سامان نوح - الكساد يهدد 1.5 مليون شجرة تفاح في كردستان بالإبادة

2011/03/28
التاريخ : 28/03/2011

سامان نوح – لعدة مواسم، كانت شكاوى مزارعي التفاح في مدينتي دهوك تتصاعد كلما أوشك الخريف على الانتهاء، دون ان يتمكنوا من تسويق بضاعتهم الى السوق، ليعلنوا في نهاية كل موسم انهم خسروا جزءا كبيرا من اموالهم بلا طائل، وانهم سيتركون زراعة التفاح للأبد، وطوال المواسم الثلاثة الأخيرة اتسعت ظاهرة تسرب مزارعي التفاح الى المدينة بحثا عن العمل، فيما بقي التفاح مكدسا في البساتين التي تشتهر بها المحافظة أكثر من أي شيء آخر. كانت فكرة الكتابة عن هذه ظاهرة “قتل التفاح عطشا” او ترك اشجاره بلا رعابة الى أن تموت، حاضرة في ذهني كلما سمعت بأن واحدا من أقاربي أو معارفي ترك مزرعته وجاء الى المدينة باحثا عن عمل بسبب كساد تجارة التفاح، لكن الأنباء التي كانت تتحدث عن أن العديد من القرى التي تعتمد على زراعة التفاح صارت شبه متروكة، دفعتني للبدء بتقصي الظاهرة وجمع المعلومات عنها والتفاصيل عن طبيعة المشكلة وجذورها، خصوصا أن المشكلة لا تهدد بضياع منتوج زراعي بل بزيادة البطالة من جهة وتضرر البيئة من جهة أخرى. لكن مشروع كتابة التحقيق (الكساد يهدد 1.5 مليون شجرة تفاح في كردستان بالابادة)، فرض نفسه بعد رحلة الى منطقة كاني ماسي الشهيرة بانتاج التفاح، في أواخر الصيف الماضي، إذ صدمني مشهد البساتين التي تركت أشجارها تموت بعد ان قطعت المياه عنها عمدا، فيما كانت اطنان التفاح مرمية على أرض بساتين أخرى دون أن تجد أحدا ينقلها الى السوق. ومع اطلاعي على تفاصيل المشكلة من الفلاحين وبعض المهندسين الزراعيين بدأت الفرضية تتشكل متمثلة بسوء التخطيط والسياسات الزراعية التي تهدد مليون ونصف مليون شجرة تفاح، وبعد موافقة شبكة أريج على الفرضية التي قدمتها، بدأت باستقصاء جذور المشكلة وحجم الضرر الذي ينتج عن الظاهرة، وزرت مزارع التفاح في كاني ماسي وهي المنطقة الأكثر شهرة بالتفاح في العراق، ومنها الى مناطق اخرى تبعد عن كاني ماسي عشرات من الكيلومترات شمالا وشرقا وغربا، عبر طرق جبلية وعرة وقرى تتوزع على طول الشريط المحاذي لتركيا. وحين تشكلت لدي تصورات واضحة عن أبعاد المشكلة وتكاملت الاسئلة المحورية، بدأت وبالتنسيق المستمر مع المشرف على التحقيق الزميل محمد الربيعي، بالاتصال بكل الجهات المعنية بالمشكلة للحصول على اجابات علمية ورسمية لتثبيت جذور المشكلة والمعالجات الممكنة، خاصة دوائر الزراعة في دهوك والبستنة والبحوث الزراعية والاستثمار والكمارك، مرورا بكلية الزراعة وانتهاء بدائرتي البيئة والسياحة. كان الجميع يقر بوجود مشكلة “كبيرة” وبخطورتها على مستقبل الزراعة والبيئة والتواجد البشري في القرى، لكن أي جهة لم تكن تمتلك اجابات او رؤية حقيقة متكاملة لحل هذه المشكلة، مع عدم توفر دراسات سابقة حول الموضوع. وكانت هناك معوقات عديدة تطلبت أكثر من شهرين من المتابعة شبه المستمرة قبل اكتمال التحقيق، فالمشكلة الأكبر تمثلت في غياب الأرقام (عدد الأشجار، مساحات الحقول، عدد المزارعين العاملين في هذا المجال، حجم الانتاج …..) فلم تكن هناك مسوحات دقيقة لدى أي جهة معنية في الزراعة بمحافظة دهوك، والارقام الموجودة تعود الى عشر سنوات تقريبا وانجزتها منظمة الاغذية العالمية (فاو) بناء على تقديرات، وليس بناء على مسح حكومي دقيق. العديد من الدوائر الرسمية تطوعت بزيادة مصاعبنا بسبب بيروقراطيتها الشديدة، فيما كان الرد على الأسئلة العادية يحتاج لوجود المسؤول الأول والمدير المعني في معظم الدوائر، وبعض الأجوبة كانت مبنية على انطباعات وتصورات وليس عن إجابات علمية دقيقة، ناهيك عن الأسئلة المهمة التي لم نحصل على إجاباتها بدقة، وتطلب الأمر أحيانا مقارنة العديد من الأجوبة التي نسمعها من جهات مختلفة لسؤال واحد فقط، لنعرف ما هي المعلومة الأدق والأقرب الى الصواب. لم يكن هناك أيضا، جهات تتحدث باسم الفلاحين يمكن ان تساعدنا في تقييم حجم المشكلة، ولم تكن هناك دراسات حقيقية عن هذه الظاهرة، وبدا واضحا أن هناك غيابا تماما للتنسيق بين الجهات المعنية بالزراعة حول المشكلة، ففي كل جهة هناك آراء معينة وزاوية رؤية محددة وجزء من المعلومات التي قد تتناقض مع معلومات في مكان آخر، دون أن يكون هناك اهتمام بمعالجة المشكلة ببرنامج مشترك. أحسست انني أدور في حلقة مفرغة حين كنت اراجع الدوائر الزراعية المعنية للحصول على معلومات محددة بسبب ضعف المعلومات لديها وغياب الأجوبة رغم انني كنت احدد مواعيد اللقاءات مسبقا بالاتصال هاتفيا وارسل الاسئلة المحورية عبر الانترنيت للاطلاع عليها، لكن أهمية انجاز التحقيق الذي يعنى بموضوعة تتعلق بحياة آلاف المزارعين، وبالحفاظ على البيئة والطبيعة الجغرافية لمنطقة اشتهرت بزراعة التفاح وتصديره لباقي مدن العراق والى دول الجوار لعشرات السنين، كل هذا دفعني لمواصلة التحقيق وزيارة الدوائر المعنية أكثر من مرة والاطلاع على الآراء الرسمية والآراء الجانبية، ومن ثم العودة الى المزارع مرارا ومقابلة المزيد من الفلاحين وتجار التفاح والمزيد من المسؤولين والباحثين للوصول الى أهم أبعاد المشكلة، وهي أن السياسات الزراعية الفاشلة التي طبقت في كردستان صارت تهدد 1.5 مليون شجرة تفاح بالإبادة وتدق ناقوس الخطر فيما لو اتسعت رقعة الفواكه والنباتات المهددة بـ”الموت عطشا” بسبب هذه السياسات، وما قد يتركه كل ذلك على بيئة كردستان وفرص استثمارها سياحيا في المستقبل القريب، وربما على حياة المجتمع الكردستاني الذي غابت الزراعة بالتدريج عن خارطة حياته لينتج 5% فقط من مجموع ما يستهلكه اليوم في حين كان يعتمد بشكل شبه كامل على نفسه حتى نهاية تسعينات القرن الماضي.


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *