عمر باطويل, في قلوبنا

نتمنى أن يتحلى الأشخاص الذين يحبون عمر بالصبر ويجدون راحتهم في زيارة ملفه الشخصي وتذكر حياته.

من المنصّة الرقمية إلى القبر

عمر باطويل

قطف القتل عمر باطويل قبل أن يكمل عامه السابع عشر. قُتل هذا الفتى من دون أن يحقّق حلم أمه المكلومة بدراسة إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية. كان الابن الأوسط بين ثلاثة لعائلة تهتم بالشعر والثقافة. والده شاعر نبطي انهار لحظة سمع خبر مصرع نجله في أبريل/ نيسان 2016 وشاهد صوره والدماء تُلطخ وجهه وثقوب الرصاص في صدره تسيل منها الدماء. هكذا قضى عمر المولع بعلم النفس والفروسية، المهتم بالأديان والناقد للتعصب الديني والإرهاب على صفحته في "فيسبوك".

وعندما حمل أمجد عبد الرحمن لواء مقارعة فكر "السلفيين" عقب مقتل صديقه عمر، واجه هذا الشاب اليمني المصير ذاته، في ما بدا وكأنه جريمة مزدوجة في أوقات متباعدة.

عمر باطويل2 كانون الأول 2015

يتهمونني بأنني ملحد، يا هؤلاء: أنا أرى الله في الزهور، وأنتم ترونه في القبور، وهذا الفرق بيني وبينكم

بعد اتهامه بالإلحاد من "جماعة فرسان الدين" - ذات الخلفية السلفية - تلقّى عمر تهديدات بالقتل عبر "فيسبوك"، وبشكل مباشر أيضاً. تقول شقيقته زينة: "عمر كان جالساً في المنزل. واستدرجه إيهاب الهمامي"، ليأتي خبر مصرعه بعد ساعات في شارع التسعين في المنصورة بعدن.

إيهاب الهمامي من "جماعة فرسان الدين" السلفية، بحسب حمزة صديق عمر. يقول: "برّر المتهم الهمامي مقتل عمر، وفرح به وكأنه إنجاز شخصي". ويرى أن التنظيمات السلفية أصبحت جهادية أكثر من دعوية: "برأيهم عمر ملحد إذاً يستحق القتل". يضيف حمزة: "السلطة والناس يهلّلون على فعل القتل ويمهّدون الطريق له (القاتل) لارتكاب جنايته".

ينتقد حمزة بخلفيته الإلحادية دور الحكومة الشرعية وقادة الأجهزة الأمنية لعدم توفيرهم الحماية للنشطاء من أصحاب الأفكار المختلفة. "الدولة لا تهتم بهذا الشأن، ولو اهتمت ترى (التهديدات) صواباً، لك أن تتخيل أننا معزولون من أي جهة تحمينا".

الأجهزة الأمنية ألقت القبض على الهمامي البالغ من العمر 26 سنة كمتهم وحيد في مقتل باطويل. ولا يزال الهمامي موقوفاً على ذمّة القضية من دون محاكمة منذ نيسان 2016.

تنفي أسرة الهمامي صلة نجلها بمقتل باطويل وتدعّي بأنهما يرتبطان بعلاقة صداقة أخوية، وتدلّل على ذلك بأن الهمامي كان آخر المتصلين بالقتيل.

وفي مارس/ آذار 2018، دعت أسرة الهمامي على صفحتها على (الفيسبوك) إلى وقفة احتجاجية تضامنية مع ابنها أمام المجمع القضائي في خور مكسر، لرفع الظلم عنه، وفق قولها.

اعتقدوا أننا سنصمت بعد اغتيال عمر باطويل، لكن ظنّهم خاب. والآن يحاولون مرّة آخرى اغتيالك يا صديقي.. أنت الأقوى والأبقى وهم زائلون.

لم يصمت أمجد عبد الرحمن صديق عمر. حاول هذا الشاب مواصلة خطى رفيقه؛ لكنه سقط قبل أن يكمل عمر عامه الأول في القبر. توقع أمجد دنوّ أجله فكتب منشوراً على "فيسبوك": "في هذا الوطن ليس لنا حق الاختيار إلا بين الموت الساقط من الأعلى، والموت الزاحف من الأسفل".

أمجد الذي كان يصعد صوب عامه العشرين بخطى واثقة، كان يدرس الحقوق في جامعة عدن، ويرأس نادي الناصية الثقافي في عين المدينة. وكان يعمل في مكتبة خالد بن الوليد وينشط على موقع "فيسبوك" في انتقاد الجماعات السلفية والتطرف والإرهاب. كما كان يدعو إلى العلمنة.

وجّه أمجد نقده إلى رجل الدين السلفي هاني بن بريك قائد قوات الحزام الأمني. لم تتوقف كتابات أمجد على صفحته على "فيسبوك" عن بريك الذي أصبح وزيراً للدولة في الحكومة الشرعية برئاسة أحمد بن داغر. إذ انتقد عدم قراءته سورة الفاتحة في اجتماع مجلس الوزراء على قتلى عملية انتحارية، متهماً إياه بالتطرف. بعد أن عزله الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أصبح بريك نائباً لرئيس هيئة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من دولة الإمارات. واستمر أمجد في نقده.

يضحكنا كثير هاني بن بريك
لمني يشتي يوصل رسائل للفصائل السلفية الاخرى التي يعرف ان لها صلة بالقاعدة وداعش يوجه خطابة وتهديداته الى ظهر الاصلاح وكانه خائف من قول الحقيقة

الايام بيننا وستثبت من يستكوي بنار ثار عدن الذي يتحدث عنه

في 24 يناير/ كانون الثاني 2017 كتب عبد الرحمن منشوراً "فيسبوك" يناقش خطب مسجد الحمد في منطقة كريتر بعدن. وفي اليوم ذاته، اعتقله رجال مسلحون في منزله، ثم احتجزوه في معسكر اللواء 20 التابع للواء الحزام العسكري. وأطلقوا سراحه بعد 24 ساعة على اعتقاله. أخبر عبد الرحمن عائلته أنّ معتقليه حرموه من النوم وعذّبوه بعد أن اتهموه بالإلحاد، بحسب تقرير الخبراء الذي وُضع وفق قرار مجلس الأمن الدولي.

بعدها بأيام، وصلت عبد الرحمن رسالة تهديد على (الواتس آب) من رقم سعودي: "ورب محمد ومن نفسي بيده، إذا بتغلط أي غلطة حتى لو كانت صغيرة بحق الدين أو بحقنا سوف تكون هدفنا دون مبرر، ومن أصحابك نفسهم هم اللي بيطرفوك لنا".

لم تكن تلك الرسالة أول تهديد لعبد الرحمن. إذ جاء مجهولون إلى المكتبة التي يعمل فيها وهدّدوه، بحسب والده الذي ينفي توجيه ابنه انتقادات للدين أو للقرآن. ويقول: "كان مهتماً بالقضايا المدنية وقضايا العلمانية والثقافة. كتاباته مش مستفزّة حتى من باب التأويل".

قبل مقتله بنحو عام، حمّل عبد الرحمن الجماعات المتشدّدة في عدن مسؤولية أي مكروه قد يحدث له. وكتب ذلك على "فيسبوك":

من الآن أقولها لو قدر الله وجرى لي شيء فالمتهم الأول …..عفاش المسمين قاعدة أو أنصار الشريعة

في منتصف مايو/ أيار 2017، دخل ملثم إلى مقهى انترنت في منطقة الشيخ عثمان بعدن وأطلق أربعة أعيرة نارية صوب عبد الرحمن، فأرداه.

منع اللواء العسكري 20 التابع لقوات الحزام الأمني أسرة عبد الرحمن من الصلاة عليه وتشييعه ودفنه في مسقط رأسه كريتر، بحسب ما أكده المحامي والحقوقي عبد الرحمن برمان عبر اتصال هاتفي معه. وهذا ما أكده تقرير مجلس الأمن.

يتهم برمان اللواء العسكري 20 باغتيال عبد الرحمن: "لم يعد هناك شك، الذي اتهمه بالإلحاد هو الذي اغتاله، ومنع تشييع جثمانه ودفنه في المقابر".

رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي قدّم التعزية لعائلة عبد الرحمن عبر صفحته (الفيسبوكية) وتعهد بالقصاص له، على غرار توعده حينما قتل عمر باطويل قبل سنة: "نعاهد أسرتك وأهالي عدن المسالمين أن نقتص من قاتليك، ونثأر للسلام والأمن من يد الإرهاب الغادرة". وكانت تعليقات عبد الرحمن تستهدف هاني بن بريك نائب عيدروس، كما ينضوي اللواء 20 تحت مظلّة المجلس الانتقالي الجنوبي.

لكنّ تعهد عيدروس لم يتحقّق في المرتين، فلا يزال قتلة عمر وعبد الرحمن أحراراً، بحسب والد الأخير. والأسوأ أن ضحيتي الغلو وعائلتيهما تعرضوا للإساءة والاضطهاد من الجهّات ذاتها المسؤولة عن حفظ الأمن وتحقيق العدالة.

يفيد تقرير خبراء مجلس الأمن بأن الإساءات المرتكبة من المعسكر 20 لا تزال من دون حل ملائم في غياب تحقيقات قضائية.

طرحنا سؤالاً إلى هادي بن بريك المسؤول عن قوات الحزام الأمنية في حينه- المنضوية تحت اللواء العسكري 20- عن اتهام قواته بمقتل عبد الرحمن، وعدم فتح تحقيق جاد، يفضي إلى القبض على الجناة، إلا أنه لم يرد.