اليوم السابع-
فى الحلقة الأولى من هذا التحقيق الاستقصائى، كشفت «اليوم السابع» عن قيام أربعة مراكز بالترويج للعلاج بالخلايا الجذعية فى العديد من الأمراض المزمنة، والذى ما زال فى طور البحث والتجربة، ولم يتم الاعتراف به كعلاج رسمى حتى الآن، واستغلال عدد من الأطباء حاجة المرضى وقيامهم بإجراء تجارب وأبحاث عليهم فى عياداتهم ومراكزهم الخاصة دون علم وزارة الصحة، وبمخالفة جميع اشتراطات البحث العلمى التى تقتضى بأن تتم تلك التجارب بشكل تطوعى دون مقابل مادى، وفى مراكز بحثية ومؤسسات جامعية معتمدة.
وبعد نشر الحلقة الأولى من التحقيق تفاعلت معها وزارة الصحة، وشكلت إدارة العلاج الحر، المكلفة بضبط المراكز المخالفة، فريقًا لمعاينة المراكز المذكورة فى التحقيق، كما شددت الصحة على نظيرتها الاستثمار بمنع الترويج لهذا النوع من العلاج الذى مازال يخضع للبحث والتجربة عبر القنوات الفضائية.
فى الحلقة الثانية من هذا التحقيق الاستقصائى تواصل «اليوم السابع» كشف المزيد حول خداع المرضى بهذه التقنية العلاجية التى لم تثبت فاعليتها حتى وقتنا هذا، حيث يقوم عدد من الأطباء بدور الوسيط بين المرضى ومؤسسات علاجية خارجية فى الصين وألمانيا تدعى علاج كثير من الأمراض المزمنة بالخلايا الجذعية، مثل الفشل الكلوى، والكبدى، والسكر، وضمور المخ والعضلات، والتصلب المتعدد، وذلك لاستقطاب مرضى من مختلف أنحاء العالم، متمسكين بأمل العلاج، وهذا على الرغم من اعتراف المنظمة الدولية للخلايا الجذعية لنا بأن العلاج بتلك التقنية فى الأمراض المزمنة السابقة مازال فى طور البحث، وهذا ما يؤكد استغلال المرضى فى الخارج أيضًا للتجربة، إضافة إلى أن التحقيق يكشف أيضًا عن تورط طبيبة فى تسهيل عملية خروج الخلايا من مصر لحفظها فى أحد بنوك سويسرا، وهذا يعد مخالفة للأمن القومى المصرى، وفقًا للقرار الصادر من قبل اللجنة القومية للخلايا الجذعية فى 31 ديسمبر 2011.
«بنوك الخلايا» والحماية من الأمراض
قبل سرد تفاصيل الحلقة الثانية، يجب توضيح أهميه بنوك الخلايا الجذعية، والتى تعتبر السبيل الآمن للحماية من الأمراض كما يصفها المتخصصون فى هذا المجال، حيث يقوم عمل تلك البنوك على تخزين الخلايا الجذعية الموجودة فى دم الحبل السرى الذى يحتوى على أكبر عدد من تلك الخلايا، بعد سحبه من الأم عقب عملية الولادة مباشرة، وحفظها بعد فصلها فى خزانات معينة مُعتمدة طبيًا عند درجة حرارة محددة. وترجع أهميه التخزين تلك إلى إمكانية استعانة الأم بتلك الخلايا المحفوظة فيما بعد، فى حالة إصابه أى من أفراد الأسرة «أقارب الدرجة الأولى» بأى من أمراض الدم أو العظام، والتى ثبت فاعليتها فى العلاج بالخلايا الجذعية وفقًا لما هو معلن لدى المنظمة الدولية للخلايا الجذعية.
ويوجد على مستوى العالم 680 بنكًا لحفظ الخلايا الجذعية، أما فى مصر، فهناك ثلاثة بنوك خاصة لحفظ خلايا الحبل السرى، هى بنك الدكتور شريف ناصح أمين، وبنك آخر فى العامرية بالإسكندرية، وثالث تابع للقوات المسلحة تم افتتاحه حديثًا، أما فيما يتعلق بالبنوك العامة فهناك أماكن تحزين فى ثلاث جامعات، هى القاهرة «قصر العينى»، وعين شمس، والمنصورة، وتستخدم الخلايا المحفوظة فيها لأغراض بحثية باعتبارها مؤسسات جامعية معتمدة مصرحًا لها من قبل وزارة الصحة بإجراء التجارب السريرية المتعلقة بالعلاج بالخلايا الجذعية.
