فـــي رحـــــاب «أريـــــج»

2013/12/20
التاريخ : 20/12/2013

الايام –  عبيدلي العبيدلي – على مدى ثلاثة أيام (10-12 ديسمبر 2013) عجت ردهات فندق «كمبنسكي» في العاصمة الأردنية عمان بمئات الصحفيين والإعلاميين من عرب وأجانب ممن حضروا للمشاركة في المؤتمر السنوي السادس لمنظمة اعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية «أريج»، التي تدخل ربيعها التاسع، وتقيم مؤتمرها السادس الذي انعقد تحت شعار «دور الإعلاميين العرب في المرحلة الانتقالية الصحافة العربية من حليف للسلطة إلى رقيب عليها».

ويستدعي تلمس دفء الحوارات التي عرفتها الصالات التي احتضنت عروض التقارير الاستقصائية التي كتبها شباب من الأردن ومصر وتونس ممن غطوا التجاوزات التي تصل إلى مستوى فحش الجرائم في دول مثل تونس وسوريا والأردن، بل مست أيضا بعض الدول الخليجية، التوقف عند مفهوم «الصحافة الاستقصائية» التي قد تتفاوت بين تعريف وآخر، لكنها تشترك جميعها في اعتبار الصحافة الاستقصائية على أنها «صحافة التقصي أو الاستقصاء أو العمق وهي مصطلح عمره يزيد على نصف قرن في دول العالم المتقدم، وتحديدًا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وهو يعني سبر أغوار الظواهر المجتمعية المختلفة سياسية او اقتصادية او اجتماعية، ومحاولة الوصول إلى عُمقها عن طريق الاستبيان أو دراسة البيانات المتوفرة او التحقيقات الجنائية او الحسابية، ابتغاء تجلية حقيقتها أمام الرأي العام وصناع القرار، أيا كانت هذه الحقيقة، وأيًا كان مَن يوافقها أو يجافيها».

وكما تجمع العديد من المصادر يعود نشأة هذا النوع من الصحافة بشكل مؤطر إلى منتصف السبعينات من القرن الماضي، عندما أشهر «في العام 1976 اتحاد المندوبين والمحررين الاستقصائيين Investigative Reporters & Editors (IRE)  كجماعة صحفية لا تهدف إلى الربح، وذلك على يد مجموعة من المحررين الاستقصائيين بهدف تشجيع الصحافة الاستقصائية وتنميتها».

ويعتبر أستاذ الصحافة والإعلام الدولي بكلية الإعلام جامعة القاهرة سليمان صالح الوظيفة الأساسية للصحافة الاستقصائية «هي حراسة مصالح المجتمع وتتمثل هذه الوظيفة في حماية المجتمع من الانحرافات والفساد وتحاول تقديم حلول لمشكلات المجتمع» وهذا ما جعل الغرب، حسب قول صالح «يطلق عليها اسم كلب الحراسة Watch dog «.

مثل هذا المفهوم العميق والوظيفة المعقدة للصحافة الاستقصائية يدفعان شخصية إعلامية مثل الصحفي بجريدة الأهرام القاهرية أيمن السيسي إلى الذهاب بعيدا في تحجيم حضور مثل هذا الفرع من الصحافة في مصر، حيث نجده يقول «إنه لا يوجد في مصر صحافة استقصائية بالمعنى المتعارف عليه في الغرب بل نحاول تحقيق نوع من الصحافة يقترب منه، أن صحافة الاستقصاء تعاني الكثير من المشاكل فهي تحتاج إلى قدر كبير من التفرغ، والجهد للبحث والوصول للحقيق وهو ما لا يحتل أولوية لدى الصحفي في مصر الذي يريد إنجاز أكبر عدد من الأعمال الصحفية في أقل وقت ممكن، وبأقل جهد، وأقل كلفة مادية لأنه يحتاج لدخل مناسب حتى تستمر حياته الخاصة».

في ضوء مثل هذه المقدمة الضرورية المقتضبة نعود لفعاليات مؤتمر «أريج» الذي توزعت أعماله، بالإضافة إلى الجلسات العامة، على مجموعة من ورش العمل والجلسات المتخصصة التي تشعبت موضوعاتها من التقارير الاستقصائية التي عرضت أوضاع المعيشة المزرية التي يعيشها سكان مخيمات اللاجئين التي افرزتها الحروب في سوريا، والتجاوزات الاجرامية اللاإنسانية التي يتعاون فيها سماسرة الحروب مع مسؤولين في الدول العربية ذات العلاقة، إلى تلك التغطيات التي تعقبت بعض الظواهر الاجتماعية غير المبررة التي خلفت وراءها ضحاياها من النساء والفتيات القصر مثل ظاهرة «زواج المسيار». كما توفقت بعض التقارير الاستقصائية عند تزايد حالات «الهروب البشري» المنظم وغير الشرعي المتفشي في صفوف الشباب العربي في دول شمال افريقيا، وعلى وجه التحديد تلك التي مستها نتائج الحراك السياسي الذي ما يزال يعصف بها منذ ما يزيد على الأعوام الثلاثة مثل ليبيا وتونس، حيث لا يتردد أولئك الشباب، كما ورد في تقرير استقصائي قامت به باحثة تونسية، عن «دفع الأموال الطائلة، وركوب المجهول، في عملية هروب قد تودي بحياة عدد كثير منهم يصل إلى عدة ألوف سنويا»، دون ان يعني ذلك تحقيق الناجين منهم أحلامهم الوردية التي كانت تراود أذهانهم عندما قرروا الهجرة عبر تلك الطرق غير الشرعية التي تتحكم فيها مافيات عالمية، كما أثبت التقرير.

ما يلفت النظر في مثل تلك التقارير الاستقصائية، هو تحريها الدقة، وتمسكها بمعايير مهنية عالية، من جانب، وكون الذين يقومون بها من فئة الشباب العرب في منتصف العقد الثاني من الثالث من العمر.

الجميل الذي يستحق التوقف عنده في أنشطة المؤتمر، كان ذلك الحيز الواسع الذي أعطي لتقنية المعلومات، حيث كانت هناك أكثر من ثلاث ورش عمل تناقش موضوعات مثل الارتقاء بأساليب البحث في محركاته مثل غوغل، والموازنة بين حب الانتشار وحماية الخصوصية الفردية عند استخدام شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك»، وتطوير سبل الاستفادة من أدوات المجتمع الرقمي في بناء الاستراتيجيات الملائمة للتحقيقات الاستقصائية.

شكل المؤتمر بجلساته العامة، وورش عمله المتخصصة، محطة مهمة في تاريخ العمل الإعلامي العربي، وعلى وجه الخصوص الشق الاستقصائي فيه، الذي وإن كان ما يزال يحبو في مراحله الجنينية، لكنه حقق مكاسب ملموسة على طريق تطوير تلك المهمة التي يدرك جميع العاملين في هذا الحقل أنها مرهقة مهنيا، ومكلفة ماديا، ومتحدية على المستوى الذاتي لمن يمارسها، وهذا كله يفسر إصرار «أريج» على قبول التحدي، ويضاعف من صعوبات المهمات التي أخذت على عاتقها تحقيقها.

أخبار ذات صله