حمود المحمود - محارق النفايات الطبية إلى ازدياد في سورية "بحكم القانون"

2007/03/11
التاريخ : 11/03/2007

التجربة مع أريج كانت بالنسبة لي دخولاً في عمل احترافي حرصت على أن يكون مهنياً قدر الإمكان. كانت أول التقنيات التي عملت عليها في تحقيقي هي تحديد الفرضية بدقة. إذ تناول التحقيق في جزئين (محارق النفايات الطبية في سورية التي تخالف الاشتراطات العالمية وتتسبب في نشر غاز الديوكسين المسرطن). وكنت قد شرحت للأستاذة بيا ثوردسن مدربة الصحافة الاستقصائية وعضو نقابة الصحافيين الاستقصائيين الدنماركيين أسباب الصعوبة التي واجهناها كصحفيين عرب في تحديد الفرصة، وذلك بسبب الإرث الذي تشرّبناه في التعميم وتناول التحقيقات الصحفية بعمومياتها هرباً من تسمية الأشياء بمسمياتها. بكل الأحوال كانت الفرضية التي قدمتها قد نالت رضى المدربين في أريج وتم اعتمادها ليبدأ العمل الحقيقي في إثباتها. وهنا واجهتنا المشكلة التي يعاني منها كل باحث في سورية (مشكلة الإحصاء والحصول على الرقم الصحيح). كان علي إثبات أن المناطق السكنية المجاورة لمحارق النفايات الطبية المخالفة فيها نسبة سرطانات أكثر من غيرها. لكن هذا الإحصاء لم يكن متوفراً رغم تعدد الجهات الرسمية المسؤولة عن إحصاءات السرطانات في سورية (وزارة الصحة، مركز الطب النووي، السجل الوطني للسرطان، الجمعية السورية لأمراض السرطان، المكتب المركزي للإحصاء) كل هذه الجهات لم يكن لديها أي إحصاء مناطقي تفصيلي عن نسب السرطان في كل منطقة ضمن دمشق أو حلب أو المحافظات الأخرى. وكل ماكان متوفراً فقط هو إحصاءات عامة عن عدد الإصابات في كل محافظة بشكل عام. كان الحل الذي اتبعناه بعد تداول مع المشرف الدكتور مروان قبلان والمدربين في أريج أن نجري بحثاً بانفسنا. لكن ماهي نوعية هذا البحث؟ طرحنا أولاً تحليل الغازات الصادرة عن المحارق في المناطق المجاورة، لكننا اكتشفنا أنه لاتوجد أية مخابر أو أجهزة تقيس غاز الديوكسين في كل منطقة الشرق الأوسط كما أن تكلفة قياسه في الخارج كانت مكلفة للغاية. ولكي لانترك هذه النقطة بلا تغطية استشهدنا بقياسات مماثلة قامت بها منظمة السلام الأخضر الدولية في مختبرات بريطانية لصالح إحدى المشافي اللبنانية وأثبتت النسبة العالية للديوكسين. على خط آخر فكرنا أيضاً أن نجري تحليلاً للدم للسكان المجاورين للمشافي وتدارست هذا الأمر مع المكتب المركزي لللإحصاء باعتباره الجهة الرسمية المرجعية في هذا المجال، ليتبيّن أيضاً حاجة هذه الطريقة (لتدريب فريق متخصص ووقت طويل وتكاليف عالية) كان الحل الذي اخترناه في النهاية هو الرجوع إلى سجلات المرضى في المركز الرئيس لعلاج السرطانات في سورية (مركز الطب النووي) حيث أجرينا بمساعدة الكادر العامل في المشفى إحصاءً أولياً وتقريبياً من خلال تسجيل مكان الإقامة للمرضى من كافة المناطق والمحافظات. وفي النهاية التقى هذا الجهد مع إحصاءات ودراسات علمية جرت في مناطق انتشار المحارق وأثبتت ارتفاع نسب السرطان. الرهان الآخر أمامي كان أن أتخلى عن بعض العبارات أو الكلمات التي قد أطلقها في تحقيقاتي بشكل جامح. وهذا ما تعودنا عليه أيضاً عدد كبير من الصحفيين العرب بالتعميم وإطلاق الأحكام بدون توثيق ذلك بوقائع وإثباتات. أعتبر أن (أريج) كان لها الفضل على مهنتي في التحقيقات هي تلك العبارة التي كررتها عليّ رنا الصباغ(المديرة التنفيذية للشبكة) وبيا ثوردسن خلال تلك الجلسة المطوّلة لتشريح مسودة تحقيقي في بيروت (دع الحقائق تتكلّم).


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *