حسين سالم مازال يمتلك ٢٨% من شركة تصدير الغاز إلى إسرائيل .. (الجزء الأول)

21 يوليو 2011

قصة هذه التحقيقات:

عبر دهاليز أرشيفات قومية لحكومات بريطانيا وسويسرا، تمكنت «المصرى اليوم» من البحث فى قواعد بيانات على الإنترنت، عن سر غموض ثروة صديق الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فلم يكن حسين سالم رجلا بسيطا فى تفكيره، وبقدر تشعب استثماراته كان يعمل بجهد أكبر لإخفائها، وكأنه يعلم أن نهاية أسطورته المالية قد تكون على موعد مع الثورة، ومن ثم فإن الرجل الذى يعتقد كثير من المصريين أنه يدير أموال الرئيس السابق، حتى يومنا هذا، أخفى أمواله فى شركات متتابعة يصعب الوصول إليها، واتخذ مقار لها فى جزر النعيم الضريبى «العذارى» فى بريطانيا، وأسند إدارة هذه الشركات لمكاتب محاماة وإدارة لا يملك القانونان المحلى والدولى إلزامها بالإفصاح عن الملاك الحقيقيين للشركات التى يديرونها، وأصبح حسين سالم بعيداً عن كل عين للمراقبة الرسمية، يملك ولا يحكم، لكن للحكاية أبعاداً أخرى يكشفها التحقيق الاستقصائى فى السطور التالية.

يمتلك «سالم» شبكة من الشركات داخل مصر وخارجها، لكن أول خيط فى تتبع حبل حسين سالم كان الهيئة العامة للاستثمار فى القاهرة. تحتفظ الهيئة بملفات كاملة عن تفاصيل تأسيس الشركات والصفقات التى تمت عليها، بالإضافة إلى هيكل الملكيات لكل شركة.

فى شهر مايو الماضى تقدمت «المصرى اليوم» بطلب للهيئة للحصول على صحيفة الاستثمار الخاصة بشركة غاز البحر المتوسط، التى تصدّر الغاز إلى إسرائيل، والتى يملك حسين سالم حصة رئيسية بها. رفضت الهيئة الموافقة على الطلب، وعلمت الجريدة من مصادر رسمية أن ملف الشركة تم التحفظ عليه من النائب العام، ولا توجد صور منه إلا فى مكتب رئيس الهيئة، وبعد رحلة طويلة من البحث، تمكنت من الحصول على نسخة من ملف الشركة كانت مليئة بالمفاجآت.

الأوراق التى حصلت عليها «المصرى اليوم» فى إطار التحقيق تثبت أن حسين سالم قام بتأسيس شركة غاز البحر المتوسط فى ٢٩ يناير ٢٠٠١، لكنه ارتكب خطأ قانونيا، وفقا لخبراء قانونيين، قد يتسبب فى بطلان تأسيس الشركة: قام «سالم» بتمليك حصص من الشركة الجديدة لشركة بريطانية وهمية اسمها East Mediterranean Gaz Pipeline، ما يعنى أنها كانت غير موجودة وقت إنشاء الشركة المصرية.

وطبقا لمستندات هيئة الاستثمار بالموافقة على ترخيص الشركة، تضمن عقد التأسيس لشركة تصدير الغاز لإسرائيل أن رأسمالها ٥٠٠ مليون دولار، والمصدّر منه ١٥٠ مليون دولار بنسبة ٣٠% مشاركة مصرية و٧٠٪ للأطراف الأجنبية.

تتوزع الحصة المصرية بين الهيئة المصرية العامة للبترول، التى تمتلك ١٠٪، وحسين كمال الدين إبراهيم سالم (مصرى) يمتلك ٢٠٪، بينما تتوزع الحصة الأجنبية على شركة «FORDAS» البنمية، وتمتلك ٢٠٪، وشركة «ميدل إيست جاز بايب لاين» ٢٠٪، وشركة كولتكس (بريطانية) بحصة ١٠٪، بينما الحصة الأخيرة كانت لشركة بريطانية هى «East Mediterranean Gaz Pipeline» وتملك ٢٠٪، لكن هذه الشركة غير موجودة فى أى من السجلات البريطانية، بما فيها سجلات شركات الـ«أوف شور».

