اختطاف الخصوم السياسين

عبد القادر الجنيد

في مطلع أغسطس/ آب 2015، وبينما كانت الساعة تشير إلى الثانية ظهراً في تعز، حاصر طاقم عسكري تابع لجماعة أنصار الله منزل الطبيب والكاتب عبد القادر الجنيد. "لقد دخلوا فناء المنزل"، نبّهته زوجته حينذاك، فاتجه مسرعاً إلى النافذة، أغلق الباب الخارجي، صرخ فيهم وطلب منهم الخروج، ردّوا عليه بتوجيه السلاح نحوه، وطلبوا منه النزول.

لم يجد الجنيد أمامه سوى اللجوء إلى أدواته التي يستخدمها في مقارعة جماعة أنصار الله وصالح. "فيسبوك" و"تويتر" ملجأه الآن. غرّد: "مسلحو الحوثي في بيتي"، وانطلق نحوهما حافي القدمين، وفق ما يستذكر.

نشاط عبد القادر على مواقع التواصل الاجتماعي كان السبب في اقتحام منزله. إذ دأب على انتقاد جماعة أنصار الله وصالح ووصف ما حصل في اليمن بـ"الانقلاب".

طلب المقتحمون من الجنيد مرافقتهم، لكنّه رفض. فهدّدوا باستخدام القوّة، حينها أدرك أن لا فائدة من المقاومة، فمشى معهم تحت تهديد السلاح. طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" سلطات الحوثيين بالإسراع لتقديم معلومات عن الجنيد. وذكرت المنظمة في تقريرها: "لم يقدم الحوثيون لعائلة الجنيد أي معلومات عن احتجازه أو أسباب الاحتجاز. على الحوثيين الإفراج عن جميع من احتجزوهم من دون وجه حق، والتعويض للضحايا عن المعاناة التي تسببوا فيها".

بعد 300 يوم أفرج الحوثيون عن الجنيد. يقول: "تنقلت بين 15 زنزانة بمساحات مختلفة"، ويردف: "وضعك في تلك الظروف معاناة خالصة، عندما تجلس في غرفة مزدحمة تشبه علبة السردين، من دون هواء وضوء ليلاً ونهاراً، وفي حيز صغير جداً".

بعد أن أطلق سراحه وجد منزله مصابا بقذيفة انتقائية، فترك الجنيد اليمن التي عاش فيها 67 عاماً. ويقول إنه يتنقل الآن بين كندا والقاهرة، مع أنه يرغب "في العيش في تعز". معد التحقيق تواصل مع الجنيد عبر (السكايب) والهاتف مرات عدّة أثناء وجوده في القاهرة.

يرى الجنيد أن ثورة الإنترنت غيّرت قواعد اللعبة خصوصاً "فيسبوك" و"تويتر": "أجهزة الدولة التسلطية تجنّد أعواناً لدخول فضاء التواصل الاجتماعي العجيب".

الجنيد كان واحداً من 305 ناشطين وصحافيين اعتقالوا بين عامي 2015-2017، بحسب تقارير "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي".

254
324
26
2015
2016
2017
62
حالة اختطاف خلال ثلاثة سنوات

مدير مكتب وزير حقوق الإنسان في حكومة الإنقاذ طلعت الشرجبي- الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله الحوثية- يبرّر اعتقال نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي ويرجع بعضها إلى قضايا أمن وطني. إذ يقول الشرجبي: "هناك نشطاء اعتقلوا بموجب قانون النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما تواصلنا مع الجهات الأمنية، جاء الرد بإثباتات ومنشورات لهؤلاء الأشخاص عن أنهم قاموا بتزويد العدوان بإحداثيات معينة".

ويسأل: "إذا عدت إلى القانون ماذا ستعتبر ذلك؟ إنها جريمة الخيانة العظمى". لكنّه يعود ليرفض "اعتقال شخص بسبب نشاط أو حرية رأي أو أفكار تطرح على مواقع التواصل الاجتماعي ما لم تكن تنتهك القانون والدستور الناظم لهذه المهنة التي يقوم بالنشر على أساسها".

حاول معد التحقيق أخذ رد من وزارة الداخلية التي تديرها جماعة أنصار الله، إلا أنها رفضت الرد على اتصالاته الهاتفية ورسائله عبر البريد الإلكتروني.

تقول إشراق المقطري المتحدثة باسم اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان إن الانتهاكات ضد حرية الرأي والتعبير في اليمن زادت بوتيرة متسارعة في العشر سنوات الأخيرة. "ليست هناك مؤسسة أمنية محدّدة بعد سقوط المؤسسات، يمكن أن يلجأ إليها الناشط الضحية"، وفق ما توضح المقطري، التي تفسّر ذلك بتعدد الأطراف في كل محافظة. وتتحدث عن وجود "سلطة أمر واقع في الشمال وأخرى في الجنوب، وغيرهما في الوسط"، لافتة إلى أن "اختلاف سلطات الأمر الواقع يشكل مشكلة بالنسبة إلى النشطاء أو المدافعين عن حقوق الإنسان".

يواسي الجنيد نفسه ويقول: "عندي رصيد كاف من القوة لأبقى شامخاً صامداً. هاجسي ما يحصل للوطن، عذاباتي الشخصية تقريباً لا أكترث لها، على رغم أنها كبيرة، لكنها لا شيء أمام ما يحدث في بلدي".