغم من علم السلطات المالية بجزر العذراء بهوية صاحب الشركات، تم حلها في أيلول/ سبتمبر 2017، بالمخالفة لقرار العقوبات الأوروبية رقم 36 لسنة 2012.

من هو سمير حسن؟

في أعقاب الثورة السورية، اشتملت قائمة العقوبات الأوروبية على عدد من رجال الأعمال المقربين من النظام السوري، ومن بينهم سمير حسن “لعلاقة العمل الوطيدة التي تجمعه بماهر الأسد، ولأنه معروف بدعمه للنظام السوري اقتصاديًا”.

وتجددت العقوبات الأوروبية على سمير في أيلول/ سبتمبر 2014، وأضيف إلى أسباب إدراجه على القائمة أنه يتمتع بنفوذ في شركتي إعمار جروب والشام القابضة السوريتين. وتجمعه علاقات بابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، رامي مخلوف.

انطلقت شركة الشام القابضة 2006 بعد أن أعلن رامي مخلوف عن تخطيطه لإطلاق شركة تجمع 70 مستثمرًا من كبار رجال الأعمال السوريين. وشغل مخلوف نائب رئيس الشركة.

واندمجت شركتا إعمار والشام القابضة، في شركة واحدة حملت اسم “إعمار الشام” بهدف تطوير عدد من المشاريع متعددة الأغراض في أهم المناطق السورية.

وخصت وزارة الخزانة الأميركية “الشام القابضة” بالذكر عند إصدارها قائمة بالشركات التي “تدعم الجهود الفاسدة لإعادة الإعمار التي يقوم بها نظام الأسد”. وأضافت الوزارة في بيان لها صادر في 2020 أن الشركة تشرف على إنشاء مدينة ماروتا سيتي التي أنشئت في المناطق التي تم مصادرتها وصدر في حقها القرار التشريعي رقم 19 لسنة 2015 الخاص بتنميتها.

وذكر تقرير صادر في 2020 من مؤسسة “مع العدالة” بعنوان “شبكة رجال الأعمال لتمويل النظام السوري والتحايل على العقوبات الدولية” أن سمير حسن يدير أموال آل مخلوف وغيرهم من المقربين من النظام السوري في أنشطة استيراد المواد الغذائية.

فيما أشار تقرير آخر صادر عن المركز البحثي “مجلس الشؤون الروسية الدولية” إلى أن استثمارات حسن في “صناعة المواد الغذائية حيوية أيضًا خلال إعادة إعمار سوريا حيث سيكون قادرًا على توفير المواد والمنتجات اللازمة لإحياء القطاع الزراعي، وهو أحد أكبر المساهمين في الناتج المحلي الإجمالي لسوريا”.

وإن كانت صناعات الأغذية ليست مشمولة بالعقوبات الدولية، فقد أكد قرار العقوبات الأوروبية أن سمير يساهم في جهود الحرب بالتبرعات النقدية لصالح النظام.

وجاء من أسباب تجديد العقوبات على سمير حسن بأنه يشغل منصب رئيس مجلس الأعمال السوري – الروسي.

ويشير تقرير مؤسسة “مع العدالة” إلى أن سمير حسن “يعمل على تسهيل عمليات التحويل المالي للنظام عبر شركات كوبيت الروسية التي تضم 158 شركة كبرى، والتي قامت بافتتاح فرع مصرفها في سورية لحل هذه المشكلة”.

قبل تجديد العقوبات الأوروبية بنحو ثلاثة أشهر، كان سمير عبر محامي له يستميت لرفع العقوبات الأوروبية، بينما ترفض المحكمة الأوروبية العامة الدعوى، ويعقب ذلك إقرار لجنة الخدمات المالية بجزر العذراء البريطانية في نيسان/ أبريل 2015 للعقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي على ذوي الصلة بالنظام السوري.

ولكن تسريبات أوراق باندورا تكشف عكس هذا، فلم تستمر فقط شركات حسن في جزر العذراء، بل توسعت بإنشاء شركة جديدة.

ضد العقوبات

يكشف مستند مسرب أن رجل الأعمال السوري سمير حسن قام بتأسيس شركة Sunset في جزر العذراء البريطانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، لتمارس أنشطة تجارية تتعلق بالعقارات والممتلكات.

في الشهر نفسه كان حسن يقدم استقالته من منصب مدير شركة Libra Investments Trading Limited الكائنة في جزر العذراء، ولكن مستندًا آخر من التسريبات يكشف أنه كان يملك 10 آلاف سهم في الشركة نفسها في تموز/يوليو 2016.

ويشير المستند ذاته إلى أن عناوين حاملي أغلب أسهم شركة Libra المؤسسة في 2002، مسجلة على نفس عنوان سمير حسن، في دمشق.

وفي الشركتين حصل المحامي اللبناني طارق مكاوي على توكيل بالتعامل باسم الشركة في التعاملات البنكية وإبرام التعاقدات، وهو ما يفرض مزيد من السرية على أعمال الشركتين.

وبالبحث خلف مكاوي وجدناه مؤسسًا وشريكًا لـ7 شركات في لبنان، كما أنه عضو مجلس إدارة شركة تعمل في “التفاوض وتوقيع العقود والاتفاقات بشأن عمليات وصفقات يجري تنفيذها خارج الأراضي اللبنانية”.

وتشمل خدمات هذه الشركة المقدمة لشركات الأوف شور: “إجراء التفاوض وتوقيع العقود وشحن البضائع وإعادة إصدار الفواتير العمال وعمليات خارج لبنان، أو من المناطق الجمركية الحرة في لبنان وإليها ويشمل ذلك استعمال التسهيلات المتوافرة في المنطقة الجمركية الحرة في لبنان لتخزين البضائع المستوردة بغاية إعادة تصديرها”.

“في سياق زيادة العقوبات الأمريكية والأوروبية على سوريا على مدى السنوات العشر الماضية، استغل رجال الأعمال السوريون قوانين السرية المالية والهياكل الخارجية في لبنان التي وفرت الشفافية اللازمة لتشغيل الشركات الواجهة” لارسيا نورمانتون رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة ألبيرو انتلجنس المتخصصة في تقييمات الشفافية في المعاملات الاقتصادية

تواصلنا مع طارق مكاوي لمعرفة دوره في تسهيل التفاف حسن على العقوبات الأوروبية، إلا أنه لم يجب على أسئلتنا.

من هو طارق مكاوي؟

طارق مكاوي، هو الابن الأكبر للسياسي اللبناني جميل مكاوي، من مؤسسي حزب النجادة اللبناني. وشغل جميل مكاوي منصب وزير الأشغال العامة والنقل ما بين عامي 1955 و1956. ووزارة المالية لمدة عام من 1957 إلى 1958.

ووفقًًا لسجل الشركات اللبنانية، تربط طارق مكاوي شراكة مع عدد من رجال الأعمال في شركات تعمل في لبنان في أنشطة متنوعة.

يحمل المستند المسرب بتاريخ أبريل/ نيسان 2017، إشارة واضحة إلى أن المستفيد النهائي من شركة Sunset هو سمير حسن. وجاء في المستند إقرار من مسئول الإبلاغ عن غسيل الأموال في مكتب المحاماة بأن ليس لديه أي شكوك أن شخص عميل المكتب، والمقصود به حسن، أو نزاهته أو سمعته لا تتماشى مع معايير مكتب المحاماة، وحال ظهور خلاف هذا، سيبلغ به الإدارة على الفور.

وسبق أن قدم المسؤول نفسه تقريرًا في كانون الثاني/ يناير 2017 إلى وكالة التحقيقات المالية في جزر العذراء عن ورود أنشطة مالية مشبوهة، لثلاث شركات، من ضمنهم Sunset.

ويرجع سبب رفع التقرير إلى أن المستفيد النهائي من الشركات الثلاث التي ضمها التقرير، وهي: libra Investments Trading و Samya Investment Limited و Sunset Real Estate Properties Limited، سمير حسن المدرج على قائمة العقوبات الأوروبية التي تم تمديدها حتى حزيران/ يونيو 2017، وهي المدة التي قبل شهرين من انتهائها تعهد الموظف بمكتب المحاماة بأنه ليس مرتابًا في أمر مالك شركة Sunset.

هكذا نما إلى علم السلطات أن سمير حسن المدرج على قائمة العقوبات، يمتلك شركات في المناطق الخاضعة لسلطتها.

وبعد أكثر من عام، وتحديدًا في آذار/ مارس 2018، أرسلت وكالة التحقيقات المالية خطابًا إلى مكتب المحاماة بأنها أنهت تحريتها فيما ورد في خطاب النشاط المالي المشبوه الذي سبق أن رفعه مكتب المحاماة، وأحالت تقرير المكتب إلى لجنة الخدمات المالية بجزر العذراء.

إلا أن مستنداً صادراً عن لجنة الخدمات المالية في نيسان/أبريل 2018، يكشف عن أنه تم حل شركات سمير حسن في أيلول/سبتمبر 2017.

يأتي هذا بالمخالفة للمادة 14 من قرار الاتحاد الأوروبي رقم 36 لسنة 2012 المتعلق بالإجراءات التقييدية على النظام السوري التي تنص على أنه “يجب تجميد جميع الأموال والموارد الاقتصادية العائدة إلى، أو المملوكة أو التي يحتفظ بها أو يتحكم فيها الأشخاص والكيانات الطبيعية أو الاعتبارية المدرجة في الملحق الثاني والثاني أ”. وأدرج اسم سمير حسن رقم 50 في القائمة المذكورة في الملحق الثاني.

والتجميد هنا يعني، كما ورد في الفقرة (ح) من المادة 1 من قرار العقوبات الأوروبية: “تجميد الأموال يعني منع أي نقل أو تحويل أو تعديل أو استخدام أو الوصول إلى أو التعامل مع الأموال بأي طريقة يمكن أن تؤدي إلى إدخال تغييرات في حجمها أو كميتها أو موقعها أو ملكيتها أو حيازتها أو طابعها أو وجهتها أو أي تغيير أو تعديل آخر من شأنه أن يمكن من استخدام الأموال، بما في ذلك إدارة حافظة الاستثمارات”.

نجت شركات سمير حسن لمدة تتجاوز ستة سنوات من مقصلة العقوبات الأوروبية والبريطانية، وظلت تعمل في جزر العذراء البريطانية في سلام على الرغم من تقرير الأنشطة المالية المشبوهة التي رفعت إلى السلطات من وكيل تسجيل هذه الشركات. وجاء رد السلطات البريطانية ولكن بعد أن “حلت من سجلات الشركات”.