وليد حسني - 116 نائبا يقضون 867 ليلة في 33 دولة خلال 12 شهرا

2014/05/13
التاريخ : 13/05/2014

بدأت فكرة إعداد التحقيق مبكراً جدا أثناء مشاركتي في ورشة تدريبية عقدتها شبكة أريج للتحقيقات الإستقصائية في الفترة التي غطيت بها إنتخابات مجلس النواب السابع عشر في الثالث والعشرين من شهر كانون الأول سنة 2013 .
وبدأت بطرح الفكرة أثناء العمل في ورشة التدريب التي حضرها العديد من الزملاء الصحافيين، وتم في حينه الإتفاق من حيث المبدأ على إعتماد إجراء هذا التحقيق، ولدى سؤالي عن المدة الزمنية التي يحتاجها التحقيق ليكون منجزاً أجبت إنه يحتاج الى سنة كاملة، فنحن لم ننتخب بعد مجلس النواب، وحتى تتضح الصورة لدينا فإننا نحتاج الى سنة على الأٌقل.
ومنذ أن بدأ مجلس النواب بالإجتماع في العاشر من شهر شباط فبراير 2013 بدأت بجدية وبصبر حثيث متابعة حركة سفر النواب للخارج، وقد فوجئت بان مجلس النواب أرسل أول وفد برلماني بعد يومين فقط من إنعقاده وكان بعضوية نائب واحد هو النائب عدنان السواعير ولمدة ثلاثة أيام الى بروكسل.
لقد كانت مهمة المتابعة اليومية والحثيثة بالغة الصعوبة لأسباب تتعلق بمجلس النواب نفسه، فهو يتعامل مع الوفود البرلمانية بسرية مطلقة، وبالكاد يفصح عن الوفود التي يقوم بإرسالها للخارج، ولذلك كان لا بد لي من وضع سجل خاص أشبه باليوميات لتسجيل كل المعلومات التي أحصل عليها وأتأكد منها حول الوفود البرلمانية وعدد اعضاء كل وفد، والدول التي يزورونها، وعدد الليالي التي يقضونها خارج المملكة.
ولكون السرية المطلقة هي السياسة المتبعة من قبل الأمانة العامة للمجلس تجاه سفر النواب للخارج، فقد كانت الصعوبات تقف في الطريق دائما، وكانت ملاحقة المعلومات عمل يومي يتم عن طريق سؤال النواب، أو سؤال مصادر موثوقة داخل المجلس، وفي أحيان كثيرة كنت اسأل النواب الذين شاركوا في وفود برلمانية لأتأكد من صحة المعلومات التي بحوزتي، وكانت معظمها إن لم تكن كلها تتطابق تماما مع ما كنت حصلت عليه من معلومات بطرق أخرى.
عندما انقضت عدة أشهر قررت اللجوء الى إستخدام قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، وقدمت أول طلب حق حصول على المعلومات لمجلس النواب، رغم معرفتي المسبقة بأن احدا لم يقدم لمجلس النواب أي طلب انسجاما مع هذا القانون، فقد كنت على إطلاع تام بأن مجلس النواب لم يطبق هذا القانون على نفسه، وبقي خارج الإهتمام تماما بهذا القانون الهام الذي كان مجلس النواب الرابع عشر قد اقره سنة 2007 ليكون الأردن اول دولة عربية تقر هذا القانون.
وعندما قدمت الطلب فوجيء الموظفون به، وأخبروني بأنهم لا يعرفون عنه شيئا وليست ليهم أي دراية بكيفية التعامل مع هذا الطلب ، ولدى سؤالي لهم عما إذا كان المجلس خصص سجلا خاصا لتلقي طلبات حق لحصول على المعلومات أفادوا بالنفي، فضلا عن نفيهم أن يكونوا قد تعاملوا من قبل مع القانون النافذ المفعول منذ العام 2007 ، وطلبوا أن أقدم هذا الطلب مباشرة إما إلى رئيس مجلس النواب مباشرة وكان في حينها النائب سعد هايل سرور، أو تقديمه الى الأمين العام لمجلس النواب وكان في حينها حمد الغرير.
قدمت الطلب الى الأمين العام للمجلس، ورفض منحي إشعارا يثبت أنه تسلم مني طلب الحصول على المعلومات، وأبدى رغبة شخصية بأن يتم التعامل مع طلبي بعيداً عن الجانب الرسمي المتمثل بطلب الحصول على المعلومات، وقال لي إنني أعلم أن مجلس النواب لم يطبق القانون نهائيا، وقال إنه سيمنحني المعلومات التي أطلبها عن سفر النواب الى الخارج بعيداً عن الطلب القانوني الرسمي الذي قدمته اليه بناء على قانون ضمان حق الحصول على المعلومات.
ولكوني لم أعط بالدرجة الأولى الإهتمام الرئيسي لإختبار مدى تطبيق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات في تحقيقي الإستقصائي فقد قبلت إقتراحه شريطة عدم التلكؤ في الإجابة على طلبي.
مرت فترة ليست بالقصيرة والمماطلة سيدة الموقف، وعندما حصلت على المعلومات الرسمية الموثقة عن سفر النواب للخارج كانت مدة رئاسة رئيس مجلس النواب المهندس سعد هايل سرور قد انتهت تماما، وفوجئت بأن الأمين العام زودني بتقرير رسمي ينتهي بتاريخ 10 تشرين ثاني نوفمبر 2013، مما يعني أن تلك الوثائق الرسمية تغطي فقط فترة رئاسة سعد السرور للمجلس، وأخبرت الأمين العام في لحظتها بأنني لم اعد مهتما تماما وفي هذه المرحلة بالذات بالحصول على تلك الوثائق لأنني لا أستطيع الكتابة عنها، لأنه سيتم تفسيرها بأنني أتقصد فقط فترة رئاسة سعد السرور وهذا خطأ كبير وقد يشكل مثلبة كبيرة للتحقيق الإستقصائي الذي انا بصدد إنجازه منذ بضعة أشهر مضت.
وقررت بيني وبين نفسي التريث والتمهل فترة أخرى من الوقت، لكنني قمت في ذات اللحظة بمقارنة ما كنت أوثقه في دفتر يومياتي عن سفر النواب وما ورد في الوثيقة الرسمية فوجدت تطابقا كبيرا جدا وصل الى نسبة 99%، وهو ما شجعني على مواصلة تطبيق خطتي في رصد سفر النواب وهي الخطة المنهجية الأساسية التي اعتمدتها مبكرا في إنجاز التحقيق.
ومرت بضعة أشهر أخرى في فترة رئاسة المهندس عاطف الطراونه، وعدت مجددا في شهر شباط فبراير للمطالبة بالنسخة الرسمية الأحدث من سفر النواب للخارج، إلا أن الأمين العام رفض ذلك بشدة، كوني أصبحت في سباق مع الزمن فقد ذهبت مباشرة الى النائب الول لرئيس مجلس النواب أحمد الصفدي وشرحت له مطولا عن مشروع التحقيق الإستقصائي وما جرى بيني وبين الأمين العام، وتجاوب النائب الصفدي بإيجابية كبيرة جداً وأصدر أمره للأمين العام بتزويدي بكل ما أطلبه من وثائق رسمية موثقة تتعلق بسفر النواب للخارج، لكن الأمين العام رفض مرة أخرى الإستجابة لقرار النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وعاد للمماطلة مجددا.
وعندها لجات الى الى رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونه واخبرته بكامل التفاصيل التي جرت بيني وبين الأمين العام، فأصدر أمره سريعا للأمين العام بتزويدي بكل ما أطلبه.
وبالرغم من أن الأمين العام لجأ مجددا للماطلة فقد رضخ أخيرا وقام بتامين نسخة رسمية من كشوفات سفر النواب للخارج التي تطابقت معطياتها مع ما كنت أسجله من يوميات، فضلا عن كون النسخة الأخيرة التي تنتهي في أوائل شهر آذار مارس 2014 تغطي كامل سفريات النواب منذ لحظة إنعقاد المجلس في دورته غير العادية وحتى العاشر من شهر آذار.
لقد كانت امامي فرصة أخرى لتقديم طلب حق الحصول على المعلومات لكنني تجاوزت هذا الموضوع لأنني وبالرغم من إيماني القاطع باهمية هذا القانون وضرورة تطبيقه في مجلس النواب فقد كان الهدف الأساسي هو إنجاز التحقيق بعد أن مرت سنة بكاملها في العمل على التحقيق، وهذا ما تقاطع تماما مع توقعاتي المبكره عندما قلت إن إنجازه يحتاج ــ على الأقل ـ الى سنة بكاملها.
لقد قمت بسؤال العشرات من النواب عن سفرهم للخارج، وعن الليالي التي قضوها في مهماتهم، وكنت أسأل عن عدد النواب اعضاء الوفد الواحد وأسمائهم حتى أقوم لاحقا بمطابقة تلك المعلومات مع ما لدي في دفتر يومياتي، وهو ما تطابق تماما مع مع الكشوفات الرسمية التي حصلت عليها إلا في بعض المعلومات البسيطة جدا ولم تؤثر بالمطلق على معطيات التحقيق، وهو ما ظهر لاحقا في النسخة النهائية من التحقيق.