بحثت «المصرى اليوم» فى عدد من المواقع البريطانية المسؤولة عن السجلات التجارية للتأكد من وجود اسم للشركة، لكن دون جدوى.. لا أثر لها فى المكتبة البريطانية للسجلات التجارية، والأرشيف القومى البريطانى، وكانت نتيجة البحث عدم وجود شركات بهذه الاسم.

هذه المفاجأة، يعلق عليها سلامة فارس، المستشار القانونى والخبير فى القانون التجارى وتأسيس الشركات، بقوله: «هذه مخالفة خطيرة، لابد من وجود أوراق رسمية تفيد بوجود المؤسسين، ولا يجوز التجاوز عن هذه الأوراق، وإلا تعد مخالفة صريحة للقانون».

ويضيف: «عند تأسيس شركة مصرية بها مساهمون أجانب تطلب هيئة الاستثمار الاطلاع والحصول على نسخة من السجل التجارى للشركات الأجنبية صادرة من بلد المنشأ، لكن هذا الشرط لم يلتزم به حسين سالم، وبالتالى فإجراءات التأسيس باطلة».

ويتابع «فارس»: «المخالفات التى ارتكبت فى إنشاء شركة (غاز المتوسط) تتمثل فى قيام الشركة بإدراج مؤسس وهمى، غير موجود وقت التأسيس، وفقا للسجلات البريطانية، وتقع المخالفة على مسؤولية هيئة الاستثمار ووكيل المؤسسين». ينهى «فارس» حديثه متسائلاً: «هل يجوز تمليك شقة لابنى قبل أن يولد؟».. ويجيب: «يكون التمليك باطلا، وبالتالى فهناك خطأ ما فى إنشاء هذه الشركة لعدم وجود أحد المؤسسين والمالك لنحو ٢٠%، بحسب المستندات».

لكن الدكتور زياد بهاء الدين، رئيس الهيئة العامة للاستثمار الأسبق، قال إن تأسيس شركة تصدير الغاز تم قبل توليه منصب رئيس الهيئة، لكنه برر ما حدث باحتمالات «الأخطاء الواردة»، قائلاً إن الشركة ربما تكون أفلست أو تم إغلاقها، وبالتالى تم شطب اسمها من السجلات بالكامل، خاصة فى حالات الشركات المؤسسة بنظام الـ«أوف شور».

وشكك «بهاء الدين» فى إمكانية إنشاء شركة جديدة يكون مساهموها الرئيسيون غير موجودين، قائلاً: لابد أن يكون هناك حرف مختلف فى الاسم.

رحلة البحث فى مستندات شركة غاز بحر المتوسط التى حصلت عليها «المصرى اليوم» تكشف عن المزيد من المفاجآت: ظهرت شركة جديدة باسم «ميديترينيان جاز بايب لاين ليمتد» وهى شركة بريطانية – مملوكة لحسين سالم – وفقا لمحاضر اجتماعات الشركة عام ٢٠٠٦، وكانت تمتلك ٦٥% حتى عام ٢٠٠٧.

فى المقابل اختفت ملكيات حسين سالم المباشرة بالكامل والبالغة ٢٠% وقت التأسيس، كما اختفت مساهمة شركات «FORDAS CO» البنمية، وشركة «ميدل إيست جاز بايب لاين»، وشركة كولتكس (بريطانية) من الشركة.

كانت المهمة الأساسية للتحقيق الذى نجريه هنا هى الكشف عن ملكية الشركة الجديدة «ميديترينيان جار بايب لاين»، ولا نملك معلومة عنها سوى أنها شركة بريطانية يملكها حسين سالم، فيما يصر «سالم» على أنه تخارج من شركة غاز المتوسط بالكامل خلال عام ٢٠٠٧. خاطبنا السجلات البريطانية فأثبتت أن الشركة محل البحث مؤسسة فى «جزر العذارى» البريطانية بنظام» الـ«أوف شور» فى ٢٥ يوليو ٢٠٠٥ بعد توقيع عقود تصدير الغاز لإسرائيل بأيام، فيما تم إشهار تأسيسها فى ١٢ يناير ٢٠٠٦.

وتكشف الأوراق أن الشركة تتم إدارتها والإشراف عليها من خلال مكتب للإدارة يسمى « EURO- AMERICAN TRUST AND MANAGEMENT SERVICES LIMITED»، والمكتب هو المسؤول الفعلى عن إدارة الشركة واستثماراتها من خلال سيدة تدعى «ياسمين واطسون»، صاحبة الحق فى التوقيع، ويبلغ رأسمال الشركة المؤسسة فى جزر الهند البريطانية ٣٠ مليون دولار موزعة على ٥٠ ألف سهم بقيمة اسمية ٦٠٠ دولار للسهم، ولا تخضع الشركة لأى نوع من الرقابة الضريبية.

ظل حسين سالم يعلن أنه باع كامل حصته فى شركة تصدير الغاز، إلا أن «المصرى اليوم» حصلت على مستند رسمى صادر عن البنك الدولى فى نهاية عام ٢٠١٠، أكد أن «ميديترينيان جاز بايب لاين» المحدودة البريطانية لاتزال تمتلك ٢٨% من شركة غاز البحر المتوسط، ويمتلكها مصرى.

يكشف المستند عن معلومتين خطيرتين، الأولى هى أن سالم لايزال يمتلك حصة تقدر بـ٢٨% من شركة غاز المتوسط، حيث إنه لا يوجد أشخاص مصريون يمتلكون أسهماً فى الشركة بخلاف سالم، ما يكشف أن حسين سالم لم يبع هذه الحصة حتى تاريخ المستند الصادر قبل الثورة المصرية بأيام.

والمفاجأة الثانية، التى يكشف عنها المستند الصادر عن قاعدة بيانات الشراكة الخاصة فى مشروعات البنية التحتية فى البنك الدولى، هى أن «سالم» يعتبر أكبر المساهمين فى شركة غاز المتوسط بواسطة الشركة البريطانية «ميديترينيان جاز بايب لاين ليمتد»، بما يعنى أنه وافق على قيام شركة تصدير الغاز باللجوء للتحكيم الدولى ضد مصر بسبب وقف التصدير لإسرائيل خلال الفترة الماضية، فى أعقاب انفجارات خط الأنابيب بعد اندلاع ثورة يناير.

لم تخلُ محاضر الاجتماعات الخاصة بشركة غاز المتوسط فى ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٧ من معلومات مهمة عن تطور هيكل الملكية، وتذكر المحاضر، أن «مديترينيان جاز بايب لاين ليمتد» قامت بتخفيض حصتها من ٦٥% إلى ٥٣% عن طريق بيعها ١٢% لصالح «سام زل» ثم قامت بتخفيض آخر لتصل حصتها إلى ٢٨% عن طريق بيعه ٢٥% لصالح شركة تايلاندية.

لم تكشف الأوراق عن قيمة الصفقات، ولكن أُعلن فى الصحف الأمريكية وقت شراء «سام زل» حصته أن قيمة شركة غاز المتوسط ٢.٢ مليار دولار، ما يعنى أن قيمة ما حصل عليه حسين سالم مقابل تخليه عن ١٢% نحو٢٢٠ مليون دولار.

وبعد مرور أربعة أشهر باع «سالم» ٢٥%من الأسهم لشركة PTT التايلاندية بمبلغ ٤٨٦.٩ مليون دولار، ويصل إجمالى ما حصل عليه «سالم» نتيجة بيعه حصة تبلغ ٣٧% من شركة غاز المتوسط حتى عام ٢٠٠٧ إلى ٧٠٦.٩ مليون دولار تعادل نحو ٤ مليارات جنيه مصرى.

ويكشف المستند نفسه هوية شخصية محورية فى حياة حسين سالم الاقتصادية، وهى «أندريه جوليز»، الذى كان عضوا بمجلس إدارة شركة غاز المتوسط، وفى الوقت نفسه يدير إحدى الشركات المالية العملاقة لحسين سالم فى مدينة جنيف السويسرية، ومعه تبدأ قصة أخرى لإخفاء ممتلكات «سالم» فى الخارج، تحوى تفاصيل عن رجل حسين سالم الذى اختفت وراءه ملكياته لشركات ومؤسسات فى سويسرا.

ساعد فى إنجاز هذا التحقيق الصحفية ميراندا باتريك، والصحفى بول رادو، من مشروع مكافحة الجريمة والفساد – مركز التحقيقات الاستقصائية – سراييفو – البوسنة. وقامت شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية إعلامية» (أريج) بالمساعدة فى التشبيك.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *