شجر السلم..
الأخضر القاتل


سلام فريحات و ممدوح الحناحنة

المساحات الخضراء الممتدة الشاسعة، واحدة من علامات الاهتمام بالبيئة والمناخ، وتتسارع الدول في زيادة المساحات الخضراء، لما في ذلك من منافع كبيرة على البيئة والإنسان، لكن قد يكون الأخضر في بعض الأحيان ضاراً وقاتلاً والعلاج صعباً ومكلفاً بل وقد يكون على حساب الإنسان.

يوثق التحقيق الذي تتبع قصة شجر السلم -كواحد من أسوأ عشرة أصناف دخيلة على البيئة في الأردن- الذي انتشر في مناطق عديدة، أهمها الأغوار الجنوبية والشمالية، ما أثر على حياة الناس وعلى المزارعين وكذلك على منسوب المياه ة في تلك المناطق.

فشجر السلم ينتشر بشكل متزايد وينمو بشكل سريع، ولديه القدرة على استهلاك المياه السطحية، أو الجوفية حتى 30 متراً تحت الأرض، ليحول بعض الأراضي الزراعية، أرضاً جرداء.



شجر السلم


بدأت رحلة شجرة السلم المعروفة بالاسم العلمي (Prosopis juliflora) من موطنها الأصلي من بلدان مثل فنزويلا وكولومبيا في أمريكا الجنوبية والوسطى إلى مختلف أنحاء العالم.

توزيع طبيعي

اجتياح

إزالة الأشجار



وبحسب الدراسات تم إدخال شجر السلم إلى الأردن ما بين العامين 1950 و1980 من قبل وزارة الزراعة بهدف التشجير والتخضير، وذلك لخصائصها في تحمل الأمراض والحرارة.

أشّر فوق المنطقة لإظهار المعلومات

مشتّتة أو غير موجودة

متجانسة

مكان الموطن

غازية



لاحقاً، تنبه الخبراء البيئيون لمخاطر هذه الشجرة، ففي دراسة تحت عنوان Prosopis (Prosopis juliflora): blessing and bane تتحدث عن أثر انتشار شجرة السلم في الهند، عندما يتم إحضار الشجرة إلى غير موطنها الأصلي، يمكن أن تصبح غازية، لأنها تتمتع بمنافسة أقل من موطنها الأصلي، بالإضافة لتحملها الظروف القاسية، مثل درجات الحرارة، والملوحة، والتربة، كما تعوق نمو النباتات الأخرى من حولها، بسبب انتشارها، وبسبب احتكار الفضاء ( تغطية ضوء الشمس) والمواد المغذية لها، في الموائل الأصلية.

واعتبرت من الأصناف الغازية في كثير من البلدان ومن ضمنها الأردن، حيث وضعت على رأس القائمة للأصناف الغازية الأسوأ على البيئة الأردنية في الكتاب الأسود ( The Black Book of Invasive Alien Plant Species of Jordan صفحة ٤ ) المعد من قبل GIZ، والمركز الوطني للبحوث الزراعية بالتعاون مع وزارة البيئة.



فهي أشجار مُدمرة للتنوع الحيوي، ولا تتمكن الأنواع المحلية من منافستها، بحسب الدكتور ماهر تادس أستاذ الإنتاج النباتي في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية والذي شارك في كثير من الدراسات المتعلقة بأشجار السلم.





المشكلة الأكبر أن هذه الأشجار وجدت الظروف المناسبة للانتشار في مناطق الأغوار بالتحديد، لتضاعف التأثير على القطاع الزراعي في الأردن، خاصة أن الأغوار أهم المناطق الزراعية في المملكة، وهي ما تعطي للأردن ميزة الإنتاج الزراعي طوال العام. حيث تنتشر هذه الأشجار من الأغوار الشمالية إلى الأغوار الجنوبية وعلى امتداد الكثير من الأودية فيها، وتساعد الرياح وفضلات الحيوانات -التي تتغذى عليها- أيضا في انتشارها. وتنتقل في الوحدات الزراعية بسبب استخدامها الخاطئ من قبل المزارعين كسياج للمزارع، ولكنها سرعان ما تنتشر في المزرعة نفسها.





وبحسب تادرس، توجد أراضٍ لم تعد صالحة للزراعة بسبب انتشار شجر السلم فيها،: "المزارعون زمان كانوا يزرعون مناطق بندورة، وإحنا لما قعدنا مع المزارعين وسألناهم بيقولوا هاي المنطقة كلها شجر سلم، وحكالنا هاي المنطقة أنا كنت أزرعها بندورة".





قانون الزراعة 

انقر لتصفح
القانون



ذهبنا لمدير مديرية الحراج التابعة لوزارة الزراعة الأردنية، المهندس خالد المناصير، لسؤاله عن وقف إنتاج شجر السلم في المشاتل الحكومية التابعة لوزارة الزراعة، ليؤكد بدوره أن المشاتل الحكومية أوقفت إنتاج شتلات السلم خلال السنوات الأخيرة، لم ينفِ وجودها في المشاتل حاليا، ولكن ما تبقى هو ما كان موجوداً بالأصل من الأعوام السابقة، مؤكداً أن هذه الإجراءات كانت احترازية، بعد توافق لجنة التنوع الحيوي على هذا التصنيف.



انقر للتكبير



وثائق تشير إلى توقف إنتاج شتلات السلم في المشاتل الحكومية منذ عام ٢٠٢٠



كما تم السماح باستثناء مناطق الأغوار بإصدار رخص استثمار في الملكيات الخاصة للسماح بقطع الأشجار الحرجية طوال العام، وهو ما يُسمح به في المناطق الأخرى فقط لمدة معينة خلال السنة.




انقر للتكبير

المادة 3 استثناء منطقة الأغوار





يضيف المناصير، أن إشكالية التخلص من شجر السلم بشكله النهائي، هي إشكالية قانونية، لأنه يُعتبر شجراً حرجياً، مشيراً أن هناك تعليمات وقوانين تمنع إزالة كل الشجر مباشرة، لأن في ذلك مخالفة قانونية، مبينا أنه ستصدر وثيقة قريباً من خلال اللجنة، تؤكد أن هذا الشجر غازي، ليتم إلغاء تصنيفه كشجر حرجي، وبالتالي إزالته بشكل كامل.

يشار إلى أن لجنة مكافحة الأصناف الغازية، ممثلة بوزارة البيئة، والزراعة، والحديقة النباتية الملكية، والجمعية الملكية لحماية الطبيعة، والجامعات ممثلة بـ ماهر تادرس، بحسب المناصير، الذي أوضح أن وزارة البيئة هي المرجع الرئيسي والمحوري للأنظمة والتعليمات والمراسلات الدولية في اللجنة. وفي هذه الحال، تُوصي البيئة وزارةَ الزراعة بأنه صنف غازي، ليتم اعتماده بشكل رسمي، لتدرج -بناء على ذلك- شجرة غير حرجية.

بالرغم من المطالبات العديدة من المواطنين، أو الجمعيات المحلية، بإزالة شجر السلم، إلا أن دور وزارة الزراعة يقتصر على إعطاء رخص تصاريح للمواطنين -من لهم أراض مملوكة فقط- دون السماح لهم بإزالته عن جوانب الطرق.

يقول الرئيس التنفيذي لجمعية أصدقاء البحر الميت، زيد السوالقة، إن الجمعية قدمت مشروعاً استثمارياً لوزارة الزراعة، يتمثل بإزالة شجر السلم، وزرع أي شجر محلي آخر مكانه، مثل شجر النخيل، والواشنطونيا، غير أنه لم يأتهم رد من وزارة الزراعة (إلى وقت إعداد هذا التحقيق).

يضيف السوالقة، أنه من خلال تعاون الجمعية مع شركة خاصة، يتم الاستثمار في شجر السلم من خلال إعادة تدويره في صناعة الأخشاب، مبيناً أن ضرر شجر السلم يصل أي شجرة، أو نبتة، أو محصول خضار أو شيء ينبت تحته.

وعن انتشار شجر السلم خارج الأغوار، يؤكد السوالقة أنه حسب رصد الجمعية، فإنه امتد لينتشر في مناطق العدسية واقترابه من مناطق مرج الحمام وناعور.

يقول د. حاتم طيفور، الخبير البيئي ومدير صون النبات في الحديقة النباتية الملكية، إن الخطأ الذي حدث عند استيراد شجر السلم، هو عدم الوعي الكافي بمدى الضرر الذي يُحدثه على المدى البعيد، مؤكداً أن تخضير المناطق الصحراوية بنبات يتحمل الظروف الجوية في تلك المناطق، كان هدف وزارة الزراعة في ذلك الوقت.

يبين طيفور أن وجود شجر السلم يسبب ضرراً على النظام البيئي الموجود في المناطق المزروع بها، لافتاً إلى أنه ينافس النباتات المحلية ويقضي عليها، لأن شجر السلم؛ له القدرة الأكبر على الوصول للمياه على عكس النبات المحلي، ما يتسبب في انقراضها لاحقاً، مضيفا أن الشجر أيضا يتسبب بإتلاف المحاصيل الزراعية كاملة.

وعن أثر شجر السلم على التنوع الحيوي، يقول مهندس بلال قطيشات، ممثل وزارة البيئة كعضو اللجنة الوطنية للتنوع الحيوي، إن تأثير شجر السلم على النبات الأصلي، مثل شجر الطرفة في منطقة البحر الميت، يؤدي إلى انقراض بعض الحيوانات التي تعتبر هذا الشجر موطناً لها، مثل عصفور البحر الميت". لافتاً إلى أن شجر السلم ليس بيئة جيدة له، وليس موئلا باستطاعته بناء عش عليه.

وبسؤالنا عن خطورة شجر السلم على التربة، أشار قطيشات أنه يعمل على تفتيت التربة، وتغيير خصائصها، بالإضافة إلى امتصاص الرطوبة الموجودة فيها.

وبحسب دوره كعضو في اللجنة الوطنية للتنوع الحيوي، سألناه عن إجراءات مكافحة الشجر للحد من خطورته، فبيّن أنه من ضمن إجراءات مكافحته، وقف إنتاج شجر السلم في المشاتل الحكومية، التابعة لوزارة الزراعة، وقطع كميات منه لعمل أبحاث عليه، مؤكدا أنه يجب التعايش مع هذا الشجر، بسبب قوته ومقاومته العالية.

أما عن الحلول الكيميائية للتخلص من الشجر من جذوره، بيّن قطيشات أن بواقي المواد الكيميائية ستبقى في التربة، ما سيجعل تأثيرها على المياه الجوفية أعلى، لذلك فإن محاولات التخلص منه تكون بطرق حيوية، وآمنة بيئيا.