عمان – عندما خرج فادي علي شفيق من دار الأيتام التي قضى فيها سنوات عمره الأولى، حتى بلغ 17 عاما من عمره، وجد نفسه من دون عمل أو مأوى أو مهنة يستطيع الاستفادة منها، فاضطر إلى العمل عتالا، كي يؤمن قوت يومه.
لم يكمل الشاب دراسته، ولم يتقن حتى صنعة أو مهنة، ويقول “التدريب المهني الذي تلقيناه في الدار كان شكليا، وخرج كثيرون مثلي إلى الشوارع، من دون أن يتلقوا أي مساعدة أو متابعة من وزارة التنمية الاجتماعية”.
وبعد أن خرج الشاب من دار الأيتام، استطاع خلال سنوات أن يحسن من أوضاعه المعيشية، ويتزوج بمفرده، من دون مساعدة تذكر، غير أنه، وخلال الأشهر السبعة الماضية، انتكست أحواله، فطرق باب الوزارة، باعتبارها الأم الحاضنة له، لكنه “لم يجد لديها العطف الذي كان يأمل فيه”، حسبما يقول.
ثم تردت حالة فادي الاجتماعية والاقتصادية، من سيئ إلى أسوأ، بعد أن تراكمت ديونه لصاحب الشقة التي يقيم فيها، فرفع الأخير بحقه دعوى، ثم تراكمت عليه فواتير الكهرباء والماء، حتى انقطعت تلك الخدمات عن منزله.
ويشير الشاب الذي لجأ الى الوزارة أخيرا، أنه بات غير قادر على مواجهة صعوبات الحياة، وأن ما يطلبه من الوزارة أن تساعده في الحصول على فرصة عمل أو منزل مؤقت، حتى يتدبر أموره.
ويؤكد فادي أن وزارة التنمية الاجتماعية قد رفعت يدها عنه وعن زملاء كانوا يشاركونه الدار التي تربى فيها، شاكيا “نحن نعيش بلا أمل ولا أهل.. وإذا كانت الوزارة تخلت عنا فلمن نلجأ”.
مصدر في وزارة التنمية الاجتماعية أكد لـ”الغد” عدم توفر برامج حقيقية تعنى بهذه الفئة بعد انفصالها عن المؤسسة التي احتضنتها لسنوات، ما يجعلها “في مهب الريح”.
ويؤكد المصدر، أن هؤلاء الشباب تنقصهم المتابعة، وتخصيص موازنة مالية لمساعدتهم في مشاريع الزواج والسكن والتعليم، غير أن الوزارة غير قادرة على تحمل ذلك، ما يستوجب مبادرة وتعاونا من القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني للمساعدة في هذا الجانب.
ويصف مصدر مطلع ذو خبرة طويلة في العمل بدور الإيواء، لمدة تزيد على عشر سنوات، هذه الدور بكونها ليست غير مأوى يوفر المأكل والمشرب واللباس لنزلائه، من دون الالتفات الى متطلباتهم النفسية والاجتماعية، وأهمية تهيئتهم للتعامل مع صعوبات الحياة بعد خروجهم من رحم الدار.
ويلفت إلى قصور بالغ في برامج الرعاية النفسية والاجتماعية للأيتام قبل خروجهم، وفي المحصلة فإن هذا القصور لا يمكن تقويمه ببرامج الرعاية اللاحقة التي يشوبها قصور بالغ.
ويشير المصدر إلى عدم توفر البرامج الداخلية الفاعلة، ما يؤدي، في النهاية، الى تخريج شباب وفتيات غير واعين، يكون مصيرهم غالبا الانحراف خارج الدار، بسبب عدم تنشئتهم على أسس سليمة في مجال التربية والرعاية.
ويضيف أنه، ومنذ سنوات قليلة، لم توفر الوزارة اختصاصيين نفسيين في غالبية دور الأيتام، فيما عدا بعض الاختصاصيين الاجتماعيين، وغالبيتهم لا يؤدون العمل المطلوب منهم، فهم يقومون بأعمال إدارية وإجراءات روتينية لا تمت لاختصاصاتهم بصلة.
ويقول إن الوزارة تصبح غير معنية بهؤلاء بعد خروجهم من دور الأيتام، فيما تنعدم المتابعة لأحوالهم، ما يستدعي العمل على إيجاد نظام معتمد ورسمي للتعامل مع خريجي دور الأيتام.
ويشير المصدر الى أن غالبية الاختصاصيين هم من حملة شهادات الدبلوم، ولا يمتلكون الخبرة، ورواتبهم غير مجزية، وفي النتيجة، فإن أداءهم لا يلبي احتياجات النزلاء النفسية والاجتماعية.
وتبقى فئة مجهولي النسب والفاقدين لأسرهم الطبيعية، أمام معضلة تستدعي إجراءات ونظاما معتمدا من الوزارة، إذ يقول المصدر إن الأطفال النزلاء من هذه الفئة، معرضون للإصابة بانتكاسة نفسية بعد خروجهم من الدار.
ويوضح أن غالبية هؤلاء يكون تحصيلهم العلمي ضعيفا، فلا يكملون دراستهم، وفي أول اصطدام لهم مع صعوبات الحياة بعد الخروج من الدار، يجدون أنفسهم غير قادرين على تدبر أمورهم ومواجهة المجتمع، سيما وأنه ينظر إليهم وكأنهم وصمة عار.
ويشير الى أن غالبية هؤلاء يقيمون في دور الرعاية مدة تزيد على 13 سنة، في حين إن المفترض أن تكون إقامتهم مؤقتة، على أن تعمل الوزارة على تصويب أوضاع ذويهم ومعالجة مشاكلهم لإعادة الأبناء للعيش ضمن بيئتهم الأسرية.
بيد أن مدير مديرية الأسرة في الوزارة محمد شبانة، يؤكد أن الوزارة تقدم خدمات لهؤلاء بعد بلوغهم سن الرشد، كالتعليم العالي، وبرامج التدريب المهني، والتشغيل، والإسكان، والزواج، مشيرا الى أن هناك متابعات لخريجي الدار بعد خروجهم منها.
ويشير أن الأطفال الذين يعيشون في أسر بديلة ضمن برناج الاحتضان، يحصلون على كل تلك الخدمات من عائلاتهم الجديدة، غير أن الوزارة لا تتخلى عنهم في حال تعرضت العائلة لضائقة مالية، إذ توفر لهم احتياجاتهم ضمن الإمكانات والتعليمات المعمول بها.
ويلفت الى أن الوزارة تتجه إلى التوسع في برنامج استئجار مساكن لخريجي دور الأيتام، من خلال تخصيص موازنة لخطتها التنفيذية لهذه السنة، غير أنه الى يشير أن المخصصات لا تكفي لتغطية سائر احتياجاتهم، من سكن وزواج، ولذا فعلى المجتمع أن يأخذ بدوره في هذا المجال.
ويلفت الى أن المساكن التي توفرها الوزارة لمجهولي النسب واللقطاء، ومن انفصلوا عن عائلاتهم بسبب التفكك الأسري، يتم منحها على مراحل ضمن برنامج طويل الأمد.
ويبين أن مسؤولية رعاية هذه الفئة ينبغي أن تكون مشتركة، بحيث يساهم المجتمع بمؤسساته وأفراده في تبني المبادرات الرامية لتوفير الخدمات لهم، كي تعم الفائدة على سائر الخريجين.
وكان للوزارة تجربة فريدة في هذا المجال، من خلال مكرمة جلالة الملك عبدالله الثاني، حين افتتح جلالته دارين لليافعات قبل حوالي سنتين، بحسب شبانة، الذي أشار الى أن المنتفعين من هذه البيوت هم فتيات دور الأيتام.
وتستقبل دارا اليافعات، الفتيات من خريجات دور الرعاية الإيوائية، بعد تجاوزهن سن 18 عاما، ممن يعانين من التفكك الأسري، أو اليتيمات، لتمكينهن وإعادة دمجهن في المجتمع.
ويوضح شبانة أن الوزارة تعمل على توفير الرعاية الصحية ومختلف الخدمات الإيوائية، إلى جانب تأمين مصروفهن اليومي لمن يحتجنه، عدا عن توفير فرص العمل لمن أنهين دراستهن الأكاديمية.
وتوفر دارا الخدمات الإيوائية للفتيات، للفئة العمرية من 18 – 27 عاما، القدرة على التمكين اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا حتى التخرج، والتأكد من قدرتهن على الاستقلال، أو إلى حين زواجهن، أو استقلالهن تماما.
ويبلغ عدد النزلاء المنتفعين من دور الرعاية في الأردن حوالي 900 نزيل، بحسب شبانة، الذي يشير أن عدد دور الرعاية الحكومية يبلغ 5 دور، والأهلية التطوعية 26 دارا.
Leave a Reply