حقوق الطفل

قبل سنتين كان حلمي أكمل تعليمي وأصبح معلمة رياضيات، هسا أنا خلص راح علي التعليم"

"قبل سنتين كان حلمي أكمل تعليمي وأصبح معلمة رياضيات، هسا أنا خلص راح علي التعليم" بهذه الكلمات عبرت غزل ذات العشرين ربيعًا عن حزنها، وهي تستذكر سنوات مضت لم تتمكن خلالها من استكمال التعليم الثانوي؛ لعدم توفر شعب دراسية في مناطق قريبة من قريتها "دليلة" الواقعة في لواء الجيزة .

حصلت غزل نهاية الصف العاشر على معدل 85 في المائة ، وكانت تحلم بالالتحاق بإحدى الجامعات بعد أن تنهي دارستها الثانوية، إلا أنها لم تتمكن من إكمال تعليمها لعدم وجود شعب ثانوية مدرسة في القرية.

كان غياب المواصلات العقبة الثانية التي واجهت غزل، إذ لا خيار أمامها سوى الالتحاق بمدرسة نتل الثانوية للبنات التي تبعد أكثر من أربعة كيلومترات عن القرية.

icon

انقر على الخريطة لمشاهدة التفاصيل

مدرسة نتل الثانوية المختلطة (إناث)
المسافة 5,2كم
بين مدرسة زينب الأساسية
ومدرسة أرينبة الثانوية المختلطة
مدرسة نتل الثانوية للبنين

مدرسة الدليلة الاساسية المختلطة

جنس المدرسة: إناث/ ذكور
فقط صفوف أساسية دنيا

المنطقة: الجيزة

البلدية: دليلة المطيرات

عدد طلاب العاشر - إناث: 19

المسافة 4,3كم
بين مدرسة الدليلة الأساسية
ومدرسة نتل الثانوية المختلطة
المسافة 4,8كم
بين مدرسة الزعفران الأساسية
ومدرسة نتل الثانوية المختلطة

مدرسة الدليلة الثانوية للبنين

جنس المدرسة: ذكور

المنطقة: الجيزة

البلدية: دليلة المطيرات

عدد طلاب العاشر - ذكور: 18

مدرسة الزعفران الثانوية للبنين

جنس المدرسة: ذكور

المنطقة: الجيزة

البلدية: الزعفران

عدد طلاب العاشر - ذكور :24

مدرسة الزعفران الأساسية المختلطة

جنس المدرسة: إناث/ ذكور
فقط صفوف أساسية دنيا

المنطقة: الجيزة

البلدية: الزعفران

عدد طلاب العاشر - إناث: 11

مدرسة زينب الثانوية الثانية للبنين

جنس المدرسة: ذكور

المنطقة: الجيزة

البلدية: زينب

عدد طلاب العاشر - ذكور: 11

صباحي اساسي بنات ومسائي ثانوي ذكور

مدرسة زينب الأساسية الاولى

جنس المدرسة: إناث/ ذكور
فقط صفوف أساسية دنيا

المنطقة: الجيزة

البلدية: زينب

عدد طلاب العاشر - إناث: 13

عدد طلاب العاشر - ذكور: 13

مدرسة أرينبة الغربية الثانوية للبنين
مدرسة أرينبة الغربية الثانوية المختلطة

تقع قرية دليلة المطيرات في أطراف محافظة العاصمة وتتبع إداريًّا لواء الجيزة الممتد علـى مساحة تقدر بثلث مساحة العاصمة عمّان.

يضم اللواء عدة قرى شبه معزولة، حيث الطرق الضيقة والمسافات الموحشة التي تفصل مدارس تلك المناطق بعضها عن بعض.

تزايد عدد الطالبات الملتحقات بالمرحلة الثانوية في مدارس اللواء بشكل واضح منذ عام 2015، وهن يشكلن أكثر من نصف طلبة تلك المرحلة في المنطقة.

بلغ عدد المدارس التي تضم شعبًا للمرحلة الثانوية في لواء الجيزة للعام الدراسي 2021 /2020 44 مدرسة، خُصص أكثر من نصفها للإناث، ومع ذلك تواجه العديد من الفتيات في اللواء تحديًا كبيرًا لاستكمال تعليمهن الثانوي.

تكشف هذه القصة المدفوعة بالبيانات عن عدم توفر شعب ثانوية في مدارس تابعة لقرى داخل لواء الجيزة بالعاصمة، في الوقت الذي أنشأت فيه وزارة التربية والتعليم شعبا ثانوية للذكور في تلك القرى، ما يقلل من فرص استكمال التعليم الثانوي لدى الإناث.

أكثر من 50% من طلبة المرحلة الثانوية في اللواء من الإناث


المصدر : التقرير الإحصائي للعام الدراسي 2020/2021 - وزارة التربية والتعليم الأردنية

توضح مديرة مدرسة دليلة الأساسية المختلطة فريال السبيلة أن معظم طالبات المدرسة اللواتي انقطعن عن التعليم أنهين الصف العاشر .

تضم المدارس الحكومية المختلطة في الأردن طلبة من الذكور والإناث في المرحلة الأساسية الدنيا ( الأول - الرابع)، في حين تقتصر بقية الصفوف الأساسية على الطالبات.

وحسب السبيلة فإن أقرب مدرسة إلى "دليلة" تقع في قرية نتل، إلا بعض الأهالي يفضلون إلحاق بناتهن بمدارس في محافظة مادبا لتوفر المواصلات." في أهالي ما عندهم وسيلة نقل، وإذا وجد باص مايكرو وحيد، يعتبر تكلفة لكنه يتوفر لميسوري الحال." ، تقول مديرة المدرسة.

تؤكد المديرة السابقة للمدرسة ختام الكدراوي أن المسافة وتكاليف النقل كانت من أسباب انقطاع الطالبات عن الدراسة الثانوية. وهي تقدر عدد المنقطعات عن الدراسة سنويًا من طالبات المدرسة بين 4-7 طالبات.

توضح الكدراوي أن وزارة التربية والتعليم أضافت في الماضي شعبة للصف الأول الثانوي داخل المدرسة، لكنها ُأغلقت بعد عامين لقلة عدد الطالبات في ظل القرار الذي اتخذته الوزارة بدمج الشعب التي يقل عدد طلبتها عن عشرة.

لم تواجه "دليلة" وحدها نقصًا في الخدمات التعليمية للمرحلة الثانوية الموجهة للإناث، ففي كل من قرية الزعفران وقرية زينب، يحظى الذكور - دون الإناث- بمدرسة ثانوية في حرم القرية.

يستكمل الطلاب الذكور في قرية دليلة تعليمهم الثانوي داخل المدرسة ذاتها التي تلقوا فيها دراستهم في المرحلة الأساسية، بينما يتعين على الطالبات بعد الصف العاشر الالتحاق بمدارس خارج القرية لاستكمال تعليمهن الثانوي.

تضع وزارة التربية والتعليم ثلاثة معايير لفتح شعب للمرحلة الثانوية منها وجود عشرة طلاب كحد أدنى لفتح شعب ثانوية في المدرسة و أن لا تقل المسافة عن أقرب مدرسة ثانوية 5 كيلومترات.

لا تراعي التعليمات طبيعة المنطقة الجغرافية، وما إذا كانت مخدومة بالموصلات العامة أو خطوط نقل ثابتة، في ظل غياب النقل المدرسي في المدارس الحكومية.

الطريق إلى "الزعفران"

انطلقنا بالسيارة من مدينة عمّان صوب القرى لنستكشف ملامح القصة عن قرب، كانت وجهتنا الأولى مدرسة نتل الثانوية للبنات، حيث تدرس الفتيات المحظوظات من الزعفران ودليلة، كان الهدف من الرحلة تتبع طريق العودة الذي تضطر الطالبات إلى المرور به يوميًا.

كنا منصاعين لتطبيق خرائط غوغل معتمدين على إحداثيات أرسلها أحد السكان هناك، شيئا فشيئا تباعدت المساكن وظهر على الأسفلت القدم، أشجار متناثرة في أراض جرداء تتسع كلما تعمقنا داخل اللواء، مرت نصف ساعة حتى ترجلنا أمام مدرسة نتل الثانوية للبنات.

بدت المدرسة حديثة البناء ذات ألوان زاهية ومرافق متسعة تجاور عددًا من مساكن المواطنين في قرية نتل٬ تابعنا طريقنا لنصل إلى مدرسة نتل الثانوية للبنين، في حين كانت تبعد المدرسة الأساسية نحو كيلومتر واحد عنا.

في طريق العودة من نتل نحو قرية الزعفران تباعدت المساكن على جانبي الطرق، بدت موحشة خالية إلا من بعض مركبات البيك أب المسرعة، وكلاب ضالة هنا وهناك، لا شيء يشبه طريقًا آمنًا لطالبات في عمر الزهور.

توقفت السيارة على مشارف القرية، خطونا بضع خطوات سيرًا على الأقدام قبل أن نستأنف الرحلة مستقلين المركبة، ونحن نتأمل كيف للطالبات أن يقطعن تلك المسافة على الأقدام يوميًا تحت المطر أو في الطقس الحار.

وصلنا أخيرًا إلى مدرسة الزعفران الأساسية المختلطة، تزينت جدرانها بعبارات "العلم نور" و"في حجم بعض الورد" وتوسطت الرسومات خريطة الأردن.

استقبلنا الناشط المجتمعي زيد رضيان الزبن ومن معه بحفاوة، وبدا متحمسًا للحديث، وقف أمام مبنى المدرسة الذي شيدت على أرض مساحتها خمس دونمات تبرع بها عمه منذ سنوات، كما تبرع بمساحة مماثلة لبناء مدرسة للذكور.



أخبرنا الناشط المجتمعي من القرية زيد الزبن أن مديرية تربية لواء الجيزة لا تصرف بدل مواصلات للطلبة من القرية، ويقوم الأهل بتغطية تكاليف نقل بناتهن إلى المدارس المجاورة التي يقع بعضها خارج محافظة العاصمة، إذ تضطر الملتحقات بالفرع العلمي إلى الذهاب إلى مدارس في محافظة مادبا.

دون موعد مسبق، التقينا المعلمة العنود الزبن، دعتنا إلى بيتها. تقول العنود أنها أكملت تعليمها الثانوي في مدرسة نتل قبل 15 عاما، فهي تنتمي إلى عائلة تعلم أغلب أفرادها.

تمكنت العنود من إكمال دراستها الجامعية كسائر إخوانها الذكور. وعملت بعدها في مدرسة الزعفران معلمة بديلة قرابة عامين.

تستعيد العنود بعضا من ذكرياتها في المدرسة كمعلمة؛ أكثر ما يعلق في ذاكرتها تحلق الفتيات من حولها في أوقات الفراغ، يسألنها أن تحدثهن عن الجامعة. "يا مس كيف الجامعة؟ يا مس بدي أسجل في الجامعة، متشوقين لها"، تكمل الزبن حديثها وتروي لنا المزيد من القصص.

باتت الشمس في كبد السماء، وساعة الهاتف المحمول تشير إلى ما بعد الواحدة ظهرا. بدأت الفتيات بالخروج من فصولهن، بعضهن ب"مراييل" زرقاء والبعض الآخر ب"مراييل" خضر.

تحلقت الطالبات حولنا؛ اقتربت منا إحداهن وهي تحمل في يديها دفترا ُكتبت فيه بضع كلمات. طلبت الفتاة أن توجه رسالة إلى وزارة التربية والتعليم. تشير إلى الفتيات بالإصغاء .. اسمها أمل !

icon

انقر للاستماع إلى المادة الصوتية

قصص فتيات حرمن من التعليم الثاني في قريتي الدليلة و الزعفران

تعدل أمل حقيبتها وتنضم إلى باقي الفتيات ممن بدأن بالسير للعودة إلى بيوتهن، تاركة خلفها باب مدرسة الزعفران، عند تلك البوابة ينتهي مشوار دراستها بعد أشهر، فمن الصعب أن يرسلها والدها إلى مدرسة نتل لبعد المسافة وارتفاع تكلفة المواصلات، حسب ما أخبرتنا.

بعد لحظات انضم رجل ستيني إلى جموع المحتشدين أمام مدرسة الزغفران، جاء مشيا على الأقدام من مسافة بعيدة بعد أن سمع بوجودنا، هو محمد أبو ركبة حضر على عجل ليخبرنا قصته.

لأبو ركبة ثلاث بنات، أصغرهن تدرس في الصف العاشر في مدرسة الزعفران، ويتوجب عليها الالتحاق بمدرسة خارج القرية العام القادم لاستكمال تعليمها.

يقول أبو ركبة وهو موظف متقاعد في القطاع العام: " الشباب ممكن يروحوا على مادبا أو نتل أو زيزيا، لكن أغلب الناس عندنا ما عندهم قناعة بدراسة البنت".

يؤكد أبو ركبة عدم توفر مواصلات إلى قرية نتل، المدرسة الثانوية الأقرب إلى القرية، ما يخلق تحديًا كبيرًا أمام استكمال ابنته في الصف العاشر تعليمها الثانوي، خصوصًا وأنه لا يملك مركبة خاصة.

يوضح أبو ركبة أن نقل الطالبات إلى مدرسة نتل قد يدفع الأهالي إلى عدم إلحاقهن بالتعليم الثانوي لبعد المسافة وغياب المواصلات.

تعد قرية الزعفران من القرى الأشد فقرًا في لواء الجيزة وهي تبعد نحو خمس كيلومترات عن المدرسة الثانوية في نتل.

يعلق الناشط الحقوقي رياض صبح بأن قانون التربية والتعليم يتناول تعميم التعليم دون تمييز٬ كما تراعي المعايير الدولية لحقوق الإنسان وفق اتفاقية حقوق الطفل إمكانية الوصول، مع مراعاة ثقافة المجتمع.

اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة

28- الوصول إلى التعليم

لكل طفل الحق في التعليم. ويجب أن يكون التعليم الأساسي مجانياً وأن يكون التعليم الثانوي والتعليم العالي متوفرين. وينبغي تشجيع الأطفال على الذهاب إلى المدرسة للحصول على أعلى مستوى تعليمي ممكن. وعلى المدارس احترام حقوق الأطفال وعدم ممارسة العنف بأي شكل من الأشكال.

تلمسنا ما قاله صبح خلال حديثنا مع أهالي القرية إذ أن "أغلب الناس ما عندهم قناعة بدراسة البنت" و"العادات والتقاليد ما بتسمح للبنت تروح لمسافة بعيدة".

قبيل نشر القصة انتهى العام الدراسي وأُقفلت أبواب مدرسة الزعفران. لن تسمع أمل صوت جرس المدرسة مرة أخرى، حيث ستزف إلى عريسها قريبًا، كما أخبر والديها ، لكنها تحلم بمستقبل مختلف لأخواتها الصغريات، يتمكن فيه من إنهاء تعليمهن الثانوي والالتحاق بالجامعة.

أنتجت هذه القصة بدعم من سفارة مملكة هولندا - 100واط