التهديد والتهجير نصيب ناشطات اليمن

سمية علي

سيطرت جماعة أنصار الله على أجزاء من مدينة تعز جنوب اليمن في أواخر 2015. اشتد القتال بين الحكومة الشرعية وأنصار الله فيما تفاقم الانفلات الأمني في المدينة الواقعة جنوب غربي صنعاء. وزادت الانتهاكات بخاصة ضد الأطفال والنساء. شرعت سمية علي في انتقاد جماعة أنصار الله: "كنت إحدى الثائرات ضد انقلاب الحوثي".

ثم انتقلت هذه الناشطة في مجال حقوق الإنسان إلى انتقاد المقاومة الشعبية التابعة للحكومة الشرعية. وتفاجأت سمية بسلوكات أفراد المقاومة؛ مثل عمليات النهب والتحرش بالنساء عند مرورهن بنقاط تفتيش المقاومة فكتبت على "فيسبوك": "سلوكات المقاومة من نهب بشكل عام وسلوكات غير أخلاقية لا تليق بمقاومة شعبية، وإنما بمجموعة لصوص".

وبدأت التهديدات تنهال على سمية من أفراد في المقاومة الشعبية: "منزلك سيقصف بالكامل إذا لم تتوقفي عن الكتابة". تجاهلت سمية رسائل التهديد وواصلت الانتقاد الرقمي. بعد أيام قصف منزل أسرتها، ونزحت داخل تعز.

صور المنزل المقصوف

في مطلع يوليو/ تموز 2015، أصدرت المقاومة الشعبية بتعز لائحة بأسماء معارضيها، بعنوان "قائمة الخزي والعار". وجاء فيها: "مطلوبون للعدالة بتهمة الخيانة العظمى بحق أبناء المحافظة"، لأنهم "كانوا سبباً في دخول الحوثيين إلى تعز عبر إنشاء صفحات ومواقع إلكترونية داعمة للحوثيين"، وفق ادعاء المقاومة.

تسأل سمية عن إدراج اسمها ضمن القائمة: "هل يعقل لقلم أن يسمح بدخول الحوثي إلى تعز"؟

توضح سمية خطورة إدراج اسمها: "يعني ذلك ببساطة أن هؤلاء دمهم مهدور فاقتلوهم، وتطلق يد كل فرد من المقاومة أو متعصب معها".

تشردت سمية داخل الوطن. نزحت من محافظة تعز إلى محافظة القاعدة، ومنها إلى إب ثم صنعاء. تقول: "رحلت من منزل إلى منزل، والتهديدات تلاحقني، لم أستطع تذوق راحة النوم". الخوف والقلق كانا رفيقي دربها. تستذكر رحلتها إلى إب عندما صوّب جندي سلاحه إلى رأسها مهدّداً بعد أن عرفها خلال مرورها بنقطة تفتيش تابعة للمقاومة الشعبية. "اضطررت للهروب خارج الوطن. سافرت إلى السودان، ليس لي وجهة هناك. ليس لي هدف. ليس لي أي مخطط لمستقبلي، وإنما الهروب من أجل حياتي".

كانت حياة سمية صعبة خلال الأشهر الأربعة التي أمضتها في السودان. القانون هناك يمنع الفتاة من استئجار منزل لوحدها، وفقاً لسمية، التي تصف ذاتها بـ"المشردة، أتنقل من منزل يمني إلى آخر".

صور وثيقة اللجوء في عمان

طارت سمية إلى عمّان لحضور مؤتمر حول العنف ضد المدافعات عن حقوق الإنسان والمرأة. كانت رحلة ذهاب بلا إياب. حلّت في عمان بعد أن التمست اللجوء لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

"معاناتي في الأردن هي تكملة للمعاناة التي عشتها من قبل، سفري وحدي وإقامتي وحدي. الحياة هنا صعبة جداً. الأسعار غالية، المعيشة صعبة جداً بالنسبة إلى فتاة ليس لديها عمل أو وظيفة"، تقول سمية.

تشكو سمية تعرضها لنظرات قاسية في عمان كونها فتاة غريبة تعيش لوحدها: "أتعرض اجتماعياً لنوع من الاضطهاد والتعنيف ومحاولات الابتزاز والاستغلال…". سميّة لا تستطيع العودة إلى اليمن، ذلك أن التهديدات لا تزال تصلها بسبب نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي. وبمجرد إعلانها العزم على العودة، تلّقت سمية رسالة تهديد: "قبل أن تدخلي مطار صنعاء، خذي كفنك معك".

2015
9
12
2016
2017
3
محاولات القتل لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والصحفيين

تتشابه حال سمية مع معاناة ماجدة الحداد المدافعة عن حقوق الإنسان عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فماجدة فرّت من اليمن بعد أن تلقّت تهديدات وتعرّض منزلها لهجوم. تقرير مجلس الأمن في 2015 ذكر تعرض مدافعات عن حقوق الإنسان عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى التهديد والمضايقات، من حملات تشويه وخطف وتعذيب على يد مسؤولين في الحكومة، وكذلك من جهات أخرى غير حكومية.

رئيس دائرة التوجيه المعنوي والعلاقات العامة في وزارة الداخلية التابعة للحكومة الشرعية عبد القادر باعش لا ينكر وجود انتهاكات ضد ناشطي التواصل الاجتماعي من الفصائل الموالية للحكومة الشرعية كالمقاومة الشعبية والحراك الجنوبي. على أن باعش يستدرك: "هذه الفصائل ليست تحت إشراف الداخلية ولا تخضع لها".

ويقول إن "وزارة الداخلية لم تعتقل أي ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، على رغم أن هناك تهجماً كبيراً على مسؤولين في الحكومة الشرعية على مواقع التواصل الاجتماعي".

يرفض ماجد فضائل وكيل وزارة حقوق الإنسان التابعة للحكومة اليمنية ممارسة أي انتهاك بحق نشطاء التواصل الاجتماعي. ويقول: "نرفض هذه الممارسات ونعمل على ملاحقة مرتكبيها ومعالجة الأسباب لمنع تكرارها". لكنّه في الوقت ذاته، يعتبر وجود التجاوزات أمراً طبيعياً، بسبب الحرب وانهيار مؤسسات الدولة وأجهزة الضبط والقضاء والنيابات وأقسام الشرطة.

تناقض الردود الرسمية يصطدم بانتقاد المحامي عبد الباسط غازي الناشط في مجال حقوق الإنسان. "جميع الانتهاكات التي تمارسها السلطات في اليمن سواء تحت مسمّى الشرعية أو التي في صنعاء تخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الخاصة بحرية الرأي والتعبير". المسؤولة القانونية في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان سماح سبيع تشاطره الرأي وتزيد: "القانون اليمني معطّل كلياً في الوقت الحالي، وما تمارسه جميع السلطات في اليمن لا يمتّ للدستور والقانون بصلة".

في الأثناء تواصل سمية معركتها الرقمية وتنتقد غياب العدالة وانتهاك حرية الرأي. وتقول: "أُكتب ما شئت وسأحاكمك، وأحكم عليك بما أشاء إن لم يعجبني ما كتبت (..) الوضع السياسي أصبح قذراً جداً".