تحقيق: عبد الله مجحم
سيجان، سورية– يعمل حفار النفط سنان هنيدي أحيانا كثيرة لتسع ساعات متواصلة “لقتل” بئر قديم دون توفر أدنى متطلبات الحماية، بدءا بزي الافرول وانتهاءً بقفازات وحذاء وخوذة تحميه من أشعة الشمس الحارقة وإمكانية الاصطدام بأدوات حديدية قد تعرض حياته للخطر.
سنان يعمل في الحفارة رقم (4) التابعة لإحدى الشركات الخاصة في منطقة “سيجان” في بطن الصحراء الشرقية، قرب دير الزور، حيث تصل حرارة الصيف أحيانا الى 60 درجة مئوية وقت الظهيرة بينما تتراوح بين (6 الى 10 درجات) تحت الصفر في ليالي كانون الأول.
وفي مقابلة مع “مجلة الحال” قال سنان “اننا “نعمل في بعض الأحيان في ظروف تفوق قدرة البشر على التحمل خاصة عندما نقوم بقتل بئر النفط تمهيدا لنهاية العمل فيه “بدون توفر أدنى شروط السلامة المهنية.”
هذا النوع من العمل يتطلب أدوات الحماية التالية: افرول قطني صيفي ,وآخر أكثر سماكة في فصل الشتاء وهو الزي المتبع في شركات النفط والذي ولا غنى
عنه خلال العمل، أحذية “سيفتي” خاصة تحول دون الانزلاق أثناء العمل، قفازات من قطن وخوذة من البلاستيك لحماية الرأس من أشعة الشمس الحارقة ومن الاصطدام بالأدوات الحديدية.
هذه العناصر الأربعة هي التي تعكس الصورة النظامية للعامل في الحفارة ويجب أن تكون متكاملة خلال أداء العمل، وأي إهمال لأحدها يعتبر تعرضا للأذى بحسب أحد مسؤولي الأمن والسلامة والبيئة في شركة الفرات المسئولة عن الأمن والسلامة بموجب العقد الموقع مع أي شركة أجنبية تدخل الى سورية للعمل في مجال التنقيب عن النفط.
يتفق ساهر الحسين، أحد عمال هذه الحفارة، مع زميله سنان بالقول “إن أدوات الحماية التي تقدمها الشركة هي مسألة شكلية تحسباً لوقوع تفتيش من قبل شركة الفرات.
التفتيش يتم من خلال شركة الفرات أو الشركة السورية للنفط وهما الجهتين الحصريتين المخولتين العمل في مجال مراقبة إجراءات السلامة التي تتبعها الشركات الأجنبية الخاصة العاملة في مجال استخراج النفط حسب شروط وضعتها شركة “شل” الهولندية البريطانية العالمية في صناعة النفط.
ويطلب من كافة الشركات الأجنبية التي تريد العمل في سورية أن توقع عقودا مع إحدى الشركتين للتأكد من مدى التزامها بالمعايير المتبعة فيما يخص الأمن والسلامة.
لكن الفرق يبقي بين النظري والفعلي.
يؤكد ساهر وعدد أخر من عمال الشركة أن الأخيرة لم تقم بتوزيع الأفرول الصيفي المفروض للعمال (ذو اللون الأحمر وأحيانا الأزرق) إلا في نهاية الشهر السابع، حيث أمضى العمال عملهم باللباس الشتوي الأكثر سماكة والمخصص لظروف المناخ البارد لشهرين.
وهذا ما برره مدير الموارد البشرية في الشركة الخاصة بالحالة الطبيعية فكل شركة تواجه صعوبات في العمل والروتين، ولن يتضرر العمال كثيرا إذا ارتدوا الافرول الشتوي” لوقت أطول.
وأما الخوذة التي يضعها العمال فقد كانت منتهية الصلاحية ( وثيقة صورة).
وبحسب احد الخبراء السابقين في مجال الأمن والسلامة فإن كل خوذة يكتب على وجهها الداخلي مدة الصلاحية وتاريخ الصنع. ويبلغ الحد الأقصى لصلاحية الخوذة 3 سنوات. لكن، وعندما تفحصت “مجلة الحال” عدد من الخوذ من حيث سلامتها، تبين أنها قاسية وسهلة الكسر في حال اصطدم العامل بأحد أنابيب الحفر وهو أمر عادة ما يحدث للعمال خلال العمل.
“الخوذة مصممة أصلا لمقاومة مثل هذه الصدمات بسبب ليونتها” بحسب ما أكد احد مسؤولي الأمن والسلامة في شركة الفرات والمسؤول في نفس الوقت عن جولات التفتيش على الشركات الخاصة في مجال الحفاظ على الأمن والسلامة، ما يعرض العمال دائما لخطر الإصابة أثناء تحركهم بين المعدات الثقيلة المختلفة المصنوعة من الفولاذ. فإذا كان العامل في أعلى الحفارة التي ترتفع حوالي 6 أمتار عن الأرض واصطدم بأحد الأنابيب أو بآلة دفع الأنابيب المستخدمة في العمل ووقع على الأرض فإن ا”لخوذة القاسية” لا تحميه من الصدمة، كما انه سيقع من هذا الارتفاع على الآلات الحديدية (في الأسفل صور عن شكل الحفارة 7 – 10 -11 ).
لدى سؤالنا العمال ومندوب الأمن والسلامة _ المنتدب من الشركة السورية _ عن مدة صلاحية الخوذة للاستعمال، تبين أنهم لا يعرفون أن مدة صلاحيتها منتهية، أو أنها تحتاج الى صيانة دورية من قبل شركة الفرات أو السورية للنفط للتأكد من صلاحياتها، علما ان الصيانة مطلوبة كل عام او عام ونصف بحسب شروط الفرات.
ومع أن شركة الفرات تقوم بجولات تفتيش على هذه الشركات إلا أنها لم تقدم أي مخالفة بحق الشركة بسبب غياب الرقابة الصارمة، رغم أن مخالفات الافرول والخوذة غير مقبولة في شركة الفرات نفسها.
وبالنسبة للقفازات المستخدمة في الحقل فإنها لا تفي جميعا بضرورة العمل، حسب قول احد العمال. وقال موظف فضل عدم ذكر اسمه “إن نوعية القفازات التي تستخدمها الشركة سريعة الاهتراء، إضافة الى أنها تقدم القفازات للعمال كل 10 الى 15 يوم في حين القفازات لا يجوز استخدامها لأكثر من 5 الى 7 أيام، والعامل مضطر لاستعمالها لحين جلب قفازات جديدة .
تجاوزات الأمن والسلامة.
يقول مسئول دائرة الأمن والسلامة في شركة الفرات (المملوكة للقطاع العام) إن نظام الأمن والسلامة المتبع في شركات النفط العامة والخاصة هو النظام الذي وضعته شركة (شل) بالتعاون مع الفرات، ومن بعض شروطه:
§ انه يترتب على الشركة الخارجية الخاصة جلب عمال مؤهلين للعمل و يتوجب عليهم أن يخضعوا لدورات تدريبية تنظمها شركة الفرات في مجال الأمن والسلامة طيلة العام، وهي دورات (مجانية) ضمن برنامج الفرات في مجال الحفاظ على الصحة والسلامة.
§ إخضاع العمال قبل جلبهم الى العمل للاختبار الصحي والتأكد من مؤهلاتهم للعمل من الناحية الصحية.
إلا أن الشركة الخاصة (الأجنبية) لا تُخضع عمالها لهذه الدورات، حيث أكد العاملون عدم تلقيهم لأي درس في هذا الخصوص و عدم إخضاعهم لأي فحص طبي قبل مجيئهم للعمل.
وينص قانون الأمن والسلامة في شركة الفرات على انه لا يمكن لأي شركة أن تعمل في مجال التنقيب عن النفط إلا إذا كان العمال لديها على دراية كافية بقوانين الأمن والسلامة.
ويقول مدير الموارد البشرية في الشركة الأجنبية الخاصة أن عملية التدريب تكلف الشركة الكثير من الأموال (لم يحددها)، علما ان شركة الفرات تقدم هذه الدورات مجانا وبشكل دوري على مدار السنة. وعلل تخلف الشركة عن اجراء الدورات التدريبية للعمال “بان هؤلاء قد يتركون العمل في أي لحظة وبذلك تكون الشركة قد خسرت ما أنفقته على تدريبهم”. و أضاف أنه في كل الأحوال هناك الكثير من العمال في المنطقة الشرقية بحاجة للعمل.. ويمكن أن نجلب الكثير منهم في أي لحظة، لذلك لا نجد أنفسنا مضطرين لنخسر مالا على العمال الجدد لتدريبهم من ثم يغادرون بعد فترة.
الأدهى أن مندوب الشركة السورية للأمن والسلامة لا يعلم ان صلاحية الخوذ منتهية وهو المكلف بالإشراف على هذا الموضوع .
ورغم هذه التجاوزات التي ترتكبها الشركة في مجال الأمن والسلامة إلا أن الفرات لم تظهر لنا أي ضبط مخالفة لأعمال الشركة.
