علي حسون - "زواج الأقارب" نار تحت الرماد

2010/11/20
التاريخ : 20/11/2010

حول تحقيق زواج الأقارب

كان رائعا أن أقوم وبالتعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” أريج” وبدعم كبير منها بتقديم تحقيقي الاستقصائي الثاني الذي أجد أنه أضاف على مسيرتي الصحفية المزيد من الخبرة والمهارة ، حيث استطعت من خلال هذا التحقيق تنفيذ العديد من المهارات والتقنيات التي تشكل أساس المنهج الذي تتبعه “أكاديمية”أريج .

أعتقد أنني قدمت في تحقيقي عن زواج الأقارب خلاصة ما اكتسبته من أريج ..ودعوني أذيع لكم حقيقة وليس سرا أن أكثر ما اكتسبته من خلال عملي الأول وخاصة الثاني هو أن أنجز عملي بحب وشغف ، فضلا عن إنجازه بموضوعية ومهنية باتت معروفة في منهج أريج ، ولهذا أستطيع القول أنني تعمدت الحفر عميقا في موضوع لم ينل فيما مضى هذا الكم من الحفر والإحاطة والتوثيق رغم خصوصيته وصعوبته لأنك تطرق موضوعا ذي حساسية اجتماعية ودينية وصحية كبيرة . هذا الحفر الذي استلزم مني عامين كاملين لكنه بالتأكيد لم ولن يذهب سدى وقد كان يستحق مثل هذا الزمن ليصل إلى ما وصل إليه من إثبات لفرضية لم يكن من السهل إثباتها بدون زمن وجهد مضاعفين .

أما فيما يتعلق بتفاصيل التحقيق فهو يتناول كما يبدو من عنوانه ظاهرة تنتشر في البلدان العربية بشكل كبير وإن بنسب متفاوتة وهي “زواج الأقارب” والتي مازال الجدل مستمرا حول علاقتها المباشرة بعدد كبير من الأمراض الوراثية . والذي تكمن خطورته في عدد المعاقين الكبير، ففي سورية مثلا تقدر الإحصائيات أن نحو 10% من عدد سكان سورية هم معاقون ، أي أكثر من مليوني معاق !!

حاول كاتب التحقيق إثبات العلاقة بين زواج الأقارب والأمراض الوراثية من خلال العمل على أكثر من محور أولها الجانب الميداني حيث أجرى الصحفي استبيانا في منطقتين جغرافيتين كل منهما تتبع لمحافظة سورية فكانت زيارات ميدانية إلى عدد كبير من العائلات التي لديها بين أفرادها إعاقات وتم الربط بين هذه الإعاقات وبين القرابة التي تربط بين الآباء أو الأجداد ، واتضح فعلا بما لا يقبل الشك أن النسبة العظمى من هذه الإعاقات ناجمة عن زواج الأقارب بدرجاته المختلفة ( قرابة درجة ثانية وثالثة ورابعة )

حرص الصحافي أيضا على إثبات أن هذه الإعاقات غير ناجمة عن تلوث بيئي من أي نوع عندما قارن بين منطقتين جغرافيتين متجاورتين وتتمتعان بنفس المواصفات البيئية من ماء وهواء وتربة حيث واحدة منهما يكثر فيها زواج الأقارب فتكثر بالتالي نسبة الإعاقات بين سكانها ، بينما الأخرى تقل فيها هذه الظاهرة (زواج الأقارب) فكان هناك عدد قليل جدا من الإعاقات .

تطرق كاتب التحقيق إلى العامل الديني والاجتماعي كسببين مؤثرين في انتشار هذه الظاهرة وبالتالي كان واضحا ضرورة العمل على هذين العاملين للحد من هذه الظاهرة .

كما تم البحث في جدوى الفحوص الطبية ما قبل الزواج والتي اقتصرت فائدتها في الكشف عن عدد قليل من الأمراض الناجمة عن زواج الأقارب من بين سبعة آلاف مرض وراثي يسببها زواج الأقارب مقارنة بالفحوص والاستشارات الوراثية التي تعطي نتائج أفضل بكثير والتي لا يتم اعتمادها في سورية حتى الآن .

كما أشار التحقيق إلى مقاربة القانون السوري لهذا النوع من المشاكل حيث يقف القانون السوري موقف الحياد في هذا الموضوع فهو لا يمنع ولا يشجع على زواج الأقارب .

نتائج أولية بعد نشر التحقيق :

لاقى نشر التحقيق ارتياحا واسعا من قبل الجهات المهتمة بالمشكلة معتبرة أنه أول تحقيق استقصائي يتناول هذه المشكلة مدعما بالاستبيان والوثائق والأرقام وبآراء نخبة من المختصين .

ولكن الأهم هو الحملة التوعوية التي يتم إعدادها حاليا وبناء على نتائج التحقيق والتي تضم العديد من الجمعيات والشخصيات الهامة والمهتمة بالموضوع من قانونيين وصحفيين وأطباء ورجال دين مسلمين ومسيحيين والذين يقود جهودهم موقع “نساء سورية” هذا الموقع الذي كان له شرف السبق في القيام بعدة حملات توعية فيما يخص قضايا حق المرأة منح جنسيتها السورية لأبنائها من زواجها بغير سوري وحملات ضد جرائم الشرف والتي أثمرت أخيرا استصدار قوانين جديدة بتشديد العقوبة على مرتكبي جرائم الشرف .

الحملة المقرر إطلاقها قريبا تستهدف توعية الناس وخاصة في الأرياف حول مخاطر زواج الأقارب والأمراض الكثيرة الناتجة عنه ، كما تستهدف حث الحكومة على إنشاء مراكز استشارة للأمراض الوراثية وعدم الاكتفاء بفحوص ما قبل الزواج ..بحيث تكون مراجعتها ملزمة لكل المقدمين على الزواج ، ومن ثم العمل لدى مجلس الشعب السوري على استصدار قوانين تصعّب من زواج الأقارب وتشترط للمقدمين عليه الحصول على موافقة من القاضي الذي عليه أن يقتنع تماما بأن الزوجين خاليان بموجب وثيقة فحص من الأمراض الوراثية وبما قد يقود في النهاية إلى الحد قدر الإمكان من انتشار زواج الأقارب وبالتالي الإعاقات والأمراض الناتجة عنه .


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *