صُنع في السجن


"جيل ثالث" من "الجهاديين" في السجون المصرية


"تكدَّست السجون بما يفوق طاقتها الاستيعابية مرة ونصف المرة"، هكذا وصف المجلس القومي لحقوق الإنسان حال سجون مصر في تقريره، عن الفترة ما بين عامي 2013 و2017.

منذ أحداث 30 يونيو 2013، وما تلاها من عزل للرئيس الأسبق محمد مرسي، وفضّ اعتصام رابعة العدوية، وارتفاع وتيرة الأحداث الإرهابية التي تستهدف قوات الجيش الشرطة، امتلأت السجون المصرية بآلاف الشباب، ولاختلاطهم بعناصر من الجماعات التكفيرية والجهادية، جُنِّد بعضٌ من هؤلاء الشباب وانضموا إلى تلك الجماعات، سواء في أثناء فترة العقوبة أو بعد خروجهم من السجون، تقابل السلطات المصرية ذلك بالتجاهل، بينما في ديسمبر 2018 أعلن النائب العام لأول مرة عن وجود عمليات تجنيد داخل السجون المصرية، حيث اتهم نزيلان في سجن جمصة العمومي، بالترويج والدعوة للانضمام لتنظيم "ولاية سيناء" بين المودعين معهم في السجن.

من خلال شهادات الأهالي وأصدقاء المحتجزين، ومحامين لبعض المساجين، ولقاءات مع مُفرَج عنهم، إضافة إلى جهاديين سابقين وخبراء في شؤون الجماعات الإسلامية، نروي قصة تحوّل 4 شباب إلى الفكر الجهادي، ونكشف كيف تحوَّلت سجون مصر إلى بيئة خصبة للأفكار المتطرفة، ومركز تجنيد الشباب للجماعات التكفيرية، في مخالفة للائحة السجون التي تنصّ على ضرورة تصنيف المساجين بعد دراسة كاملة لحالة كل متهم، النفسية والشخصية والصحية والاجتماعية.


* جرى تغيير هوية الأشخاص بناء على طلبهم وحرصا على سلامتهم الشخصية




منذ عام 2015 تنتشر العديد من الشهادات لبعض المفرج عنهم تُفيد بأن السجون المصرية مكان مثالي لصناعة المتطرفين، وجذب عناصر جُدد للجماعات التكفيرية، إضافة إلى شهادات أخرى من محامين، تفيد بتحوّل بعض موكليهم، ورفضهم الاستمرار في إجراءات التقاضي.

ويرى القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، الدكتور ناجح إبراهيم، أن المراجعات والحوار مدخل لعلاج هذه الظاهرة، أُسوةً بما حدث مع الجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى الاستفادة من تجارب دول أوروبية وعربية مثل تجربة "مصالحة" لتأهيل المتطرفين في السجون المغربية.

مثل مصر، كانت السجون المغربية تمتلئ بالعناصر المتطرفة من أعضاء السلفية الجهادية، وأصحاب الفكر المتشدد، ممن أُلقي القبض عليهم في أعقاب سلسلة تفجيرات إرهابية ضربت مدينة الدار البيضاء عامي 2003 و 2007، وتفجيرات مراكش عام 2011.

دفع ذلك السلطات المغربية -عن طريق المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج -الجهة المسؤولة عن سجون المغرب- وبشراكة وتمويل برنامج الأمم المتحدة للتنمية عام 2017- إلى إطلاق برنامج "مصالحة"، لإدماج السجناء المدانين في قضايا الإرهاب، ومحاربة الخطاب المتطرف داخل السجون المغربية وتعزيز قيم التسامح لدى من أبدوا رغبتهم في الانضمام للبرنامج.

ركز البرنامج -الذي يجري بالتنسيق مع الرابطة المحمدية للعلماء (رابطة علماء دين في المغرب)- على 3 محاور، هي: المصالحة مع الذات، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع المجتمع.

كما ركز على 4 أبعاد لدى السجناء، هي: البعد الديني وما يتصل به من فهم واستيعاب للنصوص الدينية بالشكل الصحيح، وقناعات السجين الجهادي بخصوص المجتمع والدولة والعالم.

وركز البعد الثاني على الجزء المتعلق بفهم السجين للحقوق والقوانين المنظمّة لعلاقة الفرد بالمجتمع والدولة. وتمثل البعد الثالث في التأهيل النفسي ودراسة التحولات التي مر بها السجين بداية مما قبل السجن مروراً بالمحاكمة وتنفيذ العقوبة السالبة للحرية.

وجاءت المرحلة الرابعة والأخيرة بتأهيل السجين للعودة إلى المجتمع بمؤهلات ذاتية تمكنه من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، بحسب التقرير السنوي للمندوبية العام لإدارة السجون لعام 2017.

وشمل البرنامج تخصيص محاضرات لعرض تسجيلات وشهادات مصوَّرة لبعض عائلات ضحايا الإرهاب، بهدف إشعار السجناء -المدانين بارتكاب هذه الجرائم- بحجم الأذى الذي تسببه أفعالهم المتطرفة للمجتمع وتأثيرها على استقراره.

استفاد من البرنامج -الذي انتهت مرحلته الأولى، ويعمل برنامج الأمم المتحدة للتنمية على استمراره وتقديم الدعم المالي له حتى 2020،- نحو 25 سجيناً مداناً في ملفات الإرهاب والتطرف، يمثلون عيناتٍ من مختلف الاتجاهات الجهادية في "سجن العرجات1" بالعاصمة المغربية الرباط، بحسب المندوبية المغربية لإدارة السجون.





وبعيداً عن الدول العربية، عانت أوروبا من الهجمات التي يشنها أشخاص شربوا الأفكار المتطرفة داخل السجون، ما جعل الإعلان عن خطط مكافحة التطرف في السجون على رأس أولويات الحكومات الأوربية.

ففي فرنسا -التي شهدت سلسلة من العمليات الإرهابية عامي 2015 و2016- أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب، في فبراير 2018، "الخطة الوطنية لمكافحة التطرف"، وكان ضمن بنودها إنشاء 1500 زنزانة لعزل المتطرفين من السجناء الذين يحاكمون بسبب أعمال إرهابية عن باقي المساجين، وإنشاء ثلاثة "مراكز كفالة فردية"، تعتني -بشكل رئيسي- بالأشخاص الخاضعين للسيطرة القضائية، لا سيّما "العائدين" من مناطق الصراع في سوريا والعراق.

تُقابل السلطات المصرية انتشار الأفكار المتطرفة وتجنيد المساجين لصالح الجماعات التكفيرية، بالتجاهل، بينما في ديسمبر 2018 أعلن رسميًا لأول مرة عن وجود عمليات تجنيد داخل السجون المصرية، جاء الإعلان في قرار إحالة صادر من مكتب النائب العام ، المستشار نبيل صادق، حيث اتهم نزيلان في سجن جمصة العمومي بالترويج والدعوة للانضمام لتنظيم "ولاية سيناء" بين المودعين معهم في السجن، بحسب أمر الإحالة للمحاكمة الذي حصلنا علي نسخة نسخة منه، في القضية رقم 840 لسنة 2017 حصر أمن دولة عليا، والمعروفة إعلاميا باسم"خلايا ولاية سيناء".

واجهت وزارة الداخلية أيضاً أسئلتنا وخطاباتنا بالتجاهل، لكن اللواء محمد نجيب، مساعد وزير الداخلية السابق لقطاع مصلحة السجون، ينفي وجود الظاهرة في السجون المصرية "لا يمكن أن تسمح إدارة أي سجن للجماعات المتطرفة بالتأثير على المساجين، وما حدث مع محمود شفيق، أو غيره، حالات فردية من بين آلاف المسجونين حاليا".

بينما يصف الدكتور كمال حبيب -القيادي الجهادي السابق- تأخّرَ الدولة في اتخاذ الإجراءات اللازمة بـ"الخطأ الكبير"، ويضيف أن العلاج يبدأ من إدراك الدولة خطورة تأجيل النظر لما يحدث في السجون من زرع وانتشار الأفكار المتطرفة والتكفيرية، مشدداً على ضرورة وجود مراكز تأهيل داخل السجون للحوار والمناقشة والمراجعات، وإعادة دمج المساجين في الحياة، وقبل ذلك إرادة من السلطة الحالية لتحقيق ذلك.

فريق العمل

تحقيق:
محمود الواقع
تصميم وتطوير:
مروان القاضي
رسومات:
Ivan Cuadro
صور أرشيفية:
روجيه أنيس

إشراف فني
عبد الرحمن يحيى
إشراف تحريري:
مصطفى المرصفاوي
إشراف عام:
رنا الصباغ