علم استقصائي لكشف الحقائق... وتزييفها

دليل التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي

2015/02/23
التاريخ : 23/02/2015

بقلم حمود المحمود – مركز أريج للابحاث والبيانات

الحياة – قبل أسابيع اعتبر اريك شميت المدير التنفيذي لشركة غوغل أن شبكة الإنترنت أضحت «كالماء والأوكسجين» بالنسبة إلى أبناء هذا العصر.

وبينما كان شميت يقدم هذا الوصف على منصة منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا الشهر الفائت، كان مستخدمو الإنترنت حول العالم يتداولون في كل دقيقة: 2.5 مليون بوست على فايسبوك و 300 ألف تغريدة على تويتر و220 ألف صورة جديدة على انستغرام ويحمّلون 72 ساعة جديدة من الفيديوات على يوتيوب.

فكل دقيقة نتلقى هذا الكم الهائل من المعلومات والأخبار والصور والفيديوات، والتي تحتوي الكثير من الإشاعات والكثير من الصدق والغث والسمين، إلى درجة باتت فيها وسائل التواصل الاجتماعي تحيي وتميت وتوتر العلاقات بين الأفراد والدول والأنظمة بشرارة تنطلق على الصفحة الزرقاء.

ما يزيد هذا المحتوى العنكبوتي تعقيداً، هو أن من يغذيه خليط يمتد من وكالات الأنباء العالمية والمحلية وصولاً إلى المراهقين والناضجين، وكذلك المتعصبين والمجرمين والداعشيين، وليس انتهاءً برجال الاستخبارات و«كتائبهم الإلكترونية». فاختلط الحابل بالنابل وباتت صناعة التشويه والتضليل حرفة يصعب اكتشافها، كما صارت غزارة المعلومات تفرض أحياناً صدقية مزيفة على إشاعات صافية في ظل عدم قدرة المتلقي على التحقق منها وبسرعة.

وفي المقابل، استغل الكثيرون من مصنعي الأخبار عبر فضاء الإنترنت جهل معظم الناس بأدوات التحقق من محتوى وسائل التواصل والإنترنت في شكل عام، ليطعنوا في حقائق لا لبس فيها من الصور والفيديوات والأخبار، وليضفوا الشرعية على أخرى زائفة في ظل الاستقطاب الحاد الذي تشهده المجتمعات العربية والتكفير السياسي بين المؤيدين والمعارضين.

كيف عرفت؟

في هذه الأجواء المثقلة بالكم الهائل من المعلومات والصور والفيديوات والكم الهائل من مدّعي التحليل، والآلاف وربما الملايين من اتباعهم الذين يصدقونهم وفقاً لنظرية القطيع، أطلق المركز الأوروبي للصحافة مؤخراً دليلاً علمياً ومنهجياً أعدته مجموعة من المتخصصين باسم «Verification Handbook» أي «دليل التحقق»، وهو سهل الاستخدام وقابل للتحميل باللغتين العربية والإنكليزية من خلال الروابط الآتية:

لتحميل النسخة العربية

لتحميل النسخة الإنكليزية 

الكتيب يحتوى على أمثلة كثيرة قدمها خبراء من مركز الصحافة الآوروبي ومعهد بوينتر وصحيفة «ذا غارديان» وستوريفل ومنظمة العفو الدولية وغيرها. ويستهدف وفق واضعيه «الصحافيين وعمال الإغاثة في المقام الأول. لكن يمكن أيضاً استخدام الدليل من جانب أيّ كان. فنصائحه وإرشاداته قيمة سواء كنت صحافياً أو مواطناً أو عامل إغاثة أو متطوعاً أو طالباً في كلية الإعلام أو اختصاصياً في الاتصالات في حالات الطوارئ أو أكاديمياً يبحث في الإعلام الاجتماعي».

التحقق وفقاً لمعدي الدليل لا يقتصر على مصادر الذين تجهل مهنيتهم فقط، بل يشمل ذلك أيضاً ما يسمى المصادر الأولية أو المصادر المعتمدة عادة. فالسؤال الجوهري دائماً: «كيف عرفت ذلك؟».

في مثال واقعي: عام 2006 صرح جو مانتشين حاكم ولاية غرب فيرجينيا للمراسلين أن 12 من أصل 13 من العمال الذين كانوا عالقين في منجم ساغو قد أنقذوا، ولم يكن أي من المراسلين ليشك في صحة رواية الحاكم.

لكن الحاكم كان على خطأ. على عكس تصريحه، فقد تبين أن 12 عاملاً قضوا ونجا عامل واحد فقط. فقد اعتمد الحاكم في روايته على مصادر غير مباشرة (روايات لأشخاص نقلوا عن شهود عيان أو عن أشخاص آخرين)، ولم يسأله أي من المراسلين عن طريقة علمه أن العمال كانوا على قيد الحياة. فكان الواجب على الصحافيين مساءلة المصادر الرسمية بالمقدار نفسه من الجدية التي تسائل بها أي مصادر أخرى.

فإذا كان التحقق يطبّق بصرامة على المصادر الأولية مثل الحاكم أو الوزير أو غيره، فما بالك بمن لا نعرفهم أو لا نثق بمهنيتهم من متداولي الشبكة العنكبوتية؟ ففي التحقق من الصور والفيديوات مثلاً يقول خبراء «دليل التحقق»: إن التواصل مع من قام بتحميل الصورة أو المقطع عبر حساب الشبكة الاجتماعية هو الخطوة الأولى. ومن المهم كذلك محاولة التأكد من هوية محمّل الصورة وصدقيته السابقة قدر الإمكان. والتأكد مما إذا كان مصدر الصورة حقًا أم لا.

وينصح الخبراء كذلك باستخدام خدمة مثل Google Reverse Image Search أو TinEye كخطوة للتحقق مما اذا كانت الصور منشورة سابقاً، مع التنبّه الى عدم الوقوع في فخ التوقيت في حالة الفيديو، فموقع يوتيوب مثلاً يؤرخ فيديواته بتوقيت المحيط الهادئ الذي يقل عن التوقيت العالمي بثماني ساعات.

وهنالك طرق للتأكد مما إذا كانت هناك أي بيانات وصفية والتي تشير إلى المعلومات المدمجة مع الصورة عبر استخدام مواقع مثل Fotoforensics.com و Findexif.com.

وفي التحقق من الفيديوات ثمة عمل متكامل لا يستند الى دليل واحد بل اكثر من مؤشر. فمثلاً معظم مقاطع الفيديو تأتي مرفقة بوصف أو رسوم أو تعليقات أو نص تعريفي. لذلك عليك استخراج الكلمات المفتاحية من تلك المعلومات لكي تشرع في البحث عن أقدم نسخ الفيديو المطابقة للكلمات المفتاحية بفرز النتائج وفق التاريخ. وكذلك البحث في المحتوى وما يتضمنه من شعارات ورسوم وأزياء وغيرها من التفاصيل.

وثمة طرق متقدمة لتحديد مكان الفيديو أو الصورة من خلال خدمات الخرائط مثل Google Maps و Wikimapia وسوى ذلك من الخدمات المساعدة للمحترفين. كما تتوافر مواقع إلكترونية متخصصة بتحديد حالة الطقس في منطقة معينة بالتاريخ والساعة لمقارنتها بتاريخ التقاط الصورة أو الفيديو المزعوم مثل موقع (WolframAlpha) وغيره.

هذه خطـوات أولية وثمة خطوات أخرى أكـثر تعقــيداً تكشف أن التحقق من الأفلام والصور على وجه التحديد أصبح علماً استقصائياً بحد ذاته تخصص به خبراء ومواقع إلكترونية عالمية من أشهرها اليوم مواقع bellingcat وmeedan وcheckdesk.

في الختام، يوفر هذا الدليل خدمة جليلة سهلة ومجانية لكل فرد يرغب في التأكد من محتوى يصله عبر مواقع التواصل الاجتماعي في زمن تضارب الموضوعية والصدقية، وتناسل التضليل الذي يمارسه الإعلام التقليدي او المنصات الإخبارية الإلكترونية، إنتهاء بما يوفره جيش ما بات يطلق على افراده «صحافة المواطن».

أخبار ذات صله