"العلاج القاتل.. منتجات عشبية محظورة تملأ أسواق الضفة دون رقابة" الجزء الثاتي

18 نوفمبر 2013

– جربتُ كلّ شيء وما زلت سمينة!

– وأنا أعاني من الضعف الجنسي

– عندي الحل؟

– أين؟

– أمانة كير أو زين الأتات!

 وطن للأنباء – من هنا تبدأ الحكايات لعديد النساء والرجال الذين يبحثون عن حلول لمعاناتهم الطويلة خاصة مع مرضي الضعف الجنسي ومع السمنة كما كشفت هذهالروايات..

ويروّج لعلاجات هذه الحالات شركتا “أمانة كير وزين الأتات” اللتان تبيعان منتوجاتهماعلى أنها”عشبية خالصة” ولن “تضر” و”مجرّبة” من قبل كثيرين.

ويتزايد الإقبال وترتفع شعبية منتوجات هاتين الشركتين رغم أنها محظورة بشكل رسمي من قبل وزارة الصحة الفلسطينية منذ عام 2011، وبشكل غير رسمي منذ عام 2010، حسب سجلات إحدى مكاتب الوزارة في المحافظات الشمالية.

هذا التحقيق الاستقصائي الذي استمر ستة أشهر وتنقلنا فيه بين أربعة محافظات في الضفة الغربية (جنين، نابلس، رام الله، الخليل) كشف أن منتجات الشركتين تدخل غالبا مع “تجار شنطة” حسب مقابلات مع تجار وتتبع سير عملهم.

 ومخاطر هذه الظاهرة تتزايد من خلال مقابلة الضحايا والمختصين.

والرقابة الحكومية المفترضة غائبة، من خلال الحصول على اعترافات بعض المسؤولين ومن خلال الاشتراك في حملات التفتيش الميدانية ذاتها، عوضًا عن الحصول على تصريحات من رجال النيابة والقضاء.

وضع “سهام”!

في إحدى قرى جنين شمالي الضفة.. قابلتنا سهام (اسم مستعار) بابتسامة خافتة. يزيد عمرها عن 23 عاما، لكنها تعاني من مشكلة السمنة.

لم تكتف بنصائح أخصائيّ التغذية الذي تراجعه، فركضت خلف “الحل السحريّ للتنحيف” وهو منتج (Seven Slim)، الذي اشترته من مركز يبيع منتجات “أمانة كير” للأعشاب ومستحضرات “زين الأتات”.

في المحل أقنعها الموظف البائع بالمنتج وسعره 270 شيقل (80 دولار) مؤكدا أنه من دون أضرار “فمكوناته من الأعشاب الطبية الخالصة، التي حُفظت في كبسولات”.

وأضاف الموظف حسب روايتها “أختي تناولت عبوتين منه ولم يحصل لها شيء”.

وتتوقف سهام للقيام ببعض المهام في صالون التجميل الذي تعمل به إلى جانب أختها قبل أن تكمل تفاصيل الحكاية.

“في الليلة العاشرة من تناول كبسولات التنحيف، تصاعدت المشكلة.. عشر ليال لم أنم فيهن ساعة واحدة، كنت أعمل نهارًا في الصالون وليلًا أتحجج بالتطريز حتى الصباح خوف أن أُقلق أهلي”.

لكن ذلك لم يمنع أهلها من ملاحظة التغيرات التي طرأت عليها، فأسئلتهم أصبحت تزداد حول “عصبيتها الزائدة والحديث بنفور”.

تضع يدها على رجلها وتهزها بسرعة ثم تقول: هكذا كانت رجلي تهز بشكل غير إرادي وحين تسألني أمي عن السبب أقول لها أنا التي أهزها ولا شيء حصل معي.

استمرت المضاعفات الخطيرة بسبب الدواء فقررت الأسرة الاستعانة بما هو أخطر!

طلبت سهام الذهاب إلى “شيخ” حيث ظنّت أن بها “مسّ شيطاني” وليس بسبب الكبسولات.

وبالفعل، أخذتها والدتها في اليوم التالي إلى إحدى الواعظات المعروفات، التي قرأت لها القرآن وسقتها “ماء زمزم”.. إلا أن حالها لم يتحسّن…

فسألت الأم أحد الأطباء المقرّبين الذي نصحها بالذهاب إلى طبيب أعصاب فورًا، بعدما علم أنها تناولت كبسولات “التنحيف”.

وبالفعل، توجهت الأم وابنتها إلى طبيب للأعصاب في جنين، لكن سهام أصيبت بهبوط في ضغطها، فأخذتها أمها إلى مستشفى الشهيد خليل سليمان الحكومي، وعلى بابه فقدت الوعي.

ولم يكتمل العلاج إلا بالذهاب إلى طبيب الأعصاب خضر رواجبة، الذي وصف لسهام دواء للتخلص من آثار الهلوسة التي انتابتها في تلك الفترة، ولم ينف الطبيب في لقائنا معه وجود عقاقير يمكنها التسبب بأعراض “ذهانية” منها التي تستخدم لأغراض التنحيف ومن بينها تلك التي تناولتها المريضة.

وبعد شفائها، أصرت سهام على التقدم بشكوى رسمية خاصة أنها لم تفقد وزنها… لتبدأ مرحلة جديدة من العذاب بنيران البيروقراطية الحكومية في الضفة!

سهام… تنتظر البيرواقراطية!

تقدمت سهام بشكوى إلى وزارة الصحة وتحديدا مديرية صحة جنين وهي الدائرة المختصة بمتابعة الشكوى بالتعاون مع “دائرة الرقابة الدوائية” في وزارة الصحة يوم 8/7/2012 لكي يتم استكمال الإجراءات فيما بعد، الشيء الذي قامت به فعلا.. وما زالت تنتظر صدور قرار ينصفها.

تقول سهام إن مرحلة متابعة الشكوى اتسمت بـ”المراوغة”.

“طلب مني الصيدلاني في المديرية في حينه النسخ الأصلية لتقرير طبيب الأعصاب وتقرير المستشفى الذي أثبت تدهور حالتي بسبب تناول الأعشاب، رغم أنه أخذ نسخًا منهما”.

وطمأن المسؤولون في المديرية سهام بأنهم يتابعون القضية. لكنها كلمّا راجعتهم قالوا لها إنهم “سيتصلون حال يُنظر في القضية”.

لكن سهام تنتظر منذ أكثر عام دون أن تتلقى هذا الاتصال!

قررنا أولا التأكد من رواية المريضة خاصة أنها تبقى في خانة “الادعاء”

النيابة “متهمة”!

ذهبنا إلى مكتب مدير الصحة في محافظة جنين صالح زكارنة وأطلعنا على كتاب رسمي موجه لرئيس نيابة جنين بتاريخ “8/7/2012″، يحمل شكوى سهام ضد مركز “أمانة كير” الذي يديره (ص.ن).

ماذا حدث منذ ذلك التاريخ؟

قال زكارنة إن الأمر “بيد النيابة التي قدمنا لها الشكوى”، ومعظم الشكاوى التي قدمناها لها “عالقة في ملفاتها”.

توجهنا إلى نيابة جنين، والتقينا رئيسها عبد الناصر دراغمة، الذي أكد على وجود الشكوى لديهم، ورفض مفهوم “عالقة”، حيث قال “لا توجد لدينا قضايا عالقة”.

وقال دراغمة “ملف التحقيق مفتوح وقام وكيل الجرائم الاقتصادية في النيابة بمراسلة مدير الصحة من أجل الحصول على نواقص هامة لاستكمال الإجراءات، تتضمن تقريرًا بنتيجة فحص العينة الأصلي والمضبوطات المضبوطة وقرار الوزارة بمنعها”.

لكن تاريخ المراسلتين يعود لشهري آب/أغسطس وتشرين ثان/نوفمبر من العام الماضي… أي أكثر من عام.

يقول دراغمة إن النيابة أمرت باستدعاء المتهم صاحب المحل الذي باع المنتج العشبي لسهام إلا أنه لم يحضر.

عدنا إلى مديرية الصحة في جنين مجددًا، والتقينا بنائبة مدير الصحة انشراح نزال، التي نفت بشكل قاطع ورود أي كتاب من النيابة يطالب بما أخبرنا عنه رئيسها دراغمة.

وأضافت: هم كنيابة يكفي أن تصلهم شكوى تفيد بوجود منتجات ممنوعة لدى أحد المحال ليتم إغلاقه، وهذه المطالبات بتقارير وما شابه أسميها “مماطلة”.

ردا على هذه الاتهامات يقول دراغمة: كل شكوى بحاجة لما يثبتها كي نتمكن من تسيير الإجراءات اللازمة، ولم يتوفر لنا ذلك، والأمر ليس بالبساطة أو بالسرعة التي يتصورها الجميع، والملف فيها ما زال مفتوحا ولم يتعدّ أصلًا زمن التقادم (3 سنوات).

النيابة رفضت إمدادنا بأي من المراسلات.

لكننا اكتشفنا أن كلًا من وزارة الصحة والنيابة مقصّرتان…

وزارة الصحة لا تقدم كل المخالفات التي ترِدُها للنيابة، حيث حصلنا على معلومات وتأكيدات من مصادر موثقة أنه إلى جانب وجود شكوى سهام، هناك أربع شكاوى من قبل مواطنين خلال (2011- 2013) في ملفات دائرة الجودة الدوائية بوزارة الصحة، ولم تتم متابعتها، حسبما أقرت مديرة دائرة الجودة الدوائية سيرين القاروط.

قررنا التأكد من حجم التقصير فذهبنا إلى جنين حيث ضبطت مديرية الصحة في المحافظة منتجات محظورة لدى مركز تديره السيدة “ر.ع” أكثر من ثلاث مرات خلال عام 2010، لكن اسمها لم يكن مدرجًا  في ملفات النيابة أو القضاء بعد أن اطلعنا على الملفات كاملة لكل القضايا والشكاوى المقدمة في مجلس القضاء الأعلى.

هذا رغم تأكيدات رئيس قسم صحة البيئة في مديرية صحة جنين بشار دراغمة أن “كل المخالفات يتم تحويلها إلى النيابة”!

أما تقصير النيابة فيمتد إلى التأخير في نظر القضايا حسب بعض رجال القانون أنفسهم.

قضية سهام مر عليها أكثر من عام، وعن السبب يقول رئيس نيابة جنين عبد الناصر دراغمة إن ذلك يرجع إلى أن “القضية تستغرق وقتا من أجل النظر في حيثياتها وآليات الضبط وغيرها من التفاصيل”.

لكننا تحدثنا مع رجال قانون وأكدوا أن ذلك “غير مبرر”.

يقول المحامي الحقوقي شكري العابودي إن النيابة “تعاني من قصور وبطء في البت في مثل هذه القضايا التي بشكل عام من المفترض ألا تستغرق أكثر من أسبوع واحد فقط وكحد أقصى أسبوعين، بدءا من تحرير المخالفة إلى نقلها للنيابة واستدعاء الشهود وانتهاءً بتحويلها للمحكمة”.

وبينما أكدّت المسؤولة في مديرية صحة جنين فداء عارضة، أن عدد المخالفات التي تم تحويلها للنيابة بين الأعوام (2010- 2013) تبلغ 33 مخالفة تحت اسم “مستند ضبط ومصادرة”، قال المستشار القانوني في نيابة جنين إياد جرار إن عدد الملفات الواردة إليهم خلال نفس المدة ثلاثة فقط!

تنقلنا من دائرة إلى أخرى في وزارة الصحة خلال أشهر لنحصل على إحصائية حول الشكاوى والمخالفات في جميع مناطق الضفة وكانت المحطة الأخيرة دائرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة ومقرها نابلس.

رفضت الدائرة تقديم أي معلومات بحجة أنها “ليست الجهة المسؤولة عن تحرير هذه المخالفات في مراكز الأعشاب وهي فقط مسؤولة عن الصيدليات”.

