صحيفة الوطن –إبان ثورة يناير، ظهر فى جميع المحافظات ما يسمى باللجان الشعبية التى كان شُغلها الشاغل فى البداية تخفيف آثار الغياب الشرطى، فضلاً عن توزيع أسطوانات البوتاجاز بعد عزوف أصحاب المستودعات عن تسلم حصصهم من الأنابيب خوفاً من تداعيات الانفلات الأمنى، من هنا وَجَد الإخوان وذراعهم السياسية «الحرية والعدالة» الفرصة سانحة لاستخدام أسطوانات البوتاجاز كوسيلة لزيادة شعبيتهم لدى الشارع والاستعداد للجولات الانتخابية وتحسين صورتهم لدى الشارع، عبر البوابة الخلفية المسماة «اللجان الشعبية»، إلا أن المكاسب التى جنتها «الجماعة» تجاوزت الأرباح السياسية إلى الربح المادى، «الوطن» تكشف فى هذا التحقيق الاستقصائى الذى شمل 3 محافظات هى القاهرة والجيزة والشرقية، استغلال اللجان الشعبية الإخوانية لنفوذ الجماعة السياسى فى الحصول على حصص إضافية من أنابيب البوتاجاز وبيعها للمواطنين فى الأماكن الشعبية، بمقابل مالى أعلى من سعر السوق، مقابل تسليم الكوبون الممهور بخاتم «الحرية والعدالة».
أمام أحد مستودعات حى بولاق الدكرور، تجلس «عوضية» على أسطوانة «بوتاجاز» فارغة متوارية من حر الظهيرة، ستينية فى ثوب أسود و«طرحة» رأس بنفس اللون، تترقب وصول سيارة الأنابيب فى أحد أيام الجمعة، طال انتظار السيدة المسنة لتكتشف بعد ساعات أن سيارة الأنابيب التى من المقرر أن يتسلمها المستودع سيتم توجيهها مباشرة إلى مخزن اللجنة الشعبية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، هكذا قال لها مدير المستودع غاضباً بعد أن تلقى اتصالاً من مديرية التموين بأن يغير وجهة الشحنة القادمة إلى مخزن تابع للجان الشعبية.
تقول «عوضية»: «الشيوخ دخلوا فى توزيع الأنابيب منذ فترة، وكانوا يبيعون الأنبوبة بأغلى من السعر الذى تباع به فى المستودع، وأحياناً تذهب سيارة المستودع محملة بالأنابيب إلى الإخوان».
محمد حسن، صاحب محل أدوات صحية فى الحى نفسه، يذكر أن «الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة دخلوا فى عملية توزيع الأنابيب منذ حوالى سنة، ومن وقتها وإحنا بنسلمهم الأنابيب الفارغة وبناخد كوبون يثبت إننا سلمنا الفارغ، وبعدين بنروح نستلمها وقت ما بتوصل عربية الأنابيب».
«الكارت» الذى يبرزه محمد حسن، القاطن بأحد شوارع بولاق، كان هو أول مفاتيح هذا التحقيق، يظهر عليه شعار حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، ومدون عليه «خدمة تغيير الأنابيب لأهالى بولاق الدكرور» ويتبع «الكارت» إحدى اللجان الشعبية فى أحد شوارع بولاق، اسمه شارع سلامة بيومى، حيث يوجد مستودع تابع للإخوان تُخزن وتباع به أنابيب البوتاجاز.
محمد الحسينى، رئيس جمعية أولاد عامر الخيرية، إحدى الجمعيات الأهلية التى تقوم على توزيع الخبر وأسطوانات البوتاجاز فى الحى الشعبى، يقول: «دخول الشيوخ فى مسألة الأنابيب هدفه ربح مادى؛ لأنى وقت ما كنت ببيع الأنابيب بخمسة جنيه كانوا هما بيبيعوها بعشرة، وفى مرة عمل وزير التموين باسم عودة جولة فى المنطقة لقى زحمة عندى على الأنابيب، قام سأل واحدة ليه متزاحمين هنا؟ قالت له: علشان هنا الأنبوبة أرخص من عند الإخوان».
تنتشر «كوبونات خدمة الأنابيب» المطبوع عليها شعار حزب الحرية والعدالة فى الكثير من الأحياء الشعبية والعشوائيات بالقاهرة والجيزة، وبدأت فى الانتشار وفقاً لمحمد حسين، القاطن ببولاق: «منذ حوالى سنة، بعد ما الدكتور مرسى وصل للرئاسة، وبقى فيه أكتر من واحد تبع الإخوان بيوزعوا الأنابيب وبيستخدموا الكوبونات دى علشان يعرفوا الناس إن حزب الحرية والعدالة والإخوان هما اللى بيوزعوا الأنابيب».
انتقلت «الوطن» من بولاق الدكرور بالجيزة إلى حى المرج بالقاهرة؛ لم يختلف الوضع كثيراً، يقوم أعضاء حزب الحرية والعدالة بتوزيع الأنابيب المدعومة على الأهالى، بمناطق «البركة» و«كفر الشرفا» و«كفر الباشا» و«المعصرة» و«العزبة البيضاء» و«الخلف»، و«مربع النادى الرياضى»، وفقاً لعبدالمحسن شهاوى، مدير حسابات أحد مستودعات الأنابيب بالمرج، الذى أكد أن شركة «بوتاجاسكو» تقوم بتخصيص حصص لبعض أعضاء حزب الحرية والعدالة فى المنطقة بشكل شبه يومى لتوزيعها بمعرفتهم.
بمواجهة المسئولين فى شركة «بوتجاسكو»، نفى رجب عبدالمرضى، رئيس قطاع الشئون التجارية بالشركة، تخصيص حصص للجان الشعبية، إلا أنه استدرك: «فى أوقات الأزمة وخلال الانفلات الأمنى كان يتم توجيه السيارات إلى اللجان الشعبية لحمايتها، ويتم توزيعها بحضور مسئولى اللجان فى ذلك الوقت».
وقال عبدالمرضى فى تصريحات مسجلة لـ«الوطن» إن كل مخزن تابع لشركة «بوتاجاسكو» يكون به مفتش تموين هو المسئول الأول والأخير عن توجيه السيارة التى تحمل أنابيب البوتاجاز إلى أى منطقة ويشرف هو على التوزيع بنفسه ويوقع ببيع الحصة بإذن خروج شحنة الأنابيب، بما يمنع تسريبها فى السوق السوداء.
يستخدم أعضاء اللجان الشعبية التابعة لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، جميع أشكال الدعاية السياسية خلال توزيع الأنابيب على سكان المنطقة، بداية من الإعلان عن الأنابيب ليلة وصباح توزيعها فى المساجد، مستخدمين ميكروفونات مساجد ذات صوت عالٍ، كما يروى وجدى عبدالحفيظ الوزيرى، 48 سنة، من سكان المرج الشرقية، الذى أضاف أن الإخوان يوزعون الأنابيب بجوار المساجد مستخدمين «ميكروفوناتها» فى الدعاية لذلك قائلين: «أنابيب الحرية والعدالة هتتوزع بكرة عند المسجد الفلانى».
ويتابع «وجدى» قائلاً: «هذه المساجد هى مساجد جمال شاهين ومسجد نور الإسلام ومسجد الشيخ مليك ومسجد الشهيد والشيخ سنجر والخليل إبراهيم والأمرانى».
تبدأ رحلة أنبوبة البوتاجاز طريقها إلى اللجان الشعبية بداية من تعبئتها بمصنع تعبئة أسطوانات البوتاجاز. ويقع أحد تلك المصانع جنوب الجيزة عند قرية «طمّوه». هناك التقت «الوطن» عدداً من سائقى سيارات نقل أسطوانات البوتاجاز، منهم رضا عبدالستار، الذى قدم لنا «إذن شحن الأنابيب» الصادر له من المصنع، ووفقاً لإذن الشحن بحوزته، فإن الشحنة التى سيحصل عليها «رضا» موثق أنها صادرة لصاحب المستودع الذى يعمل رضا لديه، لكن حسب السائق فإن هذه الشحنة ستحول مسارها المسجل فى السجلات الحكومية «الشحنة دى مش رايحة المستودع عندنا؛ أنا هشحنها وانقلها على لجنة شعبية تبع الإخوان فى المنطقة».
فى محافظة الشرقية، وتحديداً فى مركز الحسينية استكملت «الوطن» رحلة الأنبوبة، حيث رصدنا وصول الأنابيب إلى أحد المستودعات.. وتتحفظ «الوطن» على نشر اسم صاحب المستودع، هناك تسلم صاحب المستودع شحنة إضافية على حصته الأساسية، فى حضور مفتش التموين، وتسلم أفراد اللجان الشعبية على الفور كامل الشحنة ليحصل صاحب المستودع على تكلفة نقل الشحنة فقط.
وبحسب ما رصدته «الوطن»، فإن رحلة أنبوبة البوتاجاز تبدأ طريقها إلى اللجان الشعبية بداية من تعبئتها بأحد مصانع التعبئة، ليتم التنسيق بين مسئول اللجان الشعبية فى المنطقة ومديرية التموين المسئولة عن المنطقة حول الحصة التى ستحصل عليها اللجنة الشعبية، وتقوم مديرية التموين بدورها بإخطار أقرب مستودع أنابيب لنقل الحصة إلى اللجنة الشعبية لتظهر جميع الأوراق قانونية وسليمة، حيث يتسلم المستودع الحصة ورقياً فقط، وفى الوقت نفسه يتلقى مدير المستودع أمراً شفهياً من إدارة التموين بتسليم تلك الشحنة إلى مسئولى اللجان الشعبية.
كما حصلت «الوطن» على نموذج لأحد الخطابات تم إرسالها من قبل بعض إدارات التموين تطالب مديريات التموين بالشرقية بإمدادها بشحنات إضافية من أسطوانات البوتاجاز، وجاء فى الخطاب أنه سيتم توجيه شحنة الأنابيب إلى أحد المستودعات، إلا أن صاحب أحد المستودعات الذين من المفترض أن يتسلموا تلك الشحنات، وورد ذكر اسمه فى الخطاب الحكومى، أكد لمحررى «الوطن» أنهم لا يتسلمون هذه الشحنات الإضافية، وأنها تذهب رأساً إلى أعضاء اللجان الشعبية التابعين للإخوان، وجاء نص الخطاب كالتالى: «نتشرف بأن نفيد سيادتكم بأنه نظراً لزيادة الطلب على غاز البوتاجاز الخاص للاستخدام المنزلى بمركز الحسينية ومنعاً لحدوث اختناق فى هذه السلعة برجاء التكرم من سيادتكم بصرف 1000 أسطوانة حجم صغير لمستودع (….) بناحية صان الحجر لتوزيعها على المواطنين بمنطقة المستودع ومدينة الحسينية تحت إشراف التموين، وذلك دعماً للمنطقة من مصنع عجرود». وجاء الخطاب موقعاً ومذيلاً بخاتم النسر من قبل إدارة ومديرية التموين.
عبدالنبى عبدالمطلب، مستشار وزير التموين الأسبق راح يؤكد أن جماعة الإخوان سيطرت على توزيع الأنابيب من خلال اللجان الشعبية، وإن كان للجان الشعبية دور فى وقف السوق السوداء، إلا أنهم استغلوا النجاح لخدمة مصالحهم السياسية والمادية، «وهذا شكل من أشكال السطو على أموال الدولة» هكذا يصفه عبدالمطلب.
يستطرد مستشار الوزير: «بعد أسابيع قليلة من وصول الدكتور مرسى إلى منصب الرئيس، قام بإقالة الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين الأسبق، وعيّن المهندس أبوزيد محمد بدلاً منه، ليشرف بنفسه على خطة تعظيم دور اللجان الشعبية الإخوانية فى عملية توزيع الأنابيب، وهو ما تم بالفعل؛ حيث عين أبوزيد مسئولين بقطاع الرقابة والتوزيع بدأوا فى إصدار تعليمات لإدارات التموين بتخصيص شحنات أسطوانات البوتاجاز المدعوم للّجان الشعبية»، وصولاً إلى تعيين الدكتور باسم عودة وزيراً للتموين الذى عمل فى وقت سابق منسقاً عاماً للجان الشعبية فى الجيزة، ليستكمل منظومة سيطرة الإخوان من خلال اللجان الشعبية على دعم البوتاجاز وربما السلع التموينية الأخرى المدعومة من الدولة.
يؤكد «عبدالمطلب» أن «الحكومة الحالية تجاهلت مشروع الكوبونات الذى اقترحه وزير التموين الأسبق د.جودة عبدالخالق، وسعت لإرضاء جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى للحصول على دعم سياسى من الحزب الحاكم يضمن لها البقاء، دون النظر إلى احتمالات زيادة العجز فى الموازنة، والإخوان من جانبهم استغلوا الموقف فى تحقيق الربح المادى والسياسى».
لا يستطيع أى من أصحاب المستودعات رفض إمداد اللجان الشعبية بالأسطوانات، خوفاً من تحرير محضر ضده أو تحميله غرامة لتقاعسه عن تسلم شحنة البوتاجاز المدعومة، إلى جانب أنه فى حالة رفضه فإنه قد يُحرم من حصته الأساسية أو قد يتم تخفيضها.. هذا ما أكده رضا عبدالستار، سائق إحدى سيارات نقل الحصص.
عبدالمحسن الشهاوى، مدير حسابات بأحد مستودعات المرج، أكد هو الآخر ما ذكره السائق، لافتاً إلى أن أصحاب المستودعات لا يملكون رفض تسليم الحصة للجان الشعبية لأنه لا يمكن بيعها إلا بحضور مفتش التموين، والتعليمات يتلقونها بشكل شفهى من هذا المفتش، وبالتالى فى حالة عدم تنفيذ ما يطلبه يتعرض أصحاب المستودعات للغرامة ويقوم المفتش بتحرير محضر ضدهم.
يؤكد «الشهاوى» أن حصته اليومية لم تتأثر بعد إرسال شركات البوتاجاز حصصاً ثابتة إلى أعضاء «الحرية والعدالة» لأنها تكون حصصاً إضافية، مشيراً إلى أن البعض أصبح يستخدم مصطلح «أنبوبة الحكومة» و«أنبوبة الحرية والعدالة»، إلا أن أحد أصحاب المستودعات بالشرقية، الذى طلب عدم نشر اسمه، أكد أن حصته الرئيسية كانت 7 آلاف أنبوبة شهرياً، تم تخفيضها إلى 4 آلاف مع ظهور اللجان الشعبية، على أن يتولى توصيل الفارق وهو 3 آلاف أنبوبة إلى هذه اللجان وتسمى الحصة الإضافية، ويتلخص دوره فى هذه الخطوة فقط على أن يحصل على مقابل نقل هذه الأسطوانات.
أحد المستشارين بوزارة التموين قال: «الرئيس مرسى وفى أول اجتماع له مع مجلس الوزراء فور توليه الرئاسة، طالب بتعظيم دور اللجان الشعبية التى يديرها الإخوان وحزبهم السياسى فى مقابل دور مستودعات الأنابيب، الأمر الذى رفضه وزير التموين الأسبق جودة
عبدالخالق متعللاً بعدم أحقية أى فصيل سياسى فى إدارة منظومة الدعم منفرداً».
فى تلك الآونة تقدم نبيل الصياد، رئيس جمعية «ثورة شعب» للتنمية، بشكوى إلى محافظة الجيزة حول نقص الأنابيب فى المنطقة، مشيراً إلى أن هناك عقبات أمام الجمعيات الخيرية فى الحصول على الأنابيب حينها؛ حيث كانت الجمعيات لا تحصل على أسطوانات البوتاجاز إلا بالتنسيق مع اللجان الشعبية، فكان شرطاً على «نبيل» أن يذكر فى شكواه أنه «قد تم تعاون الجمعيات مع اللجان الشعبية وأهالى المنطقة لتسلم الحصة».
يؤكد «الصياد»، فى مقابلة مع «الوطن»، أن «اللجان الشعبية التابعة لجماعة الإخوان تهيمن منذ فترة على توزيع الأنابيب، وتستخدم ذلك فى الدعاية الانتخابية للجماعة والحزب، دون أدنى تدخل من جانب الدولة لتحقيق العدالة فى توزيع أسطوانات البوتاجاز».
على موقع اليوتيوب انتشرت مقاطع فيديو منسوبة لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان، تتباهى من خلالها بالدور الخدمى الذى تقدمه للمجتمع من خلال بيع وتوصيل أسطوانات البوتاجاز المدعوم فى شتى المحافظات، مثال ذلك، المقطع الموجود باسم «الحرية والعدالة بالمحلة يساهم فى حل أزمة الأنابيب» والموجود أيضاً على صفحة «معاً نبنى مصر» على موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعى.
حاولت «الوطن» مواجهة المسئولين بقطاع التوزيع بوزارة التموين والتجارة الداخلية، ومديريات التموين بالقاهرة والجيزة، إلا أن جميعهم رفضوا الإدلاء بأى تصريحات صحفية، فحمل فريق التحقيق تساؤلاته إلى مسئول إحدى إدارات التموين بالشرقية الذى رحب بالحديث لـ«الوطن».
فى مكتبه بمدينة الحسينية استقبلنا أسامة أحمد الشرقاوى، مدير إدارة التموين بالمركز، فى لقاء اتفق على أن يكون مسجلاً، تحدث «الشرقاوى» فى أول كلامه عن الشروط الواجب توافرها فى الموزعين الذين تعتمدهم إدارة التموين لديها، منها: ألا يكون تاجراً أو صدر ضده حكم قضائى، مؤكداً أن إدارة التموين لا تقبل أن يكون لأحد المشاركين فى توزيع الأنابيب أى هدف سياسى، «لا نقبل كل من يكون له انتماء سياسى».
يلصق «الشرقاوى»، مدير إدارة التموين بالحسينية، فوق مكتبه ورقة قصها من إحدى الجرائد بها خبر عنوانه «إلغاء اللجان الشعبية بالشرقية».. ويفسر «الشرقاوى» إبقاءه على الخبر فى مقدمة مكتبه قائلاً: «اللجان الشعبية سببت مشكلات فى المركز، منها: النزاع بين القوى السياسية، خصوصاً السلفيين الذين طلبوا الدخول فى منظومة توزيع الأنابيب والسلع التموينية مثلما تفعل اللجان الشعبية للإخوان».
أثناء إجراء المقابلة الصحفية، يدخل إلى المكتب المهندس أحمد عبدالكريم، الذى يُعرّف نفسه كمسئول للجان الشعبية بالمركز، التى تسهم فى توزيع الأنابيب، وعلى العكس مما أكده مدير إدارة التموين، فإن مسئول اللجان الشعبية بالمركز لا ينكر انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين، قائلاً «أنا معروف بين أهل الحسينية بانتمائى لجماعة الإخوان المسلمين، وكل ما نقوم به من أنشطة فى مجال توزيع الأنابيب أو الإشراف عليها يتم بالإعلان عن انتمائنا للجماعة، وهو الحال فى كل مكان؛ حيث لا تعمل اللجان الشعبية التابعة للإخوان إلا بالإعلان عن انتمائها السياسى. وإذا قام حزب الحرية والعدالة بالمشاركة فى عملية التوزيع فإنه يعلن كذلك عن نفسه».
رغم انتماء أغلب أفراد اللجان الشعبية لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين فإن الشرقاوى، يؤكد أنه لا يوجد تمييز فى توزيع أسطوانات البوتاجاز: «على الأقل لم نتلقّ شكاوى فى ذلك الإطار، فلم يشتكِ أحد أن أفراد اللجنة الشعبية المنتمين لحرب الحرية والعدالة يميزون أنصارهم السياسيين على غيرهم من المواطنين فى مسألة توزيع الأنابيب أو ما شابه».
تبلغ حصة محافظة الشرقية من أنابيب البوتاجاز شهرياً 670 ألف أنبوبة، علاوة على حصة إضافية قدرها 68 ألف أسطوانة، ويبلغ نصيب الحسينية الأساسى منها حوالى 120 ألف أسطوانة، يتم توزيعها على 18 مستودعاً.
فيما يؤكد مسئول اللجان الشعبية بالمدينة، أن اللجان الشعبية تقوم بتوزيع نصيب الحسينية من الدعم الإضافى «حيث يصل إلى المركز 4 آلاف أنبوبة إضافية بعد نفاد الكمية الأساسية، وتتولى اللجان الشعبية توزيعها بالتنسيق مع إدارة التموين؛ حيث نعرف الأماكن التى تحتاج أكثر من غيرها إلى مزيد من الأسطوانات لسد العجز».
يؤكد مسئول اللجان الشعبية، المهندس عبدالكريم، حدوث مشاحنات بين الإخوان والسلفيين وخلاف بعدما دخل «الإخوان» فى توزيع الأنابيب: «فى البداية كانت هناك مشكلات حول تقدم الإخوان المسلمين لحل أزمة الأنابيب من خلال لجانها الشعبية، وكان الاعتراض من قبل السلفيين، مثلاً، الذين قالوا: لماذا ينفرد الإخوان بهذه المسألة؟ فبدأ السلفيون فى الدخول إلى سوق توزيع الأنابيب جنباً إلى جنب مع الإخوان المسلمين».
اللجان الشعبية تدخلت لحل الأزمة المشتعلة بين المواطنين وإدارات التموين، هذا ما يقوله عبدالكريم، الذى تابع: «حاولنا التدخل لحل الأزمة التى اشتعلت بين الناس و(التموين)؛ حيث أدى نقص الأنابيب فى كل مكان وبيعها فى السوق السوداء إلى احتقان الأهالى، فقام بعضهم أكثر من مرة بحرق مقرات إدارات التموين».
لكن عبدالنبى عبدالمطلب، مستشار وزير التموين الأسبق، يرى أن «الإخوان المسلمين هم من افتعلوا أزمة البوتاجاز ليكون دخولهم إلى سوق التوزيع مبرراً، رغم أن نوابهم فى مجلس الشعب رفضوا فى الوقت ذاته مشروع كوبونات البوتاجاز الذى قدمته حكومة الجنزورى، الذى كان سيقضى بشكل كبير على الأزمة».
يقول مدير إدارة تموين الحسينية: «عندما تنتهى حصة المركز من الأنابيب، وتكون هناك حاجة إلى مزيد من أسطوانات البوتاجاز، نطلب من المحافظة حصة إضافية من أسطوانات البوتاجاز، ونعتمد على اللجان الشعبية فى تحديد الأماكن الأكثر احتياجاً إلى الأسطوانات الإضافية، ويقتصر حينها دور أصحاب المستودعات على قيام سياراتهم بنقل الشحنات الإضافية من مصانع التعبئة إلى أماكن توزيع تلك الأسطوانات على المتطوعين الذين يتولون توزيع الأنابيب فى الأماكن المتطرفة من المركز، ونعتمد هنا على اللجان الشعبية فى تحديد الأماكن التى تحتاج أكثر إلى أسطوانات بوتاجاز إضافية».
فضلاً عن الحصتين الأساسية والإضافية اللتين تصلان للمحافظة، فهناك خدمة «الديليفرى» أو توصيل الأنابيب للمنازل.. وهى خدمة كانت قد تعاقدت عليها شركة «بوتاجاسكو» مع الحكومة لتوصيل الأنابيب إلى منازل المستهلكين بسعر 9 جنيهات، ووفقاً لأحمد عبدالكريم فقد استفادت اللجان الشعبية من هذه الخدمة؛ حيث قال: «كانت شركة (بوتاجاسكو)، التى تعاقدت مع الحكومة على الحصول على البوتاجاز لتوصيله إلى المنازل مباشرة بسعر مناسب، قد تراجعت عن توصيل أسطوانات البوتاجاز للمنازل، وإذا احتاج أحد المواطنين لأسطوانة بوتاجاز تحتم عليه أن يتوجه إلى هناك ويشتريها بنفس السعر التى تعاقدت الشركة مع الحكومة عليه مقابل توصيل الأنابيب للمنازل».
ويضيف مسئول اللجان الشعبية بالحسينية: «طلبنا من إدارة الوحدة المحلية أن تطلب أسطوانات البوتاجاز من شركة (بوتاجاسكو) لسد عجز بعض القرى من أسطوانات البوتاجاز، كانت الشركة ترد أنه علينا أن نتكلف ثمن تحميل شحنات الأنابيب إلى الأماكن التى نريد توزيعها فيها، وبذلك نحصل على الأنبوبة بسعر 9 جنيهات، لتصل إلى المواطن المستهلك بعد إضافة ثمن شحنها وجنيه مكسب على كل أنبوبة وأحياناً تتكلف أكثر فتصل إلى المواطن بأكثر من ذلك».
يعلق مستشار وزير التموين الأسبق، عبدالنبى عبدالمطلب على هذه النقطة قائلاً: «من واقع الإحصاءات الرسمية، فإن مصر توزع فى العام الواحد نحو 370 مليون أنبوبة بوتاجاز، يُباع نحو 50% منها عن طريق اللجان الشعبية التابعة للجماعة، ولو بِيعت الأسطوانة بمكسب جنيه واحد فإن الجماعة ستضمن لنفسها مكسباً سنوياً يُقدر بنحو 185 مليون جنيه على أقل تقدير».
يقول مدير إدارة التموين فى الحسينية، أسامة الشرقاوى: «إن اللجان الشعبية أسهمت فى حل أزمة الأنابيب، فقد تمكنا خلال السنة الأخيرة من حصر المستهلكين فى كل دائرة ومربع سكنى، وبالتالى تحديد نصيب كل وحدة محلية من أسطوانات البوتاجاز».
عبدالكريم، الذى لا ينكر دور التنظيم وحزبه السياسى، يقول: «إن تنظيم الإخوان يعمل منذ سنة 1928 فى مجال خدمة المجتمع، ولم يكن حزب الحرية والعدالة قد أنشئ طيلة ذلك الوقت، لكن مع إنشاء الحزب ودخوله فى مجال العمل الخدمى كنا حريصين على تعريف الحزب أمام الجمهور، ليعرف الجمهور من يعمل على خدمته ومن يسهم فى حل أزمته، وأحياناً يطلب الحزب نفسه أنابيب من إدارة التموين، ويتسلم شحنة أنابيب يقوم بنفسه بتوزيعها، وهنا يتحتم عليه الإعلان عن أنه هو من يقوم بتوزيع هذه الشحنة».
فى هذه الأثناء، تسحب «عوضية» أسطوانتها التى أضنتها محاولات ملئها، تتململ سراً، تمنى نفسها بأنها لو انتظرت لساعات إضافية فربما يأتيها الفرج، الشمس التى أضفت على بشرتها الخمرية سمرة حارقة، بدأت تستعد للمغيب، ترقب عن كثب شابة تهرول فى جلباب مزركش فضفاض، تركل بقدميها الأنبوبة بسرعة محاولة دفعها إلى الأمام، ما لبثت أن رفعتها لتستقر فوق رأسها، تسألها «عوضية» بصوت أشبه بالاستجداء «رايحة فين يا بت؟»، فتجيبها «بيقولوا فى أنابيب فى مستودع الإخوان»، تتهلل العجوز فرحاً، الساعات الطويلة التى انتظرت فيها أمام المستودع المُرخّص لم تجن من خلفها إلا «اللت والعجن» وآلم الظهر، دقائق وكانت «عوضية» أمام المكان الذى اتخذته اللجنة الشعبية لتوزيع الأسطوانات، أمام مخزن اللجنة الشعبية وصلت سيارة الأنابيب فاعتلاها فتيان يرتدون «تى شيرتات» تحمل شعار «الحرية والعدالة»، تزاحم الحشد، تحاول عبثاً أن تقنع المسئول عن التوزيع أن انحناءة ظهرها و«غلبها» الواضح على وجهها يلزمانه أن يعطيها تلك الأنبوبة الثمينة، يجيبها الشاب بصرامة «التعليمات واضحة، الأنابيب يستلمها فقط من يحمل الكوبون.. معاكى الكوبون يا حاجة؟».
Leave a Reply