احمد عبد الصمد/ الغد العراقي – 44 كيلومترا، المسافة التي يتربص فيها الموت بالإنسان، على طول طريق ممتد لـ60 كيلو مترا بين مدينتي أم قصر والبصرة، أقصى جنوبي العراق.
قد تبدو المسافة قصيرة، ويمكن قطعها بنصف ساعة. غير أن اختلاف أم قصر عن سائر المدن، يجعلها أقرب الى الموت الذي يفترش سفراؤه أجزاء من ذلك الطريق المسمى “طريق الموت”، جراء الحوادث شبه اليومية التي يتعرض لها، حاملو “القوت” السكران بدوار البحر الذي جاءت به بواخر من أصقاع بعيدة.
على هذه المسافة القصيرة، حيث يتخسف الطريق ويتلوى كأفعى استوائية طويلة، مستعدة لابتلاع من يغفل عنها، يسجل إحصاء تقريبي وقوع 170 حادثة مرورية سنوياً اذا لم تقتل فيها الضحية، فإنها تصاب بإعاقة دائمة، حسب دائرة صحة البصرة. وهذا الرقم يفوق معدل الحوادث في سائر العراق، الذي يفتقر الى بيانات واحصائيات دقيقة.
إضاءة على إسفلت
أم قصر بوابة العالم إلى العراق ورئته التجارية. ففيها أكبر ميناءين؛ أم قصر وخور الزبير وأكبر معامل الصناعة مثل الاسمدة والحديد والصلب والغاز السائل ومحطات الكهرباء الغازية ومعامل صغيرة لانتاج الاوكسجين والزفت ومواد البناء. كما تضم مجمعات كبيرة يسكنها الذين يشغلون منشآتها وعائلاتهم، إضافة الى مزارع مترامية يعنى بها مئات الفلاحين ويتاجر بانتاجها آلاف الباعة.
من هنا تمر يوميا على طريقها الرئيس الذي يربطها بمحافظة البصرة الأم وسائر المحافظات آلاف الشاحنات والسيارات وعشرات الآلاف من السائقين والعاملين في المصانع الكبيرة والمزارع ومفرغي البواخر والسفن وموظفي وعمال الموانئ والحمالين على الشاحنات وعمال البلدية ومدرسين يخدمون مدارس المنطقة.
وبرغم ذلك، لم تشهد أم قصر حوادث مرورية مرتفعة حتى سنة 2005، لأن غالبية منشآتها عملت بطاقاتها الدنيا خلال سنوات الحصار (1990-2003)، فيما بقيت مؤسسات كبرى، منها الموانئ شبه معطلة، حتى وصول أولى شحنات الغذاء الى العراق في آذار 1997، إثر توقيع العراق مذكرة تفاهم مع الامم المتحدة، تقضي بتصدير كميات محدودة من نفطه مقابل الغذاء.
تنفيذ تلك المذكرة تطلب تغييراً في خريطة أم قصر، حيث برزت الحاجة لانشاء طريق آخر يحاذي القديم وبعرضه نفسه والبالغ 8 م. ومن هنا تبنت شركة الموانئ العراقية تنفيذه لحاجتها اليه في نقل البضائع بسرعة إلى مقاصدها النهائية.
طريق الاياب هذا – كما اصطلح عليه – الذي نفذ سنة 2002، بغية تفادي الحوادث وتأمين سلامة البضائع والارواح، تخسف بعد سنتين على تنفيذه، وظهرت إلتواءات واخاديد وبروزات ترتفع وتنخفض على مهالك طويلة منه، تتهدد الارواح وتتسبب بقتل كثيرين وتتنصل من مسؤوليتها أو معالجتها غالبية الجهات المعنية به.
ومن هنا يجمع المواطنون على أنها جميعا متهمة بأنها السبب وراء الحوادث والموت، وان اختلفوا في تأشير المتسبب.
البعض حمّل الشركة العامة للموانئ العراقية مسؤولية الحوادث بكونها الجهة المنفذة. بعض آخر رمى بالمسؤولية على مديرية الطرق والجسور في البصرة لأنها الجهة التي اشرفت على التنفيذ، فيما اتهم قسم ثالث دائرة المرور لأنها الرقيب على سلامة السير وارواح الناس، ولأنها لم تؤثث الشارع بالدلالات، والأدهى ان الجهات ذاتها تراشقت الاتهامات في ما بينها وكأن بينها عداءً.
تغيير المسار القاتل
عامر جميل – 45 سنة يعمل في معمل الحديد والصلب في ام قصر– اصيب بكسر في الرأس وعدد من الفقرات في حادث على هذا الطريق، قتل فيه صديقه في العمل حسين حنون. جميل يتهم ضمنا الشركة المنفذة للطريق: “اضطر صديقي لقيادة السيارة بسرعة 40 كيلومترا، ومع ذلك كانت السيارة تتأرجح بنا على تخسفات الشارع وبروزاته التي كان يحتك بعضها بأسفل بدن السيارة. فاضطر الى التحول السريع صوب الطريق المحاذي لنفاجأ بحافلة ركاب – باص – تصطدم مقدمتها بسيارتنا”. لم يعرف هذا العامل عن مقتل رفيقه إلا “بعد يومين حين افقت من غيبوبتي”.
وهو يشكك في إحصاء دائرة الصحة: “وفي أي تصريح حكومي بهذا الشأن. فالحوادث أكثر مما تم تقديره ومنها ما نراه بالعين ومنها ما نسمع به يوميا، لأننا نعمل اصلاً في ام قصر”.
الرائد في دائرة المرور نعيم شاكر يقول من جانبه: “حسب كشوفاتنا وتخطيط الحوادث خلصنا إلى أن السائقين يخشون نهاراً، البقاء على طريق الاياب، خشية انقلاب شاحناتهم أو سياراتهم بسبب تأرجحها على الاخاديد والتخسفات. لذلك يتحولون بنحو مفاجئ وبسرعة كبيرة، عند الاقتراب من المناطق الخطرة الى الطريق الآخر – طريق الذهاب – وبسبب عدم رؤية السائقين أيضاً لتلك الاخاديد والتعرجات ليلاً، يضطر كثير منهم الى التحول الى الطريق ذاته”. ويضيف الرائد شاكر: “70 % من الحوادث تقع بسبب تغيير المسار صوب طريق الذهاب الذي يزداد خطره عندما لا يلتزم السائقون بالسرعة المحددة ب 80 كيلو متر/ ساعة، ما يؤدي إلى حوادث جسيمة بخاصة أن عرض طريق الذهاب لا يتجاوز ثمانية أمتار ولا يسمح بالمناورة”.
ويؤشر العميد الحقوقي رياض ألعيداني مسؤول العلاقات والإعلام في مديرية مرور البصرة سبباً آخر:” الحوادث المسجلة في مرور البصرة تتراوح بين انقلاب الشاحنات جراء التموجات الحادة والتعرجات على طول امتداد طريق الاياب، بخاصة عندما تفوق حمولاتها الوزن المقرر لها وبين الاصطدام المباشر بين عجلتين تقبل كل واحدة منها من اتجاه متعاكس جراء تحول سائق احدى العجلتين من طريق الاياب – الموت – الى طريق الذهاب لأنه يخلو من تلك التموجات الخطرة. ويضيف:”مديريتنا ارسلت عددا من الخطابات الى الجهات المعنية المتمثلة بالشركة العامة للموانئ العراقية ومديرية الطرق والجسور ومحافظة البصرة تنذر بارتفاع نسبة الحوادث على هذا الطريق، وأكدنا في كل الخطابات أن عدم التزام السائقين بالحمولات المقررة وتحميلهم شاحناتهم لاوزان اكبر من الوزن المقرر الذي لا يزيد على 40 طنا، اضافة الى سماح الموانئ بتمرير الحمولات الزائدة اديا الى تخسف الطريق وتخريبه.
العيداني يعترض اصلا على ان تكون الحمولة اربعين طناً، لأن نظم السلامة وتعليماتها تقضي بأن لا تزيد الحمولة على 30 طنا. ويرى أن غض النظر عن الحمولات الزائدة:” خطأ فادح على طريق غير مرسم بمسارات ويخلو من مستلزمات السلامة تسير عليه شاحنات وسيارات ركاب صغيرة، هي الأكثر عرضة للحوادث”.
ضابط المرور، حمّل الناقلين مسؤولية تخسف الطريق وانبعاجاته. فحسب العيداني: “تحصل الشركة الناقلة على أجور شاحنتين، إن حمّلت شاحنة واحدة ب60 طنا او اكثر لأن الجهة المستفيدة من البضاعة تدفع تكاليف النقل حسب ما ينقل اليها من اطنان وليس حسب تأجير الشاحنة بنحو مقطوع، الحمولات الزائدة لم تتسبب بتخسف طريق ام قصر فقط وانما بتخسف الطرق الداخلية بين محافظات العراق المختلفة وخاصة عند السيطرات المنصوبة عليها حيث تتلوى الطرق وتتعرج على مسافات منها.
بدوره يقول الدكتور صلاح عبد الرزاق معاون مدير عام دائرة صحة البصرة إن دائرته حذرت في مؤتمر سلامة الطرق الخارجية الذي انعقد ببغداد من أن الحوادث على هذا الطريق قد تتنامى إذا لم توضع كل مشكلاته في سلة واحدة لتعالج. ويضيف د. عبد الرزاق:” ليست الأخاديد وتعرجات الشارع وحدها ما يتسبب بالحوادث. فخلو الطريق من اشارات المرور وعلامات الدلالة والانارة الكافية، تقلل فرص نجاة السائقين والمارين عليه”.
حمولات واتهامات وروايات
مازن عبد الصمد سعود مدير الطرق والجسور في محافظة البصرة – الجهة التي اشرفت على تنفيذ الطريق في حينه – يحمل شركة التنفيذ سوء وضعه: “السبب في ظهور التعرجات في طريق الاياب يتمثل بزيادة مادة القير او ما تعرف بالمادة اللاصقة التي وضعت عند التنفيذ وتسببت في ظهور تلك الأخاديد والتعرجات”. ويذهب سعود إلى حد اتهام شركة التنفيذ مذكرا بأن “مديرية الطرق والجسور رفضت تسلم طريق أم قصر بعد أن أنجزته دائرة الموانئ العراقية آنذاك بسبب عدم موافقتها على التنفيذ اضافة الى التلاعب بالمواصفات المقررة”.
هذا الاتهام تفنده رئيسة المهندسين في شركة موانئ العراق منى سعيد التي أدارت تنفيذ الطريق في الأشهر الثلاثة الاولى من العمل. وتقول: “أقر إنشاء الطريق على أربعة قطاعات في كانون الثاني عام 2000. خصّص مهندس لكل من القطاعات بعد تسلم التصاميم والمخططات من وزارة الإسكان والإعمار- المشرفة على التنفيذ من خلال فرعها في البصرة مديرية الطرق والجسور. وكانت وزارة الاسكان ذاتها الجهة الفاحصة للمواصفات من خلال المركز القومي لفحص التربة والإنشاءات التابع لها في البصرة”.
سعيد تنفي الإدعاء بعدم مطابقة المواد المستعملة في التنفيذ للمواصفات. وتوضح: “لم يكن بمقدور أحد العمل بأية مادة إنشائية الا بعد فحصها وموافقة لجنة مشتركة تضم اعضاء من جهات مختبرية ومن مديرية الطرق والجسور”. إلى ذلك تعلل “السبب الرئيس وراء ازدياد التعرجات بشكل مخيف إلى الحمولات الزائدة للشاحنات التجارية الخارجة من ميناءي ام قصر وخور الزبير. فالطريق صمّم ونفذ لحمولات لا ينبغي ان تزيد على 40 طنا لكن الشاحنات باتت تتجاوز الـ 70 او 80 طنا خاصة بعد عام 2003 وهي المدة التي رافقها فقدان الرقابة والمتابعة على اوزان الشاحنات”.
تساندها في الرأي المهندسة رجاء ثابت المشرفة على العبارات والجسور الصغيرة على طريق ام قصر آنذاك. وترى ثابت أن الحمولات الزائدة هي التي تسببت بتخسف الطريق وتخدده وتعرجاته مؤكدة أن المشروع نفذ بحسب المواصفات التي قدمتها الطرق والجسور. كذلك أرجعت الفشل إلى التصميم وليس التنفيذ.
وذهبت الى ابعد من هذا حين كشفت عن عدم اكساء الطريق بطبقة نهائية من مادة الاسفلت كان ينبغي على مديرية الطرق والجسور فرشها عليه. وقالت: “لم تنجز مديرية الطرق والجسور هذه الطبقة برغم اعلان انتهاء تنفيذ المشروع، علما أن أهمية هذه الطبقة تتمثل بأنها تدعم المقاومة التي تتطلبها الشاحنات والعجلات من ذوات الوزن الزائد”. بالنسبة لهذه المسؤولة، “كان ينبغي اضافة هذه الطبقة (النهائية) بعد مرور سنة على افتتاح الطريق. لكن الاحتلال والأحداث التي تلته حالت دون تنفيذ هذه الطبقة التي تمثل الجزء الأخير من المشروع، ما جعل الطريق غير آمن”.
المهندس طالب عبد الرضا الذي يشغل اليوم مدير الهندسة المدنية في مديرية الموانئ العراقية والذي كان احد العاملين على طريق ام قصر حمل أيضا مديرية الطرق والجسور “مسؤولية ما حدث ويحدث على الطريق” بكونها الجهة المصممة والمشرفة على المشروع وأنها كانت تراقب التنفيذ من خلال مهندس مقيم موجود طيلة مدة التنفيذ.
البقشيش يسهل المرور
مسؤول رفيع في شركة الموانئ العراقية يقر من جانبه بالتراخي في ضبط الميازين وحمولات الشاحنات. إذ يفيد عبد الكريم حريز مدير ميناء أم قصر:” الشاحنات حملت اكثر مما ينبغي، لأننا اردنا تفريغ اكبر عدد من البواخر، ولأن غايتنا انصبت على ان تصل المواد الغذائية الى المحافظات بأسرع وقت مضيفاً ان: “الحمولة المحددة للشاحنات لا تزيد على 40 طنا لكن غالبية الشاحنات زادت حمولتها على سبعين وثمانين طنا ما تسبب في زيادة الضغط على الطريق الذي كان حديث الانشاء”.
وأيد سائقو الشاحنات ما ذهب اليه حين اتفقوا على ان بعضهم حمل ضعف الوزن المقرر له او اكثر، وان ادارة الميناء لم تكن تحاسب على الحمولات الزائدة، حتى انها كانت تثبت في ايصالات التحميل الرسمية، الأوزان الحقيقية للحمولات على الرغم من انها ضعف الوزن المقرر، وهذا يعد سابقة خطيرة في عمل الموانئ، وخاصة ان بعض سائقي الشاحنات أقر بأن ما يعرف بالاكرامية او بـ(البقشيش) سهل السماح للكثيرين بالمرور من دون محاسبة على الزيادة في شاحناتهم التي اتلفت الطريق تحت مسمع ومرأى ثلاث جهات هي المعنية به وبسلامة المارين عليه، اذ كشفت المهندسة رجاء ثابت التي كانت تعمل على تنفيذ الطريق عن ان: “مديرية الطرق والجسور هي التي تتحمل المسؤولية لأنها المعنية بوضع الميازين عند بداية كل طريق وان اهمال هذه الدائرة وعدم وضعها للميازين على طريق ام قصر الاياب ادى الى تلف الطريق وتنامي مشكلة الحمولات الزائدة عن الحد المقرر”.
هذه المشكلة التي تحولت بمرور الوقت الى معضلة، اقر بها مدير الطرق والجسور الخبير مازن عبد الصمد الذي قال ان: “مسؤولية مراقبة الأوزان التي توقف العمل بها منذ سنة 2000 مشتركة بين دائرة المرور ومديرية الطرق والجسور”.
وبلغة الارقام، يتجسد حجم المعضلة، اذ ” تدخل ميناء ام قصر وحده وتخرج منه 1000 شاحنة يومياً” حسب المهندس ليث صالح الذي يعمل في ميناء ام قصر الذي يضيف: “ان هذا الرقم يشكل المعدل الطبيعي اليومي لحجم المناولة بالسيارات التي تسير كلها على هذا الطريق محملة بالمواد الغذائية والمواد التجارية، وهذا الرقم قابل للزيادة ففي بعض الاحيان تصل اعداد الشاحنات الى 1200 شاحنة يومياً “، وحسب المهندس طالب عبد الله الذي عمل مديراً لميناء ام قصر للمدة من سنة 2004 الى سنة 2011، قبل نقله الى مسؤولية اخرى فان: “الميناء شهد انفتاحا كبيرا امام البواخر التجارية القادمة من دول مختلفة لتصل الى 100 باخرة تجارية شهرياً بحمولة إجمالية تقدر بـ 3,500,000 ملايين طن يجري تفريغها وتحميلها على الشاحنات لتمر على هذا الطريق صوب ارجاء العراق المختلفة”.
رقم مرعب ومقارنة عالمية
الخبير البحري وربان اعالي البحار – كابتن – عائد مزيد يقول إن “طريق ام قصر القديم سبق له ان تخسف وتلوى من جهة ام قصر – البصرة ، الأمر الذي اجبر المسؤولين في حينه على تصليحه وانشاء الممر الثاني – طريق الموت – وخاصة ان مذكرة التفاهم اشترطت عند الشروع بتنفيذها ان يكون ميناء ام قصر ، الميناء الوحيد الذي يستقبل السفن والبواخر المحملة ببضائع عقود مذكرة التفاهم مع العراق ، الأمر الذي يعني اكتظاظ الميناء بعشرات السفن، ومن هنا انشأت ساحات واسعة لايواء الشاحنات التي تنتظر دورها للتحميل ونقل البضائع من الميناء والذهاب بها الى الجهات المستفيدة، وهذا ما يخالف قواعد المناولة في الموانئ عالمياً، لأن المناولة والتحميل بالسيارات والشاحنات يعني تخلف قطاع النقل، لأن المناولة ينبغي ان تعتمد في معظمها على السكك الحديد”
ولتأكيد ما ذهب اليه ضرب مثلاً: “اذا جمعت الإحصاءات الشهرية لميناء ام قصر سنرى ان المناولة فيه لا تتعدى (42) مليون طن سنوياً. وهذا يساوي نصف معدل المناولة السنوي لميناء تكساس الذي لا يناول اكثر من 25000 سيارة في السنة، والسبب انه يتميز بتوفر شبكة سكة حديد عالية المستوى تربط ذلك الميناء بالأراضي الأمريكية، وللعلم حتى السيارات التي يناولها الميناء، يناولها من خلال مخازن شبكة السكك الحديد وليس بنحو مباشر، ولكم ان تتخيلوا الفرق بين 25000 سيارة وبين 360,000 يناولها ميناء ام قصر سنوياً”.
ويضيف هذا الربان الذي يتولى الآن مسؤولية متابعة اتحاد الموانئ البحرية العربية: “مجرد التفكير بهذا الرقم من الشاحنات يثير الرعب، وللأسف ان هذه المشكلة تشمل دول عربية اخرى، منها مصر التي تعتمد بنسبة 95% على الشاحنات في نقل البضائع من الموانئ، ومنها الاردن الذي يتجه الآن الى الاستثمار السككي وسيبقى معتمداً على النقل بالشاحنات حتى ذلك الوقت، اضافة الى دول اخرى فيها سكك، لكنها قديمة ومتخلفة ولهذا تعتمد الشاحنات.
ويضيف: “المشكلة ليست في الجهة التي نفذت الطريق او التي اشرفت عليه وانما في الاستخدام الخاطئ لوسائل النقل، فالنقل بالشاحنات يعرض كل الناس وفي كل الاماكن الى خطر محقق، ومن هنا اتجهت الدول الى القناة الجافة واقصد بها السكك الحديد في نقل البضائع من الموانئ، لأن مسارات خطوط السكك الحديد ثابتة وتمر في المناطق الصحراوية والترابية غير الآهلة ومحطات قطارات البضائع تنشأ خارج المدن لتتناول الشاحنات البضائع منها ، لتذهب بها الى المخازن”.
واكد أن: “حركة الف شاحنة يومياً في الميناء تعني ان قطارات البضائع لا تستخدم الآن ، لأن هناك من يحقق الفائدة من تعطيلها”.
المال ضوء اخضر
ما قاله الخبير البحري مزيد، ايده المهندس هادي شلال مدير سكك المنطقة الجنوبية الذي اتضح من حديثه ان الشاحنات لم تشكل بحمولاتها الزائدة بعد سنة 2003 ضررا اقتصاديا وبشريا فقط وانما كانت سببا في تراجع ايرادات السكك الحديد العراقية الحكومية لصالح اصحاب شركات النقل الأهلية والخاصة، بعد ان اهملت السكك مع انها تمتد من ميناء ام قصر الى المحافظات الشمالية والوسطى. يقول المهندس هادي شلال:” ايرادات السكك الحديد بلغت ارقاماً كبيرة بعد تنفيذ مذكرة التفاهم حتى انها في عام 2001 كانت تضاهي ايرادات شركة نفط الجنوب المصدرة للبترول لأن الحمولات التي كانت تنقل بالقطار في عام 2001 كانت تتراوح ما بين 25,000 الف طن و30,000 الف طن تحملها قطارات يصل عددها الى خمسين قطارا، الا ان هذه الايرادات تراجعت بشكل كبير بعد 2003 بسبب استحواذ شركات ومكاتب نقل البضائع، بواسطة المال والرشى على حمولات البواخر ويضيف أن: “غياب الدور الرقابي والحكومي في تفعيل عمل نقل البضائع عن طريق سكك الحديد ادى الى تراجع ايرادات سكك الحديد بشكل لا يصدق، اذ لم يزد مجمل ما تنقله السكك الحديد للمدة ما بعد 2003 الى عام 2011 على ثمانية الاف طن شهريا”.
بعد ان عرفت كل اسباب الحوادث على هذا الطريق، لا نحتاج اكثر من ان نسأل.. متى يغادر سفراء الموت هذا الطريق؟.
أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة اريج (اعلاميون من اجل صحافة استقصائية عربية) واشراف الزميل ماهر شاهر .
Leave a Reply