إلا أن هذه الحجة تتضاءل أمام وثائق حصلنا عليها من مديرية صحة جنين، موقعة باسم “دائرة الرقابة الدوائية”، يتضح فيها ضبط ومصادرة منتجات “أمانة كير” و”زين الأتات” في مراكز لبيع الأعشاب بمدينة جنين.

وهناك أكثر من حالة اكتشفنا فيها أن الأدلة قد تكون غير مكتملة مثل حالة ياسر أبو حماد، وهو صاحب أحد المراكز في جنين الذي يحمل لافتة باسم “أمانة كير وزين الأتات” وصورًا لأبرز منتجاتها التي تروج عبر بعض الفضائيات اللبنانية.

وتمت تبرئة أبو حماد من تهم تتعلق ببيع وتداول منتجات “مجهولة المصدر” (منتجات أمانة كير وزين الأتات) بسبب “عدم كفاية الأدلة” حسب نص الحكم الذي حصلنا عليه من ملفات مجلس القضاء الأعلى.

وحتى تنتهي النيابة من النظر في قضية سهام بعد عام من تقديمها الشكوى وتحرير المخالفة

قررنا خوض التجربة بأنفسنا لنكشف مدى مخالفة مركز “أمانة كير” المملوك لصاحبه (ص.ن)، المتهم ببيع أعشاب مضرة بالصحة لسهام وغيرها وكيفية تعامل السلطات مع هذا المركز.

مغامرة مع الرقابة!

في عام 2011، أعلنت وزارة الصحة تعميمًا يحظر تداول جميع منتجات شركتي “أمانة كير” و”زين الأتات” التي يُروَجُ لها على أنها أعشاب طبيعية خالصة.

وجاء في التعميم: يرجى العلم بأن الشركة المذكورة غير مرخصة لدى وزارة الصحة الفلسطينية وأصنافها غير مسجلة لدينا وأن وزارة الصحة في لبنان (بلد المنشأ) قامت بالتعميم بسحب العديد من مستحضرات الشركة.

لكن “التعميم” لا يخلي تقصير مسؤولي وزارة الصحة التي كان من المفترض أن تقوم بدور المراقبة والتأكد من مصادرة هذه المنتجات وتصعيد الإجراءات لمعاقبة المخالفين، ومن بينهم المركز الذي اشترت منه سهام “الأعشاب الضارة”.

فالتعميم لحظر هذه المنتجات صدر من وزارة الصحة في 2011. لكن سهام اشترت المنتج المحظور بالطبع في 2012 أي بعد قرار التعميم الرسمي بعام كامل.

وبعد شكوى سهام، أرسل التعميم مرة أخرى من قبل الدائرة العاملة للصيدلة إلى الدوائر المعنية بوزارة الصحة من أجل بدء خطوات “لمصادرة المنتج من الأسواق وإتلافه”.

لكن دوائر وزارة الصحة لم تقم بما يلزم أو هكذا اتهمتها بعض وسائل الإعلام.

ففي آذار 2012 نشرت الصحافية ربى عنبتاوي في مجلة “آفاق البيئة والتنمية- العدد 42” تقريرا يكشف استمرار وجود منتجات شركتي “أمانة كير” و”زين الأتات” في السوق المحلي.

ولأننا لا نعلم هل فعلا تمت إزالة المنتجات المخالفة من قائمة مبيعات مراكز الأعشاب ولأن الوزارة لا تعلم حجم الظاهرة ولا تقوم بدورها الرقابي في ذلك، قررنا أن نقوم بجولة بأنفسنا داخل المراكز المزعوم مخالفتها لقواعد وزارة الصحة.

ذهبنا إلى مركز “أمانة كير” الذي يملكه (ص.ن) وهو المسؤول عن بيع المنتجات المخالفة لسهام حسب شكواها لوزارة الصحة.

اعتراف بالتقصير!

في مركز “أمانة كير” الذي يملكه (ص.ن) استخدمنا التصوير السريّ لشراء منتج التنحيف (Seven Slim) من ذات المركز الذي اشترت منه لسهام، حيث ادّعى زميلنا في تلفزيون “وطن” حاجته للمنتج.

في البداية لم ينصح الموظف زميلي بالمنتج، دون توضيح السبب، لكنه أخبره أنه “ممنوع من وزارة الصحة كونه لبناني”، إلا أنه باعه بعد إبدائه رغبته في شرائه ودفع ثمنه على أيه حال…

قمنا بعرض المنتج على عدد من مسؤولي وزارة الصحة، وكان رد مدير دائرة التسجيل في الوزارة محمد المحاريق “أنا متفاجئ” مضيفًا “هذا تقصير وضعف بالرقابة والتفتيش لدى وزارتي الصحة والاقتصاد”.

بينما حملّ مدير دائرة الرقابة الدوائية في الوزارة ماجد صبحة المسؤولية لمديريات الصحة في المحافظات، ولدوائر التفتيش البيئية فيها.

وأخيرًا، قابلنا مدير عام الرعاية الأولية أسعد رملاوي، المعني بالإشراف على جميع مديريات الصحة في الضفة الغربية، فكان ردّه “لا أستطيع القول إنه تقصير وضعف.. نحن نعمل ما بوسعنا”، مضيفًا: وجودها عادي.. نحن لا نستطيع ضبط الأسواق 100%.

عدنا إلى مركز “أمانة كير وزين الأتات” مرة أخرى، لكن هذه المرة بصحبة الوزارة.

الطريق إلى (ص.ن)

في الطريق إلى مركز “أمانة كير وزين الأتات” الذي يديره (ص.ن)، قمنا بجولة على مراكز عدة في بعض المحافظات، أبرزها جنين شمالي الضفة.

في جنين كان اللافت وجود أربعة مراكز تحمل ذات الاسم (أمانة كير وزين الأتات) بشكل مُعلَن للجمهور، منها كُتبَ على لافتتها “توجد لدينا جميع منتجات أمانة كير”، التي لا تحمل هذه العبارة قمنا بزيارتها على اعتبار أننا زبائن للتأكد من تواجد المنتجات لديها، فكانت النتيجة “نعم يوجد”!

ذهبنا إلى وزارة الصحة لمعرفة “لماذا التقصير؟ ولماذا عدم التفتيش وعدم مصادرة المنتج؟”

عرضت علينا مديرية الصحة في محافظة جنين أن نرافق موظفيها في جولة تفتيشية على هذا المركز المملوك لـ(ص.ن) والمراكز المخالفة للتأكد من جدية التفتيش.

وكان مدير المركز متواجدًا أثناء التفتيش، وأنكر في بداية الأمر وجود أي من المنتجات المحظورة لديه، حتى اللحظة التي دار فيها بيني وبينه هذا الحوار:

– زميلي اشترى من مركزكم منتج Seven Slim

– هذا المنتج ليس لدينا.. بالتأكيد هو اشتراه من مكان آخر.

– وماذا لو قلت لك إننا صورنا عملية الشراء؟

– إذا صورتم لا أستطيع أن أقول شيئًا!

بعد ذلك وأثناء التفتيش، كشفت الصيدلانية الميدانية التي قامت بالتفتيش نيفين أبو بكر عن وجود منتجات محظورة مخبأة في أحد جرارات المكتب الخاص باستقبال الزبائن، يقدّر ثمنها حسب (ص.ن) بخمسة آلاف شيقل (1400 دولار).

علامات الارتباك والاستغراب لم تبدُ فقط على وجه الموظفين في المركز، إنما في حديث (ص.ن) أيضًا وحواره مع مفتشي الصحة.

فبعد أن تم ضبط المنتجات قال إنه “لا يعلم بوجود قرار يحظر بيعها” ثم قال “كما أعدتم لي المنتجات التي أخذتوها من قبل سأعيد هذه”.

سألناه “من الذي أعاد لك البضاعة من قبل؟” فقال “الصحة” يقصد وزارة الصحة، لكن أحد المفتشين قال “المحكمة هي التي أعادتها”، وأكد (ص.ن) على ذلك.

عدنا إلى قرار المحكمة الخاص بـ(ص.ن) الصادر في 2008، وكانت المواد المصادرة في حينه حبوب لعلاج الضعف الجنسي.

وفق مستندات مجلس القضاء الأعلى، حكمت المحكمة على (ص.ن) بالبراءة من تهمة مزاولة “مهنة طبية دون ترخيص” لكنها أدانته بتهمة “تعاطي حرف دون رخصة” … العقوبة كانت غرامة لا تتعدى 100 دينار أردني فقط.

“من لبنان إلى فلسطين”

في ظل غياب “الرقابة” تتمكن هذه المراكز الفلسطينية من العمل بالتعاون مع الشركة اللبنانية المروجة للمنتجات، ويمكن بسهولة الوصول إلى طريق لشرائها عبر الإنترنت.

وعبر البحث في مواقع إلكترونية، وجدنا عديد المواقع الخاصة بالترويج للشركتين، وفروعها في الضفة، مرفقة بالعناوين وأرقام الهواتف، لنقوم بالاتصال بعد ذلك باثنين منها (في جنين ونابلس)، ونتأكد بنفسنا من توافر المنتجات لديها.

وعبر شاشة إحدى الفضائيات اللبنانية أيضا تروج الشركة على أن لها “وكيل” في الضفة الغربية رغم حظر الشركة من قبل وزارة الصحة الفلسطينية ورغم مداهمة المراكز التي تبيع هذه المنتجات من قبل الوزارة كما شاهدنا بأنفسنا.

قابلنا وكيل الشركتين في الضفة (م.م)، وواجهناه بقرار وزارة الصحة الذي يمنع منتجاتهما، فأعاد سبب المنع إلى “أن السلطةتحاربنا لأنها تمنح التراخيص للمعنيين بها وليس للجميع، كي تكون التجارة حكرا على مسؤولين فيها وليس على أحد غيرهم”.

وأضاف أن “السلطة تأتمر بأوامر إسرائيل، وإسرائيل تحارب الفكرة ولذلك أذعنت لهذا القرار”.

خلاصة قول (م.م) أن قرار المنع “مسيّس”وهدفه “تربُّح” المسؤولين عن منح التراخيص في وزارة الصحة…

وهو الشيء ذاته الذي قاله (ص.ن) عن أن حظر المنتجات كائن لأنها لبنانية ويروج لها عبر فضائية “المنار” اللبنانية التابعة لحزب الله، ما يدفع إسرائيل لوضع “خط أحمر عليها”.

قررنا البحث عن حقيقة المنع لدى الجانب الإسرائيلي، وهل هو “مسيس لأن الشركة لبنانية” حسبما يقول الوكيل الفلسطيني.

وبالفعل أصدرت وزارة الصحة الإسرائيلية في تشرين أول/ أكتوبر 2010 تحذيرا للمواطنين خاصة (فلسطينيي 48) في القرى العربية الواقعة شمالًا من استعمال حبوب التخفيف ((Seven Slim التي تنتجها “أمانة كير”..

لأنها تحتوي على مادة “سيبوترامين” التي تؤثر على خلايا المخ “حسبما أظهرت نتيجة التحليلات التي قامت بها الحكومة معمليا”.

لكن التصريح لم يجب لنا عن اتهامات تسييس الحظر حسب مسؤولي شركة “أمانة كير”.

إلا أننا تأكدنا من أن القرار “الإسرائيلي” بالمنع وكذلك القرار الفلسطيني المماثل ليس له “أي دوافع سياسية”.

ففي عام 2012 نقلت مجلة آفاق البيئة والتنمية الصادرة عن مركز العمل التنموي (معا) عن مصادر موثوقة في وزارة الصحة الإسرائيلية حدوث ثلاث حالات وفاة لمواطنين مقدسيين تناولوا هذه الأعشاب الضارة…

وهو ما يعزز قرار الحظر الإسرائيلي والفلسطيني لهذه المنتجات. كما أن دولا أخرى قامت بنفس الخطوة ومن بينها بلد المنشأ (لبنان).

إضافة إلى أننا حصلنا على قائمة من وزارة الصحة الإماراتية بالأدوية العشبية الممنوعة من التداول وجاء على رأس القائمة “Seven Slim” لنفس السبب الذي ذكرته إسرائيل “احتواء على مادة سيبوترامين”، حسب نتائج مجمع زايد لبحوث الأعشاب والطب التقليدي.

كما كشفنا أيضا أن المكتب الإعلامي في وزارة العدل اللبنانية وزع على الصحافيين بيانا يشير إلى أن وزارة الصحة رفعت دعوى قضائية ضد منتجات “أمانة كير” و”زين الأتات” ومؤسسات الإعلام المرئي والمسموع.

 وكانت التهمة “الإعلان والإعلام عن الأعشاب الطبية والمتممات الغذائية بصورة مخالفة للمادة 37 المعدلة من القانون رقم 367 تاريخ 1/8/1994 (قانون مزاولة مهنة الصيدلة) وللقانون 384/1994 (المرئي والمسموع)”، علمًا أن محطات فضائية لبنانية ما زالت تبث إعلانات للشركتين، سجلنا لأحدها إعلانًا.

وبعد مراسلات ومهاتفات دامت أكثر من شهر مع وزارة الصحة اللبنانية، تحدثنا إلى وزيرها علي حسن الخليل، وأكدّ أن جميع منتجات “أمانة كير وزين الأتات” غير مرخصة من قبل الوزارة.

يبقى السؤال: كيف تصل منتجات أمانة كير وزين الأتات إلى الضفة الغربية رغم حظرها من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية في وقت واحد؟.

“تجار شنطة”

قال لنا وكيل “أمانة كير وزين الأتات” في الضفة (م.م)، إن الكميات التي تدخل الضفة “ليست تجارية إنما عن طريق الحقائب الخاصة (تجارة الشنطة)”.

مدير جمارك معبر الكرامة عماد الفارس أكد أن الجمارك تقوم بمصادرة أية منتجات عشبية محظورة تدخل عبر المعبر ويتم إتلافها وذلك منذ أربعة أعوام، إلا أنه أكد أن للمهربين طرقًا أخرى لإحضار كميات تجارية من البضائع.

وقال الفارس إن “تجارة الشنطة” تبقى رائجة بعد تهريب المنتجات “حيث لا نستطيع تفيش كل الحقائب.. فعملية التفتيش تكون عشوائية”.

ونفى وجود أي إحصاءات حول كمية المواد المصادرة وأي الشركات المنتجة لها بقوله: لأننا نكتب النوع فقط مثلا نكتب (كريمات تنحيف على سبيل المثال).

وأضاف: قد تدخل المنتجات من خلال المعبر الإسرائيلي قبل أن تصل إلينا ويدفع أصحابها (جمركا) عليها هناك، بالتالي لا ينتظرون موافقة وزارة الصحة الفلسطينية ولا يهمهم إن دخلت أم لا.

لم نتمكن من التواصل مع الجانب الإسرائيلي، لأن “وطن” تمنع ذلك من باب مبدأ تتخذه المؤسسة كسياسة.

“الدائرة المفرغة”

حتى الآن وزارة الصحة تدافع بأنها “تتخذ اللازم في حدود الإمكانات” لمصادرة المنتجات وتحويل الشكاوى إلى النيابة.. وتتهم النيابة بالتقصير…

بعد مقابلتنا لنيابة جنين، تم استدعاء سهام لتدلي بشهادتها، وذلك بعد مرور أكثر من عام على أرشَفة ملفها، وتنتظر الآن بادرةً أخرى للأمل.

وأحد المراكز التي زرناها مع مديرية الصحة في جنين وعد بتغيير اللافتة التي كتب عليها “يوجد لدينا جميع مستحضرات أمانة كير وزين الأتات” خلال مدة أقصاها أسبوعين، لكن اللافتة ما زالت مكانها إلى الآن، أي بعد مرور شهرين، وتم شطب جزء من العبارة لا أكثر، إضافة إلى أن جميع المحال التي زرناها في مختلف المحافظات لا تزال تحمل اسمي الشركتين (أمانة كير وزين الأتات).

 


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *