الصحافيون الاستقصائيون العرب يبحثون عن ربيعهم

2012/04/29
التاريخ : 29/04/2012

صحفي.جو – ثمين خيطان

رياح الربيع العربي تجلب معها فرصا جديدة وانفتاحا، ولكن أيضا تحديات ومصاعب

نشر ت مجلة “لاتيتود” الصادرة عن المعهد العالي للصحافة في مدينة ليل – فرنسا  هذا التقرير في عددها الأخير . في كانون الأول 2011، فازت الصحافية البحرينية هناء بوحجي بجائزة لورنزو ناتالي العالمية لتحقيق كشفت فيه انتهاكات وسوء معاملة بحق مدبّرات المنازل الآسيويات في بلادها. غير أن هذا النجاح، بعد بضعة أشهر على انطلاق احتجاجات شعبية في إطار صحوة “الربيع العربي”، لم يشجع على انتشار صحافة الاستقصاء في أوساط الإعلاميين في في تلك الجزيرة الخليجية الصغيرة. “اليوم يعدّون على أصابع اليد الواحدة الزملاء الذين يستطيعون زرع ثقافة الصحافة الاستقصائية في البحرين”، تأسف بوحجي.

تحاول الصحافية، ومعها العديد من رجال ونساء المهنة في العالم العربي، تعزيز هذا النوع من الصحافة المعمقة لمساعدة مجتمعاتهم على النهوض بعد أن اجتاحت موجات ربيع العرب المنطقة وكسرت حواجز قديمة تتعلق بالديمقراطية، الحريات العامّة والمساءلة.

التقرير الاستقصائي الذي نشرته بوحجي هو الوحيد المنفذ في البحرين من بين عشرات التحقيقات المنشورة في عدة دول بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) منذ تأسيسها في العاصمة الأردنية عمان سنة 2005. بعد تحقيقات تناولت قضايا ومشاكل بيئية، تنموية ومجتمعية، تفتح “أريج” وصحافيوها اليوم ملفات فساد سياسي واقتصادي في أنظمة أسقطتها الثورات الشعبية. بدعم من الدنمارك، السويد وعدة منظمات دولية، تسعى هذه الشبكة إلى نشر عادات الاستقصاء و”نبش” المعلومات بين الإعلاميين العرب، بهدف الكشف عن مواقع الخلل والتقصير والتحسين من حياة المجتمعات.

أكثر من أربعين تحقيقا نشرتهم “أريج” منذ اندلاع شرارة الربيع العربي في تونس أواخر 2010، منهم 24 تحقيقا تم تنفيذهم في دول تعيش حركات احتجاج شعبي. يسعى هؤلاء “الأريجيون” إلى الاستفادة من التغييرات السياسية من أجل تحقيق المزيد من حرية التعبير وفتح ملفات “حساسة” حول الفساد وسوء استخدام السلطة من قبل الأنظمة القديمة أو تلك التي تحل مكانها في السلطة.

انكسر حاجز الخوف

في مصر، حيث أجبرت الجماهير الغاضبة حسني مبارك على الرحيل عن سدة الحكم في شباط / فبراير 2011، يتعمق الصحافيون في الاستقصاء أكثر من باقي نظرائهم العرب. في تحقيق نشرته يومية “المصري اليوم”، يتتبع علي زلط وعبدالرحمن شلبي ثروات وأموال الدولة التي ما زالت في يد مسؤولين ومقربين من النظام السابق. في نفس الصحيفة، يكشف هشام علّام وأحمد رجب عملية تهريب سجناء منظمات إسلامية من سجن المرج (إلى الشمال من القاهرة) خلال الثورة ضد مبارك.

 يتحدث علّام عن التغييرات التي طرأت على مهنة الصحافة، وتحديدا تلك الاستقصائية، بعيد الثورة. “لم تتغير القوانين ولكننا نلاحظ إرادة متزايدة لدى عدد من المواطنين والمسؤولين لمساعدة الصحافيين وتزويد وثائق الوثائق اللازمة لإثبات حالات الفساد… انكسر حاجز الخوف”.

إلى الأردن، حيث تبقى محاربة الفساد أبرز شعارات المتظاهرين في الشوارع. هناك، تكشف منيرة الشطي ومجدولين علّان، من راديو البلد، إهدارا لملايين الدنانير من المساعدات الأوروبية هدفها الأساسي تنفيذ مشاريع تنموية في مناطق يضربها الفقر في غور الأردن. “بعد الربيع العربي، أصبح الأردنيون أكثر تعطشا للمعلومات، وصار التحدي أمام الصحافيين هو إنجاز المزيد من التحقيقات الاستقصائية بالرغم من الظروف غير المناسبة”، تقول علّان.

في 2007، أصبح الأردن أول دولة عربية تقر تشريعا لحق الحصول على المعلومات. ولكن علّان أثبتت في تحقيق عام 2010 ثغرات في النصوص وفي التطبيق. النتيجة: يبقى القانون “تجميليا”.

مروان المعشر، نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام، يؤكد ما توصلت إليه علان. “حكوماتنا ليست منتخبة ولا تشعر بالمسؤولية تجاه الناس. بالتالي يتم التعامل مع المعلومات كمنحة وليس كحق للعامة”، يشرح الدبلوماسي، الذي شغل أيضا منصب نائب رئيس الوزراء في الأردن. ويضيف: “هذا الأمر لن يتغير بين ليلة وضحاها بفضل الثورات”.

“نفس العقلية القديمة”

سمحت الموجات الاحتجاجية بانفتاح نسبي في حرية التعبير. لكن يبقى هنالك الكثير من العصي في دواليب الصحافة الاستقصائية العربية، كما يؤكد القائمون على شبكة “أريج”. يواجه المراسلون الاستقصائيون “نفس العقلية القديمة”: مسؤولون يترددون في تقديم المعلومات ويسعون إلى إخفائها، حسب سعد حتر، مدير وحدة التحقيقات الاستقصائية في الشبكة. يرجح حتر أن يكون لدى بعضهم خشية من فقد مناصبهم أو التعرض للمساءلة في حال كشف قضايا فساد.

“في تونس، تقع وسائل الإعلام بين مطرقة الإسلاميين وسندان القوى العلمانية”، يلاحظ حتر. بعد سنوات من العلمانية التي فرضها نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، “يريد حزب النهضة والسلفيون السيطرة على الصحافة، إحدى أهم أدوات السلطة، من أجل تجنب النقد”، يستنتج الصحافي.

في مؤتمر “أريج” قبيل نهاية كل عام، تطرح هذه القضايا وغيرها على طاولة النقاش بين صحافيين وخبراء من مختلف أنحاء العالم. يعرضون تجاربهم وتحقيقاتهم في قاعات أحد فنادق عمّان، ويحتفلون بإنجازاتهم في ليلة راقصة على أنغام موسيقى عربية.

بالنسبة للمعشر، “عقلية بأكملها يجب أن تتغير” حتى يتمكن حتر وصحافيوه من توسيع حقل استقصاءاتهم..

أخبار ذات صله