هدية إلى الصحافيين يجب أن يقبلوها هذه المرة

2010/01/20
التاريخ : 20/01/2010

جرى أمر غريب في العالم العربي حديثاً، فوسط التخلي الراهن عن حرية الكلام، ووسط اللامبالاة العامة بالديمقراطية بين حكومات الشرق الأوسط، رسم زعيم إحدى الدول العربية خطاً رفيعاً ومهماً جداً في الرمل. وعلى نحو نموذجي، اختارت الدول العربية تجاهل الحدث الذي لم يُصدِّقه الصحافيون المحليون أنفسهم في زمن انشغلت فيه الصحافة الدولية بأمور أخرى. ولكن في منطقة كالشرق الاوسط غدا فيها سماع الأخبار الطيبة أمراً مُستغرباً منسياً منذ أمد طويل، وسوف يكون من غير الحكمة ترك الحدث يمرُّ دون التفات. الرجل الذي احتل مركز الصدارة في هذا الحدث هو الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، الذي جمع في الشهر الماضي، رؤساء تحرير الصحف الأردنية الرئيسة، وأخبرهم أنه من الآن فصاعداً ستحدث تغيّرات كبيرة في بيئة البلد الإعلامية. وتحديدا، لن يتم سجن اعلاميين لأنهم كتبوا أمراً خطأ، وسوف يتم وضع آليّة لحماية حقوق الصحافيين، بما في ذلك حماية مصادر معلوماتهم. قال الملك، «إن اعتقالَ الصحافيين ممنوعٌ. فأنا لا أرى سبباً لاعتقال صحافي/ صحيفة، لأنه كتب شيئاً أو عبّر عن رأي». ربما يكون من السهل، بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات وأنا أُذيع المناظرات المتلفزة من منطقة الشرق الأوسط، إسعادي بهذه الاخبار. ولكن طوال تلك المدة، لم يقترب أي قائد عربي آخر من التزام علني مشابه لما قام به الملك، بل وارتدّت جميع التغييرات الراهنة التي تؤثر بوسائل الإعلام العربية حتماً إلى الوراء. فأنا اشعر بالصدمة من القصص التي يرويها لي رؤساء التحرير في المنطقة، أولئك الذين يشطب الرقيب بانتظام جرأتهم من مقالاتهم السياسية، ومن شهدوا تزايداً سريعاً في عدد المكالمات الهاتفية التحذيرية التي تأتيهم من رؤسائهم السياسيين الذين يقولون لهم ما يمكنهم نشره وما لا يمكنهم. إضافة إلى ذلك، وقَّعت جميع الدول العربية، ما عدا دولتين، في شهر شباط (فبراير) الماضي على مبادرة أطلقتها الجامعة العربية، تتعهد فيها تلك الدول بفرض قيود أكثر على حقوق المحطات التلفزيونية الفضائية التي لا تُحصى، وذلك في جهد لا طائل منه لدعم أكثر سُلع المنطقة نُدرة – الوحدة العربية. إذاً، وفي ضوء هذه الخلفية، يرسم تصريح الملك عبدالله الثاني انعطافة حادة عن الواقع الراهن. وعلى رغم ذلك، ليس مدهشاً إلا بالكاد أن يكون الصحافيّون المحليون غير متحمسين. فما زال لدى الحكومة الأردنية وفرة من الأدوات القانونية التي تستطيع استخدامها ضدهم. إذ يوجد أكثر من عشرين قانوناً ينظم عمل وسائل الإعلام في الأردن، بما في ذلك قانون العقوبات، ولا توجد ضمانة ضد قضايا «خلاّقة» يمكن أن تُرفع في المستقبل بذريعة جرائم أخرى أو جُنَح. إذاً، لا يستطيع بيان منفرد يصدره القصر الملكي أن يمحو سنوات من الضغوط والتدخل. إضافة إلى ذلك، يأتي بيان الملك في العام نفسه الذي خّفضت فيه منزلة بلده من قبل منظمة مقرها باريس، تُدعى «مراسلون بلا حدود» في تقريرها لعام 2008 عن «حرية الصحافة العالمية». فالأردن يقف الآن في مرتبة الدولة 128 من بين 173 دولة – وهي مرتبة أدنى بست درجات من العام الماضي. وقد اعترف حتى تقرير حكومي أصدره «المجلس الأعلى للإعلام»، في العام الماضي، بمشاكل جديّة تواجه صحافة الاردن. فقد واجه معظم المراسلين، حسب التقرير، صعوبات في الحصول على المعلومات – أو ما هو أسوأ، أُنْكِرَ عليهم تماماً حق الوصول حتى إلى الإحصاءات. إذاً، هل كان الملك جادّاً في دفعه التحسينات إلى الأمام؟ سُمِعَ ديبلوماسي كبير في عمّان يتساءل عمّا إذا كانت أمنيات جلالته قد عكست أفضل ما عنده. ولمَّح وزير في الحكومة إلى أن بعض «السُلُطات» قد لا تلحظ نقده القاسي. وثمة إيحاءات بأن غرفة تطبيق الاوامر كثيراً ما تأخذ وقتاً قبل أن تستجيب لما يصدر عن غرفة القيادة. وأيَّاً كانت الحال، سوف يكون خطأً فعلُ ما يريد معارضو حرية الكلام أن يفعل: أي نسيان الأمر برمّته. فملك الأردن في حاجة إلى أن يُذَكَّرَ بأن العالم لن يتجاهل كلماته الرائعة. ويجب أيضاً أن يٌقْنَعَ بتكرارها وتوسيع مداها في الأشهر المقبلة. تحدّث كثير من قادة المنطقة عن الإصلاح – رغم أنهم يفعلون ذلك بوتيرة أقلُّ هذه الأيام عما كانوا يقولونه قبل ثلاث سنوات – ولكن الملك عبد الله الثاني، الذي تواجه بلاده اليوم مشاكل اقتصادية جديّة، يستجيب أكثر من معظمهم للتشجيع الخارجي لتوسيع هوامش الحريات. فالتخلّص من الممارسات القمعية في التعامل مع الصحافيين سوف يُحَسِّن صورة بلده إلى حدٍّ بعيد، خصوصاً في مواجهة اتهامات صدرت عن منظمة «هيومن رايتس وتش» عن ممارسة تعذيب في السجون الأردنية. ومرَّ حدثٌ آخر في عمّان من دون أن يلحظه أحد خلال الأسابيع القليلة الماضية: المؤتمر الإقليمي الأول للصحافيين الاستقصائيين العرب والذي نظمته منظمة «أعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)» اول شبكة تعمل على نشر ثقافة وممارسات الصحافة الاستقصائية في المنطقة من مقرها الاقليمي في العاصمة الاردنية. مِثْلُكَ مثلي، قد تصاب بالدهشة لأن منظمة غير ربحية مثل «أريج» ما زالت قادرة، على رغم غياب حوافز متنوعة، على الاستمرار بالوجود وبالعمل في الشرق الأوسط. ولكنه اصبح شرفاً لعدد صغير من المراسلين والاعلاميين الشجعان الطموحين أن يعملوا في سائر أنحاء المنطقة في ظل تهديد دائم بالحبس أو الاعتقال التعسفي. إن كل ما لديهم ليحميهم هو أسئلتهم – وفي حالات عديدة ذاك غير كافٍ. في الشهر الماضي حصلوا على هدية صغيرة من الملك عبدالله الثاني على شكل تصريح يدعمهم. إنهم في حاجة إلى فك رزمة تلك الهدية، وعرضها، وطلب المزيد مثلها. وإن لم يأخذ أحد الأمر بجديّة – سواء في الوطن أو في الخارج – فثــمَّةَ فــرصة كــبيرة: أن تُــؤخذ هذه الهدية منهم. رئيس مجلس إدارة برنامج مناظرات الدوحة / تبثه قناة الـ«بي بي سي»http://www.alhayat.com/special/issues/12-2008/Item-20081215-3b7835f3-c0a8-10ed-0088-d0c1b4830712/story.html

أخبار ذات صله