نزع الملكيّة.. إخلاء قسري بحكم القانون في مصر

غياب إجراءات واضحة للنزع وتعويضات هزيلة غير قانونية

سمر محمد

22/11/2022

في الثالث عشر من نيسان/ أبريل 2020، أُجبر حامد حمدي (30 عاماً)، على ترك منزله في منطقة حوض البركة بالوراق التابعة لمحافظة الجيزة في مصر، حين هدمت الجرافات عمارته الملك المكونة من سبعة أدوار، تسهيلاً لمرور كوبري الضبعة من ذلك الطريق وتوسيعاً له.

25 عمارة أخرى دخلت ضمن أعمال المنفعة العامة في تلك المنطقة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، رقم (1139) لسنة 2019 بنزع ملكية العقارات والأراضي والمنشآت كافة، التي تعترض طريق محور "روض الفرج".

لم يتم إعلام حامد ولا الملّاك الآخرين في تلك المنطقة بموعد تنفيذ قرار نزع الملكية ولم يتم التواصل معهم، وهو ما يخالف قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، الذي ينصّ على إخطار ذوي الشأن بخطاب محدد بعلم الوصول قبل دخول العقار.

يقول حامد: "في ذلك اليوم فوجئت بالجرافات الآتية من حيّ الوراق لهدم العمارة وعدد من العمارات الأخرى، لكونها تعترض طريق محور الضبعة وأنّه سيتم تعويض الملاك كافة بديلاً عن أملاكهم".

حامد هو أحد متضرري مشروعات الطرق والكباري التوسعية التي قامت بها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة، وأدت إلى زيادة حالات الإخلاء القسري لملّاك عقارات وأراضٍ على يد الحكومة، مقابل تعويضات هزيلة أو سكن غير ملائم في مشروعات سكنية بلا خدمات، بما يخالف قانون نزع الملكية للمنفعة العامة ومواد الدستور.

ارتفاع عدد قرارات نزع الملكية

يستند التحقيق إلى بيانات منشورة في 200 عدد من الجريدة الرسمية المصرية منذ كانون الثاني/ يناير 2014 حتى آذار/ مارس 2021.

تشير البيانات إلى ارتفاع عدد قرارات نزع ملكية عقارات وأراضي مواطنين إلى أن وصلت في عام 2020 وحده إلى 23 قراراً. هذه القرارات التي يعتبرها المتضررون مجحفة بحقهم، اضطرتهم إلى اللجوء لمقاضاة الجهات الحكومية في محكمة النقص المصرية، إذ جرى تسجيل 224 قضية، في الفترة ما بين عاميْ 2014-2021.

تشير البيانات إلى أنّ تلك القرارات أسفرت عن انتزاع ملكية منازل وممتلكات تعود إلى 34 ألف مواطن.

عدد المتضرّرين من قرارات نزع الملكية

من عام 2014 إلى عام 2021

استخدام قانون نزع الملكية في مصر ليس جديداً، ولكن اتّضح من خلال تحليل البيانات أنّ عدد قرارات نزع الملكية ارتفع خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2018. وتشكل القرارات التي وقع عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي أو من ينوب عنه 15% من تلك القرارات في هذه الفترة.

وتنوعت القضايا التي رفعها متضررون ضدّ الجهات التي نزعت الملكية، لكنّ 70% منها كانت للطعن في التعويضات، إذ لم تنفّذ الجهات النازعة إجراءات نزع الملكية كما نصّ عليها القانون.

عدد قضايا نزع الملكية من العام 2014 إلى 2021

2018 أعلى عام في عدد القضايا

ومن خلال تحليل بيانات القضايا اتّضح أنّ هناك فروقاتٍ ضخمة في تقدير التعويض المادي بين الجهة النازعة والمحكمة وصلت نسبتها إلى 100%، وتحديداً في القضايا التي رُفعت ضدّ رئيس الوزراء، ثمّ وزارة الزراعة.

نزع الملكيّة.. قانون "للقهر المجتمعي"

يقول محمد عبد العال، المحامي في محكمة النقض والدستورية العليا والخبير الحقوقي في تشريعات الإسكان إنّ "المنفعة العامة تُعدُّ مسألة مقرّرة في الدستور وهي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها نزع الملكية الخاصة للمواطن، ولكنّ الملكية الخاصة مصونة طبقاً للدستور وتجب حمايتها".

ويرى أنّ هناك إشكالية ما بين الملكية الخاصة والمنفعة العامة، تمّ حلّها من خلال قانون نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة، ولكن في الآونة الأخيرة زادت المشاريع الاستثمارية وتوسيع الطرق والمحاور وإقامتها، ما أدى إلى "الجور" على العديد من الملكيات الخاصة للمواطنين.

ويشدد عبد العال على أنّ الأمر أصبح مسألة اجتماعية تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والحقّ القانوني في التملّك للعديد من الفئات، موضحاً أنّه كان يجب دراسة الأمر من قبل الدولة بشكل أعمق لمعرفة الآثار المترتبة على مثل تلك الإجراءات التي تؤثر على استقرار أصحاب الأملاك.

ومن الناحية القانونية، يؤكد عبد العال أنّ التملّك يعتبر حقّاً دستورياً وحيازةً مستقرَّة تجب حمايتها طبقاً للمواثيق الدولية، موضحاً أنّ التسوية القانونية للتعويضات لا تمثل مجازاة حقيقية تمكن المواطن بموجب التعويض من الحصول على سكن ملائم، وبالتالي يجب مراعاة تلك المسالة حفاظاً على حقوق المواطنين القانونية المكتسبة والبعد الاجتماعي للحقّ في السكن.

"لا بدّ من المواءمة بين حقّ المنفعة العامة للدولة وحقّ الحيازة القانونية الخاصة بالمواطن، لأنّ السكن يعتبر حيازة قانونية، فلا بدّ من توفير سكن بديل ملائم لما كان يسكن به المواطن قبل عملية الإزالة، لأنّ الإجبار يمثل جزءاً من القهر المجتمعي ويتحوّل القانون من أداة للضبط المجتمعي إلى القهر"، يقول عبد العال.

نزع ملكية مقابل تعويضات هزيلة

حالات كثيرة لم تحصل على تعويض بعد تجاوز المدة القانونية لتسليم التعويض المادي، وحالات أخرى عُوِّضَت بتعويضات لا تتناسب مع قيمة العقار المنزوع، وهو ما حدث مع كارم الجوهري.

الجوهري (27 عاماً)، نُزعت ملكيته لشقته في شارع الملك سلمان، في حزيران/ يونيو 2021، بهدف التوسعة لانطلاق المحور الذي يحمل نفس الاسم.

شقته التي تطلّ على الشارع العمومي وتبعد 80 متراً عن أعمال إنشاء المحور كانت تساوي قبل عشرة أعوام 250 ألف جنيه، لكنّه عُوِّضَ عنها بمبلغ 100 ألف جنيه فقط، "صُدمت حين أخذت تعويض 100 ألف فقط عن شقة كان سعرها منذ 10 سنوات 250 ألفاً".

الجوهري كان يمتلك شقة مكوّنة من ثلاث غرف ومطبخ وحمام، وتمّ احتساب كلّ غرفة عند التعويض بـ 25 ألف جنيه فقط، بالإضافة إلى المطبخ.

النزع تمّ وفق قرار مجلس الوزراء رقم (2128) لسنة 2019، وتمّ إبلاغ أصحاب الأملاك بقرار الهدم قبل التنفيذ بيومين، إذ طُلب منهم الرحيل عن منازلهم لتأتي جرافات حي الجيزة في الصباح الباكر وتهدم خمس عمارات.

يقول الجوهري "شقتي منذ سنوات كانت بـ 250 ألف جنيه وامتلك عقداً مدوّناً بالمبلغ، وخاطبنا هيئة المساحة والتعويضات بأنّ ذلك ظلم وهدر لحقوقنا وأموالنا. تحولت من مالك شقة مساحتها 98 متراً إلى مستأجر في شقة لا تزيد عن 50 متراً بإيجار قيمته 1000 جنيه ولا جديد إلى الآن".

ثغرات قانون نزع الملكية

ينصّ قانون نزع الملكية رقم (10) لسنة 1990 في المادة رقم (2) على "نزع ملكية أيّ عقار ترى الجهة القائمة على أعمال التنظيم أنّها لازمة لتحقيق الغرض من المشروع، أو لأنّ بقاءها بحالتها من حيث الشكل أو المساحة لا يتفق مع التحسين المطلوب".

ولكن في عام 2018، أجرى الرئيس السيسي تعديلات على أحكام القانون رقم (10) لسنة 1990، منعت اقتصار سلطة إصدار قرارات نزع الملكية على الرئيس فقط، وأباحت ذلك لمن يفوّضه من المسؤولين، ما أدّى إلى تضاعف متوسط أعداد قرارات النزع سنوياً قبل وبعد ذلك العام.
ويتضح أثر التعديلات أيضاً في ارتفاع أعداد قضايا نزع الملكية خلال العام 2018، الذي استحوذ على نحو ثلث إجمالي القضايا، كما تضاعف متوسط قضايا نزع الملكية الذي تشهده محكمة النقض المصرية في ذلك العام.


وبحسب المادة (6) من قانون نزع الملكية، فإنّ تقدير تعويض المواطنين المنزوعة ملكيتهم يتمّ طبقاً للأسعار السائدة وقت صدور قرار نزع الملكية، مضافاً إليه نسبة 20% من قيمة التقدير، وتودع الجهة طالبة نزع الملكية مبلغ التعويض المقدّر خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.

وتقدّر الجهة النازعة سكناً بديلاً للمواطنين الذين نُزعت ملكية عقاراتهم، إذ يتمّ تخييرهم بين التعويض المادي أو السكن البديل في الأحياء السكنية الجديدة التي تمّ إنشاؤها مؤخراً، وهي الأسمرات، وأهالينا، وبشائر الخير، والمحروسة، بحسب مجلس الوزراء.


نزع الملكية حقّ الدولة دون صيغ تجميلية

يرى خبير التنمية المحلية والتطوير الحضاري الحسين حسان، أنّ هناك ضرورة لقانون المنفعة العامة، ولكن من دون صيغ تجميلية، موضحاً أنّ هناك 25 ألف مشروع تقوم الدولة بتنفيذها في الوقت الحالي، وكانت تعاني من قبل تلك المشروعات من وجود مساحات عمرانية غير مخططة.

ويشير حسان إلى أنّ "كثيراً من المساحات سواء في القرى التي يبلغ عددها 4677 قرية أو النجوع والعزب البالغة 31 ألفاً هي غير مخططة، حيث توجد حيازات عمرانية تتداخل فيها الصناعية بالسكنية بالتجارية، فضلاً عن وجود كمٍّ ضخم من المخالفات يقدر بنحو ثلاثة ملايين مخالفة، لذا لا بدّ من إعادة التخطيط العمراني".

ووفقاً لحسان، فهناك أكثر من 600 كوبري تمّ بناؤها إلى جانب 21 محوراً من أجل السيولة المرورية، إذ كانت مصر تعاني من خلل في التوزيع السكاني لأنّ القاهرة بها 10 ملايين نسمة، بينما يعيش في الجيزة ما عدده 9 ملايين، مقابل مليون نسمة في الأقصر، لافتاً إلى أن تلك الفروق ضخمة ولا بدّ من إعادة التوزيع.

ويوضح أنّ هذا القانون مُلزم لكلِّ الأطراف، فإذا كانت الدولة تعمل على توسعة طريق تحدث به حوادث فإنّها بذلك تنقذ آلاف المواطنين، مضيفاً أنّه "لا بدّ أن يكون هناك ردع للمخالفات وفي نفس الوقت تقدير للمواطنين".

ويضيف حسان أنّ "الشيء الذي تحتاجه الدولة يتمّ نزعه، ولكن لا بدّ من وجود بدائل عادلة، مثل السكن البديل المناسب أو التعويض المناسب، سواء للمخالفات أو العشوائيات، كما أنّه لا بدّ من وضع خيارات أمام المواطن".

ويقترح حسان أن يتمّ عمل لجان معينة تكون مهمتها تحديد السعر المناسب للملاك سواء للأراضي أو العقارات وتشرف عليها الجهات المختصة حسب كلّ منطقة، ويتمّ انتداب اللجان المختصة لتسعير التمليك المنزوع.

"قوات الأمن لم تنتظر خروجنا الآمن من أملاكنا"

في الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير 2021، فوجئت شادية التي تقطن في شارع ترعة الزمر طريق البراجيل، وهي تنظر من نافذة غرفتها بقوات أمن أسفل العقار الذي تقطنه ويحمل رقم (3) بالمدينة المنورة التابعة لمحافظة الجيزة.

استفسرت شادية وجيرانها عن هويتهم، فقيل لهم إنّ هناك عملية إزالة لا بدّ أن تتم الآن لتلك العقارات لتفسح المجال أمام محور الملك سلمان، الذي ما يزال العمل فيه جارياً إلى الآن (تاريخ نشر التحقيق).

بعدها طالبت شادية بسكن بديل وليس بتعويضٍ مادي، إلّا أنّ طلبها قوبل بالرفض.

تقول شادية وهي أم لأربعة أطفال "وافقنا على نزع الملكية في البداية بناءً على تعويض مادي يضمن لنا امتلاك عقارات في أماكن أخرى، ولكنّنا فوجئنا بأنّه سيتمّ تعويضنا بمبلغ 25 ألف جنيه للغرفة الواحدة، وبناءً عليه كان تعويض شقتي 125 ألف جنيه فقط عن ثلاث غرف، رغم أنّ التعويض الذي يناسب الشقة بالسعر السوقي الحالي لا يقلّ عن 650 ألفاً".

قامت قوات الأمن بهدم منزل شادية وعدد من المنازل المجاورة، دون انتظار خروج المالكين بطريقة آمنة "وضعت أغراض منزلي في جامع مجاور، واضطر زوجي للإمضاء على نزع الملكية حتى نستطيع الحصول على التعويض المجحف وإلا لن يكون هناك تعويض نهائياً".

انتقلت شادية من شقة تملكها بمساحة 100 متر إلى شقة مستأجرة بمساحة 50 متراً تكلفتها 1200 جنيه شهرياً.

رئيس الوزراء أعلى جهة أصدرت قرارات نزع ملكية

يشير تحليل البيانات إلى أنّ رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، تصدّر قائمة الجهات التي أصدرت قرارات نزع ملكية خلال الفترة ما بين عاميْ 2014 و2021، مستحوذاً على أكثر من نصف القرارات، إذ بلغ عدد القضايا المرفوعة ضدّ رئيس الوزراء 100 قضية.

نسب استحواذ كلّ جهة على قرارات نزع الملكية

تعويضات غير عادلة

يقول عضو مجلس النواب وعضو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريدي البياضي، إنّ "قانون نزع الملكية تمّ تنفيذه خلال دورة التشريع الماضية لمجلس النواب، ويعطي الحقّ للدولة في نزع ملكية الأراضي أو البيوت للمصلحة العامة، ولكن هناك مشكلة في أنّ التعويضات غير عادلة".

وأشار البياضي إلى أنّه سبق وأن قدّم طلب إحاطة، لكن لم تتم مناقشته رغم تقديمه أكثر من مرة.

ويرى البياضي أنّه لا بدّ من مراعاة القيمة التجارية والسوقية للعقار وكذلك القيمة المعنوية، موضحاً أنّ خروج المواطنين من منازلهم أمر قاسٍ وله مردود معنوي، لذلك فلا بدّ من تعويضهم مادياً بقيم حالية.

ويشدد البياضي على ضرورة عدم التوسع في استخدام قانون نزع الملكية، حتى ولو كان للدولة حقٌّ في استخدامه "لا بدّ من استخدامه عند الضرورة القصوى التي لا غنى عنها، لأنّ انتقال المواطنين من منازلهم ليس أمراً هيّناً".

وعن الحلول، يقول البياضي "دورنا التشريعي هو تقديم طلبات إحاطة وانتظار أيّ تحرك سواء من قبل الحكومة أو المواطنين من خلال القضايا التي يتمّ تحريكها، حتى تكون هناك طرق ودية وتعويضات عادلة أو بيوت سكن ملائمة".

لكنّه أضاف أنّ "القانون لا يمكن إلغاؤه لأنّه صدر وتمّ التصديق عليه من كلّ مؤسسات الدولة، لكن يمكن العمل على تسهيل عملية التطبيق، بحيث يكون هناك تعويض مناسب للقيمة السوقية وكذلك المعنوية للمواطنين".

وبين ثغرات قانونية في قانون نزع الملكية، وغياب إجراءات تنفيذية واضحة، ما يزال حامد يبحث عن تعويضه حتى لحظة نشر التحقيق، فيما تحلم شادية بالعيش في شقة تملكها هي وأولادها وزوجها، بينما ينتظر الجوهري من ينصفه ويعوضه تعويضاً مناسباً يسمح له بالعيش من جديد بكرامة هو وأولاده.

جميع أسماء المواطنين المذكورة مستعارة حفاظاً على أمنهم