مصر تمنع خروج الخلايا
قبل 2009 لم يكن هناك بنك خاص بحفظ الخلايا الجذعية فى مصر، ومع زيادة الاهتمام بهذا المجال البحثي هنا منذ بداية الألفية، كما يقول الدكتور هشام حسن، أحد مؤسسي أول بنك لحفظ دم الحبل السرى فى مصر، أرادت البنوك الخارجية التواصل مع المؤسسات الطبية الموجودة فى مصر، والتعاقد معها من أجل إقناع الأمهات بحفظ خلايا دم الحبل السرى فى بنوك دولية لحين الاستعانة به، وذلك بعد نقله بطريقة معينة فى صناديق خاصة.
وبدأ العمل بهذه الطريقة خاصة مع العائلات المقتدرة الراغبة فى حفظ خلاياها بالخارج، حتى أصدرت اللجنة القومية للخلايا الجذعية برئاسة الدكتور عبدالحميد أباظة، مساعد وزير الصحة الأسبق، قرارًا بمنع تصدير أى طرود تشمل عينات من الدم خارج مصر، لأن هذا مخالف للأمن القومى، وتم إخطار جهات عدة بهذا القرار، وهى شركة الشحن الدولية DHL، وإدارة الطب الوقائى.
وعلى الرغم من قرارات المنع السابقة، فإن هناك مخالفات كشفها التحقيق عن تسهيل أطباء سفر الخلايا للخارج دون علم وزارة الصحة. هالة جبر، أستاذ أمراض الدم والمناعة بطب القاهرة، رئيس وحدة زرع النخاع بمستشفى أبوالريش للأطفال، سكرتير عام الجمعية المصرية لخلايا المنشأ الجذعية، والتى كشفنا عن عدة حقائق بشأنها فى الحلقة الاولى، من حيث تبعيتها لوزارة التضامن، وقيامها بالترويج للعلاج بالخلايا الجذعية دون علم وزارة الصحة، تم التواصل مع «جبر» لمعرفة مدى إمكانية حفظ الحبل السرى لإحدى سيدات الأعمال الراغبات عقب ولادتها، خاصة أن الأخيرة تخشى إصابتها بأحد أمراض الدم الوراثية، وفور الالتقاء بها بمستشفى أبوالريش وطرح السؤال عليها، أجابت: هناك بنكان لهذا الأمر، الأول فى الإسكندرية، والآخر فى سويسرا. مضيفة: «أنا عندى أكسيس مع بنك سويسرا- أى وسيلة اتصال- بنبعتله، ويعمل من خلال نظام معين فى مصر من حيث التجميع والإرسال». تصريحات «جبر» السابقة التى تؤكد وجود قناة اتصال بينها وبين أحد بنوك حفظ الخلايا فى الخارج مخالفة للقرارات السابقة التى وضعتها اللجنة القومية للخلايا الجذعية، والتى ترى أن خروج الخلايا للحفظ فى الخارج يعد مخالفة للأمن القومى للبلاد.
انتهى اللقاء مع وعد «جبر» بمنحنا فرصة للتواصل مع البنك، لكن هذا لم يحدث.. تواصلنا مع بنك آخر يعد واحدًا من أشهر البنوك السويسرية لحفظ دم الحبل السرى، يدعى «SSCB» عبر البريد الإلكترونى لمعرفة إمكانية التعاون معه فى هذا المجال، ورحب البنك بالتعاون معنا شريطة الحصول على موافقة الأبوين، والتنسيق مع الطبيب الذى سيجرى عملية الولادة، وبعدها سيتم البدء فى اتخاذ إجراءات الشحن والدفع والتخزين الذى سيستمر 20 عامًا هناك بقيمة تعادل 29 ألف جنيه مصرى.
ويتحدث الدكتور عبدالحميد أباظة، رئيس اللجنة القومية للخلايا الجذعية، عن خطورة خروج الخلايا، قائلًا: إذا تم السماح بذلك سيتحول الأمر إلى مجرد تجارة تتحكم فيها المادة، وبالتالى نتعامل مع ملف الخلايا الجذعية مثل ملف زراعة الأعضاء البشرية، فلا يجوز الاتجار فيها أو خروجها من مصر.
أطباء «سماسرة» لصالح مؤسسات علاجية فى الصين وألمانيا
«مثلما يروج الأطباء فى الداخل لإمكانية العلاج بالخلايا الجذعية على الرغم من أنها فى طور البحث والتجريب، هناك عدد منهم يرشد المرضى بعد إقناعهم بأن حالتهم ميؤوس منها، ونسبة شفائها ضعيفة بالتواصل مع مؤسسات علاجية فى الصين وألمانيا، وهذا يعنى أنهم مثلما خضعوا للتجربة فى الداخل فإنهم سيخضعون لها فى الخارج أيضًا، وهنا ستكون الخسارة مضاعفة، لأنها تشمل تكاليف العلاج بالخارج، بالإضافة إلى احتمالية فشل العملية، لأن العلاج فى مرحلة التجربة»..
من هنا كانت بداية الخيط مع كلمات المحامى محمود فؤاد، رئيس المركز المصرى للحق فى الدواء، الذى رصد عددًا من الحالات التى نصحها الأطباء المعالجون لها بالسفر للخارج للعلاج بالخلايا الجذعية، على اعتبار أن حالاتهم من الصعب أن تمتثل للشفاء فى مصر، وعلى اعتبار أن الصين وألمانيا تحتلان مرتبة متقدمة فى هذا المجال البحثى على مستوى العالم، وفقًا لما ذكره الدكتور عبدالحميد أباظة، مساعد وزير الصحة الأسبق، كان من الطبيعى أن يكونا هما المقصد بالنسبة للمرضى المصريين الذين يقررون العلاج بالخارج، وتحمّل نفقات السفر دون أن يدروا أن العلاج بالخلايا الجذعية مازال فى طور التجربة والبحث على مستوى العالم أجمع وليس مصر فقط، ويصنف فى تلك الدول تحديدًا ضمن التجارب «العالية المخاطر».
مستشفى «بوخوا» الدولى فى بكين، عاصمة الصين، واحد من أشهر المؤسسات العلاجية الصينية التى تعلن عن نفسها فى مجال العلاج بالخلايا الجذعية عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، ويستقبل مرضى من مختلف دول العالم، وعلى رأسها مصر..
زيارة واحدة للموقع الإلكترونى الخاص بالمستشفى كانت كفيلة لمعرفة أكبر قدر من المعلومات عنه، فوفقًا لما ورد به، هذا المستشفى يحتل الريادة فى مجال الرعاية الصحية العالمية منذ عام 1995، وينصح القائمون عليه باستخدام الخلايا الجذعية كوسيلة لعلاج كثير من الأمراض المزمنة، وهى التصلب المتعدد، والتوحد، والصرع، والزهايمر، وإصابات الدماغ، وسرطان المخ، وضمور العضلات، وضمور المخ، وأمراض الخلايا العصبية الحركية، والسكر، وتليف الكبد، والتهاب المفاصل، وأمراض الشيخوخة وجميعها أمراض لم تثبت فاعلية علاجها بالخلايا الجذعية وفقًا لما ذكرته لنا المنظمة الدولية للخلايا الجذعية.
المستشفى الذى يقوم عليه أطباء من جنسيات عربية وأجنبية، وليس له شركاء سوى فى الصين وأمريكا، يخصص أطباء مصريين للرد على الأسئلة المتعلقة بتقنيات العلاج، وهذا ما حدث فور توجيه رسالة عبر البريد الإلكترونى للسؤال عن إمكانية علاج حالتين من مصر فى هذا المستشفى، الأولى تعانى من ضمور بالمخ، والثانية من ضمور العضلات، ومدى فاعلية هذا العلاج ونجاحه، وعلى الفور وصل الرد بتأكيد فاعلية هذا العلاج، وأنه تم تطبيقه لمدة أكثر من عشر سنوات، ونجح المستشفى فى علاج الآف الحالات من أنحاء العالم، وتم إثبات فاعلية وفوائد هذا العلاج من قبلهم، ولم تظهر له أى مضاعفات أو آثار جانبية، على حد قولهم، وتمت إحالتنا للتواصل مع طبيب مصرى يدعى «م. ا».
بالتواصل مع الطبيب المصرى «م. ا» الذى تبين بعد ذلك أنه انتقل للعمل فى هذا المستشفى كأخصائى علاج طبيعى للأطفال منذ أربع سنوات، وإرسال جميع التحاليل والأوراق المطلوبة للحالة التى تعانى من ضمور المخ- بعد الرجوع لأسرتها بالفعل للسماح لنا بإجراء تلك الخطوة- تم توجيه استمارة تقييم لنا من المفترض أن يقوم والداها بتعبئتها لأنها ستفيد فى تشخيص الحالة، وفيما يتعلق بتكاليف العلاج فذكر «م. ا» أنها ستتراوح بين 25 و30 ألف دولار أمريكى، وبرنامج العلاج ستكون مدته ما بين ثلاثة أسابيع وشهر، ويُسمح للمريض باصطحاب اثنين من مرافقيه للمبيت معه بالغرفة، وستشمل جلسات العلاج تكاليف إجراء الفحوصات اللازمة، وحقن الخلايا، والأطباء المعالجين، وجلسات العلاج الطبيعى، وأخيرًا جلسات الطب الصينى.
يعتمد مستشفى «بوخوا» الدولى فى طريقة علاجه على الاستعانة بالخلايا الجذعية المحفوظة فى بنوك الصين، والتى يصل عددها إلى 300 بنك، ويتم حقنها لمرضى من مختلف الجنسيات فى شتى الأمراض دون إجراء تحاليل توافق، أو الحاجة لمتبرع وفقًا لما ذكره الطبيب المصرى العامل هناك، وهذا يتعارض مع ما ذكره الدكتور هشام حسن، أستاذ مساعد تحاليل طبية بجامعة MSA، مدير بنك الخلايا الجذعية فى مصر، قائلًا: فكرة حفظ الخلايا الجذعية فى البنوك تعتمد على أن لكل إنسان بصمة وراثية تختلف من شخص لآخر، وفى حالة نقل خلايا مواطن صينى لآخر مصرى على سبيل المثال، لابد من قياس مدى توافقها، وتحديدًا فى عمليات زراعة النخاع، حتى لا يرفضها الجسم المحقون فيه الخلايا، وهذا معناه فشل مؤكد للعملية.
مؤسسة علاجية أخرى فى الصين تسمى «مركز وو الطبى للعلاج بالخلايا الجذعية» تعلن عن ريادتها فى العلاج بتقنية الخلايا الجذعية، وتستند على خبرات مؤسسها فى هذا المجال، فوفقًا للمعلومات المتوفرة عن المركز عبر الموقع، فهو واحد من الخبراء البارزين فى مجال استخدام تكنولوجيا العلاج بالخلايا الجذعية لمختلف الأمراض العصبية فى الصين، مثل اضطرابات الحركة، وأمراض الجهاز العصبى، والأمراض الدماغية، بالإضافة إلى أمراض الفشل الكلوى، والسكر المرحلة الأولى والثانية، وضمور العضلات والعصب البصرى، وغيرها.
كان لهذا المركز شريك فى مصر هو الدكتور «ا، ق»- رفض الإفصاح عن اسمه لأنه توقف عن العمل معه، وهذا ما اتضح لنا فيما بعد- تم التواصل معه بحجة رغبتنا فى علاج حالة تعانى من ضمور المخ فى هذا المركز بالصين، ولكن كان الرد أنه كان يقوم بدور الوسيط، ويشخص الحالات، ويكتب تقريرًا طبيًا عنهم ويرسله لهذا المركز، لكنه توقف عن هذا النشاط منذ عامين لأنه كان غير مُجدٍ بسبب تكاليفه الباهظة، وأكد الطبيب أنه لم يتقاضَ أى مقابل نظير تلك الخدمة، وكان يقوم بها بشكل ودىّ لمعارفه.
وهذا ما رفضه الدكتور رشوان شعبان، مسؤول لجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء، قائلًا: لا يجوز لطبيب أن يقوم بدور الوسيط بين المرضى ومؤسسات أخرى، لأنه بذلك يتحول من طبيب لسمسار، وكذلك لا يجوز له أن يروج لعلاج لم تثبت فاعليته بعد. وأضاف «شعبان» أنه فى حالة ثبات المخالفة على الطبيب الذى يقوم بهذا النوع من الأنشطة، تتم إحالته للجنة التأديب التى تبحث معه الأمر، وتقرر العقوبة التى تبدأ من توجيه اللوم، وتنتهى بحذف اسمه من جدول النقابة، ويتم حرمانه من ممارسة المهنة طيلة حياته.
العلاج الألمانى بــــ 10 آلاف دولار
إدخال اسمه على محركات البحث، أمر كفيل للتعرف عليه، فالدكتور «محمد فؤاد» يقدم نفسه على أنه باحث فى الخلايا الجذعية، ويخصص صفحة له بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، تحت عنوان «العلاج بالخلايا الجذعية»، ويروج من خلالها إلى إمكانية علاج مختلف الأمراض المستعصية باستخدام أحدث تكنولوجيا الخلايا الجذعية الجنينية، وجميعها أمراض لم تثبت فاعلية علاجها بالخلايا الجذعية حتى الآن.
دور «فؤاد» الذى يقدم نفسه على أنه «طبيب فى الطب عامة، ومتخصص فى الخلايا الجذعية خاصة» هو الاطلاع على التقارير الطبية الخاصة بالمرضى على اختلاف طبيعتهم المرضية، وإرسالها لمؤسسات علاجية فى ألمانيا وسويسرا، هى «انوفا ميديكال سنتر» و«سيلف فور لايف»، وذلك بعد رؤيتهم فى مكتبه الخاص بمنزله فى مساكن شيراتون، أو بمقابلتهم فى أحد الفنادق المجاورة لمنزله.
يقول «فؤاد» بعد التواصل معه بحجة رغبتنا فى علاج حالة تعانى من ضمور المخ بالخلايا الجذعية فى الخارج: ليست لى عيادة، أنا أعمل بشكل حر، أقابل الحالات الجادة بعد الاطلاع على أوراقها عبر البريد الإلكترونى فى فندق مجاور للمنزل الوارد عنوانه بصفحتى الشخصية بالـ«فيس بوك». بمقابلة «فؤاد» فى الموعد المتفق عليه بمنزله، وبعد رؤية التقارير الطبية الخاصة بالحالة، قال: نحن بحاجة إلى أشعة مقطعية للمخ، وسيتم إرسال هذه الأوراق للأطباء الألمان الذين أتعامل معهم، وبناء على الأوراق، وفى حالة الموافقة على علاج الحالة، سنكون أمام خيارين، إما انتظار مجيئهم إلى مصر، حيث إنهم يأتون إلى مصر كل ستة أشهر، ويجرون عمليات لعدد من الحالات فى مستشفيات خاصة، وتكون التكلفة 10 آلاف دولار، أو أننا نقوم بإرسال الحالة لديهم، وهذا سيتكلف ما يقرب من 13 ألف يورو.
بخلاف قيام «فؤاد» بدور الوسيط بين المرضى ومراكز العلاج بالخلايا الجذعية فى ألمانيا وسويسرا، إلا أنه وكما ذكر «فؤاد» فإن هؤلاء الأطباء يأتون لمصر لإجراء تجاربهم فى مستشفيات خاصة، وهذا مخالف أيضًا لاشتراطات البحث فى هذا المجال، والتى تنص على أن تجرى تلك العمليات فى مراكز بحثية أو مستشفيات جامعية معتمدة، وبعلم وزارة الصحة، وبشكل تطوعى دون مقابل مادى. وتعليقًا على هذا، يقول الدكتور عبدالحميد أباظة، مساعد وزير الصحة الأسبق، رئيس اللجنة القومية للخلايا الجذعية: من الممكن أن ينصح الطبيب المريض ويقول له هناك أبحاث متقدمة تجرى فى الصين أو ألمانيا على سبيل المثال فى هذا المجال، ويترك للأخير حرية الاختيار، دون أن يرشده لمراكز بعينها، لأن هذا معناه أن هناك شبه «بيزنس» بين الطرفين، وهذا يتعارض مع أخلاقيات أبحاث الخلايا الجذعية التى أقرتها اللجنة، ويتم العمل بها الآن، والتى تنص على وجوب الكشف عن أى تضارب مصالح مالية أو غير مالية، سواء بين الباحثين أو الجهات الراعية أو المؤسسات التى تجرى فيها أبحاث الخلايا الجذعية.
إشكالية القانون والتوصيات
ثلاث سنوات كانت فترة عمل اللجنة القومية للخلايا الجذعية، منذ عام 2011 وحتى نهاية 2013، والتى رأسها الدكتور عبدالحميد أباظة، مساعد وزير الصحة الأسبق، وكانت مهمتها ضبط العملية البحثية، وتتم تحت مظلتها التجارب السريرية فى مجال العلاج بالخلايا الجذعية، لكن توقف عمل اللجنة فجأة فى عهد الدكتورة مها الرباط، وزير الصحة السابقة، وتم تشكيل أخرى جديدة لم ير عملها النور بعد حتى وقتنا هذا.
وكانت اللجنة خلال فترة عملها تلك وضعت مشروع قانون متعلقًا بالجانب المالى للمؤسسات البحثية، ومكملًا للاشتراطات السابق ذكرها، والتى يجرى العمل بها الآن، وتنص على وجوب أن تكون تلك التجارب تطوعية، أى بعلم المريض، ودون تقاضى أجر نظير ذلك، وبعد الحصول على موافقة كتابية منهم بذلك، وتحت إشراف لجان البحث العلمى التى تطلع بدورها على نتائج التجربة وتسجلها كاملة أولًا بأول مهما كانت إيجابية أو سلبية، ويتحمل المركز المعالج مسؤولية علاج المريض فى حالة حدوث أى مضاعفات، وقبل كل ذلك أن يكون الباحث على دراية بمفهوم الخلايا الجذعية عامة، ومجال بحثه خاصة، ويشترط أيضًا أن تجرى العملية فى مكان تابع لمؤسسة بحثية أو جامعية.
لكن تم تعطيل العمل بمشروع القانون هذا بسبب الدورات البرلمانية المتعاقبة على حد قول «أباظة» الذى يضيف: التشكيل الأول للجنة توقف إلى حد إعداد الدراسات والأبحاث الخاصة بهذا العلم، أما اللجنة المشكلة حديثًا فى عهد الدكتور عادل عدوى، وزير الصحة الحالى، فلم تجتمع حتى وقتنا هذا، وكانت اللجنة الأولى قد وضعت قواعد وأسسًا علمية بناء عليها يتم تطبيق تجارب الخلايا الجذعية التى لا ترتقى حتى الآن لمرحلة العلاج المعترف به، ويتم العمل بها حتى الآن.
وأوصى «أباظة» بأن تُسند مهام اللجنة الجديدة للجنة زراعة الأعضاء، نظرًا لخطورة وأهمية عملها، ويتم العمل عليها وفقًا للقانون رقم 5 لسنة 2010. وفى النهاية يبقى القول بأن الخلايا الجذعية، تلك التقنية العلاجية التى يأمل البشر فى اكتشاف المزيد حولها، لا تحتاج منا الآن سوى أن يلتفت إليها المسؤولون بطريقة تحمى المرضى من الوقوع فى فخ الترويج لها بشكل خاطئ غير علمى، وتنبيههم إلى أن العلاج بها مازال تحت التجربة، وبالتالى نتيجته ليست مؤكدة، كما يروج له بعض الأطباء المخالفين، لذا إذا أراد المرضى خوض التجربة فليتحملوا نتيجتها، ويدافعوا عن حقوقهم فى ألا يتكلفوا مقابلًا ماديًا، وليتأكدوا أنها تجرى أمام عين وتحت رقابة وزارة الصحة.
Leave a Reply