و المعروف انه من صلاحية مسئول الأمن والسلامة سواء من شركة الفرات أو السورية للنفط إيقاف العمل في حال وجد أن إجراءات الأمن والسلامة غير مطبقة بشكل كامل، إلا أن إجراءا من هذا النوع لم يتم اتخاذه رغم التجاوزات المتعلقة بالأمن والسلامة بحسب مسئول الأمن والسلامة في الشركة العاملة.
و في معظم الأحيان لا يرتدي العمال والمهندسين الأفرول أثناء عملهم في أعلى الحفارة, والبعض الآخر لا يرتدي الخوذة في أعلى برج الحفارة علما أنها الواقي الأساسي من أشعة الشمس اللاهبة و تحمي من الإغماء أو الصدمات (صورة 30).
كما أن العمال لا يرتدون القفازات ويتعاملون مع مواد بترولية مثل الشحم والزيت التي تسبب تحسسات وآلام جلدية في نهاية العمل.
كما يستخدم العمال أنابيب ضخ المياه لحقن البئر بالماء وهذه الأنابيب البلاستيكية، بحسب رئيس دائرة الأمن والبيئة في شركة الفرات، “غير صالحة للعمل ومعرضة في أية لحظة للانفلات لأنها لا تحتمل الضغط العالي، ما يعرض الحفارة وكل طاقمها للخطر بسبب وجود آلات كهربائية بالقرب من هذه الأنابيب، وفي حال انفلاشها فقد تتسبب بانفجار كهربائي. مع ذلك لم توقف شركة الفرات العمل في الحفارة خلال السنة الماضية (2007). و مازال العمال يتذكرون مصير العامل ربيع جمال كرجسلي الذي أصيبت عينه بالماء الابيض بسبب تعامله مع المواد الكيماوية خلال العمل واضطراره ايضا حاله حال رفاقه الاخرين الى اجراء عملية على نفقته الخاصة. وفي حديث لمجلة الحال قال ربيع أن الشركة فصلته من العمل تعسفيا بسبب غيابه يوم واحد عن العمل حيث ذهب ربيع الى بيته في دير الزور ليجلب القطرة المخصصة لعينه والتي لا يمكن له الاستغناء عنها وعندما عاد في اليوم التالي قامت الشركة بفصله من العمل .
· عمال بلا نقابة..!
لا تنتهي قصة هؤلاء العمال هنا بالرغم من مخاطر العمل وجهلهم بحقوقهم القانونية، فنقابة عمال النفط لا تسمح لهم بالانتساب إليها دون سبب مقنع تقدمه نقابة عمال النفط في دير الزور للرفض. من جهته يقول عدنان عبد الغني رئيس ديوان نقابة عمال النفط في محافظة دمشق “أنه يحق لكل من يعمل في مجال النفط الانتساب الى النقابة حتى ولو كانت الشركة خاصة غير سورية مادامت تعمل على الأراضي السورية، فلا فرق في حال الانتساب إلى النقابة بين العام والخاص”. لكن العمال يقولون أنهم طرقوا أبواب نقابة عمال النفط للتسجيل فيها أكثر من مرة دون الحصول على جواب شافي.
رئيس مكتب نقابة عمال النفط في دير الزور سفيان عرب قال أن العمال مسجلون في النقابة، لكن عندما طلبنا أسماءهم تبين ألا وجود لهم، فكان رده “انه لم نرى أحدا من هؤلاء العمال”، علما أنه قال في اللقاء الأول أن لدى المكتب قوائم بأسماء عمال الشركة الأجنبية الخاصة لكنه لم يقدم أي إثبات على ذلك.
ورغم كل هذا يصارع العمال همّان.
الأول: هو تحسين الأجر الذي يتقاضونه من الشركة والذي قدموا فيه أكثر من شكوى كما ورد من قبل.
والثاني: الاعتراف بهم كعمال لهم حقهم في التعويض القانوني في نهاية الخدمة والانتساب الى نقابة عمال النفط المكان الطبيعي لهم.
وتستمر المشكلة ليس مع العمال الحاليين فقط، بل مع من سبقهم أيضا ويقرب عددهم من 300 ومع من سيأتي بعدهم ما دامت الشركة تزاول عملها وتجلب أغلب العمال من محافظة دير الزور.
أحد العاملين في الشركة لخص المشكلة بقوله “إن الخوف من البطالة والجلوس في البيت تشكل هماً أكبر من العمل في هذه الشركة وفي هذه الظروف الصعبة”.
أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) www.arij.net
Leave a Reply