لقد كانت الصعوبة الأبرز في هذا التحقيق هي معرفة القيمة المالية التي تصرف للوفود النيابية تحت مسمى” السلفة المالية” فقد احيطت بدرجة من السرية والكتمان كان من الصعب إختراقها، بينما استطعت حصر المياومات المالية التي يتقاضاها كل نائب بدقة لكونه تحتكم بدقة الى نظام التنقل والسفر الذي حصلت عليه رسميا، وقمت بمناقشته والاستفسار عن العديد من نصوصه من خبراء ماليين في الإدارة المالية العامة، كان من بينهم مسؤولين ماليين في مجلس النواب نفسه الذين قدموا الشرح والتوضيح دون أن يعلموا ما أريد من وراء ذلك.
وقابلت لغايات الإستيضاح عن آلية رقابة ديوان المحاسبة على سفر النواب رئيس ديوان المحاسبة الذي قضيت معه في مكتبه أكثر من ساعتين أجاب فيها على العديد من الأسئلة التي طرحتها، فضلا عن قيامه بتزويدي بنصوص وردت في قوانين الموازنة العامة السنوية للدولة والتي تمنح مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان ورئيسيهما استقلالية مالية لا تحتاج معها اوامر الصرف المالي لرجوع رئيسي مجلسي النواب والأعيان لوزير المالية لإصدار اوامر صرف مالي.
وقابلت نواباً لغايات إلاستيضاح منهم عن بعض الأمور المتعلقة بسفرهم، فضلا عما إذا كانت هذه الوفود لدى عودتها الى عمان تقدم تقارير وافية عن منجزاتها أم لا، الى جانب إختبار مصداقية المعلومات المتوفرة لدي سواء تلك التي جمعتها وأحصيتها شخصيا في دفتر يومياتي الخاص اوتلك التي تضمنتها الكشوفات الرسمية التي كنت قد تمسكت بضرورة الحصول عليها.
وفي اللحظة التي قررت فيها المباشرة بكتابة التحقيق بعد أن توفرت لدي المعلومات الكافية، واختبار مصداقيتها كان أمامي طريقين لإنجاز كتابة التحقيق، فإما أن أذهب لرواية القصة كاملة بكامل تفصيلها، وإما أن ألجأ الى الإختصار مما سيدفعني وبالضرورة لإهمال العديد من التفاصيل التي كانت من وجهة نظري مهمة جداً ليصف التحقيق الأجواء والظروف التي مرت بها عملية إنجاز التحقيق.
لقد كنت منحازاً للخيار الثاني، لذلك أنجزت النسخة الأولى من التحقيق لينتهي وقد تجاوز 5000 كلمة، وعندما عرضته في نسخته الأولى على جريدتي”العرب اليوم” رأى رئيس التحرير الزميل أسامة الرنتيسي صعوبة كبيرة في نشره بصورته التي انتهى اليها، ولذلك اضطررت ولضرورات النشر الى إختصاره.
وأرسلت النسخة المختصرة الى شبكة أريج لمراجعتها وإبداء الملاحظات الفنية والقانونية حولها، وعندما تقرر النشر واجهتنا في الجريدة مشكلة أخرى تتعلق أيضا بحجمه ومع ذلك فقد تقرر منحه المساحة التي يستحقها ونشر على صفحة ونصف الصفحة فضلا عن تصدره الصفحة الأولى من الجريدة.
فور نشر التحقيق بدأت ردود الفعل تتوالى سريعا، فقد أدليت بالعديد من التصريحات الصحفية لإذاعات وفضائيات، من بينها الإذاعة الأردنية الرسمية، وقام العديد من الكتاب الصحافيين بتناول التحقيق بالتقريظ، وتحولت معطياته المعلوماتية والتحليلية الى مادة متداولة في مقالات كتاب وتحقيقات وتقارير صحافية أخرى.
وقامت عشرات المواقع الإلكترونية بإعادة نشر التحقيق ، إلا أن اللافت للإنتباه أن معظم تلك المواقع قامت بإعادة نشره بدون ذكر أسم صاحب التحقيق أو المؤسسة الصحفية الأم التي تولت النشر.
أما على الصعيد النيابي فقد تعرضت لحملة انتقادات نيابية واسعة، حتى إن نوابا دعوا الى أن يتم إقصائي عن تغطية مجلس النواب وإبعادي عنه، فيما وصلتني معلومات نقلت عن نواب بأنهم يهددونني إلا أنني لم أنظر بجدية الى تلك المعلومات ولم أتعامل معها باعتبارها حقائق قائمة ودامغة على الأرض ولم أقم بمراجعة أي من النواب التي ذكرت أسماؤهم لي، ويبدو أن موقفي كان في محله تماما فقد هدأت العاصفة النيابية المضادة والموجهة ضدي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *